عربي21:
2024-05-13@06:19:15 GMT

انتفاضة الجامعات الأمريكية وتفكيك الصهيونية

تاريخ النشر: 28th, April 2024 GMT

تتعرض غزة منذ سبعة شهور لحرب إبادة جماعية من قبل الكيان الاستعماري الصهيوني بمساندة ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، في سياق العمل على محو وطمس القضية الفلسطينية على الصعيدين المادي والرمزي، وبلغ العنف الاستعماري الصهيوني والإمبريالي الغربي حد العبث والجنون في محاولة عكس التاريخ؛ بتجاوز آثار وتبعات عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة "حماس" والتي عصفت بركائز الأمن القومي للمستعمرة اليهودية، وخلخلت الركن الأهم لمشروع الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.



ولم يقتصر نجاح عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على الجانب المادي العسكري بكشف هشاشة كيان الاحتلال وتبعيته العسكرية والسياسية والثقافية للمنظومة الغربية، بل طال التشكيك مجال الأيديولوجية الصهيونية الرمزية والثقافية والأخلاقية وفضح هشاشة أجهزتها الدعائية. فقد جاءت الانتفاضة الطلابية في الجامعات الأمريكية في سياق تعميق أزمة المشروع الصهيوني ومواجهة حرب الإبادة في غزة، وتعرية أيديولوجيته التفوقية العنصرية التي تقوم على خطاب الحضارة والبربرية الإمبريالي الاستعماري؛ الذي عبر عنه نتنياهو بوضوح عند زيارة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك للقدس المحتلة بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، بالقول: "إنها معركة العالم المتحضر مجتمعا.. إنها معركة الحضارة الغربية".

لم تنجح خطابات الحضارة والبربرية ونعت المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهاب"، في تبرير حرب الإبادة في غزة، وفشلت الآلة الدعائية الصهيونية والغربية في التغطية على جرائم الحرب والإبادة. فمع بروز جيل جديد من الشباب، انتشرت المظاهرات المناهضة لحرب الإبادة الصهيونية في كافة أنحاء العالم واحتشد المتظاهرون في الولايات المتحدة وفي أنحاء أوروبا، احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

تشير الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية إلى تحول جذري عميق في صفوف الشباب في الولايات المتحدة، وهي مسندة من جيل جديد من أحفاد اليهود الأمريكيين ممن يرفضون الركون إلى سردية الهوية "اليهودية" المندمجة بالإكراه مع الأيديولوجية "الصهيونية" ودولة "إسرائيل"، والتي تبرر الاستمرار بسياسات الأبارتايد والفصل العنصري وممارسة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى منتصف نيسان/ أبريل 2024، شهدت أوروبا أكثر من 3100 مظاهرة تتعلق بالحرب في قطاع غزة، لكن خلال الفترة ذاتها كان عدد التظاهرات والأنشطة نحو 2700 مظاهرة ووقفة في الولايات المتحدة، بحسب بيانات منظمة "إيه سي إل آي دي" التي تتتبع النشاطات السياسية حول العالم. وقد دخلت الجامعات الأمريكية على خط الاحتجاجات عندما بلغ الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي حد العمى، فبعد أن صوتت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لصالح مساعدات مالية وعسكرية جديدة وغير مسبوقة لــ"إسرائيل"، تنامى الغضب داخل حرم الجامعات الأمريكية، حيث بدأت المظاهرات في 17 نيسان/ أبريل في جامعة كولومبيا، حيث نظم تحالف طلابي يضم أكثر من 120 منظمة طلابية وأعضاء هيئة التدريس اعتصاما، ونصبوا خياما على أرض الجامعة، ولحقت بها الجامعات الأمريكية الأخرى تباعا.

شكّل التضامن مع غزة شرارة الانتفاضة الطلابية، لكن ما أعطى حركة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية الزخم هو طريقة التعامل معها من قبل إدارة الجامعة واستدعاء الشرطة، حيث تم اعتقال الطلبة في جامعة كولومبيا ومعاقبتهم بعد استدعاء رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق شرطة نيويورك لفض الاعتصامات، وهو ما منح الاحتجاجات دوافع أكثر جذرية تتعلق بالحريات والحقوق والعدالة، ودفع الكيانات الطلابية للانخراط فيها بعد اعتقال نحو مائة من طلاب جامعة كولومبيا، بسبب دعمهم لفلسطين. وسرعان ما انتشر السخط والغضب كالنار في الهشيم في معظم الجامعات الأمريكية، ومنها: جامعات ييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة كارولينا الشمالية، وإيمرسون، وجامعة هارفارد، وجامعة نورث كارولينا تشابل هيل، وفاندربيلت، وبيركلي، واجهتهما الحكومة الأمريكية، ومع تنامي قمع الاحتجاجات التي أسفرت عن اعتقال أكثر من 500 طالب وطالبة، أخذت الاحتجاجات الطلابية بالاتساع والانتشار لتشكل نموذجا للجامعات في دول أخرى، حيث انتشرت الاحتجاجات في جامعات المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا وغيرها.

