تمر ولاية الخرطوم بواحدة من أدق مراحلها التاريخية، حيث تتقاطع الأزمات الخدمية مع تعقيدات المشهدين الأمني والسياسي، في صورة قاتمة تنعكس بوضوح على حياة المواطنين. ومن بين هذه الأزمات، تبرز مشكلة المياه كواحدة من أشد صور المعاناة اليومية، لا سيما في محلية كرري – حي الصفا، الواقع غرب شارع الوادي بالقرب من قسم الحتانة، حيث لم تعد المياه موردًا طبيعيًا متاحًا، بل تحوّلت إلى سلعة باهظة تثقل كاهل الأسر محدودة الدخل.

تعتمد محطة “المنارة”، أحد أبرز مصادر الإمداد المائي في المنطقة، اعتمادًا كليًا على الكهرباء. ومع تكرار استهداف البنية التحتية من قِبل مليشيا الدعم السريع، توقفت المحطة عن العمل، ما أدى إلى تداعيات إنسانية قاسية. المخابز توقفت، والطوابير امتدت في انتظار التناكر، والمياه تحولت إلى أزمة معيشية خانقة.

في حي الصفا كان السكان يعتمدون على بيارة الحارة 20 كمصدر شبه وحيد للمياه في حال الطواري، لكنها خرجت عن الخدمة نتيجة محدودية طاقتها التصميمية. وارتفعت على إثر ذلك تكلفة برميل المياه إلى ما يزيد عن أربعين ألف جنيه، في منطقة يعيش معظم سكانها على دخول يومية أو معاشات حكومية لا تواكب تكاليف الحياة.

استجابة لهذا الواقع المؤلم، طرحت اللجنة الشعبية في الحي مبادرة لحفر بئر جوفية كحل عملي ومستدام. وقد أبدت اللجنة استعدادها الكامل للتعاون مع القطاع الخاص أو المنظمات الإنسانية أو مع حكومة الولاية، سواء من خلال المساهمة المجتمعية أو التنسيق الفني، في خطوة تعكس وعيًا شعبيًا عميقًا، وإرادة جادة لتجاوز الأزمة.

غير أن هذه المبادرة، كسابقاتها من المبادرات المحلية، لا تزال رهينة الانتظار، تنتظر قرارًا إداريًا واضحًا ودعمًا لوجستيًا من الجهات المختصة. ويُذكر أن أحياءً أخرى في محلية كرري تمكنت بالفعل من حفر آبار جوفية بتمويل رسمي أو شعبي، مما يدل على جدوى هذا الخيار ونجاعته ، إن توفرت الإرادة السياسية والدعم التنفيذي.

زيارة والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة لمحطتي بيت المال والمنارة، وغيرها من المواقع، شكّلت إشارة إيجابية إلى وجود وعي رسمي بحجم الكارثة. لكن هذا الوعي لم يُترجم حتى الآن إلى خطة عملية لإعادة المياه إلى الأحياء المتضررة. فلا تزال وعود الوالي حبيسة التصريحات تنتظر التنفيذ ، فيما يقول سكان حي الصفا إنهم “أول من تُقطع عنه المياه، وآخر من تعود إليه عند استئناف الضخ”.

أبناء حي الصفا، الذين تمسكوا بمنازلهم رغم الحرب والقصف، لم يجدوا بُدًّا من اللجوء إلى الصحافة لإيصال صوتهم، بعد أن غاب صوت القرار الإداري المحلي. بالنسبة لهم، لم يعد انقطاع المياه أزمة خدمية فحسب، بل صار دليلاً صارخًا على هشاشة منظومة الطوارئ، وسوء إدارة الأزمات.

إن الحرب التي تتخذ من تدمير البنية التحتية وسيلة لإضعاف الدولة، تتطلب استجابة غير تقليدية. لم يعد بالإمكان الاستمرار في الاعتماد على الكهرباء وحدها لتشغيل محطات المياه. المطلوب هو توفير بدائل فعالة، كمولدات الكهرباء أو أنظمة الطاقة الشمسية، ووضع خطة تشغيل طارئة تضمن استمرارية الخدمة.

