الأردن: مستوطنون إسرائيليون اعتدوا على قافلتي مساعدات في طريقهما إلى غزة
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قالت وزارة الخارجية الأردنية إن مستوطنين إسرائيليين اعتدوا على قافلتي مساعدات أردنية تحملان الغذاء والطحين ومساعدات إنسانية أخرى إلى قطاع غزة.
وأدانت وزارة الخارجية الأردنية، في بيانها، "بأشد العبارات" الاعتداء على القافلة الأولى المارة بمعبر بيت حانون، التي ضمت 31 شاحنة، وقافلة ثانية مؤلفة من 48 شاحنة، عن طريق عبر معبر كرم ابو سالم.
وقالت الوزارة إن فشل الحكومة الإسرائيلية في حماية قافلتي المساعدات والسماح بالاعتداء عليهما يعد "خرقاً غاشمًا لالتزاماتها القانونية، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ولالتزاماتها السماح بدخول المساعدات إلى غزة".
وحمّل الناطق باسم وزارة الخارجية الأردنية، سفيان القضاة، السلطات الإسرائيلية مسؤولية الاعتداء على القافلتين، داعيا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح "يفرض على إسرائيل.. تأمين حماية قوافل المساعدات والمنظمات الأممية التي تعمل على استلامها وتوزيعها"، حسب البيان.
وأشار البيان إلى أن مستوطنين إسرائيليين ألقوا بعض حمولة قافلتي المساعدات في الشوارع، فجر الأربعاء، وهو ما أدى إلى أضرار مادية للشاحنات. وأكد الناطق باسم الخارجية الأردنية وصول القافلتين إلى غزة في نهاية المطاف.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: غزة الخارجیة الأردنیة
إقرأ أيضاً:
الفجر الدامي في رفح: مساعدات تحت النار.. إسرائيل واستخدام المعونات كسلاح
ما الذي يكون أكثر بؤسا من مشهد جائع يبحث عن رغيف خبز؟ وما الذي يكون أكثر بشاعة من أن يُستقبل هذا الجائع بالنار بدلا من الغذاء؟ فجر الأول من حزيران/ يونيو 2025، لم يكن مجرد فصل إضافي في مأساة غزة، بل لحظة كاشفة: أكثر من 30شهيدا سقطوا برصاص مباشر من دبابة إسرائيلية على حشد من المدنيين المتجمعين أمام مركز توزيع مساعدات غذائية. أكثر من 115 جريحا، بعضهم بُترت أطرافه في مكان لم يكن ساحة حرب، بل نقطة إغاثة.
ليست هذه المجزرة، كما تحاول بعض الروايات أن تروّج، "حادثا عرضيا" أو "خطأ في التقدير"، بل هي ذروة سياسة متعمّدة: حيث تحوّلت المساعدات إلى أداة استدراج، والتجويع إلى أداة إخضاع، والعمل الإنساني إلى واجهة لاختبارات أمنية وانتقام سياسي.
فما الذي يدفع جيشا نظاميا لقصف مركز طحين؟ ولماذا يتكرر استهداف مدارس الأونروا والمستشفيات وسيارات الإسعاف في كل حرب؟ وهل ما جرى في رفح هو استثناء.. أم القاعدة التي تكشف بنية الاحتلال ومنظومة الإفلات من العقاب؟
في هذا المقال، نعود إلى تفاصيل المجزرة، ونربطها بمنظومة أوسع: من حصار استمر 15 عاما، إلى سياسة تجويع ممنهج موثّقة بتقارير أممية، إلى سوابق دامية في استهداف الإغاثة خلال الحروب السابقة. نحلل الأطر القانونية التي تخرق، وردود الفعل الدولية التي تذوب في الصمت أو التواطؤ، ثم نصل إلى السؤال الأكثر إيلاما: إن كان كل هذا قد وقع ويمر بلا حساب، فماذا بقي من فكرة العدالة الدولية؟ ومن يحمي الضحايا حين تصبح الإنسانية نفسها على طاولة القصف؟
هذه المجزرة لم تكن حدثا استثنائيا، بل جاءت ضمن سياق أوسع من الحصار والتجويع والسيطرة على المساعدات، وهي سياسة اتبعتها إسرائيل على مدى سنوات طويلة كأداة ضغط سياسي وعقاب جماعي
سياسة التجويع واستهداف المساعدات: مجزرة رفح كحلقة في سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة
تُعد مجزرة رفح التي وقعت في الأول من حزيران/ يونيو 2025، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من ثلاثين مدنيا أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات غذائية، تجليا مأساويا لسياسة إسرائيلية ممنهجة تتجاوز حدود العمليات العسكرية التقليدية، لتطال البنية الإنسانية الأساسية في قطاع غزة. هذه المجزرة لم تكن حدثا استثنائيا، بل جاءت ضمن سياق أوسع من الحصار والتجويع والسيطرة على المساعدات، وهي سياسة اتبعتها إسرائيل على مدى سنوات طويلة كأداة ضغط سياسي وعقاب جماعي.
