الجزائر «العُمانية»: تبدو الباحثة، د.خولة بوجنوي، في كتابها «مجتمع المعرفة وسؤال الهوية»، الصادر عن دار ألفا دوك للنشر بالجزائر، منشغلة بكيفيّة التأسيس اليوم لخطاب الهوية، بعيدا عن المرتكزات التقليدية في مجتمع للمعرفة، في خضمّ المتغيّرات التكنولوجية التي تكشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي بتوسُّط الافتراضي؛ معتمدة في طرحها هذا على الأبعاد الفلسفيّة، والأسس المعرفية التي ينبني عليها مجتمع المعرفة.

وتناقش الباحثة هذه الإشكالية عبر فصلين هما «مطلب الهوية وصدمة العولمة» و«مجتمع المعرفة؛ تحوُّلات عالميّة».

وتؤكّد الباحثة، في تقديم الكتاب، على أنّ الضرورة التي تفرضها طبيعة الوجود الإنساني بإلزامية الاحتكاك والتواصل، دفعت الإنسان إلى استعمال مختلف الوسائل المتاحة لديه من أجل تحقيق هذه الغاية، وكانت الانطلاقة الأولى أن استعان بأحد الرموز المنبّهة كاستعمال الدخان بصفته رمزا للتحذير عن الخطر المحدق أو استعمال الحمام الزاجل كوسيلة لبعث الرسائل المكتوبة أو النقوش على الصخور والجدران كطريقة للتعبير عن الحضور والتعريف بوجوده وهويته.

ومع ظهور الطباعة، قطع الإنسان خطوة عملاقة لإرساء معالم مشروع تواصلي منقطع النظير مقارنة بالآليات التقليدية التي اعتاد عليها، فلقد هيأ هذا الاختراع لبزوغ عهد جديد في عالم الاتصالات، كان نتيجة ذلك ظهور الصحافة المكتوبة التي أسهمت بدورها في تنوير الرأي العام وتعزيز عالم الاتصال المكتوب. كما شهد المجتمع تغيُّرات جمّة بفعل الآثار الناجمة عن الثورة الصناعية التي أسهمت في تزويد الأمم والمجتمعات بوسائل متطوّرة هيأت للأفراد فرصة التفاعل فيما بينهم.

ومن أبرز هذه الوسائل، جهاز المذياع الذي يعتمد في بثه على الموجات «الهرتزية»، ومن ثمّ جهاز التلفزيون الذي أضفى نوعية أكبر على الوسيلة السابقة، إذ أصبح الصوت مدعما بالصورة، واعتبر التلفزيون، حينذاك، بمثابة القفزة النوعية والتقنية الأكثر تفوُّقا في تاريخ الاتصال.

وفي ظل التطوُّر الهائل للتقنية وتطلُّعاتها اللامتناهية، شهد العالم أيضا ميلاد الأقمار الصناعية واختراعات متلاحقة أفرزت بدورها ميلاد جهاز «الحاسوب» ومن ثمّ شبكة «الإنترنت» كثمرة تزاوج بين مختلف التكنولوجيات، لتتوّج بفضاء سيبراني يمكن المستخدم من التواصل مع الغير، سواء كان فردا أو جماعة أو مؤسّسة، من خلال الرسائل النصية أو الصور أو الفيديوهات مع إمكانية التعليق عليها.

وتضيف الباحثة: «إنّنا اليوم ندخل في جدل تفاعلي مع عالم الفضاء المعلوماتي اللامحدود، وخاصة الواقع الافتراضي الذي يصنعه هذا العالم؛ إنّه عالم يفتح آفاقًا جديدة لتحسين معيشة ملايين الأشخاص حول العالم، بغضّ النظر عن ثقافتهم أو أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ويهدّد في الوقت نفسه التنوُّع الثري للثقافات العالمية، ويهيّئ للنشء فرص معارف متنوّعة، وقد يعزلهم عن غنى الواقع الملموس وثراء التماس والتفاعل مع الحياة الحقيقية اليومية. ومع تبنّي العالم لفكرة تطوير ثقافة معلوماتية افتراضية متجدّدة على المستوى العالمي، تتمُّ إعادة نمذجة الخبرات البشرية في الثقافات المختلفة في مجالات المثل، والأخلاق، والسلوك والجمال، ومع التوسُّع المفرط المتنامي للعالم الافتراضي يتشظّى الواقع الاجتماعي، ويواجه الجسم الإنساني والهوية الفردية عمليات تفتيت للمادي القابل للتحقُّق منه، مقابل خيالات تتلقّى كلّ الدعم التقني اللازم لتكتسي بمصداقية دائمة التجدُّد».

