alnaierhamad20@gmail.com

حمد الناير

الجميع في انتظار هذه الوحدة السحرية وكأن مجرد التقاء تقدم/قحت ودعاة التغيير الجذري واصدارهم اعلانا للوحدة كفيل بإنهاء الحرب فورا واستعادة المسار الديمقراطي. هذه دعوة صادقة من دعاة "أوسع جبهة للقوى المدنية ضد الحرب." تجد مني كل التقدير والاحترام، لكن ربط وحدة القوى المدنية لمناهضة الحرب بوحدة الأحزاب السودانية كشرط لازم لانهاء الحرب والشروع في بناء نظام ديمقراطي لا يعدو أن يكون سوى وهم لا أساس له في التاريخ او الواقع.

هنالك قوى مدنية اخرى غير الأحزاب يجب الانتباه لها.
بل أكثر من ذلك ترقب وانتظار هذه الوحدة بعيدة المنال – حاليا- يمثل عائقا وكابحا لطاقات مهولة تمور بها المجتمعات السودانية، داخل الوطن والمنافي، تعمل من أجل إيقاف الحرب وعودة المسار الديمقراطي وقد تكون هذه الطاقات والتيارات هي الاساس المتين لوحدة أكثر جدوى ربما تتبعها الاحزاب السودانية فيما بعد كما سابين في الجزء الاخير من هذا المقال. ذلك لا يعني أن الاحزاب السياسة ليست من الحركة المدنية ، بل يعني أن الاحزاب هي فقط جزء منها وليست كلها.
وفي تقديري أن هنالك قراءات غير دقيقة خلقت للأحزاب السودانية هذا الدور المزعوم. هذه القراءات إعتمدت على أنصاف حقائق وانتقائية متعسفة، ترتب عليها الأسطورة التي تقول أن وحدة الاحزاب هي الشرط اللازم لسقوط الديكتاتوريات. روجت كتابات وادبيات ترسخت، وقع ضحيتها الكثيرون بما فيهم شخصي الضعيف، أن الحلقة المفقودة في اسقاط اي دكتاتورية كانت دائما وحدة الأحزاب، وحدة المعارضة واتفاقها لإحداث التغيير. لكن القراءة المتأنية لكل الانتفاضات السودانية تشير الى أن هنالك ما هو أكبر من وحدة الأحزاب.
هذه النظرة السائدة عن دور الاحزاب في التغيير تدعو للوقوف وهلة والنظر في جوهرها. حقيقي ارى أن فيها ابتسار فقد كانت الاحزاب تأتي دائما متأخرة وفي آخر اللحظات التاريخية. حدث ذلك في أكتوبر 64 وفي مارس/ابريل 1985 وفي ديسمبر18/ابريل 19. بينما كان لتنظيمات مدنية أخرى القدح المعلى في احداث التغير. لماذا ننسب كل اسقاط الدكتاتوريات لوحدة الأحزاب السودانية ونتجاهل منابع اخرى للحركة المدنية السودانية نحو الديمقراطية كان لها الدور الحاسم في التغير؟ قد يقول قائل "ولكن عضوية هذه التنظيمات المدنية هي من الأحزاب نفسها. بل أن أحزابنا هي التي خلقت هذه المنظمات المدنية!" والرد ببساطة أن ديناميات العمل في هذه المنظمات المدنية تختلف عن ديناميات العمل الحزبي منفردا او جماعيا. وأن تلك المنظمات المدنية على غير طبيعة الأحزاب لها مكينيزماتها الخاصة المستمدة من قاعدتها وأغراضها تجبر الحزبيين على العمل سويا مهما كانت خلافاتهم الفكرية نحو أهداف مشتركة. أذن هذه المنظمات المدنية هي المنفذ الأكثر عنفوانا وقوة لوحدة السودانيين.
فقد كانت جبهة الهيئات في 1964 تضم عضو الحزب الاتحادي/الوطني الاتحادي والأخ المسلم والشيوعي وانصار حزب الأمة والختمية، بل القوميين العرب الذين تحولوا فيما بعد الى حزب البعث وناصريون، واستطاعت الجبهة أن تكون فاعلة على نحو منقطع النظير في إسقاط نظام عبود والمجلس العسكري الأعلى. وينطبق ذلك على النقابات الست التي كانت نواة التجمع النقابي1985 ، وينطبق ايضا على تجمع المهنيين منذ 2015 حتى انقسامه على يد الأحزاب، فقد كانت عضويته تضم معظم الاحزاب السودانية . إذن علينا أن ننظر الى وحدة القوى المدنية، على ألأقل، في منابعها المتعددة.
