"وجبات عفنة" يقدمها العلماء لإنقاذ كوكبنا
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
يقول العلماء إن اللحوم المصنعة في المختبر تعد "وسيلة فعالة" لإنقاذ البيئة، ويمضون قدما الآن في تطوير وسائل حديثة أبرزها "مطالبة الناس بتناول العفن".
ويستخدم علماء جامعة كاليفورنيا (UC)، بيركلي، الهندسة الوراثية لإنشاء البروتينات وبدائل اللحوم من الجينات الموجودة في "عفن كوجي"، المستخدم بالفعل لتخمير صلصة الصويا.
ونجحوا في إجراء هندسة بيولوجية للعفن وتحويله إلى شريحة مقلية تشبه "برغر شهي المظهر"، ولكن هذه مجرد نقطة انطلاق هامة، حيث يأمل الفريق في تحويل العفن للتحكم بنكهة المنتج وملمسه.
ويعمل فايو هيل مايني، الشيف الذي تحول إلى مهندس حيوي، مع العلماء لإنشاء مصادر غذائية لذيذة وشهية، يزعم أنها أكثر صحة للمستهلكين والبيئة.
وحلل هيل مايني الفطريات التي تسمى Aspergillus oryzae (عفن كوجي)، باستخدام نظام تحرير الجينات CRISPR-Cas9 لتعزيز "الهيم"، وهو جزيء موجود في الأنسجة الحيوانية يمنح اللحوم لونها ونكهتها. ويستخدم أيضا في صنع البرغر المزروع في المختبر، ما يمنحه نكهته.
وزاد الفريق مضاد الأكسدة المسمى "إرغوثيونين"، والذي يرتبط بفوائد صحة القلب والأوعية الدموية ويستخدم في الأدوية لعلاج تلف الكبد ومرض ألزهايمر وغيرها من الحالات.
إقرأ المزيدوبعد ذلك، تحول العفن، الذي كان أبيضا في السابق، إلى اللون الأحمر، وأصبح من الممكن تشكيله على شكل فطيرة تشبه البرغر من خلال إزالة الماء الزائد وطحن الفطريات.
وقال جاي كيسلينغ، أحد كبار العلماء في مختبر بيركلي: "تم استخدام هذه الكائنات الحية (فطريات العفن) لعدة قرون لإنتاج الغذاء، وهي فعالة بشكل لا يصدق في تحويل الكربون إلى مجموعة واسعة من الجزيئات المعقدة، بما في ذلك العديد من الجزيئات التي يكاد يكون من المستحيل إنتاجها باستخدام مضيف كلاسيكي مثل الإشريكية القولونية".
وتابع: "من خلال إطلاق العنان لعفن كوجي، فإننا نطلق العنان لإمكانات مجموعة جديدة ضخمة من المضيفين، التي يمكننا استخدامها لصنع الأطعمة والمواد الكيميائية القيمة والوقود الحيوي كثيف الطاقة والأدوية. إنها وسيلة جديدة ومثيرة للتصنيع الحيوي".
يذكر أن العفن الناتج غير جاهز للاستهلاك بعد، وستعمل الخطوات التالية على تغيير الجينات لتغيير نسيج العفن عن طريق تحويل ألياف الخلية بحيث تصبح أطول وتمنح المستهلك "تجربة أكثر شبها باستهلاك اللحوم".
لكن هذا لن يكون كافيا لتلبية المعايير العالية للعديد من المستهلكين، ما سيدفع العلماء للبحث في زيادة الأحماض الدهنية أو تركيبة الدهون، لإضافة عنصر التغذية إلى مصدر الغذاء.
المصدر: ديلي ميل
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الارض البيئة بحوث غرائب مواد غذائية
إقرأ أيضاً:
قتل العلماء أو قتل القوة؟
إن ظاهرة قتل العلماء ليست جديدة، والبلدان العربية التي راهنت مبكراً على العلم، خصوصاً تلك التي تعلّقت همتها بالتعمق في مجال الفيزياء النووية، مثل مصر والعراق -ومن غير العربية نذكر إيران- فقد كان مصير غالبية العلماء الكبار الاغتيال والتصفية في ظروف غامضة، مع إغلاق ملفات موتهم الغامض بالعبارة الشهيرة: ضد مجهول.
في العقود الماضية كان خبر اغتيال العالم يدور في نطاق ضيق؛ لذلك يظل الحدث ضيقاً، وفي دوائر قريبة، كما يظل فاعل الجريمة غير معروف حتى لو بدا في منطق تحليل الجرائم معروفاً، وهو ما يجعل من الاتهامات مجرد فرضيات.
أما اليوم فالملاحظ أن الأمور تغيّرت: إسرائيل تُعلن تأكيد اغتيالها عدداً من العلماء النوويين في إيران، وتكشف طوع إرادتها حتى عن بعض ملابسات الاغتيال كالتوقيت، بل أيضاً تتباهى بأنها قتلتهم وهم نيام في أسرّتهم. وطبعاً في الحروب لا يعترف طرف الحرب إلا بما يخدم صورته، ويمثل استعراضاً لقوته وانتصاراته. المشكل الآخر أن الأخبار تناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كأي خبر عادي. لا شيء يوحي بخصوصية في المعالجة الإعلامية لأخبار القتلى الذين يوصفون بأنهم: علماء.
