سودانايل:
2025-05-27@22:25:30 GMT

استفزاز ودي وحميد للقوى المدنية السودانية

تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT

د. الشفيع خضر سعيد


ابتدرنا في مقالنا السابق استعراض الورقة البحثية التي شارك في كتابتها الباحثان الدكتور أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس، والدكتور عبدول محمد، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة موظفي الآلية الأفريقية رفيعة المستوى المعنية بتنفيذ متطلبات السلام في السودان. عنوان الورقة هو «آفاق السلام في السودان: دروس من اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي» وقُدمت في ملتقى الحوار الأفريقي السنوي للسلام والأمن الذي نظمته مؤسسة ثابو مبيكي في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024 بجنوب أفريقيا، وتولى مركز «فِكْرة للدراسات والتنمية» بالتعاون مع مؤسسة ثابو مبيكي، ترجمتها وإصدارها باللغتين العربية والإنكليزية بتاريخ 14 مايو/أيار 2025.

ونواصل استعراض الورقة في مقال اليوم.
الورقة طرحت سؤالا، ذكرت في مقالي السابق أنه ربما يكون مؤلما للبعض من قياداتنا السياسية، ولكنه من المفترض أن يحفز هذه القيادات للنقاش ويدفعهم لمحاججة صحة إجابة الورقة عليه رفضا أو تقديم تبريرات مقنعة. لذلك، أعيد وأكرر السؤال والإجابة. يقول السؤال: لماذا ينتج السودان باستمرار قادة يفتقرون إلى الشجاعة والكاريزما والرؤية والمبادئ؟ وتقترح الورقة إجابة تقول: إن استمرار الاضطرابات والعنف في السودان على مدى عقود عديدة، مقرونا مع تغلغل الفساد وفرص الثراء من خلال النهب والتهريب والابتزاز، خلق بيئة يزدهر فيها الأكثر قسوة، بينما يتراجع أصحاب النزاهة والتشاور والقيم المدنية. وهذا يخلق تسلسلاً هرمياً يصعد فيه الأقل كفاءةً للسلطة، بما في ذلك في غرف المفاوضات. علاوة على ذلك، ما يجمع كل طرف متحارب ليس التزاماً مشتركاً بأيديولوجية سياسية أو انضباط مؤسسي، بل المصالح المادية، بينما يعيدون باستمرار التفاوض على ولائهم لزعمائهم المزعومين، وهذه ليست وصفة للاستقرار والسلام. وتضيف الورقة أن الأحزاب السياسية والقوى المدنية السودانية لا تملك نفوذاً مادياً كبيراً، وشرعيتها مستمدة من سجل مقاومتها للديكتاتورية. لكن منطقة الراحة الحالية لها هي الدعوة للديمقراطية بدلاً من صياغة رؤية للسلام. وتاريخيا، كان المجتمع المدني السوداني أكثر فاعلية عندما كان في طليعة تحليل المشكلة ووضع الأجندة. وكان دوره في عمليات السلام والمصالحة «جنوب-جنوب» في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية، وإدراج حقوق الإنسان والديمقراطية في الأجندة التي أدت إلى اتفاقية السلام الشامل، من أبرز إنجازاته. فهل يمكن للأحزاب السياسية والمجتمع المدني السوداني العودة إلى هذا التقليد. أعتقد هو سؤال كبير واستفزاز حميد وودي من كاتبي الورقة، يستوجب المناقشة العميقة علها تساعد في سبر أغوار المشكلات الراهنة الممسكة بتلابيب القوى السياسية والمدنية السودانية.