ثم، حول هذه الاسطورة التي تقول أن وحدة الاحزاب هي العامل الحاسم . لنا في تجربة التجمع الوطني الديمقراطي درسا قاسيا كان يجب أن تعلم منه. التجمع الوطني الديقراطي وهو بحق أكبر تحالف شهدته الحركة السياسية السودانية -وليس كما يشاع أن قحت الاولى او الحالية هي أكبر تحالف شهده السودان – حيث ضم التجمع الوطني الديمقراطي حزب الأمة كاملا غير منقوص والحزب الاتحادي الديمقراطي كاملا غير منقوص ايضا واالحركة السياسية/المسلحة الجنوبسودانية وكل حركات شرق السودان الفاعلة آنذاك ..الخ في تلك التجربة تحققت تلك الحلقة المفقودة المزعومة، وحدة الاحزاب، ولم يسقط النظام. إذن هنالك لوحدة القوى المدنية ما هو أكبر من وحدة الأحزاب. وحدة الأحزاب في التجمع الوطني الديمقراطي تحولت الى هيئة دبلوماسية شعبية كبرى تتحدث نيابة عن شعوب السودان، بل قل مكتب علاقات عامة ضخم، ولكن أبدا لم يتحول التجمع لقيادة يومية حقيقية للحركة المدنية السودانية التي اسقطت نظام البشير بعد سنين عددا. إنني أخاف على تقدم وتحالف التغيير الجذري من نفس المصير.
لا أقول ذلك لأنفي دور الأحزاب في أي تغير حدث في الماضي، وربما يحدث في المستقبل. لكن يجب أن يوضع هذا الدور في حجمه الطبيعي، وعدم تضخيمه بحيث يصير عائقا لنمو وتوحد روافد الحركة المدنية الأخرى. فقد أهدر حبرا كثيفا في تقريع قحت وتقريع الجذريين لعدم الوحدة وتمترسهم العنيد في خنادقهم، بما في ذلك قلمي شخصيا، وظلت هذه القضية الشاغل الأول للنشطاء والكتاب وصار الدفاع والدفاع المضاد هو المسيطر في الكتابة حول الجبهة المدنية العريضة. هذا يحجب الناس عن رؤية الحقيقة ويحجبهم عما تقتضيه الوحدة من عمل شاق.
أهم من ذلك خلق وهم الاحزاب بوحدتها المزعومة هاجس لتكبير الكوم الوحدوي المدني، وحقيقة الاحزاب مسؤولة عن ذلك. يتضح ذلك عندما تقرأ المكونات الموقعة على بيان ما وترى اسماء المنظمات الموقعة، يدفعك ذلك للتساؤل: هل هذه المنظمة مكونة من خمسة او خمسين عضوا، هل هذه اسرة ام شلة اصدقاء؟ ام أن هنالك شخص واحد إنتحل اسم منظمة كاملة. بل أكثر من ذلك تجد كما قال صديق ساخرا: "في ناس خاشين بصرفتين."
وحدة القوى المدنية – من الواقع والتاريخ – تأتي من اسفل الى اعلى ولا تنتجها وحدة الاحزاب من اعلى الى اسفل. نعم، الاحزاب تساهم في "من أسفل" تلك، لكنها لا تستطيع أن تهندس وحدة مدنية مصطنعة.
لحسن الحظ، إن بقيت حظوظ لشعوب السودان في هذا الظرف الشائك – هنالك حركة سودانية عفية تتخلق في الاوساط المدنية ضد الحرب ، سأتحدث عنها في الجزء الثاني من هذا المقال. نعم، أنها تتكون في أحلك ظرف يشهدها الوطن، لكنها تطل في عنفوان وتحمل كل خصائص هذا الشعب الكريم قوى الشكيمة. رصد هذه الحركة وتسليط الضوء عليها يخرجنا من إنتظار منقذ ربما لن يأتي أبدا. بل أن الحديث عنها ورفع الصوت بالنقاش حولها قد يقود الى وحدة مدنية راكزة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المنظمات المدنیة التجمع الوطنی