ماذا يعني هذا: هل أن قتل العلماء أمر مباح؟ أم أن أي حرب تهدف إلى إيقاف مشروع امتلاك النووي تشترط اغتيال علماء النووي بوصفه جزءاً أساسياً ومركزياً من الحرب؟
منهجياً، الأمر مفهوم جداً باعتبار أن هدف الحرب وسببها ورهاناتها وتحدياتها تحدد الفئة المستهدفة بالتّصفية. ولنتذكر جيداً أن حرب إسرائيل ضد أهالي غزة حددت الفئة المستهدفة بالقتل بدقة: قتل الأطفال والنساء، وعدم الاكتراث بأصوات المدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن الطفولة؛ لأن الحرب ضد شعب يتميز بمعدل خصوبة يبلغ قرابة 3.7 في المائة (هذا الرقم قاله لي وزير الشؤون الاجتماعية في فلسطين منذ ثلاث سنوات تقريباً أثناء زيارته تونس)، ناهيك بأنها حرب ضد مستقبل الفلسطينيين والأجيال القادمة والوجود الفلسطيني ذاته، الأمر الذي استوجب تكتيكاً يقوم على التصفية الديموغرافية، بالتركيز على الطفل لأنه المستقبل، والمرأة لأنها الكائن الذي يضطلع بمهمة الإنجاب.
أما حرب إسرائيل على إيران فإن همها ليس الشعب الإيراني، ولا الطفل الإيراني، ولا النساء الإيرانيات، ولا حتى النظام الإيراني كما رأينا، بل هي حرب قياس القوة، وكسر الحاجز النفسي، وبعثرة المشروع النووي الإيراني بإرباكه، واغتيال أكثر ما يمكن من علمائه، وضرب منشآته.
لنأتِ الآن إلى الرسائل المفضوحة من استعراض قتل العلماء: أولاً، من المهم التذكير -حتى لو كان لا وزن أخلاقياً أو قانونياً دولياً لذلك- بأن قتل العلماء يُعد جريمة مضاعفة؛ لأنها تستهدف العالم المغدور به أولاً، وتستهدف العقل البشري والعلم ثانياً.
كما أن ما نعلمه أن العلم غير محدود، ولا يعرف حدوداً، ومنطقياً لا يمكن أن يكون اختيار العَالِم البحث أو الطموح في مجال ما سبباً في قتله، فالمشكلة في الجانب الرمزي الذي يجب ألا يستبيح قتل العلماء، وأن يجعل من العلم سبباً للقتل والتصفية.
كذلك هناك تفصيل آخر يتعلق بأن المشكلة ليست في الفيزياء النووية بوصفها طريقاً لامتلاك القوة، بدليل أن علماء الدول القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليسوا مهددين بالقتل بقدر ما يُمثلون طموح أميركا وقوتها.
إذن الإشكال في الانتماء الحضاري، وفي جنسية العالم الذي نبغ في الفيزياء النووية أو في أي مجال له صلة بالقوة. فالرسالة التي نسوقها بعيداً عن ذهنية المؤامرة أو حتى التخمين لأننا نكتفي بمجرد التوصيف والتأويل الأولي: ممنوع على الدول غير المنتمية لنادي الكبار امتلاك القوة والطموح علمياً.
الأجدر بالإنسانية اليوم محاربة المشروع النووي من جذوره؛ ممنوع على الجميع امتلاكه، بل إن استئثار عدد من الدول به من دون غيرها هو ما يحرض البقية على القيام بمحاولات لامتلاكه، بصفته أكبر دليل على اختلال الفرص والحقوق في موازين القوى.
فالمشكلة ليست في معارضة المشروع النووي الإيراني، بل في عدم معارضة المشروع الإسرائيلي، وفي دعم إسرائيل. ولا شك في أن هذه الوضعية الملتبسة من المنع لطرف والسماح لعدوه هي التي جعلت منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر دائمة من منطلق أن وجود مشروع نووي لا يمكن أن يبعث على الشعور بالراحة والأمن والاستقرار؛ لأن في لحظة امتلاكه يصبح القوة الوحيدة، ومن حوله في حالة تهديد على الدوام.
بيت القصيد: منع امتلاك النووي في منطقة الشرق الأوسط لن يكون إلا إذا شمل الجميع، وعلى رأسهم إسرائيل. ومن دون ذلك ستظل المنطقة في اشتعال، ودوران في حلقة مفرغة من تراكم المشروع ثم افتعال حرب لإرباكه وقتل العلماء، مع ما يعنيه ذلك من معانٍ أخلاقية وقانونية وعلمية محبطة.
وعلى الدول المالكة للسلاح النووي أن تبدأ بنفسها كي تشق طريق السلام على أسس سليمة.
الشرق الأوسط