ابن المقفع.. بلاغة في القلم واللسان ومترجم كليلة ودمنة
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
وسلطت حلقة (2025/7/1) من برنامج "تأملات" الضوء على ابن المقفع، الذي ولد في البصرة، مدينة العلم والأدب، في محيط عربي إسلامي، وهو فارسي الأصل، نشأ على دين أبيه الذي اتهم بالاختلاس من مال الدولة فضرب على يده حتى تقفعت، أي تشنجت، فقيل له المقفع، وعاش ابن المقفع زمنا في الخلافة الأموية، وعند قيام دولة بني العباس أعلن إسلامه.
ألف في ثقافة العرب والعجم وأتقن اللغة الفهلوية، لغة الإمبراطورية الساسانية، ويقول محمد ابن سلام الجمحي: سمعت مشايخنا يقولون لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع.
وكان ابن المقفع كريم السجايا مرهف الحس. ويروى أن أحد الكرام دعاه يوما إلى الغذاء، فقال: أعز الله الأمير لست يومي للكرام أكيلا. فسأله عن السبب، فقال ابن المقفع: لأني مزكوم، والزكمة قبيحة الجوار ما نعمة من عشرة الأحرار.
ولم ينل ابن المقفع درجة الإمامة في الكتابة في عصره إلّا لقوة بيانه وتزعمه الترجمة. وقال ابن النديم: بلغاء الناس 10، وعدّ ابن المقفع أولَهم.
ويعد ابن المقفع رأس مدرسة في النثر الفني العربي، وأسلوبه ليس فيه تعقيد ولا غموض، ويقوم على التوسط بين لغة الخاصة والعامة، فعرف بهذا الأسلوب السهل الممتنع.
وترك عدة كتب ورسائل منها، " الأدب الصغير والأدب الكبير" و"رسالة الصحابة"، ومن أعماله ترجمة كتاب "كليلة ودمنة"، وهو تحفة نثرية وضع للملوك وفيه وصف للكائد والحيل.
ومن أقوال ابن المقفع: لا خير في القول إلّا مع العمل ولا في الفقه إلّا مع الورع ولا في الصدقة إلّا مع النية، كما يقول: أدبتني نفسي، كنت إذا رأيت من غيري حسنا أتيته وإن رأيت قبيحا أبيته، كما كان يقول إن الإيجاز هو البلاغة.
ورغم بلاغة قلمه ولسانه، كان لا ينظم الشعر إلّا نادرا، وحين سئل عن ذلك، قال: الذي يجيئني منه لا أرضاه والذي أرضاه لا يجيئني.
إعلانكما تناولت حلقة برنامج (تأملات) عدة فقرات منها، "وقفات"، التي أوردت أن العرب في الجاهلية أشادوا بذكر الحرب وتغنوا بوقائعها وافتخروا بالبطولة فيها، ولكن فئة من الشعراء التفتوا إلى الجانب السيئ منها، وهو ما يصيب الناس فيها من كوارث وما ينالون من ويلات، وتشير إلى أن الشاعر زهير بن أبي سلمى دعا إلى تأمل نتائج الحرب، مخاطبا الضمير الإنساني في المجتمع الجاهلي.
1/7/2025-|آخر تحديث: 19:33 (توقيت مكة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
محمد الموجي.. مهندس الألحان الذي غيّر وجه الموسيقى العربية
في مثل هذا التوقيت من كل عام، يستحضر الوسط الفني والجمهور العربي ذكرى رحيل أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، الموسيقار محمد الموجي، الذي رحل عن عالمنا في 1 يوليو عام 1995. ورغم مرور 29 عامًا على وفاته، لا تزال ألحانه حيّة، تملأ الفضاءات بالمشاعر وتُرددها الأجيال، فقد كان بحق "مهندس الألحان" وصاحب البصمة الذهبية في مسيرة عمالقة الطرب.
نشأة موسيقار من طراز خاص
وُلد محمد أمين محمد الموجي في 4 مارس عام 1923 بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ. نشأ في أسرة متذوقة للفن، وكان والده يعزف على العود والكمان، مما جعله يكتشف شغفه بالموسيقى منذ الصغر، ليبدأ تعلم العزف على العود في سن مبكرة.
