ألا تكفي سنة في العبث
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
عمر العمر
طوال سنة يعايش شعبنا حالة من العبثية بعمق المصطلح الفلسفي . فلا المتقاتلون وحدهم يغرقون في الفشل الماحق، فالشعب بأسره يتوغل في البؤس ،الشقاء والتعاسة.فإذا ظلت الحرب ممارسة للعبث وفق اعترافات أطرافها حيث يهيمن على اقتتالهم الإخفاق الحتمي ، فإ ن الساسة يستغرقون في ممارسات العبث . فالكلام عن وقف الحرب دون تبني خارطة طريق ذات فعالية مغنطيسية على الصعيد الجماهيري لهي العبثية بعينها.
*****
بل هناك قطاع عريض من الشعب ينغمس في لجة العبثية. فلم تعد ويلات الحرب في المدن المهشمة وحدها ملهمة ذلك العبث .بل ألوف ممن حملتهم رياح الحرب إلى مرافئ اللجوء في الإغتراب باتوا كمن يتحايل على المأساة بنشوة العبث أو يتلذذون بنوبات العذاب. هؤلاء فقدوا أو كادوا يفقدون ذلك الحبل المتين الشفيف الواصل بين الزمان والمكان.بلى لا أحد يريد لبنات وأبناء شعبنا التوغل في تلافيف الحزن ونفي مباهج الحياة. لكن طرح الهم الوطني ولو مؤقتا في سياق الراهن السوداني رذيلة لا ينبغي التبشير بها أو التحريض عليها.
*****
على قدر ماتكلم المتفيقهون وكتب المنظرون طوال سنة الحرب القذرة ظلت أسئلة عديدة ملحة عالقة بلا أجوبة.من ذلك من أشعل الحرب؟ متى؟ لماذا؟ لمصلحة من ؟هل هي مغامرة فردية أم عملا جماعيا منظما ؟على الرغم من كم العتاد المحشود و أعدادالمقاتلين المستجلبين والمستنفَرين على ما تتوارى ملامح النصر لفريق على آخر. كلٌ يحمل صخرة سيزيف.هكذا طوال عام أغبر تتسع مساحات الإقتتال ،تتعدد الجبهات، تتعدد الثغرات وترتبك المواقف .إنه العبث في أكثر أشكاله غباءً. فالعبثية في تبسيطها الفلسفي تعني حتمية فشل الجهود.
*****
بغض النظر عن صوغ إجابات شافية لتلك الأسئلة العالقة، يمكن بلوغ حدٍ أدنى من الإتفاق على عبثية هذه الحرب.كما يمكن التوافق على جهل قادتها بالتاريخ . من ثم الاجماع على عجزهم أزاء صناعة مستقبل.فهم عبثيون من منطلق ممارساتهم التدميرية. هي ممارسات فضح قناعاتهم بأن النصر يتمثل في تدمير الآخر.لكنهم بجلهم الأحمق يدمرون كل الحاضر بمنشآته مؤسساته وانجازاته التراكمية. فتدميرها يستهدف – بوعي أو بدونه – تهشيم مؤسسات التناغم داخل المجتمع وبينه وبين الدولة.هم أقرب تجسيدا لمقولة الكاتب الإنجليزي توماس هوبس (الإنسان ذئب يفترس الناس افتراسا).
*****
فالمدارس ،الجامعات، مراكز البحوث والتوثيق مثلها كالمستشفيات ،الأندية والحدائق تشكل فوق وظائفها المهنية أُطراً ناظمة لخصوصيات المجتمع الفكرية والوجدانية إذ تنصهر داخلها بإيقاع يومي قسمات ، سمات وطبائع المجتمع المتباينة. بعضٌ من علماء الإجتماع يرون في الأنظمة الأيدلوجية تهديدا للحفاظ على ذلك التناغم عبر تلك المؤسسات.حجتهم في ذلك ممارسات الإقصاء والإستبداد من قبل تلك الأنظمة إذ هي ممارسات تفتح أبواب تسويق العنف بأشكال متباينة.
*****
الحرب -كما يقول الفيلسوف الإغريقي-هيراقليطس (أم الكبائر و أبوها).هي كذلك كما يتوافق غالبية المفكرين وقودها الصراعات على الامتيازات والمكاسب بغض النظر ماذا كان وراء تلك الملكيات المكتسبة أسانيد طبقية، إثنية أو دينية.لكن الحرب أيضا كما يعرفها الجنرال البروسي فان كلاوسفيتش(ضرب من السياسة) . كل حرب كما يحدثنا التاريخ الفصيح تسكن مدافعها عندما تنتقل من جبهات القتال إلى أروقة المفاوضات. لكن هذا التحول وحده لا يضع خاتمة للحرب . فهو نصف المشوار لجهة الخلاص .لذلك يصبح التوغل في الإقتتال ضرب من هدر الجهد والزمن.بل ربما يصبح نوعا من ممارسة الإنتحار.
