السودان ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، هو المطلب الرئيس والأساسي، والذي نتمنى أن يتحقق الآن قبل أي لحظة تالية. ولكن، بالنظر إلى تفاقم الوضع الكارثي المرعب في البلاد، حيث لم يعد استمرار إطلاق النار هو وحده سبب الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، وإنما سببه أيضا تفشي المجاعة والأوبئة وانعدام الغذاء والدواء، أرى أن الأولوية العاجلة اليوم، والتي يجب أن تُركز الجهود حيالها، هي التصدي لهذه الكارثة الإنسانية.
وكما شددنا في مقالنا السابق، فإن المطلوب من وكالات الأمم المتحدة ومنظومات الإغاثة العالمية، ليس الارتقاء بجهود الإغاثة المتعلقة بهذه الكارثة إلى المستوى الذي تعكسه الأرقام المخيفة والأخبار المرعبة عن معاناة السكان وصرخات طلب العون والإغاثة المستمرة والمتصاعدة والتي تتضاعف يوميا فحسب، وإنما المطلوب أن تعلن الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية حالة المجاعة الحادة في السودان على المستوى القومي، والتعامل مع الوضع في البلاد على هذا الأساس، ووفق البروتوكول المعتمد من هذه المؤسسات الأممية. فكل المؤشرات والأرقام تتطابق مع معايير حالة المجاعة الكارثية في السودان من المستوى الخامس كما تصنفها الأمم المتحدة.
ومع تمدد الاقتتال واستمرار العالم في عدم التعامل بالمستوى المطلوب مع هذا الوضع الكارثي في السودان، تتفاقم معاناة المدنيين والأطفال، ليس في مناطق القتال وحدها بل في أنحاء البلاد كافة، خاصة وأن تقارير المؤسسات الأممية تقول إنه مع اقتراب نهاية الربع الأول من العام، نجد أن ما تم توفيره من الاحتياجات المادية اللازمة في مجالي التغذية والأمن الغذائي هو فقط 1.7٪ من المطلوب بنسبة عجز تبلغ 98.3 ٪، فيما تتوفر نسبة 3.6٪ فقط من الميزانية اللازمة لتغطية الاحتياجات الإنسانية الكلية والتي تبلغ 2.7 مليار دولار بنسبة عجز تبلغ 96.4 ٪. أكثر من 25 مليون من المدنيين السودانيين هم الآن في حاجة ماسة الى مساعدات إنسانية أساسية، ويشمل ذلك 14 مليون طفل يحتاجون الى مساعدات منقذة للحياة. 18 مليون من المدنيين السودانيين يعيشون في حالة انعدام الأمن الغذائي الحادة، وحوالي 5 ملايين منهم في مرحلة الجوع الحرج، بينما يعاني 3.8 مليون طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد. وتشير الاحصائيات الى أن 95٪ من المدنيين السودانيين داخل السودان لا يتناولون وجبة واحدة كافية يومياً. بينما وصل عدد حالات الإصابة بالكوليرا الى 11 ألف حالة. ومنذ الرابع من فبراير/ شباط المنصرم، دخلت البلاد في حالة انقطاع كامل لخدمات الاتصالات الهاتفية وخدمات الانترنت، بعد قيام قوات الدعم السريع بإغلاق الشبكات العاملة في السودان، الامر الذي فاقم من تدهور الوضع الانساني وعطل جهود تنسيق الإغاثة بالكامل وأدى الى شلل عمل أكثر من 300 مطبخ من المطابخ التكافلية في ولاية الخرطوم والتي كانت تتولى إطعام حوالي 3.5 مليون مواطن في العاصمة التي دمرتها الحرب.
