الصحفيو السودان.. رصاصة الحرب تقتل الكلمة
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
يواجه صحفيو السودان صعوبات ومخاطر عديدة من طرفي النزاع الدائر بالبلاد منذ 15 ابريل الماضي، من اعتقال واخفاء وترهيب، وتصل أحياناً حد القتل.
كمبالا: التغيير
“الرصاص أمام القلم”، هكذا يبدو المشهد في السودان، بعد أن تفجرت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل الماضي، إذ لم يكن العاملون في بلاط صاحبة الجلالة مستثنون من القتل والاعتقال والتشريد ووتدمير سرقة حصاد أعمارهم.
وفي الآونة الأخيرة تزايد عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم أو تعرضوا لانتهاكات جراء الحرب، وبلغ عدد القتلى خمسة صحفيين، آخرهم الصحفي خالد بلل الذي قتل على يد قوة مسلحة أمس الأول في منزله بديم سلك في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور- بحسب بيان لرابطة إعلاميي وصحفيي دارفور.
انتهاكات ممنهجةويعاني الصحفيون السودانيون من استهداف ممنهج من قبل طرفي الحرب في البلاد اللذين ينظران إلى الصحفيين على أنهم أعداء.
ورصدت نقابة الصحفيين السودانيين الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون في التقرير السنوي الأول، حيث بلغت حالات الانتهاك 249 حالة، وذكرت التقرير أن عدد القتلى 4، ليرتفع العدد إلى 5 بعد مقتل الصحفي خالد بلل.
وارتفعت حالات التهديد إلى 23 حادثة، و17 حالة إطلاق نار، 93 اقتحاما ونهبا لبيوت الصحفيين.
وبلغ عدد حالات الاحتجاز 28 والاعتقال 18، إضافة إلى 25 حالة ضرب ونهب، بينما بلغت حالات الاعتداء على المؤسسات 22 حالة، وحالتي اختفاء قسري ومثلهما منع من السفر.
ويرى المراقبون أن ما يتم من طرفي النزاع المسلح تجاه الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي هو انتهاكات ممنهجة هدفها تكميم الأفواه ومنعهم من نقل الحقائق على الأرض.
ظروف صعبةوأكد السكرتير العام لنقابة الصحفيين محمد عبد العزيز، أن عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل بلغ خمسة صحفيين.
وأشار إلى أنه بعد نصف ساعة فقط من اندلاع الحرب تم رصد انتهاكات ضد الصحفيين باستهداف مؤسساتهم. وأوضح أن طرفي النزاع ينظران إلى الصحفيين على أنهم أعداء.
وقال عبد العزيز إن الصحفيين يواجهون ظروفا إنسانية واقتصادية صعبة بعد أن فقدوا وظائفهم عقب الاستهداف المباشر لأغلب المؤسسات التي تقع في وسط الخرطوم.
وطالب طرفي النزاع بضرورة عدم التعرض للصحفيين على أساس هويتهم.
ولا تزال الانتهاكات ضد الصحفيين مستمرة حيث أجبرت الكثيرين منهم على ترك الوطن والتحول إلى دول الجوار لممارسة المهنة بعد أن ضيق طرفا الصراع عليهم، ووصلت حد القتل والاعتقال والاختفاء القسري، على أساس الهوية الصحفية، كما حدث للصحفي بوكالة السودان للأنباء عبد الرحمن واراب المخفي في حالة احتجاز غير مشروع لأكثر من سبعة أشهر.
مطالبة بالتحقيقوأدانت رابطة إعلاميي وصحفيي دارفور، اغتيال مدير الإعلام بإدارة الرعاة والرحل الصحافي خالد بلل بسبب الانتماء لمهنة الصحافة.
وقالت في بيان إن الحرب ساهمت في مقتل عدد كبير من المواطنين وتهجير الكثير منهم ولم يكن الصحفيون استثناء من كل هذه المآسي.