*****
نداءات وقف الحرب تكتسي بالمنطق مقابل عدمية الحرب وغائيتها .لكن تلك النداءات لا تبرأ من العبثية مالم تتبن مبادرة سياسية واقعية تكسبها جماهيرية واسعة. مثل تلك المبادرة لا تتصمن فقط مخارج عجولةولو آمنة من مستنقع الحرب. بل ينبغي ان تمثل خارطة طريق متكاملة من فهم عميق لدوافع الحرب ، مساراتها وغاياتها. جوهر تلك الخارطة القبض على جذور الحرب تأمين اقتلاع مسبباتها على نحو أبدي وحاسم.تلك مهمة لايتم إنجازها مالم تتبلور في الوقت نفسه ملامح الغد بارزة للعيان الوسومعمر العمر
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: عمر العمر
إقرأ أيضاً:
ما وراء حل المجلس الإسلامي السوري؟
أعلن المجلس الإسلامي السوري حلّ نفسه استجابة لطلب الحكومة السورية الجديدة، وسط غموض حول الموقف الحكومي من القرار الذي أثار عاصفة من النقاش بين السوريين بين مؤيد ومعارض.
وقال المجلس في بيان له في 28 يونيو/حزيران الماضي إن القرار جاء استجابة لطلب الحكومة السورية حلّ جميع المؤسسات الثورية بعد أن حقق كثيرًا من الأهداف التي قام لأجلها، وحلّ كافة المؤسسات التابعة له والمنبثقة عنه كمجلس الإفتاء السوري ومجلس القرّاء السوريين.
وأوضح الناطق باسم المجلس الإسلامي السوري، الشيخ مطيع البطين، في تصريح عقب الإعلان، أن القرار لم يكن سهلًا، بل "صعبًا مؤلمًا"، متحدثا في صفحته على فيسبوك عن اضطرارات وضرورات اقتضت ذلك دون مزيد من التوضيحات.
وأثار حل المجلس اعتراضات واسعة، وقال ناشطون إنه لم يكن صائبا، مبدين تخوفهم من عودة السيطرة الحكومية على المؤسسة الدينية.
وأفاد المجلس الإسلامي في بيانه حول قرار الحل بأن سنوات الثورة السورية اقتضت إنشاء مؤسسات متنوعة بأدوار مختلفة، لافتا إلى أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد يعني "بدء حقبة جديدة عنوانها بناء الدولة بكل مؤسساتها".
ومن جملة ذلك، بحسب البيان، إعادة بناء المؤسسة الدينية الرسمية "بعد أن شوّهها النظام البائد وسخرها لخدمة مصالحه، مشيرا إلى أنه "كان من القرارات التي اتخذتها الدولة الجديدة حل كل المؤسسات الثورية من أجل أن تجد موقعها في البناء الجديد، ولتواكب الأوضاع الجديدة بعد التحرير"، في إشارة إلى مضمون بيان مؤتمر النصر الذي عقدته الفصائل الثورية المشاركة في معركة ردع العدوان في يناير/كانون الثاني.
وجاء قرار المجلس حل نفسه بعد دمج معظم قياداته في الهيئات الحكومية والوزارات، ولا سيما بعد تسلم رئيس المجلس، الشيخ أسامة الرفاعي، منصب المفتي العام للجمهورية العربية السورية وتعيينه رئيسا لمجلس الإفتاء الأعلى الذي ضم معظم قيادات المجلس الإسلامي.
وبحسب ما أفاد مطيع البطين، الناطق باسم المجلس قبل حله، فإن القرار "لم يكن مفاجئا لمن كان مطّلعا على عمل المجلس من كثب"، مضيفا "مرت مدة طويلة لم يصدر فيها المجلس بيانا رغم وقوع أحداث اعتاد المجلس أن يكون له فيها رأي، وذلك يشير إلى التوقف عن العمل".
إعلانوأوضح في حديث للجزيرة نت أنه بعد بيان مؤتمر النصر الذي نص على حل جميع المؤسسات الثورية، جرى نقاش داخل المجلس وخارجه حول شموله بهذا التوجه، فكان هذا تمهيدا لدى كثير من الناس بأن المجلس سيصير إلى الحل بطريقة أو بأخرى.
المجلس الإسلامي السوري هيئة لعلماء الشريعة الإسلامية السوريين، تكونت بعد بدء الثورة السورية، وتهدف إلى "تجميع الكيانات الشرعية وتوجيه الشعب السوري دينيا، وإيجاد حلول شرعية لمشكلاته وقضاياه".
أُسّس في إسطنبول عام 2014 وضم اجتماع التأسيس أكثر من 128 داعية وعالما، ونشط في الشمال السوري ومحافظات عدة في تركيا.
وعرّف المجلس نفسه على موقعه بأنه "هيئة مرجعية شرعية وسطية سورية، تسعى إلى جمع كلمة العلماء والدعاة وممثلي الكيانات الشرعية، وتوجيه الشعب السوري، وإيجاد الحلول الشرعية لمشكلاته وقضاياه، والحفاظ على هويته ومسار ثورته".