وتخلص مؤلّفة الكتاب إلى القول: «ليس من قبيل المصادفة، أن تحتلّ إشكالية الهوية في مجتمع المعرفة مكانة رئيسة في الفكر الفلسفي المعاصر تماشيا مع التطوُّر العلمي والمعرفي الذي طرأ على إنسان القرن الحادي والعشرين، فغير هذا التطوُّر جملة من المفاهيم الأساسية، وأضفى عليها نزعة رقمية زعزع بها صرح اليقينيات واستحدث معها ممارسات وسمات جديدة غيّرت بدورها مفهوم الهوية؛ فإذا كنّا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين نتحدّث عن العولمة مثل شبح يُهدّد الهويات القومية، فإنّنا اليوم بصدد تغيُّر آخر، أو بالأحرى مفاعيل أخرى، تُشكّل لنا هويتنا، ولا يمكن استيعابها دون فهم التحوُّل الجذري الذي مسّ تاريخيًّا العلاقة بين القوة والمعرفة والسلطة، فهذا الثلاثي أصبح عبارة عن ممارسة خفيّة تسهم في تشكيل وقولبة الهوية اليوم».

يُشار إلى أنّ د. خولة بوجنوي، مؤلّفة الكتاب، باحثةٌ جزائريّة، حاصلةٌ على شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة باجي مختار بعنابة، شاركت في كتاب جماعيّ صدر بعنوان «الإنسانيات الرقميّة».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجتمع المعرفة

إقرأ أيضاً:

الواقع يختلف عن القانون.. مثليون حائرون بشأن وجهات السفر

ينقسم الأفراد الذين ينتمون لمجتمع الميم عين حول العالم بشأن زيارة الوجهات السياحية المميزة التي تجرم المثلية الجنسية، وفق تقرير لشبكة "سي إن إن" الإخبارية.

ويشعر بعض من أفراد مجتمع الميم عين بعدم الراحة للسفر لدول تجرم المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والعابرين جنسيا، ولا يفضلون الذهاب إلى تلك الوجهات، حتى لو كانت معروفة سياحيا وذلك للحفاظ على سلامتهم.

في المقابل، يرى البعض الآخر من هذه الفئة أن التجربة على أرض الواقع مختلفة عن نصوص القوانين، التي تجرم نشاط أفراد مجتمع الميم عين.

ولا تزال هناك 62 دولة في جميع أنحاء العالم تجرم المثلية الجنسية، وفقً للرابطة الدولية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والعابريان جنسيا (ILGA)، التي تحصي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فقط.

ومن بين هذه الدول، يمكن لـ 12 دولة أن تفرض عقوبة الإعدام على النشاط المثلي، بما في ذلك دولة الإمارات المفضلة لدى السياح، وقطر، والسعودية.

وأظهر تقرير صادر عام 2021 من منظمة "اوبن فور بيزنس" غير الربحية أن الدول الكاريبية التي تحظر المثلية الجنسية شهدت انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 5.7 بالمئة وخسرت صناعة السياحة فيها من 423 مليون دولار إلى 689 مليون دولار سنويا.

وقال كوري أونيل، وهو مدير مكتب في لندن، إن "السلامة في طليعة ذهن أي شخص عند السفر"، مضيفا: "حتى لو لم تكن مثليا بشكل واضح، فهناك خطر أن يُنظر إلى تصرفاتك على أنها مثلية، وهو ما لا يستلزم عقوبات رسمية فحسب، بل وحشية الشرطة وجرائم الكراهية". 

