تفاءلوا فإن أمة «اقرأ» بدأت تقرأ
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
القراءة طريق، جسر، وساحة بوح، وحقل معارف، ونول جمال وسحر. تنفتح الألباب بالمعرفة، وتتراكم الخبرات بالاطلاع، وتنفعل الأدمغة للتفكير والتحليل، وتتحفز للإبداع والابتكار.
ما الفكرة الجيدة سوى نتاج أفكار سابقة متلاحمة ومتشابكة ومتراكمة ومتصارعة.. وما التقدم سوى أفكار جديدة.
ولا شك أن القراءة خلافاً لتصورات نمطية– شهدت تقدماً كبيراً فى السنوات الأخيرة فى عالمنا العربى.
وووفقاً للتقرير ذاته، فإن عدد المدونات العربية بلغ وقتها نحو 490 ألف مدونة، وهى أقل من سبعة فى المائة من المدونات فى العالم كله.
وقد أنتج ذلك ثقافة سمعية خانعة غلبت عليها الرؤى الدينية عبر ظاهرة شريط الكاسيت التى أتاحت الفرصة للإسلاميين بمختلف ألوانهم وقبعاتهم السياسية ليسيطروا على أجيال عديدة استسهلت الثقافة السمعية عن القراءة. وهكذا لم يكن غريباً أن يهيمن على عقول الناس من يعرفون أنفسهم بالدعاة الجدد، وأن تلمع منهم أسماء تمتلك خفة الظل، والصوت المؤثر، واللباقة والبلاغة اللفظية مثل محمد حسين يعقوب، محمد حسان، وأبوإسحاق الحوينى، وغيرهم ممن أسماهم البعض بالدعاة الجدد.
لكن الثقافة السمعية انهارت فى العالم العربى لسببين واضحين: أولهما إقليمى وهو انكشاف التيارات الدينية فى العالم العربى بعد عواصف 2011 ووصول بعض فصائلها إلى الحكم فى بعض البلدان، وشعور أجيال الشباب بالانخداع والتخبط بسبب مواقف وسياسات وأداء هذه الفصائل، ومن ثم اندفع كثيرون للبحث الذاتى عن المعرفة بعيداً عن أنظمة التلقين المعتادة مثل الاستماع لدرس أو محاضرة.
السبب الثانى كان عالمياً، وهو التطور الكبير فى أنظمة التكنولوجيا الذى أتاح ألواناً من المعارف مجاناً وبأسعار زهيدة ودون صعوبات أو حواجز لتنتشر الكتب الإلكترونية وتنطلق التطبيقات وتؤسس صفحات التواصل والنقد والانطباعات ويتسع حجم القراءة بصورة مذهلة.
فوفقاً لإحصائية جديدة أجرتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم سنة 2016، فقد ارتفع متوسط القراءة لدى المواطن العربى إلى 35 ساعة سنوياً، وقد وصلت معدلات القراءة إلى أعلى مستوياتها فى مصر التى سجلت متوسط ثمانين ساعة، وأدنى مستوياتها فى الصومال التى سجت سبع ساعات فقط. وخلصت الدراسة إلى أن المواطن العرب يقرأ نحو ستة عشر كتاباً سنوياً. وبينت الإحصائية أن من بين هذه الكتب سبعة كتب فى مجال العمل أو الدراسة وتسعة كتب فى المعرفة العامة.
وربما كان هذا دافعاً لكثير من الباحثين والمهتمين بسوق الثقافة العربى للتأكيد على تقدم القراءة فى العالم العربى، وهو ما أشار إليه صديقنا الباحث والكاتب سامح فايز فى كتابه «بيست سيللر» والصادر عام 2020 عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، إذا يؤكد أن الزخم الجارى فى المكتبات العربية والندوات والمنتديات والمهرجانات التى تنظم للقراءة لا تنطلق من سراب، وأن أمة «اقرأ» التى كان كثيرون يتندرون على كونها لا تقرأ، تغيرت تماماً.
وتعزز ذلك الدراسة الشهيرة التى أجرتها شركة «استاتستا» الألمانية مطلع 2021 بالتعاون مع صحيفة «الإندبندنت» التى أكدت اتساع حجم القراءة فى العالم العربى خاصة فى كل من مصر والسعودية، حيث احتلت الأولى المركز الخامس عالمياً، بينما احتلت الثانية المركز الثانى عشر عالمياً.
وإذا كانت مصر تحتل المركز الأول عربياً فى عدد الكتب المنشورة كل سنة بحجم يبلغ نحو 22 و23 ألف كتاب سنوياً، وفقاً للإحصائيات الحديثة، وإذا كان أكثر من نصف هذه الكتب المنشورة كتباً أكاديمية وتعليمية، ووفقاً لتأكيد محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، لكاتب السطور، فإن سوق الكتب الثقافية فى مصر يبلغ نحو ثمانية آلاف كتاب جديد، وهو ما يعادل نصف حجم الكتب الجديدة فى العالم العربى.
وهنا فإننا لا نمتلك إحصاءات واضحة ودقيقة حول نوعيات الكتب المنشورة والمقروءة، لكن هناك تقرير لاتحاد الناشرين العرب صدر سنة 2017 أشار إلى أن الكتاب الدينى ما زال يمثل 40 فى المائة من سوق الكتب الرائجة، وأن الروايات الأدبية تحتل المرتبة الثانية بنسبة 20 فى المائة، وتأتى لاحقاً كتب الأطفال بنسبة 5 فى المائة، ثم دراسات التاريخ والفكر والسير، بينما لا تزيد الكتب العلمية على 3 فى المائة.