وقال إن رسالته تقضي ترسيخ المشروع الإسلامي وتفعيل دور المؤسسة الدينية في المجتمع السوري، وأصدر على مدى سنوات عمله وثيقتي المبادئ الخمسة والهوية السورية، ورؤية التوافق الوطني.
اعتراضاتلقي قرار حلّ المجلس الإسلامي السوري استنكارا واسعا من قبل الناشطين والسياسيين، وعبر الشيخ أحمد معاذ الخطيب -الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري- عن رفضه للقرار، معتبرا أن ما وصفه "بالقضم التدريجي للمؤسسة الدينية السنية ليس في مصلحة أي جهة".
وأضاف "لست موافقًا على حل المجلس الإسلامي، وأرى أن من وافق من السادة العلماء على حله فقد وقع في غلط كبير".
وقال الخطيب على حسابه في منصة إكس إنه تواصل مع بعض أعضاء المجلس، وعديدون لم يفوضوا وبعضهم فوض ثم سحب تفويضه، مشيرا في ذلك إلى آلية التصويت على قرار الحل داخل المجلس، حيث تم التصويت بالغالبية من قبل الجمعية العمومية على تفويض الأمناء باتخاذ قرار الحل أو الإبقاء.
من جهته، عارض فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان قرار حل المجلس الإسلامي، وقال إن المؤسسات الدينية السنية التقليدية في سوريا طالما أدت دورًا في حفظ التوازن الديني والاجتماعي، وذلك ما جعل منها إلى حد ما حائط صدّ أمام التفسيرات المتشددة، ووفّرت غطاء شرعيا للنظام الاجتماعي القائم.
وأضاف أن التقاليد الإسلامية المحلية المعتدلة، إذا ما مُنحت المساحة الكافية للعمل، قادرة على إنتاج خطاب ديني متجذر اجتماعيا ومناهض للراديكالية.
وعن تأثير هذا القرار على عمل منظمات المجتمع المدني في سوريا، خاصة أن بيان المجلس الإسلامي ربط بين قرار حل نفسه وبين طلب الحكومة السورية، قال عبد الغني -للجزيرة نت- إنه من المفترض أن لا تتدخل الدولة في عمل هذه المنظمات، فهي مستقلة ولا علاقة للدولة بها، ما لم تنتهك القانون، وحتى إذا انتهكت القانون فالأمر يعود للقضاء لتحديد ذلك وليس للسلطة التنفيذية.
وأكد أن مؤسسات المجتمع المدني لها وجود معياري وصفة اعتبارية ومهام تقوم بها لخدمة المواطن، ومن ثم فإن وجود هذه المؤسسات هو أمر قانوني ومطلوب، بل على الدولة أن تقوم بتشجيع تأسيس منظمات المجتمع المدني.
إعلانوثمة مساحات لا تقوم مؤسسات الدولة بالعمل عليها أو لا تستطيع أن تغطيها، فتقوم مؤسسات المجتمع المدني بالعمل عليها بالتكامل مع دور الدولة، وفقا للحقوقي السوري.
وقال إنه حتى لو وقع تنافس بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، فهذا التنافس لمصلحة المواطن، وهو تنافس غير موجود في سوريا حاليا، "فنحن في حالة تصحر لأن مؤسسات الدولة ضعيفة ومؤسسات المجتمع المدني قليلة جدا، ونحن بحاجة إلى المئات من هذه المؤسسات وأن يُعزز دورها".
تفهم وسط تحفظاتفي المقابل، أبدى باحثون وناشطون وجهات سياسية تفهمًا لقرار حل المجلس الإسلامي السوري، لكن تفهمهم لم يخل من تحفظات وشكوك حول تداعيات هذا القرار.
مدير موقع الذاكرة السورية والباحث السياسي عبد الرحمن الحاج اعتبر الخطوة ضرورية لكنها مبكرة، مؤكدًا أن المجلس، حتى بصفته كيانًا مدنيا، كان بإمكانه الإسهام في ضبط الخطاب الديني ومواجهة الكراهية والتطرّف.
من جهته، رأى تيار المستقبل السوري في هذا القرار "تفهّمًا لمرحلة مفصلية تتطلب إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة على أسس وطنية جامعة"، مؤكدا في بيان احترامهم لأسباب الحل التي تنسجم مع متطلبات الانتقال من مرحلة الثورة إلى الدولة، وتقديرهم للدور الذي أدّاه المجلس في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية.
وأعرب التيار في الوقت ذاته عن "قلق عميق من أن تكون هذه الخطوة مستتبعة لخطوات لاحقة تغيب فيها كيانات دينية مستقلة، مثل رابطة العلماء السوريين وغيرها، بوصف هذه الكيانات إحدى ركائز المجتمع المدني المعتبرة".
واعتبرت شبكة شام الإخبارية المحلية أن حل المجلس الإسلامي السوري قد يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، واستقلال المرجعيات الدينية، وهو ما يعكس جدلًا لم ينته بعد في سوريا الجديدة.