رأي اليوم:
2025-12-13@21:41:53 GMT

رسالة مفتوحة للمؤتمر القومي العربي

تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT

رسالة مفتوحة للمؤتمر القومي العربي

دكتور محيي الدين عميمور تلقيت دعوة كريمة لحضور المؤتمر القومي العربي الذي ستحتضنه العاصمة اللبنانية نهاية هذا الشهر، وكنت حريصا، كبعض الرفاق في الجزائر، على المشاركة، وربما كان سبب ذلك الرغبة في أن يكون كل منا خير خلف للراحل الكبير المناضل عبد الحميد مهري، لكن ظروفا خاصة جعلتني أضطر إلى الاعتذار، ومن هنا أحسست أن عليّ أن أقول، كتابيا، ما كنت أريد قوله في بيروت.

وأعترف هنا بأن ما شجعني على الكتابة هو حيوية الدكتور طارق ليساوي الذي يصر على محاربة الإحباط، فيواصل الكتابة ويعطي بذلك قدوة من حقه علينا أن نقتدي بها. وبداية، أحب أن أوضح أنني أسير على هُدى المنطق الجزائري فيما يتعلق بالقضايا القومية، والذي يقول بكل بساطة ووضوح أن “الالتزام مع القضية الفلسطينية هو إسمنت الوحدة العربية والتهاون في شأنها هو المُفجّر الذي ينسف الكيان العربي”. ولقد طالبت منذ شهور وشهور بوقفة نقد ذاتي نواجه بها أنفسنا ونتعرف على أخطائنا ونقوم بإجراء التعديلات الضرورية لمواقف ثبت أنها لم تكن العلاج الصائب لما نعانيه من تفتت وانهيار، ولم تكن الطريق السليم لإنجاز المشروع الحضاري القومي العربي، طبقا لما جاء في أهداف المؤتمر القومي. ولأن القضية الفلسطينية هي محور هذه السطور أحب أن أذكر بأمر أراه بديهيا، وهو تهافت المقولة التي ترى أن غاية ما نستطيع القيام به، كوطن عربي وكعالم إسلامي، هو قبول ما يرضى به الفلسطينيون، وهذا، في نظري، دليل خَوَرٍ ومبرّرُ تخاذلٍ. ذلك أننا لا نتعرض، في مجموعنا، لنفس الضغوط (ولا أقول .. الإغراءات) التي يتعرض لها الفلسطينيون من العدو الغاصب ومن أنصاره وحلفائه، وأحيانا من الأصدقاء المفترضين قبل الأعداء المهيمنين. ثم إن من حقنا، كمثقفين، أن نرفع سقف المطالب الوطنية بغض النظر عن الالتزامات الدولية لدولنا، وهنا فقطا نكون جديرين بدور الريادة الذي يتحمله المثقف الوطني، ويمكننا أن نعطي الفلسطينيين حرية المناورة لانتزاع حقوقهم، التي هي في واقع الأمر حقوق الأمة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي. ويجب أن نتذكر اليوم أن القيادات العربية هي المسؤول الأول عمّا آلت له القضية الفلسطينية من نكبات. وبدون أن أعود إلى من يقف وراء إجهاض الانتفاضة الفلسطينية في الثلاثينيات من القرن الماضي، أتوقف لحظات لأذكر بأحداث الأربعينيات. كان منطلق الأحداث آنذاك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 بتقسيم التراب الفلسطيني بين اليهود والعرب. وتفجر الغضب الفلسطيني وراح يواجه العصابات الصهيونية، التي استفادت من تجارب عناصرها خلال الحرب العالمية الثانية، وعرفت الساحة جهادا حقيقيا قام به أبناء فلسطين بقيادة عبد القادر الحسيني وحسن سلامة وأحمد عبد العزيز، وساهم فيه بكفاءة كبيرة شباب من الضباط المصريين استفادوا من عطلة بدون مرتب، بالإضافة إلى شباب الإخوان المسلمين وعناصر متفرقة من رجال المغرب العربي. وهنا تأتي الخطيئة الكبرى في التعامل مع القضية الفلسطينية. فقد قررت بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين بالتواطؤ المؤكد مع عناصر الكيان الصهيوني بقيادة بن غوريون، الذي اتخذ قرار إعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948. في نفس الوقت، كانت القيادات العربية قد قررت دخول قواتها المسلحة إلى الأرض الفلسطينية لمواجهة العدو الإسرائيلي، وذلك ضد إرادة المجاهدين الفلسطينيين بل والكثيرين من الساسة على الساحة العربية، الذين كانوا يرون أن يتم دعم المجاهدين بالمتطوعين وبالأسلحة والعتاد بدون إقحام القوات النظامية، التي كان من الصعب أن تسمى جيوشا بالمنطلق الحربي الحديث. وحدثت