وأكدت الرابطة أن مقتل الزميل خالد بلل بهذه الطريقة هي رسالة واضحة لجميع الصحفيين والإعلاميين.
وطالبت الرابطة بلجان تحقيق مستقلة للتحقيق حول جرائم القتل وكل الانتهاكات التي ارتكبت بحق السودانيين من قتل وتهجير قسري.
كما ناشدت المنظمات المحلية والإقليمية والدولية بتقديم المساعدات الفنية والإنسانية للمتضررين من هذه الحرب.
وطالبت الرابطة طرفي الصراع بالعمل على حماية الطواقم الصحفية والإعلامية وفق القوانين الدولية التي تنظم شكل العلاقة بينها وبين الصحافة والإعلام والعمل على إيقاف الحرب.
مضايقات واسعةوبدوره، كشف الصحفي مرتضى أحمد، أنه تعرض إلى مضايقات واسعة في السودان من قبل طرفي الحرب اللذين ظلا يمنعان أياً من أشكال التغطيات الصحفية، فالقيام بعمل صحفي ميداني يعتبر مهمة شبه مستحيلة وربما تعرض صاحبها للقتل أو الاحتجاز على أسوأ الفروض.
وأشار أحمد، إلى أن مهنة الصحافة أصبحت جريمة في السودان مما جعله يخفي هويته خلال تنقله بين مدن البلاد المختلفة، وكادت أن تكلفه ورقة توحي بأنه صحفي حياته عند عبوره بإحدى نقاط التفتيش لقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، وأنقذته العناية الإلهية، بينما واجه تضييقا في بعض المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني.
وأضاف: “في كل يوم يزداد الوضع سوءا وتتضاعف المخاطر على الصحفيين السودانيين، وللأسف فقد العديد من الزملاء أرواحهم في رحلة بحثهم عن الحقيقة تحت نيران الحرب، وهم يحاولون نقل صوت المدنيين في مناطق الصراع المسلح”.
وتابع أحمد”: “مكثت 9 أشهر تحت الصراع المسلح في الخرطوم، والجزيرة وسنار، ومع تمدد الحرب اضطررت للنزوح إلى بورتسودان، ولكن ساءت الأوضاع الأمنية وارتفعت درجة الخطر على الصحفيين وتوقفت أعمالهم بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، مما دفعني نحو هجرة قسرية إلى خارج بلادي وأنا أشعر بأسف شديد كوني لن أتمكن من تلمس احتياجات المتأثرين بالحرب عن قرب ونقلها للعالم”.
الوسومالجيش الدعم السريع السودان الفاشر حرب 15 ابريل خالد بلل دارفور نقابة الصحفيين السودانيينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان الفاشر حرب 15 ابريل دارفور نقابة الصحفيين السودانيين طرفی النزاع
إقرأ أيضاً:
اقْتِصَادَاتُ الحَل التَفَاوُضِي فِي السُودِان
اقْتِصَادَاتُ الحَل التَفَاوُضِي فِي السُودِان
The Economics of a Negotiated Solution in Sudan
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
على خلاف المآلات الاقتصادية الحالكة للخيار العسكري لإنهاء حرب السودان، فإن الحل التفاوضي يحمل في طياته مكاسب جمَّة مقارنة بالحل العسكري. فالحل التفاوضي يمهِّد الطريق لاقتصاد إنتاجي شفاف وعادل في حين يفرز الحل العسكري اقتصاد ريعي واحتكاري يسوده العنف والتغبيش. ومن حيث التوزيع الجغرافي فإن الحل التفاوضي ينتج عنه نظام لامركزي قائم على التمييز الإيجابي بين الأقاليم الجغرافية في الوقت الذي يقود فيه الحل العسكري لنظام مركزي يحقق مصالح النخب بفرض التشرذم. أما من حيث تحقيق الاستقرار فإن الحل التفاوضي يقود لاستقرار مستدام يرتكز على المؤسسات في حين يؤدي الحل العسكري للهشاشة والعنف والفشل. وبالنظر لتوفر الدعم الدولي لإعادة الإعمار فإن الحل التفاوضي تصحبه مساعدات دولية مرتبطة بالإصلاح في حين يصاحب الحل العسكري دعم دولي انتهازي محدود ومشروط.