لقد تجاوزت أزمة المياه في الخرطوم حدود الشأن المحلي، وأضحت مؤشرًا خطيرًا على ضعف الإدارة الحكومية في زمن الحرب. وفي حي الصفا، باتت المياه تمثّل اختبارًا حقيقيًا للدولة: هل تستطيع صون هذا الحق الأساسي، أم تترك المواطنين فريسة للعطش واستغلال ضعاف النفوس؟

ومن منظور #وجه_الحقيقة، فإن تحديات ما بعد الحرب تقتضي نموذجًا جديدًا في الإدارة. لم يعد هناك متسع للوعود المؤجلة أو الحلول المؤقتة. المطلوب قرارات جذرية تعيد المياه للمواطنين، والثقة في مؤسسات الدولة. فالماء ليس فقط مورد حياة، بل ركيزة للاستقرار الاجتماعي، ودعامة للأمن الوطني.

ولسقيا الماء فضلٌ عظيم؛ فلولاه لما كانت الحياة ممكنة. كما قال تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”. إن فقدان هذا المورد اليوم في حي الصفا لا يهدد صحة الأجساد فحسب، بل يُضعف روح التضامن، ويُخلخل بنيان المجتمع.

ومع ذلك فإن استعداد السكان للتكاتف، وحفر الآبار بجهدهم، يثبت أن الأمل لا يزال حيًّا، حين تتلاقى الإرادة الشعبية مع القرار الرسمي. فالناس ينتظرون القرار، سيدي الوالي.

دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأحد 25 مايو 2025م. Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

ولاية الخرطوم.. بيان توضيحي حول أوضاع الخدمات في ظل انقطاع الكهرباء

دعا بيان توضيحي حول اوضاع الخدمات في ظل انقطاع التيار الكهربائي صادر من وﻻية الخرطوم اليوم الى توخي الدفة عند نشر المعلومة والحصول عليها من مصادرها الرسمية.
وقال ان الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة تؤكد أن عدد الإصابات المسجلة بالكلوليرا لم تتجاوز ال (800) حالة تخضع لعلاج مكثف تعافي منها 218 حالة غادرت المستشفيات وهي بحالة جيدة وليس كما ذكر من كاتب عمود أن عدد الإصابات وصل لأكثر من (46)الفا ،
وذكر البيان ان ولاية الخرطوم تتابع وترصد بعض الكتابات المنشورة في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي حول أوضاع الخدمات في ظل انقطاع التيار الكهربائي بعد أن قامت المليشيا باستهداف محطات الكهرباء مما كان له أثر كبير في انسياب المياه.
وتقدمت الولاية بالشكر للقنوات الفضائية العالمية والمحلية وهي تسعى للحصول على المعلومات الموثوقة من مصادرها الرسمية .
واشار الى ان بعض الكتابات تنشر معلومات مصدرها جهات معلومة ومرصودة ولها ارتباطات مشبوهة مع جهات داخلية وخارجية ظلت تسعى طوال فترة الحرب لزرع عدم الثقة وتثير الهلع وسط المواطنين.
علما بأن أبواب الحصول على المعلومات مفتوح أمام الجميع الا من كانت له أجندة خاصة وينسج من خياله معلومات تثير الرأي العام وتهدد الأمن القومي

واستعرض البيان الجهود التي قامت بها الولاية نحو الحلول وتوفيرها الوقود للمولدات لتشغيل محطة مياه المنارة كمصدر رئيسي تعتمد عليه محليات كرري وأمدرمان وأجزاء من أمبدة، .

تنشر (سونا) نص البيان:-

ظلت ولاية الخرطوم تتابع وترصد بعض الكتابات المنشورة في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي حول أوضاع الخدمات في ظل انقطاع التيار الكهربائي بعد أن قامت المليشيا باستهداف محطات الكهرباء مما كان له أثر كبير في انسياب المياه.