سلسلة الهزائم التي عرفتها القوات المسلحة العربية، التي لم تكن بكفاءة المقاتلين الصهاينة، تكوينا وعتادا، والتي كانت بعض قياداتها تحرك القوات من عاصمة البلاد. ولقد استعملت تعبير “الخطيئة” عمدا لأقول بأن المنطق السليم في 1948 كان يقضي بإعلان قيام دولة فلسطين على ترابها الوطني، من النهر إلى البحر تزامنا مع الإعلان الإسرائيلي، مع التحفظ على قرار الجمعية العامة بالتقسيم، وتعترف الدول العربية المستقلة آنذاك بالدولة الجديدة وتُطلب لها عضوية الأمم المتحدة، أسوة بما قامت به تل أبيب. لكن ما حدث كان مهزلة حقيقية، فقد قسمت فلسطين في واقع الأمر بين ثلاث دول من بينها إسرائيل، التي توسعت خارج حدود قرار التقسيم، وهكذا أصبحت “أم الرشراش” مدينة تسمّى “إيلات”. وراحت القضية الفلسطينية تعوم في بحر المزايدات والمناقصات، وأصبحت مادة للتلاسن العربي، بحيث سمعنا يوما من الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة في أريحا منتصف الستينيات لوما للعرب الذين رفضوا قرار التقسيم ولم يحاولوا مواجهة الواقع بالنضال المرحلي، أسوة بما عرفته تونس. ولم يكن سرا أن الزعيم التونسي كان ينطلق من وضعية نفور كان يشعر بها إزاء الهتافات الجماهيرية في المدينة الفلسطينية التاريخية بحياة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، متناسيا أن نجاح سياسة المراحل كان إلى حدّ كبير بفضل الثورة الجزائرية التي فرضت على فرنسا التفرغ لمواجهتها بكل الطرق الممكنة.   وللأمانة التاريخية، فإن عبد الناصر كان هو أول من طرح تلك الفكرة في 1955، في إطار مناورة سياسية أعطت نتائجها آنذاك. فخلال الإعداد لمؤتمر “باندونغ” اقترح بعض القادة الآسيويين، ومن بينهم “أونو” زعيم “بورما”، وبتأثير إسرائيلي على ما أعتقد، فكرة دعوة إسرائيل للمشاركة في المؤتمر على أساس أنها دولة آسيوية. وكان هذا سيفتح الباب أمام الكيان المغتصب ليكون جزءا فاعلا في المنطقة العربية، كما حدث فيما بعد عندما فرض تعبير “الشرق الأوسط” نفسه على الخطاب السياسي، بفعل فاعل معروف. وتفتق ذهن الديبلوماسي محمود فوزي عن الرد المناسب، وهكذا قيل إنه لا مانع من قبول الاقتراح إذا أعلنت إسرائيل قبولها لقرار التقسيم، بكل معطياته.  وبالطبع فقد رفضت إسرائيل ذلك لأنها كانت ومازالت تعمل على بناء كيانها من النيل إلى الفرات، وهو ما نجحت في تحقيقه بفضل التواطؤ المعروف. ولن أستعرض كل ما هو معروف بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي تلقت ضربات قاصمة في 1967 ثم في 1970 ثم في 1982، وتوالت النكسات في الرقص “الأهبل” بين “مدريد” و”فاس”، وتمخض الجبل فولد فأرا اسمه “حل الدولتين”، والذي كان وراءه الصحفي الأمريكي “فريدمان” وبالتنسيق المؤكد مع الحلفاء التقليديين للكيان الصهيوني. وهنا أصل إلى الهدف من هذه السطور. فحكاية الدولتين هي أغنية ممجوجة ثقيلة الدم، رفضتها إسرائيل منذ البداية، لكن القيادات العربية ما زالت تمضغها كعِلْك لا طعم له ولا رائحة. وتلميذ المدارس الابتدائية يعرف اليوم أن الضفة الغربية تتحول شيئا فشيئا، بفضل سرطان المستوطنات، إلى أرخبيل من التجمعات العدوانية يذكر بتجمعات “الكيبوتز” التي دمرت القوات العربية في 1948، بينما أصبحت غزة مجرد سجن كبير. وهنا يأتي دور المؤتمر القومي العربي، والذي ينص قانونه على أنه “يعمل على صعيد مستقل عن أجهزة الحكم”، بما في ذلك القيادة الفلسطينية بالطبع. وأنا أرى أن على المؤتمر القومي العربي أن يعلن اليوم سقوط فكرة “الدولتين”، ويطالب العالم كله، والقيادات العربية في المقدمة، باعتماد تكوين دولة واحدة متعددة الأديان والمذاهب، تتحول تدريجيا إلى واحة سلام في المنطقة وفي العالم. ويجب أن أقول هنا، وللتاريخ، أننا في الجزائر كنا أول من دعا لتحقيق هذه الفكرة، والتي قفز عليها فيما