وفي في ظل دخول الحرب المدمرة في السودان عامها الثالث، يبرز غياب الرؤية الاقتصادية المتكاملة كأحد عوامل إطالة الصراع وتعويل الطرفين على الحل العسكري، حيث يتصارع الطرفان للسيطرة على الموارد والثروات دون مشروع اقتصادي وطني شامل. وأمام هذا الواقع، تملك القوى المدنية فرصة لتقديم بديل تفاوضي يعيد بناء الاقتصاد السوداني الذي عصفت به الحرب على أسس العدالة والتنمية والسلام.
ويرتكز هذا البديل التفاوضي على مبادئ مؤسسة قوامها جعل الاقتصاد في خدمة الإنسان السوداني، لا في خدمة السلطة بشراء السلاح، وفصل الاقتصاد عن الأجهزة العسكرية والأمنية، وتحقيق توزيع عادل للثروة يراعي التفاوت التنموي بين الأقاليم، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي في منظومة شفافة ومنظمة، وبناء شراكات استراتيجية مع المجتمع الدولي على أساس الإصلاح والسيادة وتحقيق المصالح المشتركة المشروعة.
وترتكز الرؤية التفاوضية البديلة على إعادة هيكلة الاقتصاد بعد الحرب بتفكيك الشركات الأمنية والعسكرية وإدماجها تحت ولاية وزارة المالية، وإنشاء مفوضية وطنية للموارد الطبيعية والذهب، ووضع خطة خمسية لإعادة الإعمار تركّز على التعليم والصحة والبنية التحتية، وإصلاح النظام الضريبي والمالي بتبني نظام ضريبي تصاعدي عادل يشجع الإنتاج ويراعي استقلالية البنك المركزي وتعزيز الشفافية المالية وإنشاء صناديق تنمية للأقاليم المهمّشة. كما تشمل إعادة هيكلة الاقتصاد بعد الحرب دعم القطاع الخاص والاستثمار بتوفير بيئة قانونية آمنة ومحفزات في الزراعة والصناعة، وتكوين شراكات مع السودانيين في الخارج، وتسهيل إجراءات الاستثمار للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ويراقب عملية إعادة هيكلة الاقتصاد تفعيل أنظمة الحوكمة والمساءلة بتكوين مفوضية وطنية فاعلة لمكافحة الفساد، وإتاحة دور رقابي فاعل للمجتمع المدني، ورقمنة الإيرادات والمصروفات الحكومية.
ونظراً لمعاناة الاقتصاد السوداني من ويلات المقاطعة والعقوبات الدولية منذ سنة 1997 في عهد حكومة الإنقاذ واستمرت لأكثر من ثلاثين سنة، هناك ضرورة ليواكب الرؤية الاقتصادية لإعادة إعمار الإعمار سعي جاد لتحقيق نقلة نوعية في التموقع الدولي والإقليمي بانخراط مدروس في المؤسسات الدولية والإقليمية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، نادي باريس، البنك الإفريقي للتنمية، ومؤسسات التمويل العربية)، والدخول في شراكات تنموية مع دول الجوار الإقليمي، وتقديم رؤية موحدة للسلام والتنمية لجذب دعم المجتمع الدولي والإقليمي لإعادة الإعمار في السودان.
