الجنرال هارولد كوجات

تتحدد استراتيجية الولايات المتحدة في المقام الأول من خلال تنافسها مع الصين، القوة الوحيدة القادرة على إعادة تشكيل النظام الدولي لتصبح القوة العالمية المهيمنة.

وللتعامل مع هذه المشكلة، تريد الولايات المتحدة أن تبدأ بإضعاف روسيا، خصمها الاستراتيجي الثاني، حتى تتمكن من التركيز على الصين وتجنب تشكيل محور موسكو- برلين، الذي من المرجح أن ينافسهما على المدى الطويل.

ولتحقيق هذه الغاية، كان عليها إشغال أوروبا بشكل كبير بهدف عزلها عن روسيا الضعيفة، مع العلم أن أوروبا ستجد نفسها بعد ذلك متورطة في الصراع التالي، مع الصين. لقد بدت فكرة منطقية أن تقوم الولايات المتحدة بإسقاط روسيا، الأضعف استراتيجيًا بين البلدين، من خلال شن حرب بالوكالة قبل التحول إلى الصين، خصمها الأقوى.

لكنها استهانت بقدرة روسيا على الصمود ووجدت نفسها مضطرة إلى شن حرب على جبهتين ضد روسيا والصين، وفي الواقع، ساهمت الحرب في أوكرانيا في تشكيل كتلة جيوسياسية متنافسة، بما في ذلك الصين والهند وإيران والدول المجاورة مثل باكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.

وفي جميع أنحاء دول البريكس، بدأت الصين التعاون مع السعودية في مجال النفط والطاقة النووية وتضغط من أجل تشكيل عملة احتياطية تعتمد على المواد الخام التي تتنافس مع البترودولار، وهي طريقة معتدلة نسبيًا لكسب اليد العليا في دول البريكس والتنافس مع الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، منذ بداية العام، انضمت السعودية وإيران ومصر والإمارات وإثيوبيا، إلى مجموعة البريكس التي تضم ٣.٨ مليار شخص وأبدت ٤٠ دولة أخرى اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة البريكس، التي من الواضح أنها لا تفضل الهيمنة الأمريكية. وتشمل هذه الدول الجزائر وإندونيسيا وباكستان والمكسيك ونيكاراجوا وأوروجواي وفنزويلا وحتى دولتين من دول الناتو، هما اليونان وتركيا.

إن الصين وروسيا، اللتين تعلمان أن الأخيرة تترأس مجموعة البريكس هذا العام، ترغبان رسميًا في المساهمة في عالم متعدد الأقطاب سيؤدي إلى تراجع النفوذ الأمريكي. وتقول الصين، التي تتخذ موقفا معتدلا ظاهريا بشأن الصراع في أوكرانيا وتايوان، إن الدول الغربية مسؤولة في المقام الأول عن الحرب في أوكرانيا وزادت من مخاطر نشوب صراع واسع النطاق.

وقد تصبح مسألة تايوان ذروة التنافس الأمريكي الصيني.. منذ عام ١٩٦٩، التزمت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بالوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها، ولكن مع قدر معين من التوازن. ومع ذلك، كسر جو بايدن هذا التوازن بإعلانه أنه سيدافع عن تايوان ضد الصين، في حين رد الرئيس الصيني بأنه يسعى إلى إعادة التوحيد السلمي ما لم يتم إجباره بالقوة.

ومع ذلك، يعلم الجميع أن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل للدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم عسكري من قبل الصين، لأن الصين لديها، بصرف النظر عن ميزتها الاستراتيجية، قوة عسكرية متنامية، وميزة من حيث الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت فضلا عن تعزيز القدرة النووية. ولذلك فإن الحرب من أجل تايوان ربما لن تحدث، ولدى الصين خيار الوقت للاستفادة من هذه الميزة الجيواستراتيجية.

في بداية عام ٢٠٢٤، يحدث كل شيء كما لو أن الصين تعمل سرًا على حرمان تايوان من الأكسجين، في حين تعارض روسيا الولايات المتحدة بشكل مباشر من خلال أوكرانيا.

ونظرًا لهذا الوضع، فمن المهم بشكل خاص أن تؤكد أوروبا نفسها باعتبارها جهة فاعلة مستقلة في السياسة الدولية، بعد أن وضعتها الحرب في أوكرانيا على مفترق الطرق. إن جميع الدول الأوروبية تشعر بالقلق إزاء هذه الحرب، وخاصة بسبب عواقبها الاقتصادية، ولكن أيضًا بسبب عواقبها الجيواستراتيجية، وكلاهما يخاطر بأن يصبح أثقل وأقل قابلية للتراجع عنه.

لكن علينا أن نعود إلى اندلاع الحرب، لأن بوتين لم يقرر غزو أوكرانيا أثناء تناول وجبة الإفطار. هناك دائمًا أسباب للحرب، تمامًا كما أن هناك نهاية تتمثل في ملاحظة تكوين سياسي وجيوستراتيجي جديد.