إقرأ أيضاً:

“تجربة بمذاق الحرب”.. مطاعم سودانية تستهدف استقطاب المصريين

حققت جولي سمير حلمها بافتتاح مطعم للأكل السوداني، ولكن ليس في عاصمة بلادها الخرطوم حيث تتواصل الحرب الضارية، بل في العاصمة المصرية القاهرة التي فرت إليها مع أسرتها، ليصبح هدفها اليوم هو جذب المصريين للمطبخ السوداني.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، ازداد تدريجيا عدد المطاعم السودانية في القاهرة، في ظل أعداد السودانيين الكبيرة التي وصلت إلى مصر.
وغادرت سمير البالغة من العمر 42 عاما مع أسرتها إلى مصر من مدينة بحري شمال العاصمة السودانية، بعد أسبوع من اندلاع المعارك.
وفي شرق القاهرة، جلست السيدة السودانية أمام طاولة وسط ساحة خضراء بأحد الأندية المصرية الشهيرة، على مقربة من لافتة مطعمها الذي يحمل اسم “قرية أولاد كوش” للأكلات الشرقية والسودانية والحبشية.
وقالت لوكالة فرانس برس: “اسم المطعم من اختيار الوالد.. وأرض كوش في الكتاب المقدس هي مصر والسودان وإثيوبيا، ونحن نقدم أطباقا من هذه البلدان الثلاثة”.
وتابعت: “أنا لا أستهدف الزبون السوداني، أنا أستهدف الزبون المصري حتى يتعرف على الثقافة السودانية”.
وساعد سمير على افتتاح مطعمها طاه سوداني كان يعمل في هذا المجال في السودان، قبل أن يفر إلى مصر.
وقالت سمير: “جميع العاملين هنا من السودان، وكلهم هربوا من الحرب”، مشيرة إلى أنهم تمكنوا من التواصل مع بعضهم البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأدت الحرب إلى مقتل آلاف السودانيين، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.
كما دفعت الحرب البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلا، وتسببت بتشريد أكثر من 8.5 ملايين شخص، حسب الأمم المتحدة، من بينهم 500 ألف شخص فروا إلى مصر.