منذ فرض الحصار غير القانوني على غزة عام 2007، اعتمدت إسرائيل سياسة تقنين دخول المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود، ووضعت قوائم طويلة للسلع المحظورة. وقد بلغت هذه السياسة ذروتها في عملية الأسوار الحديدية الإسرائيلية، حين فرضت إسرائيل حصارا خانقا شمل منعا تاما لدخول الغذاء والماء والوقود لأسابيع متتالية. هذا الحصار، الذي وصفه مراقبون دوليون بأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي، أدى إلى كارثة إنسانية موثقة من قبل منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، اعتبرت الإجراءات الإسرائيلية جريمة حرب ترقى إلى استخدام التجويع كسلاح.
رغم أن القانون الدولي يُلزم القوة المحتلة بتأمين احتياجات السكان الواقعين تحت احتلالها، فإن إسرائيل دأبت على استخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط، تتحكم في دخولها وفقا لاعتبارات سياسية وأمنية، لا إنسانية. هذا النهج جعل من قطاع غزة، بحسب توصيف الأمم المتحدة، "أكبر سجن مفتوح في العالم"، حيث يعاني السكان من انعدام الأمن الغذائي في واحدة من أكثر مناطق العالم اكتظاظا وفقرا.
مجزرة رفح لم تكن سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي طالت المساعدات ومرافق الإيواء. ففي حرب 2008-2009، قصفت إسرائيل مدرسة الفاخورة التابعة للأونروا رغم استخدامها كمأوى للنازحين، ما أدى إلى استشهاد نحو أربعين مدنيا. وفي عام 2010، هاجمت قوات خاصة إسرائيلية "أسطول الحرية" في المياه الدولية، وقتلت تسعة نشطاء كانوا يحملون مساعدات لغزة. أما في حرب 2014، فقد تكرر استهداف مدارس الأونروا في جباليا ورفح، رغم وضوح صفتها كملاجئ إنسانية. وفي عام 2018، استُهدفت المسعفة رزان النجار برصاصة قاتلة أثناء إسعافها الجرحى، رغم ارتدائها الزي الطبي. وفي نيسان/ أبريل 2024، قُصفت قافلة إغاثية تابعة لمنظمة "وورلد سنترال كيتشن"، رغم التنسيق المسبق مع الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى مقتل سبعة من العاملين في المجال الإنساني.
في ظل هذا السياق، جاءت مجزرة رفح لتؤكد أن غياب التنسيق، وانعدام الضمانات الأمنية، واستخدام القوة ضد المدنيين الجائعين، ليست مجرد أخطاء فردية، بل جزء من سياسة متعمدة. فقد جرى توزيع المساعدات في أجواء يسودها الجوع واليأس، وسط غياب تام للتنظيم أو الحماية، ما أدى إلى فوضى عارمة، شهدت حالات دهس وتدافع وإطلاق نار عشوائي. تحوّلت مراكز يُفترض أن تكون محطات نجاة إلى بؤر خطر داهم على حياة الناس، وانتهى المشهد بمجزرة وُصفت بأنها "مقصودة بحق الجوعى".
ما يجري في غزة لا يمكن اختزاله في كونه أزمة إنسانية فحسب، بل هو تحدٍ صارخ للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. استمرار الإفلات من العقاب، رغم توثيق الانتهاكات، يعزز مناخ الحصانة ويشجع على تكرار الجرائم. إن مجزرة رفح يجب أن تكون ناقوس خطر للمجتمع الدولي، يدفع نحو تحقيق مستقل، ومحاسبة حقيقية، وضمان حماية المدنيين والمساعدات الإنسانية في كل الظروف.