تشير الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية إلى تحول جذري عميق في صفوف الشباب في الولايات المتحدة، وهي مسندة من جيل جديد من أحفاد اليهود الأمريكيين ممن يرفضون الركون إلى سردية الهوية "اليهودية" المندمجة بالإكراه مع الأيديولوجية "الصهيونية" ودولة "إسرائيل"، والتي تبرر الاستمرار بسياسات الأبارتايد والفصل العنصري وممارسة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.

فالمقاربة الجديدة للأجيال الشابة الجديدة تدرك التلاعب في المصطلحات، ولا يخفى عليها الرطانة البلاغية للخطابات الإمبريالية حول "معركة الحضارة الغربية"، إذ لم تكتف المستعمرة الإسرائيلية بالمشاركة العسكرية والمالية والسياسية للجبهة الغربية الموحدة في حرب الإبادة على غزة، بل سعت "إسرائيل" مع لوبياتها ومناصريها إلى فرض الخطاب الغربي المتعلق بالحرب على الجميع، وعملت على ترهيب ومعاقبة وقمع الأصوات المساندة لفلسطين، في محاولة للاستحواذ على السردية والرواية التي شعرت المستعمرة أنها خرجت عن السيطرة، وهو ما وضع المستعمرة في مأزق كبير في معركة كسب "العقول والقلوب". وظهر هذا بوضوح بين الطلاب والأكاديميين في الفضاءات الجامعية، حيث انتشرت سردية تاريخية مضادة، ترى في النضال الفلسطيني جزءا أساسي من نضالات العالم الثالث للتحرر من الاستعمار، وهي سردية تنشط في كشف دور الغرب التاريخي والمعاصر في تمكين الاحتلال والعنف الإسرائيليين، وترفض محاولات "إسرائيل" شيطنة الفلسطينيين ونزع الشرعية عن قضيتهم، ونعت مقاومة الاحتلال بـ"الإرهاب".

شكلت المظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية الداعمة لفلسطين، صدمة إسرائيلية، دفعت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى إصدار بيان للتنديد بها، زاعما في الوقت ذاته أنها معادية للسامية، وتذكِّر بما حدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات. ففي رسالة مصورة نشرها نتنياهو على منصة "إكس" في 24 نيسان/ أبريل 2024، قال: "المتظاهرون يطالبون بالقضاء على إسرائيل، ويهاجمون الطلاب اليهود، ويهاجمون أعضاء هيئة التدريس اليهود، وهو ما يذكرنا بما كان يحدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات". وقال: إن "ما يحدث في الجامعات الأمريكية أمر مروع، فقد سيطرت جحافل معادية للسامية على جامعات رائدة"، لافتا إلى أن "هذا أمر غير مقبول، ويجب أن يتوقف".

وقد سبق قلق نتنياهو تعليق آخر، من وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت الذي دعا إلى وقف المظاهرات الداعمة لقطاع غزة في الجامعات الأمريكية. وزعم غالانت في منشور على منصة "إكس" أن "المظاهرات التي تشهدها الجامعات في الولايات المتحدة ليست معادية للسامية فحسب، بل هي أيضا تحريض على الإرهاب"، داعيا "السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحرك، من أجل حماية اليهود ووقف المظاهرات في الجامعات".

وادعى وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن "يهود الشتات يعانون حاليا من موجة شديدة من معاداة السامية في المجتمعات والجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم". وفي منشور عبر منصة "إكس" قال: "طلبتُ من قائد الشرطة يعقوب شبتاي صياغة خطة مساعدة، لإنشاء قوات دفاع محلية من شأنها حماية الجاليات والمؤسسات اليهودية في الخارج، من خلال الدعم المهني، بما في ذلك خطة تدريب وتقديم استجابة تكنولوجية لعمليات التأمين".

