سالم بن خالد القاسمي يكتب: تنمية المعرفة.. الاحتفال بشهر القراءة الوطني في الإمارات
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «الكتاب هو وعاء العلم والحضارة، والثقافة والمعرفة، والأدب والفنون. إن الأمم لا تقاس بالثروة المادية فحسب، ولكن أيضاً بأصالتها الحضارية. والكِتاب هو أساس هذه الأصالة وعنصر رئيسي في تأكيد حضارتها».
وتؤكد هذه الرؤية العميقة فلسفة قيادتنا، وإيمانها بأن أعظم ثروة لأمتنا هي شعبها، وفي سبيل تعزيز مهارات هذا الشعب، علينا أن نبدأ بالبناء الأساسي - القراءة.
لا يُعلى على قيمة القراءة. سواء كانت روايات أو صحفاً أو مجلات أو دوريات، حيث تزودنا القراءة بالأدوات اللازمة للنمو الشخصي والفكري. ومن خلال القراءة نبني التفكير النقدي والمهارات التحليلية والفهم الدقيق للعالم من حولنا. كما أنها تفتح الباب أمام ثقافات لا حصر لها وتعزز التعاطف وتوسع منظورنا حول أي موضوع، وتقدم نظرة ثاقبة للتجارب الإنسانية خارج محيطنا المباشر. وفي الواقع، لقد تعلمنا الكثير مما نعرفه عن عالمنا من خلال القراءة، وليس من خلال التجربة المباشرة. ربما الأهم في عالم يزداد استقطاباً يوماً بعد يوم، أن القراءة تساعدنا على فهم حياة الآخرين وتجاربهم.
لقد أصبح شهر القراءة الوطني في دولة الإمارات أكثر نمواً مع كل نسخة. كما تتعاون هذا العام الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتقديم أنشطة متنوعة. ومن بينها مبادرة لإعادة نشر الكتب النادرة، وبالتالي حماية إرثها من الضياع. وقد عقدت وزارة الثقافة شراكة مع اتحاد كتاب الإمارات لإعادة إحياء 12 كتاباً من هذا القبيل. وبالإضافة إلى ذلك، سنقوم أيضاً بترجمة مجموعة من الأعمال الأدبية الإماراتية إلى لغات مختلفة. فشهر القراءة في دولة الإمارات حدث مجتمعي ويتزامن هذا العام مع شهر رمضان المبارك، مما يوفر لنا فرصة لجمع الثقافة والأدب والتقاليد معاً.
ولطالما كانت الكتب جزءاً لا يتجزأ من مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة. وترتبط كل إمارة بشبكة واسعة من المكتبات العامة التي تضم بعضاً من أندر وأثمن الكتب. وعلى مر السنين، لم تعد هذه الكنوز المعرفية مجرد أماكن للقراءة فحسب، بل أصبحت أيضاً مراكز لتبادل المعرفة والأنشطة الثقافية.
وعلى سبيل المثال، توجد مكتبة قصر الوطن التي تم افتتاحها خلال شهر القراءة الوطني عام 2019. وتتضمن أكثر من 50.000 عنوان في مجالات العلوم والفنون وغيرها، وتسلط هذه المكتبة الضوء على الدور البارز للاستراتيجية الوطنية للإمارات للقراءة وشهر القراءة الوطني في تذكيرنا بأهمية الكتب.
وكمثال مهم على كيفية مساهمة المكتبات في هذا الإرث ولعبها دوراً رئيسياً في بناء البنية التحتية القوية للمعرفة في الدولة، يوجد الأرشيف والمكتبة الوطنية في أبوظبي، حيث يعمل الأرشيف والمكتبة الوطنية حالياً على رقمنة الكتب حول دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج والعالم العربي لتقديم منصة ومرجع يمكن للباحثين الوصول إليهما على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
وفي دبي، لدينا مكتبة محمد بن راشد التي تحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسها هذا العام، وتضم مئات الآلاف من الكتب من جميع أنحاء العالم، تغطي أنواعاً ولغات مختلفة. وتم تجديد مكتبة الصفا للفنون والتصميم وافتتحت للجمهور خلال شهر القراءة الوطني عام 2019، وتضم مجموعة رائعة من الكتب حول التصميم والخط والعمارة والفنون.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، لعبت إمارة الشارقة دوراً رئيسياً في وضع دولة الإمارات العربية المتحدة على الخريطة الثقافية العالمية، ويتجلى ذلك من خلال مبادرات مثل «دارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية»، التي تضم مجموعة غنية من الخرائط والمخطوطات والكتب التي يعود تاريخها إلى قرون. وكذلك «بيت الحكمة»، وهو مركز ثقافي آخر يضع الكتب في مقدمة تفاعل المجتمع، حيث يوفر مكتبة ضخمة ومساحة للأشخاص لتقدير الكتب والنقد والمناقشة.
ويمثّل شهر القراءة الوطني 2024 تذكيراً بقيمة القراءة وفرصة لاكتشافها أو إعادة اكتشافها بأنفسنا. وأشجعكم على الاستفادة من المبادرات والأنشطة هذا الشهر لجعل القراءة عادة. ابحث عن مواضيع تهمك واقرأ كل يوم لتفتح أبواباً لا نهاية لها للاكتشاف والتعلم. أشارك معكم من مكتبتي الشخصية توصياتي لإصدارات أدبية فريدة تساعدكم على البدء:
- «نظم الفرائد من سيرة ابن ماجد»- لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
- «رسائل إلى شاب مسلم» بقلم عمر غباش - مجموعة رسائل تتناول قضايا المسلم في العالم الحديث.
