ينطلق أستاذ اللغة العربية بكلية القانون الكويتية العالمية، الدكتور محمد حسّان الطيّان في حديثه عن موضوع القرآن الكريم واللغة العربية من مقولة " لولا القرآن ما كانت العربية"، موضحا أن العربية بعلومها المختلفة نشأت في رحاب كتاب الله عز وجل.

ويذكر في هذا السياق علم التجويد والقراءات، علم النحو، علم الصرف، علم غريب القرآن وعلم البلاغة الذي نشأ إدراكا لأسرار الإعجاز في القرآن الكريم.

.

وينوّه ضيف حلقة (2024/4/1) من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" إلى آيات جمعت صروفا من البلاغة في كلمات معدودات، ومنها قوله سبحانه وتعالى في سورة هود "وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين". وقيل إن في هذه الآية أكثر من 30 نوعا من أنواع البلاغة.

ويشير إلى نوعين من البلاغة، بلاغة الفطرة التي كانت لدى الأجداد القدامى والذين أدركوا بفطرتهم السليمة جمال القرآن وروعته وأسرار إعجازه، وبلاغة الفكرة التي تحتاج إلى إعمال الفكر.

ووفق الدكتور الطيّان، فقد أنشئت بلاغة الفكرة من طرف مؤسس علم البلاغة عبد القاهر الجورجاني ومن أتوا بعده، ليبيّنوا أن البلاغة لها 3 فنون هي: علم المعاني، علم البيان وعلم البديع، ويقول إن بلاغة الفكرة قعّدت للأمور الجمالية.

وتعني البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وهي مجسدة في القرآن الكريم الذي يوجز عندما يتطلب المقام إيجازا، مثل قوله عز وجل في سورة البقرة " ولكم في القصاص حياة"، حيث تضمنت هذه الآية على قصر كلماتها أروع بلاغة.

وعن المترادفات والأسماء الكثيرة في القرآن الكريم واللغة العربية، يبرز ضيف "الشريعة والحياة في رمضان" أن القرآن الكريم كتاب أحكمت وفصّلت آياته من لدن حكيم خبير، وما من كلمة إلاّ وقد وضعت في موضعها الصحيح والمناسب.

استخدام الألفاظ غير المألوفة

وتوجد مترادفات كثيرة في القرآن الكريم، ولا يمكن أن يغني مترادف عن مترادفه في ذلك الموضع، وضرب الدكتور مثالا بـ "السنة" و"العام"، حيث تستعمل "السنة" عند العرب للجذب وللشدة، وقال الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف " قال تزرعون سبع سنين دأبا"، أي سنين الجذب والعمل والشدة، ثم جاء في نفس السورة " ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون".

وكذلك قوله عز وجل في سورة العنكبوت "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما"، أي أن الإشارة إلى المعاناة جاءت بالسنوات والاستثناء جاء بالأعوام.

وعن أسرار استخدام القرآن الكريم لألفاظ غير مألوفة في كلام العرب، يقول الدكتور إن علم البلاغة يقتضي أن يكون الكلام مطابقا لواقع الحال، ولذلك فإن اختيار بعض الكلمات في القرآن الكريم إنما لتكون مناسبة للمعنى وللمبنى، ويضرب مثالا بقوله عز وجلّ في سورة النجم " تلك إذا قسمة ضيزى"، وتعني كلمة "ضيزى" مائلة عن الحق وغير عادلة.

ويرجح أستاذ اللغة العربية أن كلمة "ضيزى" استخدمت لتناسب الجرس في سورة النجم " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى.."، مبرزا أن غرابة القسمة اقتضت كلمة غريبة هي "ضيزى".

ومن جهة أخرى يؤكد أن الحركة الإعرابية تغير المعنى كليا ففي قوله تعالى في سورة فاطر: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، يعني أن المولى سبحانه وتعالى هو المخشي والعلماء هم الذين يخشونه، وهنا أخر الفاعل وقدم المفعول لغرض بلاغي.

