لجريدة عمان:
2025-12-13@14:27:11 GMT

الرواية الخليجية «7» .. صراط الرواية

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

تسير الروايةُ دوما على سراط خَطِر، حدّاه الواقعُ والتخييل من جهة، والمباح والمحظور من جهة ثانية، وقَدَر الروائيّ أن يعبر هذا الصراط، وأن يخرج منه سليما من أذى المحظور، موحيا بواقع وضاربا في التخييل بما يجعل الرواية مقروءة ومتقبَّلة القبول الحسن. الواقعُ حدٌّ قاتلٌ متى احترفه الروائيّ والتصق به والتزمه، والتخييل حدٌّ مُجنّح، لا يجب الإيغال فيه.

تظلّ ملامح الإحالة إلى الواقع الذهني أو العينيّ مطلبا قرائيّا، إذ يجب على القارئ أن يجد نفسه، وألاّ يكون خارجا عن دائرة المسرود، عقليّا، فكريّا، أو ماديّا، فتكون بذلك كتابة الرواية متعةً من جهة، وتدبيرا من جهة ثانية، التدبير في إقامة الذات الكاتبة لحيل ضامنة لتلقّي الرواية، اختيارا لأحداث الرواية وبناء لشخصيّاتٍ لا تُفارق الواقع تمام المفارقة، ولا تلتصق به تمام الالتصاق، وفي توخّي الجرأة في التخلّص من المحظورات السائدة ولكن في الوقت نفسه دون تجنيح في استعمال التخييل الحرّ، الطليق، وإنّما يبقى الرقيب مهيمنا بشكل سافر حتّى في مراعاة أصول الكتابة اللغويّة والتعبيريّة، وتسليم الرواية إلى المراجعة اللّغويّة والتركيبيّة. الرقيب حاضرٌ بشكل ضامن لتواصلٍ ما مع المجتمع القارئ. ما هي الموانع والمحاذير في كتابة الرواية، ما هو المحبّذ والمرغوب والمُجاز؟ الروائيّ الخليجيّ ينوء تحت ثقلٍ شديد في اتّباع مسلك الإبداع، محاذير جزيرة العرب فاعلة ونافذة، تأسر أحيانا الكاتب، فإضافة إلى مثلث التابوهات المألوف، فإنّ موانع أخرى تنضاف وتنشدّ، أوّلها المانع القبليّ الاجتماعي، وهو في ظنّي أقوى الموانع، وفي الآن ذاته هو بئرٌ من الحكايات، وصندوقٌ مقفل يحتاج إلى تسريد وتروية. الموانع في كتابة الرواية عدد، تُكَبِّلُ الكاتب وتُطلقُ خياله في الآن ذاته، فالكتابةُ في الأصل هي لعب على المحاذير، هي تجوال «حذو بركان دزوف» -على قولة نيتشة- هي سيرٌ على الصراط، فالمُبَاح لا يحتاج إشارة ولا تكنيةً ولا تخييلا. سلطةُ المجتمع تُمثّل سيفا مانعا قاطعا، يحدّ من الدخول إلى كهوفٍ من حكايات القبائل، سلطة الدين المذهبي حدّ يدعو الحدّ، سلطة السياسة، مانعٌ يجمع بين الديني والمجتمعي، ومن وراء كلّ ذلك، روائيّ له رؤيةٌ للعالم من حوله، له حكايةٌ يريد أن يحكيها، بمنظوره للواقع وللتاريخ، في الظاهر هو ينفر كلّ منع، وفي العمق فإنّ المنع هو مقتضى إبداعي تخييليّ. عبده خال الذي يرقب المجتمع بعينِ المنغرس فيه، يلحظ تقلّباته، وتفاعله مع اليوميّ والسياسي والاجتماعي، ليبني من هامشٍ حكاية، ومن موقفٍ يمني في حرب الخليج حكاية، ومن شخصيّة المغادر قريته الداخل عالم المدينة الحديث حكاية، ليرى بعين الحاكي، الروائيّ، ما يُمكن أن تؤسّسه التغيّرات الحدثيّة في الواقع من بنيان لحكايات لا تنتهي، هي حكايات، أصلها في واقعٍ وضاربةٌ أغصانها في سماء التخييل والتمثيل، رجاء عالم وعالمها المليء بشخصيّات قريبة منها، وبتوطّن في المكان بما يستدعيه هذا التوطّن السرديّ من بوح بحكايات يختزنها المكان ويحفظ بقاياها، لا يغيب التاريخ عن الرواية في الخليج، لعلّة بسيطة، لأنّ المكان حاملٌ في ثناياه التاريخ، حاملٌ عددا لا يُحْصى من الحكايات التي تحتاج تخييلا لتقصيصها وترويتها، لإخراجها من السكون إلى الحركة، من الكمون إلى الوجود، من الخفاء إلى التجلّي، وخذ مثالا على ذلك ما ورد في رواية «طوق الحمامة» لرجاء عالم، «كما يؤكّد الشيخ مُزاحم الذي جاء مُلاحقا حَملة ابن سعود 1926 بعد الاتّفاق على تسليم الملك علي بن الحسين مدينة جدّة بعد حصار طويل واستسلام مكّة بلا حرب».