انتهاكات القانون الدولي الإنساني
يشكل استهداف المدنيين وعرقلة المساعدات خرقا صارخا للقانون الدولي الإنساني. وبوصفها قوة احتلال، تُلزم اتفاقية جنيف الرابعة إسرائيل بضمان احتياجات السكان الواقعين تحت سلطتها، أو السماح بوصول الإغاثة إذا عجزت عن توفيرها. كما تحظر الاتفاقيات استهداف المرافق الإنسانية، والعاملين الطبيين، والجرحى، وتعتبر الاعتداء عليهم جريمة حرب.
في الحالات الموثقة -كقصف مدارس الأونروا أو إطلاق النار على المدنيين في مراكز توزيع المساعدات- أخلّت إسرائيل بمبدأي التمييز والتناسب، ولم تُميز بين المدنيين والأهداف العسكرية، ما أدى إلى نتائج إنسانية كارثية. حتى الادعاءات المتكررة بوجود "مسلحين" قرب المواقع المدنية لا تُسقط المسؤولية القانونية، خاصة مع تكرار الأذى واتساع نطاقه.
كذلك، يحظر القانون الدولي الإنساني استخدام التجويع كسلاح. ومع ذلك، قطعت إسرائيل في حرب 2023 الإمدادات الأساسية عن غزة، ما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه "خنق متعمد" لمليوني إنسان. هذا النمط من الإهمال الممنهج يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية وفقا لتقارير أممية حديثة.
الاعتبارات السياسية وردود الفعل الدولية
تتعامل إسرائيل مع المساعدات بوصفها أداة ضغط سياسي وأمني، لا كالتزام إنساني. فهي تسعى للسيطرة على تدفق الإغاثة لتقييد خصومها في غزة، وتستخدم برامج كـ"GIF" -الذي شهدت رفح مجزرة خلال نشاطه– لتقويض دور الأمم المتحدة وتحويل الإغاثة إلى عملية تفتيش أمني. ووفق تصريحات إسرائيلية، يُستبعد من يتلقى المعونة إذا كان على صلة بحماس، ما يجعل المساعدات أداة "غربلة" بدل أن تكون شريان حياة.
في المقابل، ترى الجهات الفلسطينية أن هذا النهج "يحوّل الجوع إلى سلاح"، عبر حشر المدنيين في نقاط يمكن استهدافها أو استخدامها للتهجير القسري. وقد نبهت الأمم المتحدة إلى مخاطر هذه الآلية، معتبرة أن الإغاثة يجب أن تبقى في يد منظمات دولية محايدة، لا في يد الاحتلال.
أما ردود الفعل الدولية، فهي تعاني من ازدواجية مزمنة: إدانات لفظية تتبع كل مجزرة، يقابلها دعم عسكري وسياسي لإسرائيل. مثال ذلك ما جرى بعد قصف مدارس الأونروا عام 2014: "قلق أمريكي" بالتوازي مع تزويد إسرائيل بالذخيرة. هذا التناقض أضعف منظومة المحاسبة، وأبقى إسرائيل بمنأى عن أي تبعات حقيقية، سواء داخل مجلس الأمن أو أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي عرقل التحقيق فيها بفعل الضغوط الكبرى.
وفي ظل غياب الردع، تستمر الانتهاكات. وصفَت هيومن رايتس ووتش هذا الواقع بأنه "ضوء أخضر" إسرائيلي لاستهداف المدنيين وحتى العاملين الطبيين، وسط تعنت رسمي وتبريرات متكررة بـ"استخدام الدروع البشرية"، وهي حجة لا تبرر قانونا الهجمات العشوائية كما أكدت الأمم المتحدة.
