عن الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
إذا كان الاتهام بالعداء للسامية يظل مخيفا للنخب السياسية في الغرب وعاملا مؤثرا من بين عوامل أخرى تسبب مواصلة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا دعم إسرائيل على الرغم من حرب الإبادة في غزة وجرائم الاحتلال والاستيطان تجاه الشعب الفلسطيني، فإن التلويح بنفس الاتهام لم يعد مجديا فيما خص الاحتجاجات الطلابية التي تجتاح الجامعات الأمريكية هذه الأيام وتضغط لإنهاء الحرب ولإيقاف إمدادات السلاح والمال الذاهبة إلى تل أبيب وللامتناع عن الاستثمار في المصالح العسكرية والأمنية لدولة الاحتلال والاستيطان.
لم يعد مجديا اتهام المشاركات والمشاركين في الاحتجاجات الطلابية بالعداء للسامية نظرا لغياب كل شعار وكل رمز وكل مطلب وكل محتوى قد يقترب من خلط بين الانتقاد المشروع لجرائم إسرائيل وبين الترويج لكراهية اليهود واليهودية التي يستند إليها العداء للسامية كإيديولوجية عنصرية وعنيفة. لم يعد مثل هذا الاتهام مجديا أيضا لأن الجسد الطلابي المشارك في الاحتجاجات يتسم بالتنوع الذي يأتي بيهود ومسلمين أمريكيين وكذلك بأمريكيين من أصول إفريقية وآخرين من أصول عربية للمطالبة بإنهاء الحرب وتغيير السياسات الداعمة للاحتلال والاستيطان. ولسبب ثالث لم يعد الاتهام بالعداء للسامية مجديا، ألا وهو وضوح الخطاب الاحتجاجي الذي يربط بين الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني وبين نضالات المهمشين والمظلومين والمقهورين داخل الولايات المتحدة كحركة حياة السود مهمة ونضالاتهم خارجها كحركات الحرية والمساواة على امتداد الجنوب العالمي.
ومع أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية وبعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي الاصطياد في المياه العكرة حين خرج أحد المؤثرين في احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك ليسحب الحق في الحياة من المنتمين للحركة الصهيونية وليتبع ذلك ارتفاع في أصوات من يروجون لعداء المحتجين للسامية، فإن الاعتذار السريع لمن أخطأ والتمييز القاطع من قبل قادة الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية بين الاختلاف المشروع في القيم والسياسة والممارسات العنيفة مع الصهيونية وبين التورط في مقولات غير مشروعة تشكك في الحق الأصيل في الحياة لم يمكنا الراغبين في تشويه المشهد العادل والإنساني للاحتجاجات من كثير الحديث والترويج.
تدلل الاحتجاجات الطلابية داخل الولايات المتحدة على أن سياسات وممارسات الحكومات في الغرب ليست محل تأييد عام من المجتمعات التي ينتفض بها البعض لإيقاف حرب الإبادة في غزة
ولأن التشويه لم يجد ولأن دائرة الاحتجاجات استمرت في الاتساع لتتحرك من جامعات النخبة الأمريكية إلى جامعات أخرى ومن نيويورك وكبريات المدن على الساحل الشرقي والغربي إلى مدن في وسط وجنوب الولايات المتحدة، لم تجد بعض الإدارات الجامعية المتخوفة من جلسات الاستماع في الكونغرس ومن مجالس أوصياء الجامعات التي تأتي بالهبات والمنح وفرص التمويل، لم تجد سوى الوسائل القمعية للسيطرة على الاحتجاجات بإخافة الطالبات والطلاب إن بالفصل من الدراسة أو الإبعاد عن قاعات الدرس أو التوقيف الشرطي المؤقت.
وما كان للوسائل القمعية سوى أن تستدعي المزيد من الاحتجاجات وأن تأتي بأعضاء من هيئات التدريس للتضامن مع الجسد الطلابي وللدفاع عن الحقوق المهدرة للمفصولين والموقوفين وللانتصار للحق السلمي في التعبير عن الرأي وأن تظهر للرأي العام في الولايات المتحدة وخارجها عدالة وإنسانية الحركة الاحتجاجية التي تطالب بإيقاف حرب الإبادة في غزة في مقابل رجعية الإدارات الجامعية التي تتنكر للحق في التعبير عن الرأي وتعاقب الطلاب على ممارسة الحرية بسلمية.