وأردف قائلا: "لا أريد أن يكون ذلك في ذهني أثناء الإجازة".

من الابتزاز إلى الاعتقال.. مخاطر تحدق بمستخدمي تطبيقات تعارف "مجتمع الميم" أعادت واقعة استدراج السلطات القطرية لمثلي مكسيكي عبر إحدى تطبيقات المواعدة من أجل اعتقاله، تسليط الضوء على المخاطر التي ترتبط باستخدام تطبيقات المواعدة الخاصة بالمثليين في الدول العربية، خاصة في ظل تكرر حوادث مماثلة خلال السنوات القليلة الماضية.

ويعني موقف أونيل أنه إذا لم تتغير القوانين، فلن يرى الأهرامات أبدا على اعتبار أن مصر تجرم المثلية الجنسية. كما لا يمكنه زيارة جزر المالديف التي تعاقب على المثلية بالسجن 8 سنوات بالإضافة إلى 100 جلدة. وتساءل: "لماذا أعطي المال لدولة لا تريد وجودي؟".

وعلى الطرف الآخر، قال دارين بيرن، وهو مؤسس شركتي سفر هما "أوت أوف أوفيس" و"ترافل غيه"، "أنا أحترم تماما أن بعض الناس لا يريدون دعم اقتصاد (بلد ما) حيث المثلية الجنسية غير قانونية. لكن الجانب الآخر هو أنني أريد أن أذهب، ومن خلال الذهاب، أساعد في تغيير العقليات. كل بلد لديه أشخاص مثليون".

وفي السنوات الأخيرة، أصبح مسوقو الوجهات السياحية أكثر رغبة في جذب عملاء من أفراد مجتمع الميم عين، غالبا لأسباب مالية، حسبما قال بيرن. فالمسافرون من ذلك المجتمع "أقل احتمالا لإنجاب الأطفال وأكثر احتمالا للحصول على دخل قابل للصرف".

وقال شيروين باندا، رئيس شركة "أفريكان ترافيل" التي تقدم رحلات السفاري الفاخرة بالقارة السمراء إن "سمعة الوجهة بأنها صديقة للمثليين هي الدافع الأساسي لنا".

وأضاف: "بمجرد أن ندرك أن المسافرين من مجتمع الميم عين، فإننا نحرص بشدة على ضمان أن يكون المرشدون والفنادق وجميع نقاط الاتصال طوال الرحلة بحالة آمنة وشاملة لهم".

وعام 2020، أطلق بلال الحمومي ورانيا شنتوف شركة "إنكلوسف موروكو"، وهي أول شركة سياحة أسسها مثليون في بلد يعاقب على النشاط المثلي بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات.

وقال الحمومي: "بصفتنا أعضاء في المجتمع، شعرنا أننا سنفهم بشكل أفضل كيفية التعامل معه. المغرب بلد يُمارس فيه التسامح، ولكن لا يُوعظ به".

وتابع: "يمكننا أن نفهم مخاوف العملاء، ولكن من ناحية أخرى، كان من المهم إنشاء مساحة حيث يمكن لمجتمع المثليين المحليين المشاركة في برامج التدريب وفرص التوظيف".

وقال الحمومي إن الواقع في المغرب "يختلف قليلا عن القانون".

مقالات مشابهة

  • الواقع يختلف عن القانون.. مثليون حائرون بشأن وجهات السفر
  • شاطئ السلام
  • «ساهم».. المبادرة المُلتبسة
  • عندما يركل الفلاسفة كرة القدم!
  • قرن من الصّمود الفلسطيني المذهل.. قراءة في كتاب
  • دبي تستضيف استعدادات «طائرة البرازيل» لـ «أولمبياد باريس»
  • «طائرة البرازيل» تستعد لـ «أولمبياد باريس» من دبي
  • جمجمة تكشف..المصريون القدماء حاولوا معالجة السرطان منذ 4000 عام
  • "أعلن عنه عالم يمني".. ما إمكانية تحقيق مشروع جديد لزراعة الرأس؟
  • فاز بجائزة بوليتزر.. مأساة فلسطين من خلال كتاب عن وفاة طفل