وتشمل آليات تنفيذ الرؤية الاقتصادية التفاوضية لإنهاء الحرب تشكيل حكومة انتقالية مدنية ذات كفاءة عالية لفترة لا تقل عن خمسة أعوام، تشهد تنظيم مؤتمر اقتصادي قومي جامع بمشاركة واسعة، وتفعيل دور اللجان المجتمعية لتراقب تنفيذ خطط الإعمار والتنمية، وتعبئة الكفاءات السودانية في الداخل والخارج للمشاركة في بناء الاقتصاد الذي دمرته الحرب. ومن الضروري لآليات التنفيذ إدراك أن هذه الرؤية الاقتصادية ليست مجرد خطة اقتصادية، بل هي مشروع وطني للسلام والعدالة والمصالحة نحو تسوية سياسية مستدامة. ذلك أن اقتصاد السلام هو الطريق الحقيقي لبناء دولة سودانية عادلة، حديثة، ومنفتحة على مواطنيها والعالم.
وخلافاً لمخاوف طرفي الحرب من التبعات السالبة عليهما من الخيار التفاوضي لإنهاء الصراع، إلا أن الخيار التفاوضي يحمل في طياته مكاسب لجميع الأطراف. أما بالنسبة للجيش وحلفائه فعلى الرغم من فقدان السيطرة على الاقتصاد الموازي المتعلق بالذهب والتجارة وتراجع النفوذ السياسي التقليدي داخل الدولة فإن الخيار التفاوضي يتيح له العديد من الفرص المتمثلة في الحفاظ على كيان المؤسسة العسكرية كضامن للأمن الوطني، ودمج الشركات الاقتصادية التابعة للجيش ضمن الاقتصاد الرسمي بضمانات مدنية، والوصول إلى دعم دولي لإعادة هيكلة القوات المسلحة في سياق إصلاح شامل، وإعادة الانتشار في أدوار غير قتالية، خاصة في الإعمار والبنية التحتية.
أما بالنسبة للدعم السريع وحلفائه فبرغم فقدان السيطرة على طرق التهريب والمناطق الغنية بالموارد وضعف القبول الشعبي والسياسي بعد جرائم الحرب وصعوبة الدمج في مؤسسات الدولة بسبب البنية غير النظامية، فإن الخيار التفاوضي يوفر له عدداً من الفرص التي تشمل التحول إلى كيان سياسي أو قوة تابعة للقوات المسلحة السودانية في حال ترتيبات إدماج وضمانات بعدم الملاحقة مقابل تسليم السلاح والمشاركة في التسوية وإعادة تدوير النفوذ عبر تحالفات قبلية أو اقتصادية شرعية.
وبخصوص القوى المدنية فعلى الرغم من صعوبة فرض الإصلاحات الاقتصادية دون توافق أمني واحتمالية اضطرارها لقبول ترتيبات انتقالية مع عناصر عسكرية وتحدي تأمين السند التنفيذي في ظل غياب قوة حماية مدنية فعالة، فإن الحل التفاوضي لإنهاء الصراع يتيح للقوى المدنية العديد من الفرص التي تشمل تشكيل حكومة مدنية ذات مشروعية داخلية وخارجية وتنفيذ برنامج اقتصادي متكامل يعيد هيكلة الاقتصاد نحو العدالة والتنمية واستقطاب دعم دولي واسع لإعادة الإعمار وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية لتشمل الهامش والمجتمعات المتأثرة بالحرب في إطار عقد اجتماعي بين الدولة وعامة الشعب.
وعلى الرغم من الحل التفاوضي وما يصاحبه من رؤية اقتصادية يمثل بديلاً عملياً عن الحل العسكري وما يصاحبه من اقتصاد الحرب، إلا أنه يصطدم بتحدٍّ حاسم يتمثل في غياب القوة الصلبة لحمايته من الأطراف المسلحة. حيث لا يمكن لأي مشروع اقتصادي مدني أن يُنفَّذ بدون ترتيبات أمنية تضمن الاستقرار وتحمي المؤسسات من العرقلة أو الانهيار. وعليه صار لزاماً توفير مسارات تأمين هذه الرؤية من خلال أدوات مدنية-عسكرية واقعية تنأى عن الخيارات الصفرية التي يتبناها بعض المدنيين. ذلك أن أمن الاقتصاد لا يقل أهمية عن أمن الحدود. فالرؤية الاقتصادية المدنية للسودان تحتاج إلى ترتيبات أمنية واقعية يكون العسكريون طرفاً أصيلاً فيها، ولا تتطلب بالضرورة المواجهة بين العسكريين والمدنيين، بل تتأتى بالتفاوض الذكي والضمانات المؤسسية والوشائج الانتقالية. فالمسار المدني لن ينجح إلا إذا استطاع تحييد القوة العسكرية، أو كسبها، في سبيل بناء دولة مدنية حقيقية ذات مصداقية.
