مقال بموقع بريطاني: لماذا غاب التعاطف مع إغلاق الحساب المصرفي لمسجد فينسبري بارك؟
تاريخ النشر: 28th, July 2023 GMT
انتقد محمد كوزبر، رئيس مسجد فينسبري بارك (Finsbury Park) شمال لندن، الصمت الذي أعقب إغلاق الحساب المصرفي للمسجد، بأنه لم تكن هناك صرخة عامة واسعة النطاق كما حدث مع السياسي البريطاني السابق نايجل فاراج عقب خلاف مع بنك "كوتس" بشأن حرية التعبير.
فقد ادعي فاراج بأن حساباته أغلقت انتقاما من مواقفه المتعلقة بالانسحاب من أوروبا، بينما قال البنك إن سبب الإغلاق هو أن حساباته لا تحتوي على السيولة المالية الكافية في رصيده، وليس بسبب آرائه السياسية
وعلق كوزبر في مقال نشره موقع ميدل إيست آي (Middle East Eye) البريطاني بأن الأحداث الأخيرة سلطت الضوء على معايير مزدوجة مقلقة في مجتمع يعلن التزامه بالعدالة والمساواة وحرية التعبير.
وذكر أنه عندما أغلق الحساب المصرفي للمسجد بشكل غير عادل في عام 2014، كان هناك القليل من القلق العام أو الاعتراف، رغم محاولاتهم تسليط الضوء على المشكلة.
معايير مزدوجةوأردف بأنه عندما واجه فاراج، وهو شخصية معروفة بآرائه المثيرة للانقسام حول المسلمين البريطانيين والأقليات الأخرى، مصيرا مشابها، أشعل ذلك ضجة وطنية، مما أثار تساؤلات حول التحيز السياسي والمعاملة غير المتكافئة للأفراد.
لا ينبغي استخدام الحسابات المصرفية أبدا كسلاح لمعاقبة الأشخاص بناء على آرائهم أو انتماءاتهم الدينية أو مواقفهم السياسية، طالما أن هذه التعبيرات مشروعة
ونبه كوزبر إلى أن المسألة ليست ما إذا كان المرء يتفق أو لا يتفق مع آراء فاراج، وإنما المبدأ الأساسي للمساواة في المعاملة بموجب القانون لجميع الأفراد، بغض النظر عن معتقداتهم السياسية أو هويتهم الدينية.
وأضاف أنه لا ينبغي استخدام الحسابات المصرفية أبدا كسلاح لمعاقبة الأشخاص بناء على آرائهم أو انتماءاتهم الدينية أو مواقفهم السياسية، طالما أن هذه التعبيرات مشروعة.
وقال إن إغلاق الحساب المصرفي لمسجدهم كان له عواقب وخيمة وبعيدة المدى. فقد أصبحت العمليات المالية معركة شاقة وهم يكافحون للحفاظ على عملياتهم المالية اليومية. وأصبح دفع رواتب الموظفين تحديا، وأدى انقطاع التبرعات الدائمة إلى خسارة كبيرة في الدخل الذي هم في أمس الحاجة إليه.
ومع ذلك طعنوا في قرار إغلاق الحساب المصرفي للمسجد بشكل قانوني وحصلوا على اعتذار وتعويض من وكالة رويترز عن تقييمها غير الدقيق وغير الشفاف لهم الذي ساهم في قرار إغلاق الحساب.
وتابع كوزبر أنه عند التفكر في ردود الفعل المتناقضة على إغلاق حساب فاراج وحساب مسجدهم، يتضح أن الإعلام والمؤسسة السياسية البريطانية كرست الكيل بمكيالين. فبينما حظي وضع فاراج بالاهتمام والدعم الوطنيين، تم تجاهل نضالات الجالية المسلمة إلى حد كبير، مضيفا أن هذا التفاوت يكشف عن انتشار الإسلاموفوبيا الذي لا يزال موجودا في المجتمع البريطاني.
واعتبرها دعوة للعمل لواضعي السياسات والمؤسسات المالية ووسائل الإعلام والمجتمع لمواجهة هذه المظالم والمطالبة بحماية متساوية بموجب القانون للجميع، بغض النظر عن الآراء السياسية أو الهوية الدينية، وعندها فقط يمكن أن ندعي حقا دعم قيم العدالة والمساواة وحرية التعبير للجميع.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
نعم للترانسفير.. انهيار الديمقراطية وصعود خطاب الإبادة الدينية بإسرائيل
القدس المحتلة- قبل عقدين من الزمن، وضع الحاخام يتسحاق غينزبورغ، الأب الروحي لحركة "شبيبة التلال" الاستيطانية، تصورا أيديولوجيا يسعى إلى تقويض النظام الديمقراطي في إسرائيل، وإقامة حكم ديني يستند إلى تفوق اليهود على كامل أرض فلسطين التاريخية، وتهجير الفلسطينيين بالقوة.