“أغاشي ولقيمات”
داخل مطبخ المطعم الذي كان يشغل صالته بعض الزبائن، وقف الطاهي فادي مفيد بمئزره الأخضر وسط الأواني، يحضر الوجبات. وقال لفرانس برس: “الأغاشي هي أشهر الأكلات السودانية”.
وتابع مفيد (46 عاما)، أن الأغاشي عبارة عن شرائح من اللحم أو الدجاج أو السمك، تضاف إليها البهارات السودانية الحارة ويتم شواؤها على نار هادئة.
وقال مفيد الذي كان يمتلك في السودان شركة متخصصة في تقديم خدمات الطعام والخدمات الفندقية، قبل أن تُدمّرها الحرب: “المصريون لا يحبون الأكل الحار، لذلك نحاول تقليل البهارات السودانية حتى يتقبلونه”.
كذلك يقدم المطعم، حسب مفيد، “الأكلات الحبشية الشائعة في السودان، مثل الزغني، وهي لحم مُبهر على الطريقة الإثيوبية مع الإنجرا”، وهو خبز إثيوبي أقرب إلى الفطائر.
ويرى مفيد أن المنافسة في مصر في مجال المطاعم ليست سهلة، حيث “هناك مطاعم سورية ومصرية ضخمة، لذا قد نستغرق بعض الوقت لنتمكن من المنافسة”.
وقالت سمير إنها كانت توزع عينات من الطعام أمام المطعم بعد افتتاحه على أعضاء النادي المصريين، للترويج للأطباق السودانية.
وردا على سؤال عن رأيه في الطعام السوداني، قال المصري خالد عبد الرحمن (50 عاما) لفرانس برس: “أحببت مذاق البهارات وطراوة اللحم وهذه الطريقة المميزة في الطهي”.
وتنتشر المطاعم السودانية بشكل خاص في حي فيصل في غرب القاهرة، الذي شهد افتتاح عدد من محال الأكل باختلاف أصنافها بين الأغاشي والمشويات والفول المدمس والفلافل.
وفي حي الشيخ زايد في غرب العاصمة المصرية، افتُتح حديثا محل “جيب معاك” الذي يقدّم الحلوى السودانية الشهيرة “اللقيمات”، مع المشروبات السودانية الساخنة، وأبرزها “الشاي المقنن” الذي يشبه في طريقة تحضيره شاي الكرك بالحليب.
واللقيمات التي تشبه الزلابية المصرية، عبارة عن كرات من العجين تُقلى بالزيت ويضاف إليها السكر أو الشوكولاتة والعديد من النكهات.
وتمتلك سلسلة “جيب معاك” أكثر من فرع في العاصمة السودانية والولايات، حيث “تعطلت نظرا لظروف الحرب في البلاد”، حسب ما قال مدير فرع الشيخ زايد، قصي بيرم، لوكالة فرانس برس.
وتابع بيرم (29 عاما): “أحببنا فكرة مشاركة علامتنا التجارية مع المصريين.. وافتتحنا 3 فروع”.
وأكد المشرف على المحل، الشاب السوداني زياد عبد الحليم، أن “اللقيمات تختلف عن الزلابية المصرية في نسبة الملح في العجين”، موضحا: “في السودان، نحب الملح الزائد في عجائن الحلوى”.

“الحنين إلى السودان”
واستبعد مفيد العودة إلى السودان حتى في حال استقرار الأوضاع. وقال: “أنوي استكمال تجربتي في مصر حتى إذا استقرت الأوضاع في السودان، إذ ستكون فرص العمل صعبة للغاية”.
أما سمير فلم تكن تتوقع أن تطول فترة إقامتها في القاهرة على الرغم من طريقة الخروج “المرعبة” من البلاد، وفق وصفها.
وقالت: “اعتقدنا أننا سنقضي عطلة في مصر لمدة شهر على الأكثر وتنتهي الأمور.. لكن الحرب لم تتوقف”.
وعلى الرغم من ذلك، تعتزم سمير العودة إلى الخرطوم بمجرد استقرار الوضع العام في البلاد، مدفوعة بـ”الحنين إلى السودان”، على حد تعبيرها.
وقالت: “بلدنا حنون علينا مهما سافرنا”.
وفي انتظار ذلك، تسعى إلى إضفاء الروح السودانية على مطعمها، قائلة: “أعتزم توظيف حنانة (سيدة ترسم بالحنة على الجسم)، فأنا أعرف مدى حب المصريين لرسوم الحنة”.

الحرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المطاعم السودانية في القاهرة.. تجارب وليدة فرضتها الحرب
  • “تجربة بمذاق الحرب”.. مطاعم سودانية تستهدف استقطاب المصريين
  • تجربة بمذاق الحرب.. مطاعم سودانية تستهدف استقطاب المصريين
  • «الدبيبة» يعلّق على مقترح «بايدن» لإيقاف الحرب في غزة
  • الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات جديدة على أفراد في السودان
  • راهن الحرب السودانية
  • هل تنعش التحركات الدولية والإقليمية عملية السلام في السودان؟
  • إجراء عاجل للشحات بعد الحكم عليه بالحبس
  • «الباعور» يُؤكد أهمية تضافر الجهود لإيقاف الحرب على غزة
  • نِقوش على جِدار الحرب السودانية (5): حكومة بورتسودان