وتتقدم الولاية بالشكر للقنوات الفضائية العالمية والمحلية وهي تسعى للحصول على المعلومات الموثوقة من مصادرها الرسمية علما بأن أبواب الحصول على المعلومات مفتوح أمام الجميع الا من كانت له أجندة خاصة وينسج من خياله معلومات تثير الرأي العام وتهدد الأمن القومي.
رصدنا بعض الكتابات تنشر معلومات مصدرها جهات معلومة ومرصودة لدينا ولها ارتباطات مشبوهة مع جهات داخلية وخارجية ظلت تسعى طوال فترة الحرب لزرع عدم الثقة وتثير الهلع وسط المواطنين وعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر احد كتاب الأعمدة أن والي الخرطوم لا يتابع حل أزمات المياه لا ندرى هل هذا الحديث من باب إطلاق الكلام على عواهنه أم أنه ترصد متعمد فالمتابع لتحركات الولاية يشهد أنه منذ اليوم الأول للأزمة بعد استهداف المليشيا لمحطات الكهرباء تحركت الولاية نحو الحلول وقامت بتوفير الوقود للمولدات لتشغيل محطة مياه المنارة كمصدر رئيسي تعتمد عليه محليات كرري وأمدرمان وأجزاء من أمبدة، صحيح أن المولدات لا توفر الطاقة الكافية لتشغيل المحطة بنسبة مائة بالمائة لكن ظل والي الخرطوم متواجدا يوميا مع الأجهزة الفنية لرفع كفاءة المحطة فضلا عن الجهود الأخرى لتشغيل الابار،، باختصار لم تمارس الولاية دور المتفرج بل وظفت كل مواردها المحدودة لتوفير الوقود للمحطات النيلية وهو أمر مكلف ومرهق ماليا للغاية إذا علمنا أن هذة المحطات تستهلك يوميا ما يقارب المائة برميل من الجازولين فبالإضافة لمحطة مياه المنارة وفرت الوقود لمحطة مياه سوبا وبحري.

ذكر الكاتب أن عدد الإصابات بالكلوليرا وصل لأكثر من (46) الف غير أن الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة تؤكد أن عدد الإصابات المسجلة لم تتجاوز ال (800) حالة تخضع لعلاج مكثف تعافي منها 218 حالة غادرت المستشفيات وهي بحالة جيدة كما تحدث عن وجود انفلات أمني في حين أن المواطنين ظلوا يتوافدون باستمرار بالعودة إلى منازلهم بما فيها الصالحة وأمبدة بعد تحريرهما مؤخرا .
كما أشار إلى عدم عدالة توزيع الدعم الإنساني دون إيراد دليل على ذلك في حين أن هناك لجنة برئاسة وزير التنمية الاجتماعية ممثلة فيها كل المحليات مهمتها الأساسية توزيع الاغاثات حسب المناطق الأكثر حوجة، فالاحتياج للغذاء أقل بكثير من المساعدات التي تصل الولاية من الجهات الرسمية أو المنظمات فهي لا تغطي كل المواطنين.
ولاية الخرطوم تعتبر من أكثر الولايات التي تضررت من الحرب وتعطلت البنى الأساسية للخدمات ومع ذلك تجتهد لإعادة الحياة وتدفع في سبيل ذلك أقصى ما تملك ولعل المتابع لذلك يدرك حجم هذه الجهود لأن خدمة المواطن يمثل غاية أهدافها.
ومن هنا نطالب الذين يكتبون دون أن يكلفوا نفسهم عناء البحث عن الحقيقة أن أبوابنا مشرعة وان أجهزة الولاية موجودة في الميدان

والله الموفق

سونا

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رأي.. إردام أوزان يكتب: سوريا بين المبادرة والتغيير الحقيقي.. وفرصة لن تنتظر
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: فيلوثاوس.. أيقونة التسامح والوفاء
  • إبراهيم شعبان يكتب: معركة الدولار واليورو وعملة العرب
  • إبراهيم عثمان يكتب: “تقديرات” قد تخطيء وقد تصيب!
  • إبراهيم عثمان يكتب: الاحتضان في زمن العدوان!
  • ولاية الخرطوم.. بيان توضيحي حول أوضاع الخدمات في ظل انقطاع الكهرباء
  • إبراهيم النجار يكتب: دبلوماسية تحت الرصاص
  • عادل الباز يكتب: الإمارات دفعت… فقررت أمريكا!
  • الطاهر ساتي يكتب: رؤية كمبالا ..!!