الآن، وبعد "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتصاعد نفوذ التيار الديني القومي المتطرف داخل إسرائيل، يبدو أن هذه الرؤية أصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى التحقق، وفق ما كشفه تحقيق موسع نشرته صحيفة هآرتس.
ويشير التحقيق إلى أن التحولات التي شهدتها إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 تعكس تقدما ملحوظا في تنفيذ مشروع إقصائي متطرف، تتجلى ملامحه في مختلف مؤسسات الدولة.
بأوامر التوراةففي المشهد الإعلامي، تخلَّت المؤسسات الإسرائيلية عن مبادئ "التوازن المهني"، وتبنت خطابًا تحريضيًا قائمًا على الانتقام، مما رسخ مشاعر الكراهية والتحريض على العنف.
في حين لعب القضاء دورا فعالا في إضفاء الشرعية القانونية على سياسات حرب الإبادة في غزة، إذ صادق قضاة -ينتمي بعضهم إلى المستوطنين وتيار الصهيونية الدينية- على قرارات تمنع إدخال المساعدات الإنسانية، وذهبوا إلى حد وصف العدوان بأنه "حرب توراتية".
إعلانوفي قطاع التعليم، تزايدت مؤشرات التوجه نحو خطاب قومي ديني متشدد، ويتم فصل المعلمين الداعين إلى المساواة، ويلقن الطلاب مفاهيم تقوم على التطهير العرقي وتبرير الإبادة الجماعية.
وأعد التحقيق شاي حيزكاني، أستاذ التاريخ والدراسات اليهودية في جامعة ميريلاند، وتامير سوريك، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية بنسلفانيا، ويتكامل عمل الباحثين في هذا التحقيق ليقدما قراءة جديدة ومتكاملة لحقبة مفصلية من التاريخ الفلسطيني، تجمع بين التحليل الوثائقي والتأريخ.
واعتمد التحقيق على استطلاع رأي أُجري في مارس/آذار الماضي، لصالح جامعة ولاية بنسلفانيا، وشمل عينة تمثيلية من 1005 يهود إسرائيليين، وأظهرت النتائج تحولا مقلقا نحو دعم خطاب ديني متطرف يدعو إلى التهجير والعنف الجماعي ضد الفلسطينيين.
وحسب نتائج الاستطلاع، فإن 82% من المشاركين أيدوا الترحيل القسري لسكان قطاع غزة، و56% أيدوا طرد الفلسطينيين من داخل أراضي 1948، و47% وافقوا على تكرار ما تعرف بـ"مجزرة أريحا التوراتية" عبر تنفيذ إبادة جماعية عند اقتحام المدن الفلسطينية.
ويظهر الاستطلاع أن 65% قالوا إن هناك "تجسيدا معاصرا" للعدو التوراتي المعروف بـ"العماليق"، و93% من هؤلاء أكدوا أن وصية "محو العماليق" لا تزال سارية حتى اليوم.
تفكيك القشورولم يكن خطاب الحاخام غينزبورغ منذ البداية تنظيريا فقط، فمنذ عام 2005، دعا علنا إلى تفكيك ما سماها "قشور الدولة"، أي المؤسسات العلمانية الإسرائيلية، باعتبارها عوائق أمام تطور "الشعب اليهودي" في أرضه.
واستلهم غينزبورغ من "القبلانية" (القبالة)، وهي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسر الحياة والكون والربانيات، تصنيفا روحانيا يقسم الدولة إلى 4 "قشور" أو طبقات يجب كسرها، وهي الإعلام، والقضاء، والحكومة، والجيش.
إعلانويؤمن أن الثلاثة الأولى يجب تدميرها بالكامل، أما الجيش، فهو "قشرة صالحة للأكل"، يمكن إصلاحه عبر التخلص من "القيم غير اليهودية" التي تمنعه من ممارسة القتل وفق التوراة.
وقدم غينزبورغ مبررات دينية واضحة للقتل الجماعي، مشيدا بمرتكبي مذابح مثل باروخ غولدشتاين، الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل.