مع تمدد الاقتتال واستمرار العالم في عدم التعامل بالمستوى المطلوب مع الوضع الكارثي في السودان تتفاقم معاناة المدنيين والأطفال
ووفق بيان صادر من صندوق الغذاء العالمي، بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، أدى اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة، في الشهر ذاته، الى تعطيل زراعة مليون فدان بالمحاصيل الغذائية، كما أدى الى قطع سلاسل الإمداد الزراعي، وهو ما نتج عنه انخفاض المساحات المزروعة بالقمح بنسبة 70٪. وأشار البيان إلى ان قوات الدعم السريع قامت بنهب المخزون من المواد الغذائية في مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، والتي كانت مخصصة لتوفير الدعم الغذائي لمليون ونصف من المدنيين السودانيين لمدة شهر كامل على الأقل، بالإضافة الي نهب المعينات الغذائية اللازمة لعلاج سوء التغذية لمجموع 20 ألف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات. ولفت إلى أن الاعمال الحربية والحصار المضروب على ولايات كردفان وبالأخص مدن كادقلي وبابنوسة والأبيض، تسببت في تدهور الأوضاع المعيشية ووفاة أعداد كبيرة غير محصورة من السكان المدنيين، بينما بدأت نذر المجاعة الحادة في الظهور في دارفور والتي يبقى الوضع فيها غائباً عن التقارير الدقيقة نتيجة غياب المؤسسات الأممية المعنية بالعون الإنساني لخطورة الوضع الأمني في أغلب مناطق الإقليم.
نحن نعتقد بأن كارثة السودان اليوم تحتل موقعها ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر. وهذا الاعتقاد تعززه المشاهدات المباشرة والإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الأممية هي لملايين السودانيين الذين يواجهون خطر الموت جوعا ونتيجة تفشي الأوبئة وانعدام الدواء، مثل المشار إليها أعلاه، كما يعززه ضعف الاستجابة والعجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع هذه الكارثة.
إن هذه الأرقام والتقارير ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة الى ضمير العالم لكي يصحو، والى المنظمات العاملة في المجال الإنساني بضرورة التعامل بجدية وتفعيل البروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية باستئناف منابر التفاوض أو بالمسار السياسي أو المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة. وفي نداء ثان لمركز «فكرة» للدراسات والتنمية، صدر الأسبوع الماضي، أعاد مطالبة الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية بإعلان حالة المجاعة الحادة من المستوى الخامس على الصعيد القومي في السودان، واستنفار دول العالم لتوفير الاحتياجات اللازمة للتصدي لهذه المأساة المتفاقمة. كما طالب مركز «فكرة» الأمين العام للأمم المتحدة، وعبر ممثله الشخصي للسودان، باستخدام صلاحياته حسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان أمام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة الإنسانية لهم.
ونكرر ما أشرنا إليه في مقالنا السابق من أن القوى المدنية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن آثار المجاعة وتفشي الأوبئة، تتحمل قدرا من المسؤولية، ويجب أن تتوحد، ولو حول هذه القضية فقط، لتستثير حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت جوعا.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤسسات الأممیة الوضع الکارثی الأمم المتحدة فی السودان
إقرأ أيضاً:
الإمارات تعلن دعمًا بقيمة 550 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية للأمم المتحدة لعام 2026
صراحة نيوز- بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، “حفظه الله”، أعلنت دولة الإمارات عن تعهّد جديد بقيمة 550 مليون دولار أمريكي لدعم خطة الاستجابة الإنسانية الشاملة التي أطلقتها الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى جمع 33 مليار دولار في عام 2026 لتقديم الإغاثة لما يقارب 135 مليون شخص في 23 عملية إنسانية حول العالم، بالإضافة إلى خطط مخصصة لدعم اللاجئين والمهاجرين. وتأتي الأولوية العاجلة لإنقاذ 87 مليون شخص يحتاجون إلى دعم فوري بقيمة 23 مليار دولار.
وتأتي هذه المبادرة تأكيدًا على النهج الثابت للدولة في دعم الجهود الدولية لإنقاذ الأرواح والاستجابة للكوارث والأزمات التي تواجه الشعوب الأكثر ضعفًا في مختلف مناطق العالم.
ويعكس هذا الدعم الدور الحيوي الذي تلعبه دولة الإمارات في تعزيز العمل الإنساني متعدد الأطراف، وتعاونها الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبرامج الإغاثة والتنمية العاملة في الميدان، لضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر احتياجًا في الوقت المناسب، بما يتوافق مع توجيهات صاحب السمو بالتركيز على الاستجابة العاجلة والفعّالة.