لا جدال في أن حالة القلق أصبحت منذ "طوفان الأقصى" ملازمة للكيان الإسرائيلي، إذ لم يعد بمقدوره تحقيق نصر عسكري حاسم على المقاومة الفلسطينية، وفقد معركة "العقول والقلوب"، ولم يعد يمتلك السلطة والقدرة على التحكم بالسردية والرواية التي عملت عليها الصهيونية والإمبريالية الغربية على مدى عقود. فما منع الإنسان الأمريكي والأوروبي العادي من اتخاذ موقف عادل تجاه القضية الفلسطينية هو كون الرواية الإسرائيلية القائمة على إنكار حقيقة فلسطين هي الرواية السائدة في الغرب، الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية كشفت عن فهم مختلف، فلم يعد نقد الصهيونية متجذرا في معاداة السامية وبغض الشعب اليهودي. فعدوّ الشعب اليهودي هو دولة إسرائيل نفسها، بعيدا عن سلوكها العدواني داخليّا وإقليميّا، وبات التفريق بين "الصهيونية" و"اليهود" و"إسرائيل" أكثر وضوحافإسرائيل أُنشئت في الأساس لتكون "قاعدة" للغرب وسط الشرق الأوسط. ومن الواضح أن ثمة الحقيقة أخذت بالانتشار بين الأجيال الشابة، وهي أن إسرائيل هي دولة استعمارية استيطانية تسعى إلى المحو والتطهير العرقي و"استبدال" السكان الأصليين بالسكان المستعمرين، وهو ما بدأته في عام 1948، وتعمل على إكمال ما بدأته الآن في غزة.

على مدى عقود شكلت الشخصية اليهودية الذات الأخلاقية الغربية، ولم يشكك أحد في الرواية والسردية المهيمنة، لكن الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية كشفت عن فهم مختلف، فلم يعد نقد الصهيونية متجذرا في معاداة السامية وبغض الشعب اليهودي. فعدوّ الشعب اليهودي هو دولة إسرائيل نفسها، بعيدا عن سلوكها العدواني داخليّا وإقليميّا، وبات التفريق بين "الصهيونية" و"اليهود" و"إسرائيل" أكثر وضوحا، فلا تلازم بين تفكيك الأيديولوجيا الصهيونية، والديانة اليهودية والشعب اليهودي. فإسرائيل ترى نفسها الممثل الوحيد للشعب اليهودي في العالَم، وترى نفسها استثناء دوما؛ فهي فوق النقد، وهي ليست دولة كسائر الدول، وهكذا تعيش هذه الدولة في تناقض -كما ترى جوديث بتلر- لا يمكن حله إلا بممارسة العنف، أو التحوّل الجذري.

يشير الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية إلى بروز وعي جديد لدى الشباب يناهض مسلّمة اليهودي كضحية مطلقة، وهي العقيدة الغربية التي ترسخت بعد "المحرقة"، فقد اكتسبت "المسألة اليهودية" بعد أوشفتز معنى مختلفا على نحو حاسم في الفلسفة القارية والأنجلوسكسونية الأوروبية-الأمريكية، حيث أصبحت شخصية اليهودي هي التي تصوغ المشهد الأخلاقي في الفكر الأوروبي-الأمريكي، باعتباره "الضحية الفريدة"، وباتت مقولة "اليهودي-الضحية" القاعدة الأخلاقية الفلسفية التي تهيمن على أفق التفسير والتأويل.

وكان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر من أوائل من قدم اليهودي كضحية فريدة، وعلى خطاه سار إيمانويل لِفيناس وآخرون. فلِفيناس لم يتخيّل اليهود بأي صورة أخرى غير صورة الضحايا، ولم تخطر بباله فكرة أن يكون اليهود هم من يضطهدون العرب والفلسطينيين، فهو يرى أن اليهود ودولة إسرائيل هم الأهداف "الأكثر هشاشة وضعفا" أمام الإرهاب، وليسوا المسبّبين للإرهاب. فقد أطلق أوشفتز رطانة بلاغية فلسفية تجسدت بمفهمة اليهودي في قيمة "الضحية الأبدية" المطلقة، وها نحن اليوم في غزة نشهد آثاره اللا أخلاقية، ذلك أن استحضار أوشفتز يسعى إلى إنتاج شكل من النزعة الإقصائية المفرطة. فحسب الفيلسوف أشيل مبيمبي، فإنّ استغلال ذكرى أوشفتز، يؤدي إلى "صهر القوة ووضع الضحية وعقدة التفوق"، والمفارقة أن ذلك يقضي على أي أمل بالتعامل بعقلانية مع الفلسطينيين، واعتبارهم ضحايا، أو كما قال إدوارد سعيد "ضحايا الضحايا".

