عمّان- ألقت الحرب على قطاع غزة التي دخلت شهرها السادس على التوالي بظلالها على خيارات وحجم الاستهلاك في الأردن مع حلول شهر رمضان المبارك الذي عادة ما يشهد ارتفاعا بمعدل الإنفاق عن باقي شهور السنة بنسبة عالية، فيما يتوقع خبراء اقتصاديون أن تتراجع نسبة الإنفاق لهذا العام.

وانعكس العدوان المستمر على قطاع غزة على خيارات المواطنين الأردنيين الاستهلاكية ومظاهر استقبال الشهر الكريم، ويشير أصحاب محال تجارية التقتهم الجزيرة نت إلى أن هناك تراجعا عاما في الحركة الشرائية، أبرز أسبابه تأثر المواطنين مع ما يحدث في قطاع غزة واستجابتهم لحملة مقاطعة العلامات الداعمة لإسرائيل.

تراجع كبير بالشراء

يقول أحمد رحال أحد أصحاب المحال التجارية في عمّان إن صور التجويع التي تأتي من غزة لأطفال لا يجدون قوت يومهم جعلت المواطن الأردني يشعر بشيء من الترف عند تسوّقه بما يزيد على حاجته، فضلا عن حدوث تغيّر في خياراته وأولوياته الشرائية.

ويضيف للجزيرة نت: "الزبون يدخل ليشتري على مضض، ولهفة التحضير لشهر رمضان غائبة، كما أن الزبون بتعامل بحذر من المنتجات المقاطعة ويتحرى ذلك بدقة"، مشيرا إلى أن القوة الشرائية قد ضعفت بالفعل.

بدوره، قال خليل الحاج توفيق رئيس غرفة تجارة الأردن أنه تم رصد تراجع بنسبة تصل لـ40% في قطاع الغذاء ونسب كبرى في قطاعات أخرى نتيجة أجواء التعاطف والألم إذ يرتبط الأردني ارتباطا وجدانيا مع ما يحصل في قطاع غزة من مشاهد الإبادة والتجويع.

وأضاف للجزيرة نت أن هناك تراجعا كبيرا في الطلب على مكونات الحلوى الرمضانية، فضلا عن توجه الشركات المختلفة إلى الامتناع عن إقامة الولائم الرمضانية للعملاء والشركاء المعتادة في شهر الصيام وتخصيص مبالغها لصالح غزة.

وأشار الحاج توفيق إلى أن "مناظر الغزيين الجوعى ربما أشد ألما من مشهد الشهداء، حيث إننا نؤمن أن الشهيد حي في جنان خالقه بينما مشهد الأطفال والكبار الجوعى يضع في القلب غصة تدفع بالشخص للشعور بالخجل والعار إذا أسرف بالطعام والشراب".

حسب دراسة 93% من الأردنيين يشاركون في المقاطعة الاقتصادية (الجزيرة) المقاطعة

لم يتوقّع عبيدة (35 عاما) أن امتناعه عن التسوق من أحد المتاجر التي كان يرتادها باستمرار فيما سبق بسبب قرار المقاطعة سيدفع إدارة التسويق في هذا المتجر للتواصل معه هاتفيا للاستفسار عن سبب غيابه قبيل شهر رمضان، حيث أوضح للجزيرة نت أن الموظف الذي تحدث معه حاول تغيير قناعاته فيما يخص مقاطعة هذا المتجر العالمي الذي يملك سلسلة من الفروع في الأردن.

وانتقلت مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال من حيز "رد الفعل" كما كان يحصل سابقا مع كل تصعيد تشهده المدن الفلسطينية إلى "ثقافة وأسلوب حياة" لدى المواطن الأردني انعكس على سلوك التسوّق في التحضير لشهر رمضان وفقا للحملة الشعبية للمقاطعة "قاطع".

ويشير عبد الله قفاف عضو الحملة في حديثه للجزيرة نت إلى التجاوب الكبير من قبل المواطنين مع المقاطعة خلال شهر رمضان خاصة بالامتناع عن بعض المنتجات التي كانت في السابق جزءا أساسيا من مائدة رمضان في كثير من المنازل أو تلك التي تستخدم بشكل أساسي في الطهي، وهو ما دفع بعض المتاجر المدرجة ضمن قوائم المقاطعة إلى القيام بعروض غير مسبوقة لجلب المستهلكين.

