الحرب أهلكت القطاع الصناعي.. هل يفرغ الجنوب من مؤسساته؟
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
أتمّت الجبهة الجنوبية 5 أشهر من حرب اشتعلت بين حزب الله من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى، طالت خلالها الصواريخ الإسرائيلية القرى الحدودية على امتدادها داخل الجنوب، إذ لم تعد الحرب مقتصرة على قطاع دون آخر،حيث بات الجنوب دائرة حمراء واحدة، مهدّدة بالاشتعال بين لحظة وأخرى.
ووسط المجازر التي ترتكبها إسرائيل، سواء على المستوى الزراعي، أو البنى التحتية، فلقد طالت شرارات الحرب أيضا قطاعي الصناعة والتجارة، وبالرغم من أن لا أرقام دقيقة ولا دراسات شاملة، إلا أن خبيرًا اقتصاديًا يشرح عبر "لبنان24" تقديرات تشير إلى أن الخسائر بلغت إلى حدّ اليوم ما يقارب 2,2 مليار دولار.
"لبنان24" جال على طول الشريط الحدودي، ودخل أماكن صناعية كانت تعتبر أساسيىة في الجنوب.. المولدات توقفت، والماكينات تنتظر أهلها. لا مصانع تعمل، وكأن الحرب قد أعدمت فعليًا القطاع الصناعي هناك. جنوبيون، لا يعلمون شيئًا عن مصانعهم، تركوها واتجهوا إلى بيروت، خاصة في القطاع الأوسط، وتحديدًا في كفركلا، وعيتا الشعب، إذ إن العديد من هؤلاء لم ينجحوا في الوصول إلى مصانعهم لمعاينة الأضرار.. هم لم يعرفوا أصلا ما إذا كانت أعمالهم قد قصفت أم لا تزال خارج بنك استهدافات العدو.
إفراغ جنوبي
صناعيون كثر هجروا الجنوب، وضاقوا ذرعًا من سيناريو التدمير، ما دفعهم الى نقل أعمالهم بشكلٍ كلي إلى بيروت، حيث يعتقدون أن هناك، وإن كان الربح محدودا، فالعمل سيبقى قائمًا ومستمرًا، وليس هناك أي تهديد بخسارة رأس المال، وهذا الامر يشمل أصحاب المصانع الكبيرة بشكل عام، ومالكي المصانع الحرفية الصغيرة بشكل خاص، إذ إن هؤلاء لا قدرة لهم على إعادة إعمار ما تهدم، ولن يكون في مقدورهم انتظار التعويضات على مدى سنوات لمعاودة أعمالهم.
"أبو محمود" هو واحد من الجنوبيين، الذين فقدوا الأمل من العمل في جو آمن في الجنوب، وهذا ما "أجبرهُ" على نقل مصنعه الصغير الذي كان يستعمله لصناعة الصابون إلى بيروت.
يؤكّد "أبو محمود" أن الأوضاع اختلفت 180 درجة، لا أرباح تذكر، فما كان يستطيع أن ينتجه في الجنوب غير قادر اليوم على إنتاج مثيله في بيروت، أضف إلى أن سوق الجنوب لا يدرّ الأرباح كسوق بيروت تمامًا.
نزوح الأعمال المتتالي تهدّد منه أوساط اقتصادية، إذ تشير إلى أن استمرار وتيرة النزوح هذه على ما هي عليه تعني إعدامًا كليًا لأي خطة تنمية مستقبلية جنوبًا.
في هذا السياق، يوضح رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب محمد صالح لـ"لبنان24" أن ما يحصل اليوم من هدم للقطاع الصناعي في الجنوب سيكون له نتائج كارثية للمستقبل.
وأضاف:" اليوم، كافة المصانع على الشريط الحدودي متوقفة 100%، وبحدود 60% في المناطق المجاورة"، مؤكدًا أن "الصناعة بشكل عام مرتبطة ببعضها البعض، وكل قطاع يعتمد على الآخر، بدءًا من الصناعة وصولاً إلى الزراعة، فالتجارة".
وقد أبدى صالح تخوفه من عملية النزوح الكثيفة للأعمال الصناعية، التي يؤكّد أنّه وفي حال نقل أصحاب المصالح أعمالهم إلى خارج الجنوب، فإنّه لن يكون هناك أي فرصة لعودتهم، وما حصل في بنت جبيل خير دليل على ذلك.