أن ثمة وعيا جديد أخذ يتشكل في أوساط الطلاب من الجيل الشاب في الجامعات الأمريكية، تجسد في انتفاضة واسعة ممتدة باتت تلهم الطلبة في كافة أنحاء العالم، وهو وعي يقوم على مناهضة الإمبريالية والاستعمارية وتفكيك الصهيونية. وقد شكلت عدالة القضية الفلسطينية وحرب الإبادة الإسرائيلية الصارخة المسندة من الغرب تحريضا للهوية الأخلاقية والضمير الإنساني الحي لا تزال تداعيات "طوفان الأقصى" وصمود المقاومة الفلسطينية تلقي بظلالها وتأثيراتها على مختلف الأصعدة، وتعبر الانتفاضة الطلابية في الجامعات الأمريكية عن وعي جديد مقلق للهيمنة الغربية والاستعمارية الصهيونية، فالصحوة الطلابية الجديدة لا تقتصر على مناهضة ومعاداة الإمبريالية والاستعمارية فحسب، فقد سبقت في تاريخ الجامعات الأمريكية انتفاضة خلال حرب فيتنام سعت إلى إقناع الرأي العام بفداحة ومخاطر الحرب الاستعمارية الأمريكية، لكن ما هو جديد في الانتفاضة الطلابية الحالية هو مناهضة ومعاداة الصهيونية ورفض السياسات الأمريكية المساندة لها، كما أنها تشكل نموذجا إرشاديا ملهما للطلبة حول العالم، وخصوصا الطلبة في العالم العربي الذين تم إقصاؤهم منذ زمن بعيد، وجرى التنكيل بهم على مدى عقود.

وعقب السابع من أكتوبر جرت عمليات اعتقال وفرضت عقوبات صارمة على الطلاب في معظم الدول العربية، وتشكل سلطة "أوسلو" في الضفة الغربية النموذج الإرشادي للتعامل الاستبدادي العربي مع الحراكات الطلابية في الجامعات، فقد تعرضت الحركات الطلابية الفلسطينية في الضفة إلى ضربات استباقية على مدار السنوات الأخيرة، من استهداف غير مسبوق شمل استباحة الأحرام الأكاديمية في الضفة واعتقال عشرات القيادات الطلابية.

خلاصة القول أن ثمة وعيا جديد أخذ يتشكل في أوساط الطلاب من الجيل الشاب في الجامعات الأمريكية، تجسد في انتفاضة واسعة ممتدة باتت تلهم الطلبة في كافة أنحاء العالم، وهو وعي يقوم على مناهضة الإمبريالية والاستعمارية وتفكيك الصهيونية. وقد شكلت عدالة القضية الفلسطينية وحرب الإبادة الإسرائيلية الصارخة المسندة من الغرب تحريضا للهوية الأخلاقية والضمير الإنساني الحي، ولم تعد السردية الصهيونية تحظى لدى جيل الطلبة الشاب بأي مصداقية.

فخطابات "معاداة السامية" باتت سخيفة وممجوجة، ولا يمكن أن تغطي على جرائم الحرب والإبادة، وقد كشفت الانتفاضة الطلابية عن تراجع السردية الصهيونية وتفككها، وعن بروز سردية مناهضة للاحتلال تطالب بوقف حرب الإبادة في غزة وتحرير فلسطين، وهو ما يشير إلى أن المستعمرة الصهيونية تختبر منذ عملية "طوفان الأقصى" حالة من الشك وفقدان التوازن، وتنتقل من فشل إلى آخر، وأنها خسرت السردية التي بنيت على أساطير مختلقة وخرافات زائفة.

twitter.com/hasanabuhanya

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الجامعات الإسرائيلية الاحتجاجات إسرائيل امريكا احتجاجات فلسطين جامعات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتجاجات الطلابیة فی الجامعات الأمریکیة المقاومة الفلسطینیة فی الولایات المتحدة القضیة الفلسطینیة جامعة کولومبیا معاداة السامیة الشعب الیهودی الأمریکیة إلى طوفان الأقصى حرب الإبادة الطلبة فی فی غزة لم یعد وهو ما

إقرأ أيضاً:

كيف غدت الصهيونية لطخة في اليسار الأمريكي؟

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية الأحد، مقالا للكاتب جوناثان غاير، تحدث فيه عن الصهيونية المرتبطة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، والرفض الواسع لها من قبل أطياف من اليهود، لا سيما في الولايات المتحدة.