وقالت معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، في هذا الصدد: “تواصل دولة الإمارات التزامها الراسخ بدعم الجهود الإنسانية العالمية، والعمل مع شركائنا في الأمم المتحدة لضمان وصول الإغاثة إلى الفئات الأكثر تضررًا. ويجسد هذا التعهد الجديد توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، “حفظه الله”، وإيماننا العميق بضرورة التضامن الدولي والاستجابة للنداءات الإنسانية العاجلة بطريقة فعّالة ومستدامة تحافظ على كرامة الإنسان وتحمي حياته”.
ورحّب توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، بالدعم الإماراتي، وقال في هذا الصدد: “نداؤنا العالمي يهدف إلى إنقاذ الأرواح في أكثر المناطق تضررًا، وتحويل الخطط إلى حماية حقيقية على الأرض. ويعكس الدعم السخي والسريع الذي قدّمته الإمارات العربية المتحدة لخطة عام 2026 رسالة قوية، تتمحور حول دعم من هم في أمسّ الحاجة إلى هذه الجهود. ومن واجبنا تقديم استجابة فعّالة ومبتكرة تلبي متطلبات المرحلة الراهنة”.
من جانبه، قال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: “عادة، تظهر مؤشرات لانهيار النظم الصحية قبل وقت طويل من وقوعها، حيث تتفشى الأوبئة وسوء التغذية ويرتفع عدد الوفيات التي كان يمكن تجنبها. وعلى الرغم من هذا، فعند تكاتف الجهود بإمكاننا إعادة توفير الخدمات وإنقاذ الأرواح. أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ولدولة الإمارات على دعمهم الذي سيوفر رعاية صحية إنسانية هامة للملايين ممّن هم في أمسّ الحاجة لها”.
وقالت كاثرين راسل المديرة التنفيذية لـ “اليونيسف”: “تُقدّر اليونيسف الدعم الكبير المقدم من دولة الإمارات، والذي سيُسهم بشكل فعال في إنقاذ وتحسين حياة الأطفال الذين تحاصرهم الأزمات الإنسانية”.
وأضافت: “الأطفال هم دائمًا الأكثر ضعفًا عند وقوع الأزمات، وعندما يتجاوز حجم الاحتياجات حجم التمويل يواجه العمل الإنساني وقتًا حرجًا للغاية، لذلك نبني الكثير عبر الشراكة الاستراتيجية بين اليونيسف ودولة الإمارات”.
بدوره، رحّب فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالدعم المعلن عنه، قائلاً: “نقدّر التزام دولة الإمارات الراسخ بالجهود الإنسانية. في ظل النقص الحاد في التمويل والذي يشكّل تحدياً كبيراً لملايين الأشخاص المعرّضين للخطر والذين نزحوا قسراً، تقوم مساهمات الحكومات، مثل مساهمة دولة الإمارات، بتعزيز جهود الاستجابة ومنح الأمل لمن هم في أشد الحاجة إليه”.
وصرّحت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي: “في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية وتراجع الموارد بشكل خطير يُمثل التعهّد السخي الذي قدمته دولة الإمارات شريان حياة يساهم في ضمان وصول المساعدات العاجلة إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها. نتقدم بخالص الشكر لدولة الإمارات على دورها الإنساني الريادي في هذه الأوقات غير المسبوقة. كما نؤكد على استعداد برنامج الأغذية العالمي للعمل مع دولة الإمارات لضمان وصول هذا الدعم الضروري إلى ملايين الأشخاص ممن يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء في مختلف أنحاء العالم”.
ويأتي هذا الدعم امتدادًا للشراكة الاستراتيجية القائمة بين دولة الإمارات ومنظومة الأمم المتحدة الإنسانية، ويؤكد استمرار الدولة في لعب دور محوري في مواجهة التحديات الإنسانية الأكثر إلحاحًا، وتعزيز قدرة المجتمع الدولي على حماية الأرواح، ودعم الاستقرار في المناطق المتأثرة بالأزمات، انسجامًا مع توجيهات صاحب السمو بالحفاظ على النهج القيادي لدولة الإمارات في العمل الإنساني العالمي.