- «سيدات القمر» للكاتبة جوخة الحارثي - رواية حائزة جائزة مان بوكر العالمية 2019.
وزير الثقافة أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شهر القراءة الوطني شهر القراءة الشهر الوطني للقراءة الإمارات سالم بن خالد القاسمي دولة الإمارات من خلال
إقرأ أيضاً:
كريم وزيري يكتب: العدو الجديد يرتدي كودًا برمجيًا
هل نحن في سلام؟ أم أن الحرب تغيرت فقط شكلًا، وتسللت إلينا في صورة إشعار على الهاتف، أو عطل مفاجئ في محطات الكهرباء، أو إشاعة تشعل الرأي العام؟ ذلك السؤال لم يعد تنظيرًا فكريًا، بل صار واقعًا يوميًا نعيشه دون أن نشعر أننا نعيش تحت نيران نوع جديد من الحروب.
لم تعد الجيوش وحدها من تخوض المعارك، أنت أيضًا على الجبهة، سواء كنت طالبًا أو موظفًا أو حتى طفلًا يتصفح يوتيوب.. فأهلًا بك في عالم الحروب الجديدة… حيث لا طلقات، لكن الجثث حقيقية.
في الحروب القديمة، كان العدو يرتدي زيًا عسكريًا وتحمله دبابة، واليوم، العدو قد يكون هاكر يجلس في قبو مظلم على بُعد آلاف الكيلومترات، يدخل إلى شبكة الكهرباء، ويغلق مدينة كاملة في دقائق، أو ربما هو "بوت" مزروع على مواقع التواصل، يصنع انقسامات مجتمعية ويدفع الناس إلى صدامات أهلية دون أن يُطلق رصاصة.
مايكروسوفت نفسها أعلنت أنها تتعرض لـ 1000 محاولة اختراق يوميًا، فما بالك بدول كبرى؟ أو حتى اقتصادات ناشئة بلا حماية إلكترونية كافية؟ وحين اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية، انضمت وحدات إلكترونية عالمية إلى المعركة، من بينها مجموعات متطوعة مثل "أنونيموس". لم يكونوا جنودًا على الأرض، بل جنودًا خلف شاشات، يهاجمون مواقع حكومية، ويبثون رسائل دعائية، ويخترقون بث التلفزيون الروسي.
هذا النوع من الحرب يثبت أننا مقبلون على عصر يكون فيه الهكر أقوى من الجنرال… والمعلومة أخطر من القذيفة.
وتخيل أن دولة تُهاجِم دولة أخرى بالكامل باستخدام طائرات دون طيار، لا طيار، لا شهود، لا بصمة بشرية وهذا ما حدث في أذربيجان وأرمينيا، حين استخدمت باكو أسطولًا من درونز تركية وإسرائيلية الصنع، وحققت نصرًا خاطفًا في إقليم ناغورني كاراباخ.
الدرونز الآن تطير، ترصد، تقصف، وتعود… دون أن تُرصد، وأسوأ ما في الأمر؟ أنها رخيصة الثمن… متاحة حتى للجماعات المسلحة، لا فقط للدول.
وفي الحرب الحديثة، لا تكسب المعركة على الأرض فقط، بل في عقول الناس من يملك القصة… يملك الانتصار ولهذا، فإن السوشيال ميديا لم تعد وسيلة ترفيه، بل ساحة حرب نفسية.
الإشاعة الآن قادرة على إسقاط وزير، أو إشعال فتنة طائفية، أو حتى الضغط على دولة لتغيير سياستها الخارجية وكل ذلك يتم عبر حسابات وهمية، و"تريندات" مصنوعة، ومقاطع فيديو مُفبركة بدقة الذكاء الاصطناعي.
أمريكا، الصين، روسيا، الهند… كلهم يتنافسون على تسليح الفضاء والأقمار الصناعية أصبحت أعين الجيوش وآذانها. ومن يتحكم في السماء، يستطيع أن يرى كل شيء، ويضرب في أي لحظة، والصراع الآن لم يعد فقط من سيملك الأرض، بل من سيحكم المدار.
حتى أن أمريكا أنشأت رسميًا فرعًا جديدًا في جيشها باسم "قوة الفضاء"، ليس فقط للاستكشاف، بل للدفاع والهجوم الفضائي.
مياه، غذاء، طاقة… ثلاثي بدأ يُشعل صراعات من نوع جديد، سد النهضة في إفريقيا، أزمة الغاز في شرق المتوسط، جفاف الأراضي الزراعية في جنوب آسيا… كل ذلك مؤشرات على أن الحروب المستقبلية ستكون على الموارد، لا على الأيديولوجيا والمقلق أن التغير المناخي يزيد من حدة هذه الأزمات، ويجعل الصدام مسألة وقت، لا احتمال.
وسابقا كان السلاح النووي رادعًا لأنه يؤدي إلى "نهاية العالم" واليوم، يتم تطوير رؤوس نووية صغيرة Tactical Nukes، يمكن استخدامها في ساحة المعركة دون تدمير شامل، لكن بأثر نفسي هائل، والمخيف؟ أن بعض الدول تدرس استخدامها كسيناريو واقعي… لا خيالي.
وبالتالب المعركة القادمة لن تطلب منك حمل السلاح، لكن قد تطلب منك كلمة سر قوية لحسابك البنكي لن تستدعيك للخدمة، لكنها قد تسحب منك الكهرباء، الإنترنت، أو الحقيقة.
في زمن الحرب الجديدة، أنت الجندي حتى لو لم تكن تدري ولذلك، فالمعادلة الآن تغيرت، الدفاع لا يعني فقط حدود محمية، بل عقول محصنة، ووعي يقظ، وذاكرة لا تُخدع.