وتحدث غاير في مقاله عن "الإهانة" التي باتت مرتبطة بهذه الكلمة بالنسبة لليسار الأمريكي، لا سيما بعد الاحتجاجات الطلابية الواسعة في الجامعات، والمتضامنة مع الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
لطالما أعلن جو بايدن بفخر على مدى عقود عن أنه صهيوني، ولقد كرر ذلك الزعم منذ هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر. ولكن بالنسبة للاحتجاجات الطلابية التي تنتشر في أرجاء الولايات المتحدة ضد الحرب، غدت كلمات مثل صهيوني والصهيونية نعوت ازدراء ترمز إلى سياسات الدولة العنيفة التي تحرك الحرب على غزة. 

في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والطرقات، لم يعد النقاد يطلقون على مؤيدي دولة إسرائيل صفة "أنصار إسرائيل"، بل يسمونهم صهاينة، حتى أن بعض مخيمات الاعتصام داخل الجامعات رفعت يافطات كتب عليها "يمنع دخول الصهاينة". 

يقول الطلاب المحتجون إن انتقاداتهم للصهيونية تنطق من كون دولة إسرائيل تمارس التطهير العرقي ضد الفلسطينيين وتحتل ديارهم. يرد عليهم النشطاء من أنصار إسرائيل بالدفاع عن المصطلح. ومؤخراً كتب أكثر من خمسمائة طالب من طلاب جامعة كولومبيا خطاباً يقولون فيه: "إذا كنا قد تعلمنا شيئاً مما يجري داخل الحرم الجامعي خلال الشهور الستة الأخيرة، فهو أن نسبة كبيرة ومعتبرة من طلاب جامعة كولومبيا لا يفهمون ماذا تعني كلمة الصهيونية. إننا نفتخر بأننا صهاينة".
 
في الأجواء العاطفية التي أثارتها الحرب، فإن الأيديولوجيا التي تعود جذورها إلى أواخر القرن التاسع عشر، والتي قامت دولة إسرائيل بناء عليها، باتت تحظى من الاهتمام بقدر ما تحظى به الدولة نفسها. ولكن لا يوجد للمصطلح معنى يتفق الجميع عليه. 

نظم الصحفي النمساوي تيودور هيرتزل أول مؤتمر صهيوني في عام 1897. وكان مشروعه لإقامة وطن جديد لليهود، يتمتعون داخله بالسيادة والاستقلال، قد جاء كرد فعل على معاداة السامية المستشرية والعنيفة في أوروبا، والتي كانت إفرازاً للأفكار السياسية السائدة حينذاك. غدا هيرتزل ملتزماً بدولة يهودية في فلسطين، والتي وصفها باعتبارها "موقعاً متقدماً للحضارة في مواجهة الهمجية." ولكن لم تقم دولة إسرائيل إلا في عام 1948، بعد مرور عدة عقود على وفاته. 
وها نحن نشهد اليوم جيلاً من الطلاب الذين يؤكدون على أن ما يرونه من أحداث ما هو إلا نتاج الرؤية الاستيطانية الاستعمارية لهيرتزل. 

هذا التحول في الآراء إزاء الصهيونية يثير البلبلة بين كثير من اليهود الأمريكيين بشكل خاص. فعلى الرغم من أن 58 بالمائة من الأمريكيين اليهود يصفون أنفسهم بالصهاينة، وذلك طبقاً لمسح أجرته الباحثة في العلوم السياسية بجامعة كارلتون ميرا سوخاروف، إلا أن المصطلح يعني أموراً مختلفة لمختلف الناس. ترى الأغلبية أن الصهيونية ترمز إلى الارتباط بدولة إسرائيل (حوالي 70 بالمائة من المستطلعة آراؤهم)، وترى شريحة بنفس النسبة تقريباً أن الصهيونية تعنى الاعتقاد بأن إسرائيل يهودية وبأنها دولة ديمقراطية (72 بالمائة من المستطلعة آراؤهم)، بينما تصف أقلية صغيرة أنها تعني "تمتع اليهود بحقوق يتميزون بها عن غير اليهود داخل إسرائيل" (حوالي 10 بالمائة من المستطلعة آراؤهم). أما بالنسبة للأمريكان بشكل عام، فيظهر من استطلاعات رأي أجريت مؤخراً أن الكثيرين منهم لا معرفة لهم بالمصطلح. 