وينصح أستاذ اللغة العربية بكلية القانون الكويتية العالمية في الأخير بقراءة القرآن الكريم والمداومة عليه في شهر رمضان، ويستشهد بوصية ابن مسعود رضي الله عنه، حيث قال" اقرؤوا القرآن.. وحركوا به القلوب.."، أي ضرورة التدبر وفهم الآيات وليس مجرد الاستعجال بختم السور في الشهر الفضيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات فی القرآن الکریم فی سورة عز وجل

إقرأ أيضاً:

قصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن الكريم.. تفاصيل الرحلة والإيمان والثبات

قصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن الكريم.. تفاصيل الرحلة والإيمان والثبات

 

تظل قصة أصحاب الكهف من أبرز القصص القرآنية التي تناولت معاني الإيمان والثبات واللجوء إلى الله، وقد ورد ذكرها بتفاصيل دقيقة في سورة الكهف، لتكون عبرة للأجيال ودليلًا على قدرة الله ورحمته بمن آمنوا به. وتعرض السطور التالية عرضًا شاملًا للقصة كما جاءت في المصادر الإسلامية، مع إبراز أهم الدروس والعبر المستفادة منها.

من هم أصحاب الكهف؟

ذكر الله أصحاب الكهف في قوله:
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)، مبينًا أن القصة نفسها آية من آيات قدرته.

تشير الروايات إلى أنهم مجموعة من الشبان نشؤوا في بيئة تعبد الأصنام، بينما امتلأت قلوبهم بالإيمان بالله، فرفضوا السجود لغيره رغم بطش الملك "دِقْيَانوس" الذي أجبر الناس على عبادة الأوثان.

وتوضح الآية:
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)،
أن الإيمان كان العامل الأساسي في قوتهم وصمودهم، وأن الله زادهم هداية وثباتًا.

فرار الفتية إلى الكهف

تذكر المصادر أن الفتية خرجوا من مدينتهم في يوم عيد لأهلها، وشاهدوا طقوس السجود للأصنام، فأنكروا ذلك في نفوسهم، واتفقوا على الهروب بدينهم. ولجؤوا إلى كهف يقع في جبل أو وادٍ يطلق عليه اسم "الرقيم".

وورد في القرآن:
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)،
وفي ذلك بيان لسبب لجوئهم، إذ لم يستطيعوا إعلان توحيدهم بين قومهم، فخافوا على دينهم وعلى أنفسهم من بطش الملك الجبّار.

دعاؤهم وطلبهم للهداية

توجه الفتية إلى الله بالدعاء قائلين:
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).

طلبوا الرحمة والستر، وأن يجعل الله عاقبتهم إلى خير. الدعاء هنا يعكس يقينهم وثقتهم المطلقة بالله، وأنه وحده القادر على حمايتهم من ظلم قومهم.

حماية الله لهم في الكهف

يذكر القرآن أن الله ضرب على آذانهم بالنوم:
(فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)،
فناموا نومًا عميقًا لا يسمعون فيه شيئًا، واستمر نومهم أكثر من ثلاثة قرون، كما ورد في قوله تعالى:
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا).

وتظهر في القصة آيات أخرى من قدرة الله لحفظ أجسادهم، منها:

ميل الشمس عن كهفهم فلا تؤذيهم بحرارتها.تقليب أجسادهم يمينًا وشمالًا لئلا تتآكل الأرض من تحتهم.ظهورهم كأنهم مستيقظون رغم أنهم نيام.

هذه التفاصيل جاءت في الآيات:
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ)
و
(وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ).

استيقاظ الفتية بعد مرور القرون

بعد نوم طويل، بعثهم الله من جديد دون أن يشعروا بالسنوات التي مرت. وعندما استيقظوا ظنوا أنهم ناموا يومًا واحدًا أو بعض يوم. شعروا بالجوع، فأرسلوا واحدًا منهم إلى المدينة لشراء الطعام.