ويتطلب توفير أدوات الحماية فهماً واقعيَّاً للمشهد العسكري الذي أفرزته الحرب حيث يتضح تباين مكونات الجيش بين قيادات عليا منتفعة من شبكات اقتصادية، في مقابل قيادات وسطى وضباط شباب متطلعين للإصلاح والتعاون مع المدنيين. أما قوات الدعم السريع فتعتمد على اقتصاد موازٍ يصعب دمجه في الجيش دون نزع سلاح جوهري. وتعاني هي الأخرى من الطبقية حيث تستمتع القيادة العليا بعائدات الذهب والمعادن النفيسة، في حين تعتمد الفئات الدنيا على النهب والجبايات غير المشروعة. وفي المقابل فإن القوى المدنية تفتقر إلى الذراع المسلح، بيد أنها تملك أدوات الضغط الشعبي، والمشروعية السياسية، والدعم الدولي. وعلى هذه الخلفية تبرز عدة خيارات لتأمين الرؤية الاقتصادية والحل التفاوضي. وتشمل هذه الخيارات كسب قطاعات من الجيش ببناء تحالفات ضمنية مع القيادات الإصلاحية داخل القوات المسلحة عبر تقديم ضمانات مؤسسية ضمن الرؤية الاقتصادية، بما في ذلك دمج الشركات العسكرية في الاقتصاد الرسمي ووضع ترتيبات تقاعد وانتقال منصف للضباط وإشراك الجيش في لجان رقابة على تنفيذ خطة الإعمار. كما يمكن تبني استراتيجية الحياد العسكري ترمي لتفكيك التحالف بين القيادات العسكرية والمليشيات المؤدلجة عبر الضغط الدولي وكشف كلفة الحرب المادية والبشرية على القوات المسلحة عبر الإعلام والمجتمع المدني والمطالبة بإشراف أممي أو إقليمي على الأمن في المرحلة الانتقالية. ومن ناحية أخرى، يمكن دعم توفير الحماية للرؤية الاقتصادية المدنية بواسطة أدوات أخرى مثل إصلاح جهاز الشرطة وتفعيله كأداة مدنية لحماية العملية الاقتصادية وإنشاء وحدات رقابة اقتصادية مدنية بدعم دولي والاستعانة بخبرات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتأمين المدن والمنشآت. كما يمكن للحوافز الدولية لعب دور مساند في هذا الصدد عن طريق دعم دولي مشروط للقوات المسلحة في مقابل التزامها بالانتقال السلمي وإنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار مرتبط بخارطة طريق أمنية واضحة وضمانات أممية بعدم ملاحقة بعض العناصر العسكرية غير المتورطة في جرائم. وأخيراً يمكن أيضاً تشكيل لجنة اتصال مدني - عسكري برعاية إقليمية وإطلاق حوار أمني اقتصادي لمناقشة دور الجيش في حماية إعادة الإعمار وتأسيس مجلس وطني للانتقال الاقتصادي والأمني بمشاركة رمزية عسكرية عبر استنباط وشائج ذكية تحقق الوئام المدني-العسكري، وتحل محل نمط الشراكة السابقة بينهما.