واعتبر أن الوقت قد حان لظهور "كسارة البندق"، وهو شخص يهودي بسيط تقوده رغبة بدائية في الانتقام، غير مقيد بالقيم الأخلاقية أو القوانين، سينفذ إبادة كاملة بحق غير اليهود، وخاصة الفلسطينيين.
وبالنسبة للحاخام غينزبورغ، جاءت لحظة "السابع من أكتوبر/تشرين الأول" لتكون فرصة تاريخية لتسريع تنفيذ رؤيته، ففي إحدى نشراته بعد الهجوم، كتب أن "وحشية العماليق" تستوجب إبادة كاملة دون تردد، بل واعتبر أن التضحية بالأسرى الإسرائيليين في غزة ثمن مقبول في سبيل تحقيق "النصر الكامل".
ويبدو أن أفكاره لم تعد محصورة في الهامش، فقد أظهر استطلاع مارس/آذار 2024 أن النسبة الداعمة للتطهير العرقي والإبادة ارتفعت بشكل حاد، مقارنة بعام 2003 حين أيد 45% فقط ترحيل سكان غزة، و31% طرد الفلسطينيين في الداخل.
وتعكس نتائج استطلاعات الرأي -يقول سوريك- "هذا التوجه المتصاعد الداعم للترانسفير والإبادة"، إذ يظهر الجيل الشاب في إسرائيل دعما أكبر لسياسات التهجير الجماعي والعنف ضد الفلسطينيين، مقارنة بجيل آبائهم، وتعكس هذه المعطيات تصاعد النزعة الفاشية داخل المجتمع الإسرائيلي، وانتقالها من هامش الخطاب إلى صلب السياسات الرسمية والمؤسساتية.
واللافت أكثر، يضيف سوريك "هو تغلغل هذا الخطاب المتطرف حتى بين الإسرائيليين العلمانيين"، إذ أيد 69% من العلمانيين -حسب الاستطلاع- الترحيل الجماعي لسكان غزة، و31% أيدوا الإبادة الجماعية استنادا إلى رواية أريحا التوراتية.
إعلانوهذا يعكس، بحسب سوريك، غياب بديل حقيقي داخل التيار العلماني للصهيونية المسيحانية، إذ لم يقدم التيار العلماني منظومة متماسكة قائمة على حقوق الإنسان بوصفها خيارا بديلا، فبات الخطاب الديني المتطرف هو المهيمن، حتى على الفئات التي يفترض بها مقاومته.
هدم كل العوائق
واستعرض التحقيق كيف تهاوت القشور الأربع؛ حيث تخلَّى الإعلام عن المهنية واحتضن خطاب الانتقام والطرد، والقضاء تحوَّل إلى أداة شرعنة للعنف.
أما الجيش، فتم اختراقه أيديولوجيا، وأغلب المجندين لم يرفضوا سياسات القتل والطرد، فقط 9% من الرجال تحت سن 40 رفضوا هذه الأفكار.
وشهد التعليم تحولًا جذريا في العقدين الأخيرين، مع تزايد تأييد التطهير العرقي لدى خريجي المدارس، إذ أيد 66% ممن هم تحت 40 عاما طرد الفلسطينيين من الداخل.
ولا تقتصر رؤية غينزبورغ على الهيمنة الدينية بل تسعى إلى هدم فكرة الدولة ذاتها، إذ صرح بأنه "تجب الإطاحة بأي حكومة، حتى تلك التي تقام وفق التوراة، في حال لم تخدم هذا المشروع". ويبدو أن الانقسامات السياسية، وتكرار الانتخابات، وتراجع سلطة القانون، كلها تصب في اتجاه تحقيق هذه الرؤية.
والتحول الأخير ليس مجرد رد فعل على "العنف" الفلسطيني أو هجوم حماس، يقول شاي حيزكاني، "بل نتيجة تراكمات عقود من تغذية الفكر الاستيطاني في المناهج والإعلام والنظام السياسي والصهيونية، باعتبارها حركة استعمار استيطاني، تنطوي في جوهرها على إمكانية التطهير العرقي والإبادة"، كما حدث بتجارب استيطانية أخرى حول العالم.
ورغم خطورة هذا المسار -يتابع حيزكاني- فإنه ليس حتميا، وإن وقف انزلاق إسرائيل نحو نظام أبارتايد ديني "يتطلب رفضا كاملا لمبدأ التفوق اليهودي، سواء أكان دينيا أو علمانيا، وإعادة تخيل الهوية الإسرائيلية بوصفها هوية قائمة على المساواة بين البحر والنهر، وليس على الامتياز الديني والعرقي".
إعلان