إن الاضطرابات في جميع أنحاء «ساحة البحر الأحمر» وخاصة التنافس المحتدم حول هذه الساحة، هي العقبة الاستراتيجية الكبرى أمام إقامة عملية سلام موحدة وذات مصداقية في السودان


وفي فقرة أخرى، تقر الورقة بعدم وجود منصة سلام واحدة ذات مصداقية لوقف الحرب الأهلية الحالية في السودان. منبر جدة الذي انتظم بعد وقت قصير من اندلاع الحرب، كان استجابة أولية منطقية لاندلاع العنف، ولكن لم يُحقق نتائج سريعة، وكان من الأفضل الاعتراف بالفشل بدلاً من الاستمرار. لكن، بدون تعريف المشكلات الأعمق، يصبح هيكل المنبر المحدود وأجندته عائقاً. ولاحقا، تكيف منبر جدة بطريقة عشوائية، حيث دعا الاتحاد الأفريقي أولاً لإضفاء طابع أفريقي وإشراك المدنيين في سلسلة مشاورات، ثم جلب الإمارات كمراقب في مبادرة «ALPS» أو «المواءمة من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان» التي استضافتها جنيف. وفي السياق العالمي الحالي، فإن دور ونوايا القيادة الأمريكية في هذه المبادرة، يثيران شكوكاً لدى جهات فاعلة رئيسية أخرى، وخاصة الصين وروسيا. وبما أن الأزمة، جزئياً، هي تنافس يُلعب في السودان حول «ساحة البحر الأحمر» فإن الولايات المتحدة طرف في هذا التنافس. بالإضافة إلى ذلك، وحتى تكون هذه المبادرة ذات مصداقية، كان يجب أن تحدد جوهر الأزمة السودانية بدلاً من مجرد ترتيب عناصر الحل.
تواصل الورقة وتقول إن دولا ومنظمات أخرى أطلقت مبادرات سلام للسودان، كل منها سعى ظاهرياً لسد ثغرة في عملية جدة، لكن من الصعب الهروب من الاستنتاج أن كل مبادرة كانت تهدف أساساً إلى إثبات صلة جهة رعايتها وإبطال مفعول مبادرة منافسة. فمبادرة «الإيقاد» عانت من غياب قيادة سياسية موحدة في المنطقة، ونتيجة لذلك، غياب تعريف مشترك للمشكلة، وركزت فقط على جمع القائدين حول أجندة وقف إطلاق النار، وهو ما لم ينجح. كما أن المبادرة لم تشمل دولاً غير أعضاء في الإيقاد مثل مصر ودول الخليج. أما المبادرة المصرية، فقد شملت جميع الدول المجاورة وذهبت إلى أبعد من غيرها في استكشاف الأجندة السياسية الأوسع، إلا أنها ركزت أيضاً على قضايا الإغاثة الإنسانية، وأعباء اللاجئين على الدول المجاورة، مما أقعدها عن التقدم. وتقول الورقة إن «العملية الموسعة» للاتحاد الأفريقي وُلدت كملحق لمنبر جدة وكمحاولة لجعله أكثر شمولاً، ولتأكيد الحاجة إلى «حل أفريقي» رغم أن مشكلة السودانية ليست أفريقية بحتة، وصراحة، بدا وكأن مفوضية الاتحاد الأفريقي كانت مدفوعة بالحاجة إلى إثبات أهميتها! أما عملية المنامة، فكان يمكن أن تكون فعالة لولا أن واجهتها مشاكل عديدة بعضها خارجي مثل افتقارها إلى دعم السعودية، وبعضها داخلي يتعلق برؤى القيادات العسكرية السودانية. وهكذا، وكأن المبادرات تلغي بعضها البعض.
إن الاضطرابات في جميع أنحاء «ساحة البحر الأحمر» وخاصة التنافس المحتدم حول هذه الساحة، هي العقبة الاستراتيجية الكبرى أمام إقامة عملية سلام موحدة وذات مصداقية في السودان، وبالتالي استراتيجية للاستقرار الإقليمي تشمل جنوب السودان والدول المجاورة الأخرى. فبينما لا تستطيع دول الإقليم منفردة تحديد تسوية سياسية شرعية في السودان، فإن بعضها يمكنه منع التقدم نحو مثل هذه التسوية، إضافة إلى أن السودان يحتل مرتبة منخفضة في قائمة الأولويات الاستراتيجية بالنسبة للعديد من القوى الإقليمية والعالمية. وهذا الانخفاض في الأولوية يعني عدم بذل جهد كافٍ لإيجاد استراتيجية مشتركة لحل الكارثة السودانية. وسنواصل استعراض الورقة.