ورغم أنه التحق بكلية الزراعة وحصل على الدبلوم عام 1944، إلا أن شغفه بالموسيقى كان أقوى، فعمل في البداية في وظائف زراعية، قبل أن يلتحق بفرق موسيقية صغيرة ويبدأ رحلته الفنية من بوابة الغناء، التي لم تحقق له ما أراد، فتحول إلى التلحين، وهو القرار الذي غيّر مسيرة الموسيقى العربية.
البدايات الفنية والانطلاقة الحقيقية
في عام 1951، قُبل محمد الموجي كملحن في الإذاعة المصرية، بعد أن رُفض كمطرب، وكانت تلك نقطة تحول حقيقية، كانت انطلاقته القوية من خلال التعاون مع عبد الحليم حافظ في أولى أغنياته "صافيني مرة"، التي شكلت بداية صعود "العندليب" وصعود الموجي كأحد أبرز ملحني الجيل.
محمد الموجي وعبد الحليم حافظ.. ثنائي غيّر الطرب
شكّل محمد الموجي مع عبد الحليم حافظ ثنائيًا فنيًا استثنائيًا، حيث لحّن له ما يزيد عن 88 أغنية، أبرزها: "حُبك نار"، "قارئة الفنجان"، "أنا من تراب"، و"اسبقني يا قلبي"، وكان لحن "قارئة الفنجان" الذي غناه عبد الحليم عام 1976 آخر تعاون بينهما قبل وفاة العندليب، واعتُبر تتويجًا لمسيرة طويلة من النجاح المشترك.
تعاون مع الكبار من أم كلثوم لفايزة أحمد
لم يقتصر إبداع محمد الموجي على عبد الحليم، بل امتد ليشمل عمالقة الطرب، على رأسهم أم كلثوم، التي لحن لها أعمالًا خالدة مثل "للصبر حدود"، و"اسأل روحك"، و"حانة الأقدار".
كما قدّم ألحانًا خالدة للمطربة فايزة أحمد مثل "أنا قلبي إليك ميال"، و"تمر حنة"، إلى جانب ألحانه لنجوم آخرين مثل شادية، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة، سميرة سعيد، وغيرهم من رموز الغناء في مصر والعالم العربي.
بصمة لا تُنسى في الأغنية الوطنيةكان لمحمد الموجي دور كبير في الأغنية الوطنية، إذ لحن عددًا من الأعمال الخالدة التي عبّرت عن روح مصر وقضاياها، مثل "يا صوت بلدنا" و"أنشودة الجلاء". وكانت ألحانه الوطنية تحمل دومًا مزيجًا من الحماس والشجن، بتوقيع موسيقي خاص لا يُخطئه المستمع.
أسلوبه الفني.. هندسة اللحن وروح الشرقتميّز أسلوب محمد الموجي بالمزج بين المقامات الشرقية الأصيلة والتقنيات الغربية الحديثة، وابتكار فواصل موسيقية غير مسبوقة، لم يكن الموجي مجرد ملحن تقليدي، بل كان يجيد التعبير عن الكلمات بألحان نابضة بالحياة، تبكي، وتفرح، وتُشعل الحنين في آنٍ واحد، مما جعله يُلقب عن جدارة بـ "مهندس الألحان".
رحيله واحتفاء لا ينتهيفي الأول من يوليو عام 1995، رحل الموسيقار محمد الموجي عن عالمنا عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد أن قدّم للموسيقى العربية أكثر من 1800 لحن، ورغم رحيله الجسدي، لا يزال صوته حاضرًا في كل نغمة، وأثره باقيًا في ذاكرة كل من عشقوا الطرب العربي الأصيل.
وتُحيي وسائل الإعلام ووزارة الثقافة المصرية ذكراه سنويًا، من خلال التقارير والبرامج، وتُعرض أعماله في المناسبات الفنية، لتُذكر الأجيال الجديدة بإرث موسيقي لا يُقدّر بثمن.