في الجنوب العالمي، فرغ تأييد الحكومات الغربية لحرب الإبادة في غزة بالسلاح والمال والدبلوماسية وصمت الولايات المتحدة وأوروبا الطويل على عنف الاحتلال والاستيطان والاضطهاد الممنهج للشعب الفلسطيني تشدق الأمريكيين والأوروبيين بمقولات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية من المضمون. مجددا، تذكرت شعوب الجنوب العالمي أن حكومات الغرب التي تورطت في الماضي في الاستعمار وتتورط في الحاضر في غزو وتدمير بلدان كأفغانستان والعراق لا تعنيها لا الحقوق ولا الحريات حين يقترب الأمر من مصالحها. واليوم، تدلل الاحتجاجات الطلابية داخل الولايات المتحدة على أن سياسات وممارسات الحكومات في الغرب ليست محل تأييد عام من المجتمعات التي ينتفض بها البعض لإيقاف حرب الإبادة في غزة ومقاومة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني والمدعوم أمريكيا وأوروبيا وللربط بين النضال العادل والسلمي من أجل فلسطين وبين النضالات العادلة والسلمية لإقرار حقوق المهمشين والمقهورين. وفي الانتفاضات الطلابية وحركات النضال في المجتمعات الغربية فرصة لها لضبط بوصلة تطورها، وفرصة للجنوب العالمي في الامتناع عن اختزال الولايات المتحدة وأوروبا في الحكومات والنخب السياسية.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني الجامعات امريكا فلسطين جامعات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتجاجات الطلابیة حرب الإبادة فی غزة الولایات المتحدة لم یعد
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر من الانتصارات التجارية الأخيرة
يرى موقع "بلومبيرغ" أن الاتفاقات التجارية الأخيرة التي أبرمتها إدارة البيت الأبيض مع الاتحاد الأوروبي واليابان قد تأتي بنتائج عكسية وتصبح الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من سياسة الرسوم الجمركية.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن البيت الأبيض يتفاخر باتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي، بعد اتفاق مماثل مع اليابان، باعتباره انتصارًا كبيرا.
الخاسر الأكبر
ويفرض الاتفاقان رسومًا جمركية بنسبة 15 بالمائة على معظم الصادرات إلى الولايات المتحدة، إلى جانب شروط أخرى، ما يبدو وكأنه خطوة لإنهاء خطر الحرب التجارية المفتوحة وتجديد التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة، وهو ما تفاعلت معه الأسواق المالية بشكل إيجابي.
لكن الموقع يعتبر أنه لا يوجد ما يستحق الإشادة، لأن الاتفاقين يشكلان خسارة لجميع الأطراف، وأفضل ما يمكن أن يتحقق هو أن تنتقل الإدارة الأمريكية إلى أولويات أخرى قبل أن تتسبب في مزيد من الأضرار.
من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن الادعاء بأن الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الاتفاقين هو ادعاء باطل، وفقا للموقع. فالرسوم الجمركية ما هي إلا ضرائب، وسرعان ما سيدفع المستهلكون الأمريكيون معظم الزيادة في التكاليف، إن لم يكن كلها.
ولا تكمن المشكلة فقط في أن الواردات ستصبح أكثر تكلفة، بل إن المنتجين الأمريكيين للسلع المنافسة سيتعرضون لضغط أقل من حيث المنافسة والابتكار، مما سيدفعهم أيضًا لرفع الأسعار. وبمرور الوقت، ستؤدي هذه العوامل إلى تراجع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة، وسيكون الخاسر الأكبر من الرسوم الجمركية هو غالبًا البلد الذي فرضها.
تصاعد التوترات
يرى البعض أنه يمكن التعامل مع تكاليف الرسوم على المدى الطويل، طالما أن الاتفاقيات تضع حدًا للنزاعات التجارية.
وقد شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أبرمت الاتفاق مع الولايات المتحدة نهاية الأسبوع، على هذه النقطة لتبرير خضوع الاتحاد الأوروبي للمطالب الأمريكية، مؤكدة أن الاتفاق وسيلة لاستعادة الاستقرار والتوقعات الواضحة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأشار الموقع إلى أن كلا الاتفاقين، شأنهما شأن الصفقة التي أُبرمت سابقا مع المملكة المتحدة، يُنظر إليهما على أنهما اتفاقيات إطارية أكثر من كونهما صفقات نهائية.
وتنص الاتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منح بعض السلع الأوروبية إعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية، لكنها لم تحدد بعد ما هي هذه السلع.
وحسب الموقع، يشعر المواطنون في أوروبا واليابان بأن حكوماتهم قد استسلمت أمام الضغوط الأمريكية، مما يزيد احتمالات عدم الاستقرار وتصاعد موجات المعارضة السياسية.
وأضاف الموقع أنه حتى في حال إبرام هذه الاتفاقيات، ستظل هناك نزاعات قائمة لا تقتصر على التجارة فقط، وقد تواصل واشنطن استخدام الرسوم العقابية أو التهديدات الأمنية كأدوات ضغط، بما يعني أن الاستقرار الذي تتحدث عنه فون دير لاين سيكون وهميا.
وختم الموقع محذرا من أن شعور الإدارة الأمريكية بأن الاتفاقات التجارية الأخيرة دليل على قدرتها على فرض كلمتها بدلًا من بناء شراكات حقيقية، يهدد بتصاعد التوتر عالميا وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الاستراتيجية الحالية.