لقد خرج الأديب العربي في جزيرة العرب من القول المكرور المُعاد، من «هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَرَدَّمِ/ أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّمِ/ يَا دَارَ عَبْلةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِي/ وَعِمِّي صَبَاحًا دَارَ عبْلةَ واسلَمِي» إلى مكانٍ ينطق بحكايات كتمها الشعر، أو هو أحال إليها دون نبش في خفاياها، تنطق جزيرة العرب، وهي في حاجة إلى مزيد إفصاحٍ وبوح. لقد أقصيت رُموزٌ في الرواية الخليجيّة، كان يُمكن أن يكون لها بعيد الأثر في ضبط مسار هذه الرواية، وأُبعدت عن المشهد الخليجيّ بعلّة تثوير الحكايات المكتومة، رُموز في الكتابة الروائيّة أُقصيت اجتماعيّا وحضاريّا، وهي تُستَرجَع اليوم، ويُجْتَهَد في إرجاعها إلى المشهد الخليجي، كما فعل -على سبيل المثال- سعد البازعي في مداخلة بعنوان «مدن التيه: عبد الرحمن منيف وسؤال الهويّة» في ندوة «الرواية الخليجيّة: السوسيولوجيا الموازية». لماذا إعادة طرح سؤال الهويّة بعمق في الرواية؟ في العادة يُطرح هذا السؤال عندما تكون الهويّة الفعليّة مهدّدة بزوال أو بتبديل أو بتحريف، لقد اقترنت الدراسات المتوجّهة إلى الرواية الخليجيّة بمبحث الهويّة، ولي أن أسأل عن علّة هذا الاقتران، مع وجود هويّة واحدة موحّدة لكُتّاب أقطار دول الخليج؟

محمد زرّوق ناقد وأكاديمي تونسي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة الخلیجی ی الروایة الهوی ة من جهة

إقرأ أيضاً:

صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن

يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.

جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.

خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.

 

وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.

 

الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور،  أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.

 

مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.

 

 بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود،  بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.

واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.

#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية

مقالات مشابهة

  • كيف يمكن لهذه الدولة الخليجية أن تساعد لبنان؟
  • من بلقاس إلى المسرح.. حكاية صعود المطربة أنغام البحيري
  • من «جملات كفتة» إلى كوريا.. حكاية متحولات السينما
  • "ساعة قبل الفجر".. نضال الشافعي في حكاية تكسر باب الصمت الزمني المخيف
  • معركة هوليوود.. كيف تسعى الصناديق الخليجية لشراء نفوذ في الإعلام الأمريكي؟
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية
  • صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
  • ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل
  • رويترز: المستثمرون الآسيويون يتدفقون على السندات والقروض الخليجية