د. الشفيع خضر سعيد

التئام منبر المفاوضات لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار في السودان، هو المطلب الرئيس والأساسي، والذي نتمنى أن يتحقق الآن قبل أي لحظة تالية. ولكن، بالنظر إلى تفاقم الوضع الكارثي المرعب في البلاد، حيث لم يعد استمرار إطلاق النار هو وحده سبب الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، وإنما سببه أيضا تفشي المجاعة والأوبئة وانعدام الغذاء والدواء، أرى أن الأولوية العاجلة اليوم، والتي يجب أن تُركز الجهود حيالها، هي التصدي لهذه الكارثة الإنسانية.


وكما شددنا في مقالنا السابق، فإن المطلوب من وكالات الأمم المتحدة ومنظومات الإغاثة العالمية، ليس الارتقاء بجهود الإغاثة المتعلقة بهذه الكارثة إلى المستوى الذي تعكسه الأرقام المخيفة والأخبار المرعبة عن معاناة السكان وصرخات طلب العون والإغاثة المستمرة والمتصاعدة والتي تتضاعف يوميا فحسب، وإنما المطلوب أن تعلن الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية حالة المجاعة الحادة في السودان على المستوى القومي، والتعامل مع الوضع في البلاد على هذا الأساس، ووفق البروتوكول المعتمد من هذه المؤسسات الأممية. فكل المؤشرات والأرقام تتطابق مع معايير حالة المجاعة الكارثية في السودان من المستوى الخامس كما تصنفها الأمم المتحدة.
ومع تمدد الاقتتال واستمرار العالم في عدم التعامل بالمستوى المطلوب مع هذا الوضع الكارثي في السودان، تتفاقم معاناة المدنيين والأطفال، ليس في مناطق القتال وحدها بل في أنحاء البلاد كافة، خاصة وأن تقارير المؤسسات الأممية تقول إنه مع اقتراب نهاية الربع الأول من العام، نجد أن ما تم توفيره من الاحتياجات المادية اللازمة في مجالي التغذية والأمن الغذائي هو فقط 1.7٪ من المطلوب بنسبة عجز تبلغ 98.3 ٪، فيما تتوفر نسبة 3.6٪ فقط من الميزانية اللازمة لتغطية الاحتياجات الإنسانية الكلية والتي تبلغ 2.7 مليار دولار بنسبة عجز تبلغ 96.4 ٪. أكثر من 25 مليون من المدنيين السودانيين هم الآن في حاجة ماسة الى مساعدات إنسانية أساسية، ويشمل ذلك 14 مليون طفل يحتاجون الى مساعدات منقذة للحياة. 18 مليون من المدنيين السودانيين يعيشون في حالة انعدام الأمن الغذائي الحادة، وحوالي 5 ملايين منهم في مرحلة الجوع الحرج، بينما يعاني 3.8 مليون طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد. وتشير الاحصائيات الى أن 95٪ من المدنيين السودانيين داخل السودان لا يتناولون وجبة واحدة كافية يومياً. بينما وصل عدد حالات الإصابة بالكوليرا الى 11 ألف حالة. ومنذ الرابع من فبراير/ شباط المنصرم، دخلت البلاد في حالة انقطاع كامل لخدمات الاتصالات الهاتفية وخدمات الانترنت، بعد قيام قوات الدعم السريع بإغلاق الشبكات العاملة في السودان، الامر الذي فاقم من تدهور الوضع الانساني وعطل جهود تنسيق الإغاثة بالكامل وأدى الى شلل عمل أكثر من 300 مطبخ من المطابخ التكافلية في ولاية الخرطوم والتي كانت تتولى إطعام حوالي 3.5 مليون مواطن في العاصمة التي دمرتها الحرب.

مع تمدد الاقتتال واستمرار العالم في عدم التعامل بالمستوى المطلوب مع الوضع الكارثي في السودان تتفاقم معاناة المدنيين والأطفال