وثمة اتجاه لم ترصده بعد أى دراسات أو إحصائيات يشير إلى وجود موجة إقبال كبير لدى جمهور القراءة العربى خاصة فى دول الخليج على الفلسفة، والكتب الفكرية، وهو ما يعزز نمو جيل جديد يبحث عن طرق ومناحٍ للتفكير.
ولاشك أن كل ذلك مبهج ومبشر ومثير للتفاؤل فيما يخص الأجيال القادمة التى ستكون أفضل حظاً منا فى المعرفة، والوعى والانفتاح، لكن من المهم جداً الحفاظ على ما تحقق والمضى قدماً فى مضاعفة القراءة وتوسيع جماهيرها باعتبار أن المعرفة هى حائط الصد الأول ضد كل الأفكار الشاذة وضد سمات وخصائص التخلف، وأنه من خلال القراءة والثقافة يمكن تخريج عقول جديدة مختلفة، قادرة على تحقيق طموحات ظلت لعقود طويلة مؤجلة.
لقد كانت أول آيات القرآن الكريم نزولاً إلى الأرض آية «اقرأ»، ولم تكن «آمن». و«اقرأ» هنا ليس مقصودا بها قراءة القرآن وحده، وإنما هى دعوة للإنسان لقراءة الكون، كل الكون بناسه، وظواهره، وتحولاته، وثقافاته، والبحث فى مختلف المباحث، والاطلاع على كل ألوان المعارف، كنقطة انطلاق لتحقيق مراد الله لعباده بعمارة الأرض. فالقراءة هى الحل.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد طريق جسر التقرير الوحيد فى العالم العربى فى المائة
إقرأ أيضاً:
أخنوش: جهود الحكومة ماضية لتقليص الفوارق المجالية وتعزيز كرامة المواطن
زنقة20 | الرباط
أكد عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، أن حكومته نجحت في تحويل الوعود الانتخابية لسنة 2021 إلى منجزات ملموسة، مشدداً على أن “الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان”، وذلك خلال كلمته، اليوم السبت، بمدينة الناظور، في إطار المحطة الحادية عشرة من جولة “مسار الإنجازات”.
وأوضح أخنوش أن جهة الشرق شكلت محطة أساسية خلال الجولة الوطنية لتقديم البرنامج الانتخابي سنة 2021، مبرزاً أن الحكومة التزمت منذ البداية بإصلاح منظومة التعليم باعتبارها مدخلاً أساسياً لبناء الدولة الاجتماعية. وفي هذا السياق، أكد أن 330 ألف موظف بقطاع التعليم استفادوا من زيادات في الأجور لا تقل عن 1500 درهم، إلى جانب إرساء مسار جديد لتكوين الأساتذة يمتد لخمس سنوات بعد البكالوريا، يجمع بين التكوين الأساسي والتأهيل المهني والتدريب.
وأضاف أن الحكومة أولت اهتماماً خاصاً بالعالم القروي، من خلال بناء 474 مدرسة جديدة، و109 مدارس جماعاتية، و120 داخلية، فضلاً عن الرفع من عدد المستفيدين من النقل المدرسي بنسبة 54 في المائة، وتعزيز خدمات الإطعام المدرسي، بهدف تقليص الفوارق المجالية وتحسين ظروف التمدرس.
وفي الجانب الاجتماعي، شدد رئيس الحكومة على أن تعميم الحماية الاجتماعية لم يعد مجرد شعار، بل أصبح واقعاً يستفيد منه جميع المغاربة، مبرزاً أن الدولة تتكفل بانخراطات نحو 4 ملايين أسرة غير قادرة على الأداء. كما أشار إلى أن حوالي 4 ملايين أسرة تستفيد حالياً من الدعم الاجتماعي المباشر، الذي يتراوح بين 500 و1200 درهم شهرياً، تنفيذاً للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وعلى المستوى الاقتصادي، استحضر أخنوش معطيات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، تفيد بأن الناتج الداخلي الخام سجل نمواً بنسبة 7.9 في المائة خلال سنة 2024، مع تحسن القدرة الشرائية للمواطنين بنسبة 5.1 في المائة، وارتفاع استثمارات المقاولات بحوالي 20 في المائة مقارنة بسنة 2023. واعتبر أن هذه المؤشرات تعكس انتعاشاً اقتصادياً ينعكس بشكل مباشر على تحسين ظروف عيش الأسر وخلق فرص الشغل.
وأكد أخنوش أن هذه النتائج تحققت بفضل سياسات عمومية مسؤولة وإصلاحات جريئة، معتبراً أن الحكومة، رغم ما تحقق، ما تزال واعية بحجم التحديات المطروحة، ومستمرة في تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، خاصة في مجالات التعليم والصحة والدعم الاجتماعي.
وفي ختام كلمته، شدد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار على أن الحكومة “جاءت لتشتغل لا لتتحدث”، مؤكداً أن عملها مؤطر بالتوجيهات الملكية السامية، وأن المشروع الاجتماعي الذي أطلقه جلالة الملك يشكل البوصلة الأساسية لمختلف السياسات العمومية، بهدف بناء مغرب يضمن الكرامة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
تابعوا آخر الأخبار من زنقة 20 على Google News