هذه الحوادث تخلخل الأساس الأخلاقي والقانوني للنظام الدولي، فكيف لمنظومة تدّعي حماية المدنيين أن تعجز عن حماية طفل يطلب رغيف خبز؟ إن هشاشة الردع أمام قوة مدعومة من دولة عظمى يُرسل رسالة قاتلة مفادها أن القانون الإنساني خاضع للسياسة لا للمبدأ، وأن الإفلات من العقاب ليس استثناء، بل قاعدة حين تكون الضحية فلسطينية
على أرض الواقع، يدفع المدني الفلسطيني الثمن الأكبر لانتهاكات الاحتلال، ومجزرة رفح تجسّد هذا الثمن: عشرات الجوعى قُتلوا وهم في طوابير للحصول على المساعدات. باتت غزة، وفق الأمم المتحدة، من "أشد الأماكن جوعا على وجه الأرض"، وتُوصف عملية الإغاثة فيها بأنها "الأكثر عرقلة في التاريخ الحديث". مشاهد الحشود التي تُحشر كالأقفاص تحت أعين القناصة للحصول على كيس طحين تلخص المأساة. هذه الحوادث خلفت أيضا صدمة نفسية جماعية، حيث لم يعد المستشفى أو المدرسة أو طابور الخبز آمنا. وقد فقدت غزة أكثر من 250 من الكوادر الإنسانية والطبية منذ 2023، كثير منهم قُتلوا رغم وضوح هوياتهم، ما يضع المجتمع برمّته أمام عجز مروّع عن التعافي.
مع كل مجزرة: محاسبة بلا أثر.. هل يفلت الاحتلال من العقاب هذه المرة أيضا؟
تكشف مجزرة رفح وما سبقها من أحداث مشابهة عن خلل بنيوي في العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي والمنظومة الدولية. فمن جهة، تمضي إسرائيل في نهجها القائم على الإبادة المنهجية والجريمة المنظمة ضد المدنيين، مستفيدة من واقع دولي يوفر لها حماية سياسية ويُحبط أي خطوات جدية للمحاسبة. ومن جهة أخرى، يواصل المجتمع الدولي -عبر الأمم المتحدة ومعظم الدول- الاكتفاء بردود فعل خجولة أو مؤقتة لا ترقى إلى حجم المأساة: إدانات لفظية، ودعوات لوقف إطلاق النار، لكن دون آليات فعلية للضغط أو الردع.
هذا الخلل في منظومة العدالة الدولية جعل الاحتلال يشعر بأنه فوق القانون. فحين تفلت إسرائيل مرة تلو الأخرى من تبعات مجازر موثقة بالصوت والصورة، يتكرّس لدى قادتها اعتقادٌ بإمكانية التكرار دون عواقب. لذلك، لا غرابة في أن نرى النمط ذاته يعيد إنتاج نفسه: مدارس تُقصف، قوافل إغاثة تُستهدف، وأحياء تُسوّى بالأرض، مقابل "انتقادات" عابرة لا تغيّر شيئا.
لكن غياب المحاسبة لا يعني غياب الأثر. هذه الحوادث تخلخل الأساس الأخلاقي والقانوني للنظام الدولي، فكيف لمنظومة تدّعي حماية المدنيين أن تعجز عن حماية طفل يطلب رغيف خبز؟ إن هشاشة الردع أمام قوة مدعومة من دولة عظمى يُرسل رسالة قاتلة مفادها أن القانون الإنساني خاضع للسياسة لا للمبدأ، وأن الإفلات من العقاب ليس استثناء، بل قاعدة حين تكون الضحية فلسطينية.
وفي الحالة الفلسطينية، تسبّب هذا التراكم في إحساس عميق بالخذلان والعزلة، ما قد يدفع نحو مسارات يائسة تُغذي دوامة الصراع بدل إطفائها.
في المحصلة، مجزرة رفح 2025 ليست حادثا عرضيا، بل صورة مكثفة لعلاقة مختلّة بين قوة احتلال متمتعة بالإفلات من العقاب، وشعب أعزل تُنتهك أبسط حقوقه دون مساءلة. وما لم تُفعَّل آليات حقيقية للمحاسبة والإرادة السياسية لتطبيقها، فإن المجازر ستستمر، وسيبقى العالم مكشوفا أمام امتحان أخلاقي ثقيل: إما انتصار القانون والعدالة، أو الإقرار بأن شريعة القوة هي الحاكمة، مهما كان الثمن الإنساني مفجعا.