وبرغم كل هذه التحوطات فإن نجاح الخيار التفاوضي والرؤية الاقتصادية المدنية رهين بانسياب المساعدات الاقتصادية من المجتمع الدولي الذي يتنوع ما بين الدعم المالي المباشر، والإعفاءات من الديون، والمساعدة الفنية، والدعم السياسي الذي يفتح الأبواب للاستثمار والتعافي الاقتصادي. ذلك أن تجربة الحكومة الانتقالية قبل انقلاب أكتوبر 2021 قد أكدت استعداد المجتمع الدولي نظريَّاً وعمليَّاً لدعم السودان اقتصادياً، لكن هذا الدعم مرهون بتحقيق تسوية سياسية ذات مصداقية تقودها حكومة مدنية مستقلة قادرة على تنفيذ رؤية اقتصادية قائمة على الشفافية والإصلاح وخلق فرص حقيقية للنمو والعدالة الاجتماعية. وتتضمن هذه المساعدات من المجتمع الدولي ما يلي:
????التمويل المباشر والدعم الإنساني والتنموي التي تشمل المساعدات الطارئة بما في ذلك الغذاء، والماء، والرعاية الصحية، والتعليم في حالات الطوارئ التي تُقدَّم عبر منظمات الأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء العالمي (WFP)، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP) ) والمنظمات غير الحكومية الدولية (NGOs). كما يشمل أيضاً دعم ميزانية الدولة عند التوصل إلى تسوية سياسية وتشكيل حكومة مدنية معترف بها، حيث يمكن للمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقديم دعم مباشر للميزانية لتغطية الرواتب والخدمات الأساسية. ويتضمن التمويل التنموي دعم المشروعات الزراعية والبنية التحتية، وبرامج الإنعاش الاقتصادي في المناطق المتأثرة بالنزاع.
???? إعادة هيكلة الديون والإعفاء منها حيث أحرز السودان قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021 تقدماً كبيراً في مسار الاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك – HIPC)، والتي أطلقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكان من المتوقع أن يصل السودان إلى "نقطة الإنجاز-Completion Point " ضمن مبادرة هيبيك في غضون ثلاث سنوات في يونيو 2024 من تاريخ وصوله إلى "نقطة اتخاذ القرار- Decision Point" التي بلغها في يونيو 2021. وقد حصل السودان على وعود بإعفاء ديون تتجاوز 50 مليار دولار عبر مبادرة هيبيك، وبدأت بالفعل إجراءات إعفاء جزء كبير من الديون المتراكمة، مما خفف العبء على الاقتصاد السوداني وفتح المجال أمام تمويلات جديدة. ولكن انقلاب أكتوبر العسكري أوقف هذا المسار، وجمّد معظم الفوائد التي كان السودان سيحصل عليها من المبادرة، إلى حين عودة الحكم المدني واستئناف الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي.
???? المساعدات الفنية وبناء القدرات وتشمل دعم بناء المؤسسات الاقتصادية المدنية، مثل وزارة المالية والبنك المركزي وديوان الضرائب، وتطوير نظم شفافة لإدارة الموارد (مثل الذهب والزراعة والموانئ)، وتدريب الكوادر المدنية على إدارة الاقتصاد الكلي، والتفاوض على الديون، وجذب الاستثمارات، والحوكمة المالية.
???? تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر المشروط برفع القيود والعقوبات عن السودان بعد تشكيل حكومة مدنية في إطار الحل التفاوضي والرؤية الاقتصادية مما سيفتح الباب للاستثمار في قطاعات الزراعة والطاقة المتجددة والتعدين والخدمات، ولعودة شركات النفط العالمية، والاستفادة من موقع السودان الجغرافي الاستراتيجي.
????الدعم السياسي والدبلوماسي المرتبط بالاقتصاد ويشمل ضمانات دولية لحماية الفترة الانتقالية، وإنشاء آلية رقابة مشتركة (مثل "أصدقاء السودان") لضمان الشفافية في استخدام المساعدات، وتسهيل اندماج السودان في الأسواق الإقليمية والدولية.
melshibly@hotmail.com