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن الفكرة القائلة بوجود نسخة من الصهيونية بإمكان الفلسطينيين العيش في كنفها بكرامة لأمر ينقضه التاريخ، لأن الصهيونية هي الأساس الذي تقوم عليه السياسات التي هجرتهم بشكل جماعي من ديارهم، التي أصبحت إسرائيل في عام 1948، والتي لم تزل تهجرهم منذ ذلك الوقت. يقول ساري مقدسي، أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجيليس (يو سي إل إيه): "عندما يفكر الناس بالصهيونية الآن فإنهم ينظرون إلى ما يجري في غزة. هذا هو معنى الصهيونية: أنك تسعى من أجل إقامة دولة تقتصر على عرقية واحدة بعينها. إنها صورة قبيحة".

هناك من يرى أن الرؤية الفلسطينية للصهيونية بدأت، وللمرة الأولى، تحتل الصدارة في خطاب التيار العام. تقول سيمون زيمرمان، مديرة الإعلام في ائتلاف الشتات، وهي المنظمة الدولية التي تركز على مكافحة معاداة السامية وتحويلها إلى سلاح: "أعداد متزايدة من الشباب، بما في ذلك الشباب اليهود، يستمعون إلى أصدقائهم وزملائهم الفلسطينيين في الدراسة، الذين يقولون إن هذا هو ما تعنيه لنا الصهيونية." وهذا هو الذي يفسر كيف غدت مصطلحات مثل "الدولة العرقية" و "التفوق اليهودي" و "الاستيطان الاستعماري" عبارات مركزية في الاحتجاجات والمظاهرات. 

بعد المحرقة (الهولوكوست)، غدت الصهيونية مبدأ أساسياً تقوم عليها منظمات المؤسسة اليهودية في الولايات المتحدة. وتعمقت ارتباطات اليهود الأمريكيين بإسرائيل بعد حربي عام 1967 وعام 1973. في تلك الحقبة، كان الأمريكيون اليهود يرون في إسرائيل معقلاً للقيم الليبرالية، وكان المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة يبذل جهوداً مكثفة في جمع التبرعات دعماً لإسرائيل. وكانت معظم البرامج التعليمية اليهودية، سواء داخل المعابد اليهودية أو في أوساط المجتمع اليهودي، تدرس الصهيونية باعتبارها لا تنفصل من حيث الجوهر عن اليهودية. 

مؤخراً كتب بريت ستيفنز، أحد كتاب الأعمدة في صحيفة نيويورك تايمز، يقول: "أنا صهيوني، لأنني أرى أن إسرائيل تمثل بوليصة التأمين لكل عائلة من العائلات اليهودية، بما في ذلك عائلتي أنا، والتي عانت من الاضطهاد في المهجر في الماضي، وتدرك أننا قد لا ننعم بتاتاً بالأمن والأمان، وإلى الأبد، في البلدان المضيفة لنا".
 


ولكن لطالما وجدت مجتمعات يهودية كانت ترفض الصهيونية – من الشيوعيين العلمانيين إلى أنماط من اليهود المتدينين (الأرثوذكس). أما اليوم فقد غدا الطلاب اليهود المعارضون للصهيونية أكثر وضوحاً إذ يقومون اليوم بدور بارز في الاحتجاجات التي تنظم ضد حرب إسرائيل على غزة. 

خذ على سبيل المثال مدينة الخيام التي أقامها الطلاب داخل حرم جامعة ويسليان في ولاية كونكتيكات، حيث ينظمون حلقات تدريس حول تاريخ الصهيونية، ويسلطون الضوء على سرديات لم يسمع بها كثير من الطلاب اليهود المشاركين في المخيم أثناء تلقيهم للتعليم اليهودي الرسمي. 