نقلا عن القدس العربي


 

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

كيف تستغل إسرائيل أوامر الإخلاء لارتكاب الجرائم وتهجير السكان بغزة؟

حظيت أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي أُلقيت على سكان قطاع غزة خلال الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 باهتمام واسع، ليس فقط بوصفها أحد مظاهر العمليات العسكرية الإسرائيلية، بل أيضًا كقضية قانونية وإنسانية تثير جدلا عالميًا حول مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني.

ونشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة بحثية لتسليط الضوء على هذه القضية، وهي من إعداد الباحث الفلسطيني ضياء نعيم الصفدي، بعنوان "أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقع والقانون"، وجعل الباحث الحرب على قطاع غزة نموذجًا ليفضح التناقض بين الصورة التي تحاول إسرائيل تسويقها دوليًا وحقيقة ما يجري على أرض الواقع.

بين النص القانوني والواقع

وحسب ما تناوله الصفدي في ورقته، فإن إسرائيل تسعى لإظهار التزامها "بحُكم القانون" عبر إصدار تحذيرات مسبقة للسكان المدنيين في غزة قبيل الهجمات، متذرعةً بأن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية المدنيين.

وأضاف الصفدي أن هذه التحذيرات، أو ما تعرف "بأوامر الإخلاء"، تتخذ أشكالًا متعددة من منشورات ورقية تُلقى من الطائرات، أو اتصالات هاتفية مباشرة أو مسجلة، أو رسائل نصية ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إعلان

لكن الورقة البحثية تؤكد أن هذه الأوامر في جوهرها ليست سوى وسيلة لتبرير عمليات التهجير والاستيلاء على الأراضي وإحداث تغيير ديموغرافي قسري في القطاع، وهو ما يتعارض مع روح ونصوص القانون الدولي الإنساني.

متى يكون الإخلاء مشروعا؟

وتستعرض الورقة التي نشرها مركز الزيتونة الإطار القانوني للإخلاء، مستندةً إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وغيرها من المواثيق الدولية، التي تتيح لدولة الاحتلال إخلاء مناطق معينة لدواع عسكرية ملحة أو لحماية السكان، لكنها تضع في الوقت ذاته شروطًا صارمة على هذا الإجراء، ومن هذه الشروط:

أن يكون الإخلاء مؤقتًا وبأضيق الحدود اللازمة. ضمان سلامة المنقولين وأمانهم، وتوفير مكان بديل آمن لهم. عدم التفريق بين العائلات وإعادة السكان إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن.

وبعد النظر في تطبيق إسرائيل هذه الشروط، يخلص الباحث إلى أنها لم تلتزم بأي من هذه المعايير، بل تحولت الأوامر إلى ذريعة للتهجير الجماعي والتدمير الممنهج.

استيلاء على الأرض

وتكشف الورقة عن تصعيد في استخدام الإخلاء الكلي، كما جرى في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء شمال قطاع غزة بالكامل.

إذ لم تقتصر الآثار على انتقال السكان نحو الجنوب فحسب، بل رافقتها عمليات قصف جوي وبري وتدمير واسع للممتلكات، فضلًا عن احتجاز عدد من المدنيين وتفريق أفراد العائلة الواحدة، وتركهم من دون مأوى أو ضمانات صحية وغذائية في مناطق لم تتوفَّر فيها أدنى شروط الحياة الإنسانية.