بعد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عندما تبنى فكرة تكوين دولة “إسراطين”، وبرغم أن البعض سخر من تلك الفكرة لكنها كانت هي الطريق السليم للفرار من منطق “الدولتين” الخادع. ولكيلا يسارع البعض إلى اتهامي بممارسة “الحكمة بأثر رجعي”، بتعبير الأستاذ هيكل، أذكر أنني كتبت سطورا في يونيو 1968 في مجلة الجيش الجزائرية، لم يرفضها آنذاك راعي المجلة، الرئيس الراحل هواري بو مدين، وقال لي فيما بعد أنه كان يجد نفسه في كلماتي، وربما كان هذا هو سرّ استدعائه لي فيما بعد لأعمل إلى جانبه. قلت آنذاك: “القضية فلسطينية أولا .. بمعنى أن أبناء فلسطين هم الذين يجب أن يقوموا بالدور الرئيسي ومعهم، وضمن إطارهم وتحت لوائهم، فدائيون من أبناء الأمة العربية. ويكون شعار هذه الفترة .. لا بقاء لدولة عنصرية تؤمن بالتوسع والغزو، ويكون البديل الذي نقدمه للعالم ولأنفسنا.. إقامة دولة فلسطينية تجمع المسلمين والمسيحيين واليهود داخل إطار المحبة والإخاء وتشكل لهذا العالم أرضا مقدسة وواحة سلام ومرفأ أمان. ولقد كان من أسباب خسارتنا في حرب جوان أن العالم كله كان مع إسرائيل .. بيده أو بلسانه أو بقلبه أو بها معا، فليس في مصلحة أي من القوى العالمية أن تتكون على أرض المنطقة قوة عربية متكاملة، وليس من مصلحة هذه القوى، ولكل هدفه الخاص، أن يستتب السلام في المنطقة، فمن يمول، بمشترياته، مصانع الأسلحة في الغرب والشرق.” ثم قلت “من مصلحتنا اليوم أن نعطي لشعوب العالم أجمع أغنية عاطفية من نوع .. فلسطين !! أرض السلام ؟؟ حيث لا سلام ولا حروب ولا خصام، حيث تتعانق الأديان .. ويجد كل خائف ومشرد أرض الأمان، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بإزالة الكيان الذي يزرع التعصب ويؤمن بالتوسع، ويشكل بوجوده بؤرة إثارة مستمرة للحقد والكره….ولا يتحقق ذلك إلا بإنهاء وجود دولة إسرائيل. كان ذلك ما قلته بعد هزيمة 1967. واليوم، ما رأي المؤتمر القومي العربي؟ هل يجرؤ المثقفون العرب على إعلان سقوط فكرة الدولتين، والمناداة بدولة واحدة، تواجه فكرة الدولة اليهودية العنصرية التي ينادي بها قادة الكيان، وبهذا نعطي الغرب فرصة إثبات نزاهته عندما يطالبنا بإقامة دولٍ علمانية، وفي نفس الوقت نعطي للشباب في العالم أجمع ما يذكرهم بأيام شعارات تشي غيفارا وبدورهم الرائد في مواجهة حرب فيتنام، ليكون الشارع الدولي النصير الأول لنا في مواجهة العنصرية اليهودية؟ ثم، أليس هذا هو ما ينزع عن “التطبيع” كل مبرراته؟ مفكر ووزير اعلام جزائري سابق

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة فیما بعد

إقرأ أيضاً:

تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط

بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.

والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.

لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.

والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.

أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.

أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.

هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.

وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.

الأيام الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
  • الرئاسة الفلسطينية ترد على تصريحات السفير الأميركي لدى إسرائيل
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • دولة التلاوة.. لجنة التحكيم توجه رسالة للمتسابق محمد أحمد حسن فخر للجميع
  • غارات إسرائيل على لبنان استهدفت مناطق مفتوحة ولم تُسجل خسائر بشرية
  • رسالة اللاغفران.. جحيم المثقف العربي وتكسير أصنام الثقافة
  • رسالة غير مسبوقة من نتنياهو إلى إسرائيل
  • رئيس غرفة التجارة العربية الفرنسية: المياه والبيئة في صميم الأزمات والفرص بالعالم العربي