كما أشار قفاف إلى رصد الحملة الشعبية خلو الكثير من المطاعم المدرجة على قوائم المقاطعة من الزبائن في فترات السحور والإفطار والتي كانت في السابق تعجّ بالمواطنين وهو ما يؤشر إلى الاستمرارية التي دفعت علامات تجارية عالمية لعرض وجباتها بنصف السعر الأصلي.

ويقول أسامة، وهو مالك متجر للتمور، إن " السؤال الأول الذي أصبحنا نتلقاه من كثير من الزبائن قبل سؤال الجودة والنوعية والسعر هو مصدر هذه التمور وما إذا كانت مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي".

وفي استطلاع لمركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أظهرت النتائج أن 93% من الأردنيين يشاركون في المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الاحتلال والمنتجات الأميركية مع توجه المعظم إلى منتجات وطنية محلية الصنع.

عند شراء التمور يتحرى الأردنيون مصادرها (الجزيرة) مظاهر الزينة والاحتفال

مع اقتراب دخول شهر رمضان خلال الأعوام السابقة كان محمود (40 عاما) وهو رب أسرة يسارع في اختيار آخر أفكار حبال الزينة الكهربائية والأهلة والفوانيس لشرائها، حاله حال معظم الأسر الأردنية، حيث تشهد واجهات المنازل مع دخول رمضان صورة كرنفالية لافتة احتفالا بالشهر، وهو الأمر الذي اختفى بشكل كبير في هذا العام.

ويقول سعيد، وهو مالك متجر للإنارة، للجزيرة نت: "فيما سبق كنا لا نكتفي بملء المحال بمنتجات زينة رمضان بل كنا نقوم بنصب خيام أمام المتجر لاستقبال الأعداد الكبيرة من الراغبين بالحصول على أنواع الزينة المختلفة والتي تتجدد مع كل عام، أما هذه السنة فقد تراجع الإقبال بنسبة كبيرة حتى أننا عرضنا المنتجات بكميات قليلة وعلى حسب الطلب وباستحياء".

من جهته، يقول رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق إن الطلب على منتجات زينة رمضان تراجع بنسبة تفوق 50% عن السنوات السابقة وذلك تعاطفا مع غزة.

الدافع النفسي

ويحلل فراس الحبيس أستاذ علم النفس في الجامعة الأردنية توجه المواطن لتجنب أشكال الرفاه في الاستهلاك بالقول إن هناك في علم النفس ما يسمّى "التقمّص" فالمواطن يتقمّص مشاعر إخوانه ومن يربطه بهم رباط وجداني وثيق من أهالي غزة من الأبطال والمناضلين الذين اجتهدوا في الدفاع الأعراض وعن أرضهم.

وأضاف "طبيعة الإنسان أن يتقمّص دور البطل، حتى في الأفلام والمسلسلات يتقمص هذا الدور، فكيف عندما يكون هؤلاء الأبطال حقيقيين تحملوا وعانوا فيكون لهذا التقمص دور كبير في تبني مشاعرهم والعيش بنفس عيشتهم قدر المستطاع للشعور بهم، وهو دليل على تآلف القلوب".

ويشير إلى أن الاقتصار على الأساسيات مردّها مقارنة الإنسان نفسه مع إخوته الآخرين ممن كانوا في نفس وضعه أو أحسن وأصبحوا يفتقدون لقمة الخبز.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات للجزیرة نت شهر رمضان قطاع غزة فی قطاع إلى أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟

 

وبحسب حلقة "معركة العقول" من برنامج "المقاطعة" التي بثت على موقع الجزيرة 360 بتاريخ (2025/12/11) ويمكن متابعتها من (هذا) الرابط، فإن منظومة متكاملة من الأدوات التي يستخدمها الاحتلال لفرض روايته، بدءا من تأسيس صحيفة "جيروزاليم بوست" عام 1948 لترويج السردية الإسرائيلية للرأي العام الغربي، وصولا إلى عقود بمليارات الدولارات مع عمالقة التكنولوجيا.