الصناعات الكبيرة تعاني
بالتوازي، لم تكن الصناعات الإقتصادية بمنأى عن تداعيات الجبهة الجنوبية، بل على العكس من ذلك، إذ يؤكّد مصدر اقتصادي خلال حديث مع "لبنان24" أن المصانع، بدءًا من الجنوب، وصولاً إلى لبنان بشكل عام تأثرت وبشكل كبير.
فمن ناحية أولى، أدى توقف عمليات الشحن عبر البحر لأزمة كبيرة في ما خصّ توريد المواد الأولية للمصانع اللبنانية، وهذا ما دفع بالعديد من الشركات التي تورّد إلى لبنان لرفع أسعارها، ما انعكس بشكل سلبي على أداء هذه المصانع، التي خفضت قدرتها الإنتاجية إلى أكثر من 50%، وهذا ما سيؤثر بطبيعة الحال على دورة العجلة الإقتصادية المرتبطة ببعضها البعض، والتي بدأت أصلا مع التضخم الكبير في أسعار السلع والخدمات، إذ أظهرت البيانات الحديثة لإدارة الإحصاء المركزي، أن مؤشر أسعار الإستهلاك في لبنان سجل ارتفاعاً نسبته 208.5 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وهو ما يعود إلى إرتفاع أسعار مختلف المواد والخدمات الأساسية في البلاد.
وبأرقام حصل عليها "لبنان24"، أظهرت مستوى قياسيا من التراجعات غير الطبيعية لعمل وإنتاجية مختلف القطاعات، بدءًا من الجنوب وصولاً إلى القرى المحيطة، التي وإن لا تعد موجودة على خارطة الحرب الدائرة، إلا أنّها تأثرت بشكل مباشر وغير مباشر.
وبمجموع كليّ، فقد كان قطاع المطاعم الأقل تأثرًا بما حصل حسب رئيس غرفة الصناعة والتجارة والزراعة في الجنوب محمد صالح، الذي أشار لـ"لبنان24" الى أن هذا القطاع استطاع أن يبقى صامدًا إلى حدّ الآن على عكس القطاعات الأخرى، التي تعتبر بمكان مكمّلة وليست أساسية.
كما تم بالتوازي إلغاء كافة الفعاليات التي تتعلق بالمؤتمرات المحلية، العربية، والأجنبية، وهذا ما أثّر على خطط تنمية الجنوب المستقبلية التي كانت مقررة. أضف إلى شلل تام بقطاع الفنادق، وتأجير السيارات.
كل ذلك يبقى محمولا، طالما أن الحرب لا تزال محدودة إلى حدّ الآن حسب الخبير الإقتصادي، الذي يتوقع أن القطاع الصناعي والتجاري بشكل عام في الجنوب بدأ يلتمس تراجعًا جديدًا خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد بدء إسرائيل باستهداف القادة، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يعني أن التجارة والصناعة في المنطقة الجنوبية متجهة لشلل تام سيسجل 100% بمناطق الصراع، ومن شأنه أن يسجّل بالقرى المجاورة لقرى الصراع تراجعًا بحدود 75%، وهذا يعني ضربة قاضية ستتوجه للمشاريع الصغيرة، التي كانت تشكل جزءًا لا يتجزأ من خطط تنمية الجنوب، وضربة قاسية وقوية للمصانع الكبيرة، التي من المتوقع أن يتم استهدافها في حال ازدادت رقعة الحرب، علمًا أن العديد من الإقتصاديين بدأوا بنقل آلاتهم إلى بيروت، أو مناطق أكثر أمانًا حسب المصدر. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إلى بیروت فی الجنوب بشکل عام بدء ا من وهذا ما
إقرأ أيضاً:
كأس العرب ... وكأسك يا وطن!
لم نعد في حاجة لإهدار المزيد من الوقت في الحديث عن أسباب"فشل" لاعبي منتخب مصر في منافسات كأس العرب الأخيرة، فالمعركة الكلامية، وتوجيه اللكمات اللفظية لهذا أو لذاك، ليست سوى طلقات فارغة لا تفيد ، فالهزيمة وقعت، وليس لها من دون الله كاشفة.
ولكن المهم الآن وما يجب أن نتوقف عنده كثيرا، هو أن ندرك حقيقة الفكر الذي قادنا إلى الهزيمة .
والهزيمة لا تقع مع إطلاق صافرة نهاية المباراة، بل تبدأ قبل ذلك بزمن طويل، تبدأ من عقول المسئولين، ومن مكاتب بعيدة عن الملاعب، فتهزم الفريق قبل أن يدخل أرض الملعب!