ووفق بيان صادر من صندوق الغذاء العالمي، بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، أدى اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة، في الشهر ذاته، الى تعطيل زراعة مليون فدان بالمحاصيل الغذائية، كما أدى الى قطع سلاسل الإمداد الزراعي، وهو ما نتج عنه انخفاض المساحات المزروعة بالقمح بنسبة 70٪. وأشار البيان إلى ان قوات الدعم السريع قامت بنهب المخزون من المواد الغذائية في مخازن الصندوق في ولاية الجزيرة، والتي كانت مخصصة لتوفير الدعم الغذائي لمليون ونصف من المدنيين السودانيين لمدة شهر كامل على الأقل، بالإضافة الي نهب المعينات الغذائية اللازمة لعلاج سوء التغذية لمجموع 20 ألف من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات. ولفت إلى أن الاعمال الحربية والحصار المضروب على ولايات كردفان وبالأخص مدن كادقلي وبابنوسة والأبيض، تسببت في تدهور الأوضاع المعيشية ووفاة أعداد كبيرة غير محصورة من السكان المدنيين، بينما بدأت نذر المجاعة الحادة في الظهور في دارفور والتي يبقى الوضع فيها غائباً عن التقارير الدقيقة نتيجة غياب المؤسسات الأممية المعنية بالعون الإنساني لخطورة الوضع الأمني في أغلب مناطق الإقليم.
نحن نعتقد بأن كارثة السودان اليوم تحتل موقعها ضمن أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر. وهذا الاعتقاد تعززه المشاهدات المباشرة والإحصائيات والأرقام الواردة في تقارير المؤسسات الأممية هي لملايين السودانيين الذين يواجهون خطر الموت جوعا ونتيجة تفشي الأوبئة وانعدام الدواء، مثل المشار إليها أعلاه، كما يعززه ضعف الاستجابة والعجز الذي نشاهده في تعامل العالم والمؤسسات الأممية مع هذه الكارثة.
إن هذه الأرقام والتقارير ليست تجريدا مفصولاً عن الواقع، ولكنها صرخة الى ضمير العالم لكي يصحو، والى المنظمات العاملة في المجال الإنساني بضرورة التعامل بجدية وتفعيل البروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وعدم ربط جهود الإغاثة الإنسانية باستئناف منابر التفاوض أو بالمسار السياسي أو المواقف المختلفة من الأطراف المتحاربة. وفي نداء ثان لمركز «فكرة» للدراسات والتنمية، صدر الأسبوع الماضي، أعاد مطالبة الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية بإعلان حالة المجاعة الحادة من المستوى الخامس على الصعيد القومي في السودان، واستنفار دول العالم لتوفير الاحتياجات اللازمة للتصدي لهذه المأساة المتفاقمة. كما طالب مركز «فكرة» الأمين العام للأمم المتحدة، وعبر ممثله الشخصي للسودان، باستخدام صلاحياته حسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لجدولة مناقشة الوضع في السودان أمام مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة الإنسانية لهم.
ونكرر ما أشرنا إليه في مقالنا السابق من أن القوى المدنية السودانية المتواجدة خارج البلاد بعيدا عن آثار المجاعة وتفشي الأوبئة، تتحمل قدرا من المسؤولية، ويجب أن تتوحد، ولو حول هذه القضية فقط، لتستثير حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني من الموت جوعا.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المؤسسات الأممیة الوضع الکارثی الأمم المتحدة فی السودان

إقرأ أيضاً:

ما بين لوس انجلوس والضعين !

اشتعلت وعلي مدي ثلاثة أيام لوس أنجلوس في وجه الرئيس الأمريكي ترامب كما اشتعلت الضعين في وجه ال دقلو وسلطتهم المسماة بالسلطة المدنية .

– بعض الناس لا تروق لهم المقارنة بين الكبار والصغار والأمريكي والسوداني والضعين في شرق دارفور مع لوس انجلوس المدينة الأمريكية الضخمة كما قال الرئيس الأمريكي في تعليقه علي احداث العنف التي تشهدها المدينة احتجاجا علي تطبيق قانون الهجرة من قبل إدارة الرئيس ترامب .

– في تسعينيات القرن الماضي كانت السخرية من السودان الذي يناطح الامريكان علي أشدها ود المنسي القرية الصغيرة من قري الجزيرة أصدرت بيانا حذرت فيه امريكا للمرة الألف .وعندما اجتاحت مليشيا الجنجويد المدعومة أمريكيا واسرائليا واماراتيا وحاجات تانية حاميانه كما يقول بروفسير عبد اللطيف البوني ظهرت ود النورة وود السماني والتكينة والفدقوبة و الهلالية في ترندات عالمية وعرف العالم كله بأن مليشيا الدعم السريع قتلت مئات الآلاف من المدنيين العزل والنساء والاطفال في هذه الأماكن وهذا يعني أن الإنسان هو الانسان والظلم لا يتجزأ وعنف دولة ال دقلو وجماعة تقدم وتأسيس يساوي ذات الظلم الذي تمارسه الولايات المتحدة في لوس انجلوس وغيرها باسم القانون .

– الرئيس الأمريكي ترامب وهو رجل عنصري لا يختلف عن حميدتي الا في كون حميدتي يعمل علي بناء دولة العطاوة في السودان من عرب الشتات وترمب يشيد(( النيو امريكا)) من الجنس الجيرمني والبيض الذين صوتوا له بكثافة منقطعة النظير لكي يقف ضد السود والافارقة ويمنع مواطني عشرات الدول من دخول الولايات المتحدة من بينهم السودان محتجا بثقرات في الوثائق الرسمية والجوازات علما بأن كل ما يتعلق بالمستندات هي حالات فردية سواءا كانت حالات تزوير أو نقص في البيانات أو المعلومات عن شخص من الأشخاص و عليه فإن تطبيقها علي الدول معناه العقوبة الجماعية .