ورصدت الحلقة كيف تحولت حركة المقاطعة (BDS) إلى "خطر إستراتيجي" بنظر الحكومة الإسرائيلية، حيث نُقل ملفها عام 2013 من وزارة الخارجية إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية التي كانت تُعنى بملفين فقط: البرنامج النووي الإيراني وحركة المقاطعة.

وأنفقت إسرائيل واللوبي الصهيوني، وفق تقرير مجلة "ذا نيشن"، نحو 900 مليون دولار لمحاربة حركة المقاطعة خلال سنوات قليلة، في حين تجاوزت ميزانية وزارة الشؤون الإستراتيجية 70 مليون دولار سنويا لإدارة عمليات "دعاية سوداء" وتشويه وتجريم للناشطين.

وفي سياق متصل، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكثر من ألف حالة رقابة على محتوى داعم لفلسطين مارستها شركة "ميتا" خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحدهما، في نمط ممنهج من الإقصاء الرقمي.

وسلّطت الحلقة الضوء على مشروع "نيمبوس" الذي وقّعته الحكومة الإسرائيلية عام 2021 مع شركتي "غوغل" و"أمازون" بقيمة 1.2 مليار دولار، ويوفر للجيش الإسرائيلي أدوات متقدمة للتعرف على الوجوه وتتبع الأشياء وتحليل المشاعر.

حملة مضايقات

وعرضت شهادة المهندسة زيلدا مونتيس، التي فُصلت من يوتيوب بعد مشاركتها في احتجاجات ضد المشروع، حيث وصفت كيف تعرّضت لحملة مضايقات منظمة واتُهمت بـ"معاداة السامية" لمجرد معارضتها تواطؤ الشركة مع الاحتلال.

ومن جهة أخرى، استعرضت الحلقة تجربة عمدة برشلونة السابقة آدا كولاو التي علّقت علاقات مدينتها مع تل أبيب، وواجهت حملات تشويه وشكاوى جنائية، مؤكدة أن "منع مظاهرات لصالح فلسطين أمر غير ديمقراطي وينتهك الحقوق الأساسية".

وعلى صعيد الأصوات اليهودية المعارضة للصهيونية، أبرزت الحلقة شهادة المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه الذي وصف كيف يُهندَس المجتمع الإسرائيلي ليصبح "عنصريا ومتفوقا"، محذرا من أن الجيل الجديد "أكثر عنصرية من الأجيال السابقة".

وأكد الحاخام يرحميئيل هيرش من حركة "ناطوري كارتا" أن الصهيونية "تناقض مطلق لما يجب أن يكون عليه اليهودي"، مشيرا إلى أن 99.9% من اليهودية الأرثوذكسية عارضت الفكرة الصهيونية تاريخيا.

وختمت الحلقة بشهادة الفنان البريطاني روجر واترز، مؤسس فرقة "بينك فلويد"، الذي تعرّض لحملات ممنهجة لتدمير مسيرته الفنية بسبب دعمه لفلسطين، مؤكدا أن "حركة المقاطعة حققت خطوات مذهلة" رغم كل محاولات التشويه والإسكات.

Published On 11/12/202511/12/2025|آخر تحديث: 20:07 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:07 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • غنائم الانسحاب.. وثائقي للجزيرة يكشف حجم الأسلحة الأميركية التي استولت عليها طالبان
  • ألمانيا تستدعي السفير الروسي.. ما القصة؟
  • تركيا.. تدني شعبية الحركة القومية يضع تحالف أردوغان أمام خيارات صعبة
  • معركة العقول: كيف تسيطر إسرائيل على السردية العالمية؟
  • أوضاع اقتصادية صعبة في الضفة الغربية وغزة.. وزير الحكم المحلي الفلسطيني يكشف المأساة
  • ما حدود خيارات ترامب في فنزويلا؟
  • خالد مشعل يحل ضيفا على موازين ويكشف خيارات حماس المستقبلية
  • مقررة أممية: الجوع الذي يعانيه الأطفال في فلسطين نتيجة خيارات” تل أبيب” ودعم العواصم الغربية
  • وفد نقابة الأطباء الأردنيين يزور أطفال غزة المستفيدين من المبادرة الملكية
  • النائب أحمد الرقب النواب مسؤولون أمام الله وأمام الأردنيين