وهم بذلك يرددون ما تقوله منظمات قاعدية لم تزل تتبنى الجهود المعادية للصهيونية من أجل تخليص اليهودية واستنقاذها من الارتباط بدولة إسرائيل، كما يقولون. ومن هذه المنظمات "صوت يهودي من أجل السلام"، وهي المجموعة التي وقفت بقوة خلف الاحتجاجات التي أخرت في شهر مارس (آذار) خطاب بايدن حول حال الأمة ثم قاطعته في المناسبات التي ظهر فيها في مانهاتن. يشير جيه سابر، أحد المنظمين النشطين ضمن "صوت يهودي من أجل السلام"، إلى أن الحركة تعمل كذلك على بناء "مجتمع يهودي معاد للصهيونية، مجتمع يهودي متجاوز للصهيونية".

تمثل هذه الآراء شريحة صغيرة نسبياً ضمن الرأي العام في الولايات المتحدة، إلا أن المشاركين في الاحتجاجات نجحوا في فرض نقاش جديد حول علاقة الأمريكيين اليهود بدولة إسرائيل. 

كما أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ساهم في نقل النقاش أكثر فأكثر باتجاه اليسار، والذي يرى أصحابه الصهيونية، بشكل متزايد، باعتبارها مادة تفسيرية أساسية إذا ما أريد فهم الصراع العربي الإسرائيلي، ويرون أن الحرب على غزة نتيجة منطقية للصهيونية. 

كان ثمة إجماع في السابق حول ضرورة تقسيم الأرض بين دولتين – إسرائيل وفلسطين، وكان يُنظر إلى ذلك باعتباره سبيلاً للحفاظ على وجود دولة يهودية لا تبقى إلى الأبد مهيمنة على الفلسطينيين وحاكمة لهم. ولكن المحادثات التي استمرت لعقدين من الزمن، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية حول مبدأ الأرض مقابل السلام، انهارت في عهد إدارة أوباما، ولم تُستأنف منذ ذلك الوقت. 


إن فشل العملية السلمية في إنتاج دولة فلسطينية مستقلة، مع التوسيع المستمر في الاستيطان على الأرض الفلسطينية، غدا دليلاً يقنع كثيراً من المراقبين بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تكن يوماً من الأيام جادة في المفاوضات. 

الإسرائيليون والفلسطينيون، وخاصة الشباب منهم دون سن الخامسة والثلاثين، أقل ميلاً الآن لتأييد حل الدولتين. ومعظم الباحثين المتخصصين في قضايا الشرق الأوسط، بحسب استطلاع للرأي أجري في عام 2023، لا يرون أن قيام الدولة الفلسطينية بات وارداً. 

كما أن انهيار العملية التي كان من المفروض أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية جاء بينما وثقت الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان، الفلسطينية والإسرائيلية والدولية منها، ما خلصوا إلى أنه سياسات فصل عنصرية (أبارتيد) تترسخ بشكل متزايد داخل المناطق المحتلة، الأمر الذي يقوض فكرة أن إسرائيل دولة ديمقراطية. 

على الرغم من أن نسبة صغيرة من الأمريكيين اليهود يرون في الصهيونية "منظومة تخص اليهود بامتيازات وحقوق يحرم منها غير اليهود داخل إسرائيل"، إلا أن الفلسطينيين، بما في ذلك من هم مواطنون في إسرائيل، يعيشون واقعاً مختلفاً تماماً. وهذا الأمر وضع الصهاينة الليبراليين في الولايات المتحدة في موقف هش. ففي ظل حكومات إسرائيلية تزداد تطرفاً نحو اليمين المرة تلو الأخرى، وصلت التوترات الساخنة بين الدولة اليهودية والدولة الديمقراطية إلى نقطة الغليان. ولقد كتب بيتر بينارت في عام 2020 يقول: "إن الحقيقة المؤلمة هي أن المشروع الذي كرس الصهاينة الليبراليون من أمثالي أنفسهم له على مدى عقود – دولة للفلسطينيين منفصلة عن دولة لليهود – قد أخفق، وحان الوقت لأن يتخلى الصهاينة الليبراليون عن فكرة الفصل بين اليهود والفلسطينيين وأن يتبنوا فكرة تحقيق المساوة بين اليهود والفلسطينيين".

يصف بينارت نفسه الآن بالصهيوني الثقافي، وذلك قياساً على النقاشات التي كانت تجري في أربعينيات القرن الماضي، والتي كانت ترى إمكانية قيام دولة ذات قوميتين، من شأنها كذلك أن تدعم نمو الثقافة اليهودية والعبرية في فلسطين كما كانت أيام الانتداب. ولكن نموذجاً من الصهيونية لا يؤثر المصالح اليهودية لم يتحقق بعد في الواقع العملي، وليس واضحاً ما هو الشكل الذي سيكون عليه لو كتب له أن يتحقق. 