كان معهم نقود قديمة، وعندما استخدمها صاحبهم في السوق أثارت دهشة الناس، فأدركوا أن أمرًا خارقًا قد حدث. وانتشر خبرهم بين أهل المدينة الذين كانوا قد أصبحوا مؤمنين بالله.

تعامل الناس مع أصحاب الكهف

بعد أن عرف أهل المدينة قصتهم، عظموا شأنهم واعتبروهم آية من آيات الله، ففكر بعضهم في بناء مسجد على باب كهفهم، كما ورد في قوله تعالى:
(لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا).

وقد بيّنت المصادر الإسلامية أن بناء المساجد على القبور ليس من تعاليم الإسلام، لكنه حدث في الأمم السابقة.

صفات أصحاب الكهف كما ذكرها القرآن

تضمنت القصة عددًا من صفات الفتية، منها:

الإيمان الراسخ بالله.الشجاعة في رفض الشرك.اليقين والثقة بالله.الهروب من الفتنة.التضحية بكل شيء لأجل العقيدة.الصحبة الصالحة التي تعين على الثبات.

جاء ذلك في قوله تعالى:
(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).

أعظم الدروس والعبر من قصة أصحاب الكهف

تحمل القصة الكثير من المعاني الإيمانية التي تهم المسلم في حياته اليومية، ومن أهمها:

الثبات على الحق وقت الفتن.اختيار الرفقة الصالحة التي تزيد الإيمان.تقديم العقيدة على شهوات الدنيا.اللجوء إلى الدعاء عند الشدائد.الأخذ بالأسباب قبل التوكل على الله.الابتعاد عن مواطن الفتنة قدر الإمكان.الصبر على البلاء.اليقين بأن حفظ الله أقوى من أي قوة أرضية.الاعتماد على الله في مواجهة الظلم.التحري في طلب الرزق الطيب.أهمية الكتمان في أوقات الخوف.

القصة تبرز أن الله يحفظ عباده المؤمنين، وأن الفتية رغم قلتهم وضعفهم، جعلهم الله مثالًا للثبات، وخلد قصتهم لتكون عبرة للأمم.

معنى القصة في واقع المسلم اليوم

تؤكد القصة أن الالتزام بالدين يحتاج إلى صبر وشجاعة، وأن طريق الإيمان ليس سهلًا، خاصة عندما يجد الإنسان نفسه غريبًا في مجتمعه بسبب تمسكه بالقيم. لكنها تشير أيضًا إلى أن رحمة الله تحيط بمن يلجأ إليه.

وتبرز القصة قيمة الهوية الإيمانية، وأهمية الثقة بالله في مواجهة الظروف الصعبة، وأن الانتصار الحقيقي يبدأ من طهارة القلب وصدق التوجه إلى الله.

 

مقالات مشابهة

  • كلمة جمهورية مصر العربية في الاجتماع الثالث والثلاثين للمجلس الوزاري لوزراء المياه بدول حوض النيل
  • المسابقة العالمية للقرآن الكريم.. كيف استعدت «الأوقاف» للنسخة 32؟ (فيديو)
  • هل يجوز قراءة القرآن الكريم في غير اتجاه القبلة؟ «الإفتاء» تجيب
  • وكيل الأزهر: مصر كانت وما زالت موطناً لتلاوة القرآن الكريم وعلومه
  • بجوائز 13 مليون جنيه.. الأوقاف تطلق المسابقة العالمية للقرآن الكريم .. غداً
  • الأوقاف: الإنسان المقبل على القرآن الكريم قلبه ممتلئ بالنور وحياته مستقيمة
  • تزايد اهتمام المسلمين بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة لما لها من فضل عظيم
  • قصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن الكريم.. تفاصيل الرحلة والإيمان والثبات
  • بيان فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريم
  • "منها التدبر والتفكير" آداب سماع القرآن الكريم