فعندما سعت روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى التقرب من الغرب وحلف شمال الأطلسي، بهدف حل الأزمات التي تهمها بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، كانت هناك فترة قصيرة من التفاهم، قبل أن يتولى الاستراتيجيون الأمريكيون هذه المهمة، واتخذوا الموقف العدائي ضد الاتحاد السوفييتي الذي طوروه وطبقوه على روسيا الأضعف، لأن الولايات المتحدة لم تنظر قط إلى روسيا كدولة صديقة، بل كقوة منافسة، وبالتالي عدو.

* هذا النص مأخوذ من محاضرة ألقاها الجنرال هارولد كوجات، رئيس أركان الجيش الألماني السابق والرئيس السابق للجنة العسكرية لحلف الناتو. ومع ذلك، فإنني أتحمل المسئولية الكاملة عن المقال.

أندريه بوير: أستاذ جامعي مُهتم بقضايا التنمية البشرية ومستقبل القارة الأوروبية، يكتب عن استراتيجية الولايات المتحدة والتى تحارب على جبهتين: روسيا والصين.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الولايات المتحدة الصين روسيا إضعاف روسيا أندريه بوير الولایات المتحدة فی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

حرب 1812.. صراع ناري على الهوية والسيادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا

في صيف عام 1812، وبينما كانت أوروبا مشتعلة بنيران الحروب النابليونية، اندلعت حرب جديدة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمبراطورية البريطانية.

 حرب قصيرة نسبياً، لكنها كانت مفصلية في رسم ملامح الهوية الأمريكية، وترسيخ استقلالها الناشئ.

جذور الصراع..سيادة مهددة ومصالح متشابكة

بدأت الحرب نتيجة تراكم طويل من التوترات، أبرزها فرض البحرية البريطانية لحصار اقتصادي على فرنسا خلال الحروب النابليونية، ما أثّر على التجارة الأمريكية. 

كما عمدت بريطانيا إلى تجنيد البحارة الأمريكيين قسرًا للخدمة في صفوفها، وهي سياسة أغضبت الإدارة الأمريكية واعتبرتها إهانة للسيادة الوطنية.

بالإضافة إلى ذلك، اتُهمت بريطانيا بدعم القبائل الهندية في الغرب الأمريكي بالسلاح، ما زاد من حدة الصراع في الداخل.

 كل هذه الأسباب دفعت الرئيس الأمريكي جيمس ماديسون إلى إعلان الحرب في يونيو 1812.

حرب بلا نصر حاسم

شهدت الحرب معارك متفرقة عبر الأراضي الأمريكية والكندية، من بينها محاولة فاشلة للولايات المتحدة لغزو كندا، ومعركة بحرية شهيرة بين السفينتين USS Constitution الأمريكية وHMS Guerriere البريطانية.

وفي عام 1814، أحرقت القوات البريطانية العاصمة الأمريكية واشنطن، بما في ذلك البيت الأبيض، ردًا على هجوم أمريكي على مدينة يورك. 

ورغم ذلك، فشلت بريطانيا في كسر المقاومة الأمريكية في معركة بالتيمور.

سلام بلا منتصر

انتهت الحرب رسميًا بتوقيع معاهدة غنت في ديسمبر 1814، والتي أعادت الأوضاع لما كانت عليه قبل الحرب، دون أن يحقق أي طرف انتصارًا صريحًا. 

لكن المعاهدة لم تصل إلى أمريكا إلا بعد أسابيع، وخلال ذلك الوقت خاض الطرفان معركة نيو أورلينز في يناير 1815، حيث حقق الجنرال الأمريكي أندرو جاكسون نصرًا مدويًا زاد من شعبيته وأدى لاحقًا إلى انتخابه رئيسًا.

 تُعد حرب 1812 نقطة تحول في التاريخ الأمريكي، فقد أثبتت قدرة الولايات المتحدة على الصمود أمام قوة عظمى. 

كما تراجعت بعدها المقاومة الهندية في الغرب، وبدأت أمريكا عصر التوسع نحو الغرب


 

طباعة شارك الأراضي الأمريكية أوروبا الحروب النابليونية الولايات المتحدة الأمريكية الإمبراطورية البريطانية

مقالات مشابهة

  • هل تنجح مساعي الولايات المتحدة للتفوق على الصين في سباق التكنولوجيا؟
  • بعد هجوم العنكبوت أو "بيرل هاربر روسيا".. ترقب حذر ومفاوضات في اسطنبول بين موسكو وكييف
  • اتهام رجل بريطاني في الولايات المتحدة بالتخطيط لتهريب تكنولوجيا عسكرية إلى الصين
  • حرب 1812.. صراع ناري على الهوية والسيادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا
  • اتهام رجل أعمال بريطاني بتهريب تكنولوجيا عسكرية أمريكية إلى الصين
  • الصين تحذّر الولايات المتحدة من «اللعب بالنار» بسبب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي
  • الصين تحذر الولايات المتحدة من "اللعب بالنار".. ماذا حدث؟
  • الصين تحذر الولايات المتحدة من اللعب بالنار بشأن تايوان
  • ماكرون يحذر من تركيز واشنطن على الصين على حساب أوكرانيا
  • عبد العاطي: مستمرون مع الولايات المتحدة وقطر في جهود التسوية لوقف إطلاق النار بغزة