– ليس غريبا أن يفرح القحاطة بالقرار الامريكي بمنع السودانيين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية ويبرر ون ما ذهب إليه الرئيس الامريكي ترامب بأنه ردة فعل علي منع الحكومة السودانية تجديد جوازات النشطاء السياسيين المتعاونين مع مليشيا التمرد ! هؤلاء المتمردون لهم حقوق أكثر من اهل السودان الذين تتيح لهم قوانين الهجرة السفر للولايات المتحدة الأمريكية من غير وثائق ثبوتية نسبة لظروف الحرب والأوضاع الإنسانية في السودان .
– مدينة الضعين العريقة وقد تكون أعرق من لوس انجلوس أو واشنتن نفسها ظلت تغلي كالمرجل منذ أن سيطرت عليها مليشيا التمرد بدعم من الإدارة الاهلية لقبيلة الرزيقات فاقدة الحكمة . ظلت الضعين مكبا لكل المنهوبات من أماكن السودان الاخري من سيارات وأجهزة كهربائية وأدوات واثاثات منزلية فاصابتها اللعنة بما يحدث فيها من استلام المال المسروق وظن بعض سادتها وكبرائها وعلي رأسهم الناظر محمود موسي مادبو وغيره من الأفندية والظلنطحية انهم العاصمة الروحية والابوية للجنجويد بعد أن احتلت مليشيا ال دقلو الخرطوم والجزيرة ورفعت عقيرتها باحتلال شندي ودنقلا ومروي في الولاية الشمالية .

– الضعين ليست مدينة خاصة بقبيلة الرزيقات وحدهم ولكنها مثل المدن الاخري في السودان عبارة عن سودان مصغر ولكن عصابة المتمردين الرزيقات جعلوا من الضعين حقل تجارب لدولة العطاوي ومجد ال دقلو الافل.
وقبل عدة أيام اصدر احد النكرات المسمي برئيس السلطة المدنية قرارات سمها دستورية وقانونية للاستنفار في صفوف المليشيا المتمردة وتضمنت قراراته عقوبات لكل من يخالف قانون الغاب الذي أصدره بالقتل والسحل وإطلاق يد المليشيا المتمردة لضرب المواطنين الذين لا يستجيبون الاستنفار أو يدفعون الأموال لصالح المليشيا وكانت ردة الفعل هي احتجاجات ومظاهرات وهتافات من قبل المواطنين باسم جيش البلاد علي الرغم من الجرائم التي ترتكب في حقهم من قبل المليشيا من اعتقالات لأبناء قبيلة الرزيقات ونهب لأموالهم وقتل بإطلاق النار علي المتظاهرين المر الذي لم تحتج عليه تقدم وتقول إن الجنجويد يقتلون المتظاهرين مما يدل علي أن قحط تغض الطرف عن جرائم المليشيا المتمردة وتوجه نظرها بالكامل الي الجيش والقوات الأمنية .

– سياسة المليشيا والبلطجة تجعل الشعوب في كل مكان تثور وتقاوم سواءا في غزة أو الضعين أو لوس انجلوس أو داخل لندن حيث اجتماع مجلس إدارة بنك باركليز الممول لاسرائل لابادة الفلسطينيين والذي شهد هتافات مناوئه من داخل قاعة الاجتماع أدت لتدخل الشرطة البريطانية واعتقال المحتجين .انها صرخة إنسانية في وجه الظالمين وقد تحول العالم الي قرية الا أن أنها قرية تضم رعاة البقر في الضعين والكابوي الامريكي وأصحاب اللياقات البيضاء في عاصمة الضباب وهذا الوضع يؤكد أن الشعب السوداني علي حق في خوضه لمعركة الشرف والكرامة ولابد من صنعاء النصر وان طال السفر .
ح.م.ص
د.حسن محمد صالح

الاثنين
٩ يونيو ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تحذير أممي من المجاعة جنوب الخرطوم
  • أكبر خدعة فنية بفرنسا.. كراسي مزيفة بـ2 مليون يورو في قصر فرساي
  • في حالة السودان وأفريقيا عموما، يجدر بنا أن نتسائل كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع
  • ما بين لوس انجلوس والضعين !
  • السودان: 9 وفيات و153 حالة اشتباه بالكوليرا في ولاية سنار
  • أحمد ياسر يكتب: مؤسسة غزة الإنسانية.. سلاح جديد قاس
  • بسبب الحرب.. انهيار أدوات مواجهة الكوارث البيئة في السودان
  • جوني مور.. قس أميركي موال لإسرائيل يقود مؤسسة غزة الإنسانية
  • بعثة الأمم المتحدة ترحب بتشكيل لجنتين أمنية وحقوقية في ليبيا: خطوة حاسمة نحو الاستقرار وحماية المدنيين
  • "الكوليرا في زمن الحرب".. ألف حالة يوميا بالخرطوم وتحذيراتٌ من كارثة محقّقة