و نكسة كأس العرب لم تكن مجرد نكسة رياضية فحسب، بل كان شاشة عاكسة ومرآة صادقة كشفت عن خلل خطير يضرب صميم بنية الجهاز الإداري نفسه!
في الماضي، كنا نُرجع هزائم كرة القدم لأسباب فنية: سوء حظ، أو نقص لياقة، أو تكتيك خاطئ، أو استهانة بالمنافس...
في الماضي أيضا كنا نسمى الهزائم" نكسة" أو حتى "وكسة"، ونرتضي بذلك ونكتفي به، ونصمت بعده، بينما يبقى السر الأكبر وراء كل الهزائم و" النكسات" كامنا داخلنا، ومتغلغلا في قلب المجتمع ، وهذا السر هو "غياب الوطنية لدى المسئولين".
إن الخسارة في"كأس العرب" ليست سوى قمة جبل جليد يخفي ما هو أخطر، وهو أن "كأس الوطن" نفسه أصبح مهددا، وأن مستقبل الأمة بأكملها يمكن أن ينكسر بسبب تصرفات مسئولين منشغلين بذاتهم لا بعملهم، وبمصلحتهم الشخصية لا بالمصلحة العامة!.
لقد صار واضحاً للعيان أن هناك صراعات خفية، أو ربما ليست خفية، بين أجنحة وأجهزة داخل كثير من منظوماتنا الإدارية، وأن هناك مسئولين في المؤسسات العامة يرى كل منهم نفسه "الحارس الأمين" دون سواه، وهناك من يرى منصبه "غنيمة" يجب الدفاع عنها بأي ثمن ، حتى لو كان الثمن هو سمعة مصر ذاتها!.. وهناك من يصرف كل طاقته ووقته وجهده لا لحل مشاكل الناس ولا لوضع خطط لمستقبل أفضل، وإنما لتصفية الحسابات، وتوجيه الاتهامات، وتشويه "السمعات"، وتمزيق الثياب، وفضح السوءات وكشف العورات..
وهذا هو القاتل الحقيقي لأي تقدم، وهو السر الأكبر لكل الهزائم والنكسات و"الوكسات" والانكسارات.
بالله عليكم .. كيف ننتظر أن يلعب فريق كجماعة متكاملة، بينما أجهزته الإدارية "جماعات متصارعة"؟ .. وكيف يمكن لمؤسسات أن تحقق "النصر"، في حين أن طاقاتها بالكامل تتبدد في الصراعات الداخلية بين مسئوليها؟.. وكيف نطلب من الجمهور أن يثق في "غد أفضل" بينما يرى كبار المسئولين في بعض مؤسسات الدولة تتقاتل وتتصارع كما لو كانوا أعداء وليسوا شركاء في تحقيق الصالح العام ؟
وفي يقيني أن الكارثة لن تتوقف عند خسارة بطولة كروية، بل تتخطاها إلى ما هو أبعد وأخطر، فعندما يرى المواطن هذا التصدع داخل بعض مؤسسات الدولة، وهذا الانشغال بالصراع على النفوذ بدلاً من العمل الجاد، فإن شعوره الأول يكون الإحباط، وشعوره الثاني هو فقدان الثقة.. وفقدان الثقة هو الانهيار الأكبر.
فإذا اهتزت ثقة الناس في قدرة الحكومة على إدارة شؤون البلاد حتى في الأمور البسيطة ككرة القدم، فكيف يمكن أن يُطلب منهم تحمل الصعاب لبناء مستقبل أفضل ووطن أقوى؟
وأمام هذا الحال صار لزاماً على الأجهزة الرقابية جميعا أن تتحرك - اليوم وليس غدا- لمحاسبة كل مسئول يتجاوز في مسئولياته ومهامه ، و أيضا لـ "فض الاشتباك المؤسسي" في كثير من الجهات والهيئات العامة.. يجب أن تُرسم خطوط واضحة تفصل بين مهام كل مسئول ومهام مسئول آخر، ويجب أن يلتزم جميع المسئولين أيا كانت مناصبهم ، وأيا كانت جهات عملهم،.. الكل يجب أن يلتزم بتحقيق هدف واحد أوحد، وهو: المصلحة العامة.
إن لم نقم بذلك الآن، فالحقيقة القاسية التي يجب أن نتوقعها، هي أن ما شاهدناه في كأس العرب من إهانة ومهانة وانكسار لن يكون سوى "بروفة" أولى لسلسلة من الإخفاقات التي تنتظرنا في ميادين أخرى قد تكون أشد خطراً وأكثر حساسية.