هل يمكن لإسرائيل أن تنفصل عن الصهيونية؟ يقول مقدسي، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيليس: "من حيث المبدأ، لا يوجد هناك من يعترض على أن يكون للشعب اليهودي دولته. تكمن المشكلة في أين يختارون لها أن توجد؟ وتحت أي ظروف سوف توجد، ومن الذي يتوقع منه أن يدفع ثمن وجودها؟".

ويمضي قائلاً: "لا يوجد للشعب اليهودي حقوق تسبق حقوق الشعب الفلسطيني". 

لربما كانت اللغة الشائعة في أوساط اليسار اليوم هي جزء من تحول كبير باتجاه التحرير الفلسطيني.

فمرادفات "المقاومة" تتصدر اللغة المستخدمة في الاحتجاجات المناهضة للحرب، مقارنة بما كان عليه الحال من قبل من اللجوء إلى لغة تؤكد على التعايش بين الإسرائيليين، اليهود منهم والفلسطينيون. 

كثير من المحتجين يعتقدون بأن الدولة ثنائية القومية، حيث ينعم الفلسطينيون بحقوق متساوية، هي السبيل الوحيد نحو الأمام. يقول أليي ريافي، وهو طالب في كلية القانون بجامعة هارفارد يشارك في معسكر الاحتجاج داخل حرم الجامعة: "خلص الناس إلى الاستنتاج بأن الإصلاح لم يجد نفعاً وأن الفعل الراديكالي هو الحل من أجل إحداث تغيير لصالح عالم ينعم بالعدالة والسلام".

كثير من اليهود الأمريكيين يشعرون أنهم يتعرضون للهجوم بسبب ما تحظى به الصهيونية من اهتمام حالياً. وقد تجدهم يتعارفون من خلال سلسلة من النماذج – الصهيونية العلمانية، الصهيونية الدينية، الصهيونية العمالية، الصهيونية الليبرالية، أو غير من ذلك من أشكال القومية اليهودية – كلها اختزلت حالياً في كلمة ساخرة وحيدة. 

ولكن الباحثين الفلسطينيين يقولون إن الصهيونية التي وضعتها الحركة الاحتجاجية في المركز إنما هي بكل بساطة الأيديولوجية المعلنة لإسرائيل، والتي تؤكد على هيمنة اليهود على كل الأرض. يقول مقدسي: "إن الصهيونية المطبقة عملياً ليست أمراً تجريدياً، بل هي تطبق واقعياً في أرض فلسطين، ولقد حدثت، وما تزال تحدث، على حساب الشعب الفلسطيني".

في مخيم جامعة هارفارد، في كامبريدج ماساشوستس، تقول فيوليت بارون، الطالبة في السنة الجامعية الثانية، إنها في سبيل فهم هذه المسائل المعقدة ترجع إلى زملائها وزميلاتها الفلسطينيين. وتضيف: "مشاهدة حجم الدمار الذي حل بغزة جعلني أفهم ما الذي يمكن أن يبرره الاعتقاد بالصهيونية".

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

مقالات مشابهة

  • كيف غدت الصهيونية لطخة في اليسار الأمريكي؟
  • وقفة بجامعة صنعاء تندد بالمجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني
  • انتفاضة الطلاب في أمريكا دعما لفلسطين تتصدر غلاف مجلة التايم
  • طلبة ليبيا ينظمون “انتفاضة طلابية” تضامنا مع غزة
  • وزارة التعليم العالي تنظم وقفة لنصرة الشعب الفلسطيني وتضامناً مع طلبة الجامعات الأمريكية والأوروبية
  • مجلس النواب يندد بالسياسات الأمريكية المغايرة للسلام ويطالب الأمم المتحدة بسرعة إيقاف الجرائم الصهيونية في غزة
  • "الأورومتوسطي": حملة هولندا ضد الاحتجاجات الطلابية جزء من قمع أوروبا المتزايد لمناهضي الإبادة الجماعية بغزة
  • بشعار "فلسطين حرة".. طلاب جامعة ميلانو الإيطالية ينضمون للاعتصامات الطلابية
  • احتجاجات جامعة كاليفورنيا تختبر حدود الخيال الصهيوني
  • انتفاضة جامعات أمريكا على غلاف مجلة التايم بكوفية فلسطينية (شاهد)