ويشير الصفدي إلى أن هذه العمليات لم تأت استجابة للحاجة العسكرية الملحة، بل في إطار إستراتيجية ترمي لتقليص عدد السكان الفلسطينيين في مناطق محددة، تمهيدًا للسيطرة عليها. وبذلك، تتحول "أوامر الإخلاء المشروعة" إلى انتهاك صارخ يعد جريمة نقل قسري، ترتقي إلى مستوى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.

إعلان خلط وتضليل

وتتناول الورقة بإسهاب الفوضى الاصطلاحية التي توظفها إسرائيل في خطابها الإعلامي والقانوني، فتلجأ لخلط مفهومي الإخلاء المشروع بالنقل القسري، متجاهلةً الفوارق الجوهرية التي نص عليها القانون الدولي ومبادئ العدالة.

ففي حين أن الإخلاء المشروع إجراء استثنائي مقيّد بظروف واضحة، فإن النقل القسري، والتهجير، والنزوح؛ كلها جرائم دولية موصوفة لا يجوز تبريرها تحت أي ظرف.

ويشير الصفدي إلى أن المعايير الدولية تشترط أيضًا حق الاختيار للسكان في مغادرة مساكنهم من عدمه، وهو ما يُسلب عمليًا تحت التهديد بالقصف أو القتل، حيث يجبر المدنيون على ترك مناطقهم من دون رغبة حقيقية.

انتهاك صارخ

وتطرق الباحث إلى أن آلاف أوامر الإخلاء التي ألقتها إسرائيل على سكان غزة منذ بدء العمليات في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم لا ترقى لمستوى التحذير الإنساني أو الالتزام القانوني، بل هي أداة للتهجير المنظم والتشريد الجماعي.

وتصنف الورقة هذه الممارسات ضمن "جرائم النقل القسري والتشريد الداخلي"، مؤكدة أن إسرائيل باتت في مواجهة استحقاقات المساءلة الجنائية الدولية.

وتضيف أن القانون الدولي لم يحدد بدقة ما يُسمى "الأسباب العسكرية القهرية"، مما أتاح لإسرائيل استغلال هذا الغموض لتبرير سياسات الإخلاء، رغم أن الجوهر الحقيقي لهذه الإجراءات يتعارض جذريًا مع القيم الإنسانية والقانونية.

وتخلص الورقة البحثية إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد إجراءات "تحذيرية" لحماية المدنيين كما تزعم إسرائيل، وإنما عمليات تهجير وتدمير تستهدف البشر والحجر، وتستدعي تدخلا دوليًا عاجلًا لضمان احترام القانون الدولي ومحاسبة الجناة، فقد كشف الواقع عن أن أوامر الإخلاء في غزة لا تقي من الموت أو التشريد، بل كانت في معظمها بداية لمعاناة أكبر وجرائم لا تُمحى من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين.

إعلان

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: الصحة السودانية أعلنت أكثر من 170 وفاة خلال أسبوع بسبب تفشي الكوليرا
  • استفزاز إسرائيلي: ضم الضفة الغربية مقابل السلام… صفقة مرفوضة!
  • البعثة الدبلوماسية السودانية باديس ابابا تشارك في احتفالية يوم أفريقيا بمقر مفوضية الإتحاد الأفريقي
  • كيف تستغل إسرائيل أوامر الإخلاء لارتكاب الجرائم وتهجير السكان بغزة؟
  • هل يفتح الاتحاد الأفريقي صفحة جديدة مع السودان؟
  • الإتحاد الأفريقي يؤكد وقوفه بجانب السودان لدعم السلام والاستقرار
  • وزارة الإصلاح المؤسسي: ضرورة وطنية لإنقاذ الدولة السودانية
  • يجب سحب الجنسية السودانية من (عبدالمنعم بيجووو)
  • لماذا تحول الموقف الغربي تجاه الأزمة السودانية؟.. خبراء يجيبون لـ "الفجر"