شرق رفح.. صمود بمواجهة مخططات التهجير القسري
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
القدس المحتلة-سانا
“لن أخرج من منزلي على الرغم من قصف الاحتلال الإسرائيلي المستمر ليلاً ونهاراً نيران القذائف تشتعل في محيطنا ويتواصل دوي الانفجارات لكن كل ذلك لن يجبرنا على النزوح من شرق مدينة رفح”، بهذه الكلمات يصف سامي أبو الحصين المشهد في البلدات الشرقية من المدينة الواقعة جنوب قطاع غزة التي يحاول الاحتلال تهجير أهلها عبر سياسة الأرض المحروقة.
سامي الدباري بدوره يقول لمراسل سانا: نعيش في بلدة النصر شرق رفح أيامنا تمر على وقع القصف الإسرائيلي الذي لم تسلم منه منازلنا ولا مزارعنا قدمنا عشرات الشهداء ومئات الجرحى الاحتلال يحاول دفعنا للنزوح إلى غرب شارع صلاح الدين تمهيداً لاجتياح المدينة من الجهة الشرقية، وخاصة أن بلدة النصر تقع على مقربة من الأراضي المحتلة عام 1948.
وعلى مقربة من بلدة النصر تقع قرية الشوكة التي يواصل أهلها الصمود في منازلهم على الرغم من غارات الطيران والقصف بمختلف أنواع الأسلحة، إضافة إلى شح الغذاء والمياه بعد توقف الآبار منذ بدء العدوان نتيجة قطع الاحتلال الكهرباء وإمدادات الوقود عن القطاع.
وتقول المسنة منى الدباري: استشهد 22 من أفراد عائلتي هنا في القرية بعد قصف منازلنا وحقولنا لكنني ومعظم أهل القرية الذين يعملون في الزراعة وتربية الماشية نرفض النزوح منها على الرغم من لهيب القذائف والصواريخ.
محمد الشاعر من أهالي القرية يوضح أن قرى الشوكة والنصر والفخاري الواقعة على مقربة من الأراضي المحتلة عام 1948 تشكل معظم المساحة الشرقية لمدينة رفح، وسكان تلك البلدات يترقبون في كل لحظة دخول دبابات وجرافات الاحتلال التي لا يتوقف صوتها، لكن ذلك لا يرعبهم ويسجلون صموداً أسطورياً بمواجهة الاحتلال على الرغم من قصف عشرات المنازل وتدمير معظم الشوارع الرئيسية في هذه القرى.
مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية أدانت بشدة مواصلة الاحتلال سياسة قصف المنازل على رؤوس قاطنيها في رفح كجزء من عملية الترويع الرامية لتهجير الأهالي والنازحين قسراً من المدينة تمهيداً لاجتياح بري واسع لها، مؤكدة أن تكثيف الغارات الإسرائيلية على المنازل بالتزامن مع اشتداد وتيرة القصف المدفعي الذي يستهدف المنطقة الشرقية من رفح يشير إلى أن كل ذلك جزء من عملية الترهيب بالقتل والتدمير العشوائي ضد الفلسطينيين، لدفعهم إلى النزوح القسري مجدداً من المدينة التي تؤوي ما لا يقل عن 1.3 مليون نازح.
وشددت المؤسسات الحقوقية على أن استمرار الاحتلال في ارتكاب الجرائم المروعة في غزة هو نتيجة لسياسة الإفلات من العقاب التي يحظى بها الاحتلال في ظل الحصانة التي توفرها الولايات المتحدة ودول أوروبية، محذرة من مخاطر اجتياح رفح على أهالي القطاع الذين يتجمعون في المدينة ويمنعهم الاحتلال من العودة إلى منازلهم وخاصة النازحين قسراً من مدينة غزة وشمال القطاع.
وطالبت المؤسسات المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لإجبار الاحتلال على الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية الملزمة بمنع ارتكاب إبادة جماعية تستهدف 2.4 مليون فلسطيني في القطاع من خلال سياسة القتل الجماعي وإيقاع الأذى الجسدي والنفسي البليغ، والتدمير الشامل للمنازل والبنى التحتية ومقومات الحياة، والعقاب الجماعي المتمثل بالتجويع والتعطيش والحرمان من العلاج ودفعهم إلى النزوح بعيداً عن أماكن سكنهم في ظروف تفتقر لأبسط حقوق الإنسان ومن ثم استهدافهم في مكان نزوحهم وقتلهم.
محمد أبو شباب
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: على الرغم من
إقرأ أيضاً:
الإخفاء القسري.. الانتظار القاتل لأسر الضحايا في عدن
عدن- في منزل متواضع بمدينة عدن اليمنية، يتكئ الحزن على أحد جدرانه كأنه واحد من أفراد العائلة، حيث عاشت منى صالح، والدة الشاب محمد العلواني، الذي ابتلعته السجون السرية قبل 8 سنوات، لتستمر محاولاتها في البحث عنه حتى أنهكها الانتظار، فرحلت كمدا دون أن تعرف ما إذا كان حيّا يُرزق، أم مجرد رقم في مقبرة مجهولة.
على الكرسي الخشبي الذي اعتادت الأم الراحلة الجلوس عليه، وضعت أسرتها شهادة تقدير من رابطة أمهات المختطفين والمخفيين، تكريما لصبرها وصمودها، وإلى جانبها، علّقت لوحة كبيرة تضم صورتها مع ابنها المخفي، وقد كُتب عليها: "بصوت الأم المظلومة، أم محمد العلواني، المختطفون أمانة في أعناق كل من يملك سلطة في هذا الوطن".
محمد العلواني، شاب في الثلاثين من عمره، والابن الوحيد بين 4 شقيقات، كان المعيل الوحيد لأسرته، وفي صباح 24 فبراير/شباط 2017، غادر منزله متوجها إلى عمله الحكومي كالمعتاد، لكنه لم يعد منذ ذلك اليوم، واختفت آثاره، لتنطلق والدته في رحلة شاقة مع الألم والبحث، إلى أن أنهكها الغياب وفتك بها الانتظار.
وتقول آلاء شقيقة العلواني للجزيرة نت "كانت أمي تنهار في كل مرة تعود فيها بلا خبر عن شقيقي"، وتضيف بصوت متهدّج يخنقه الحنين "ظلت أمي تحمل صورته يوميا، تطرق أبواب السجون وتبكي، لكن لا أحد يجيب، وبقيت على ذلك حتى أكلها القلق، وأنهكها المرض، وماتت قهرا بعد 3 سنوات من اختطافه".
قصة العلواني واحدة من مآسٍ كثيرة تعيشها أسر المخفيين قسرا في عدن، حيث تصاعدت هذه الانتهاكات منذ 2016، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، وانتشار السجون السرية التي ابتلعت مصير العشرات دون تهمة أو محاكمة.
تعاني زينة أحمد (60 عاما) في حي التواهي بعدن من المأساة ذاتها، إذ أمضت 9 سنوات وهي تعيش على أمل اللقاء، جالسة على أعتاب الانتظار، تترقب أي خبر عن ابنها عماد العبادي، الذي فُقد قسرا منذ 17 سبتمبر/أيلول 2016.
إعلانوفي منزل متهالك، ترتسم ملامح الإنهاك على وجه زينة المتعب، بين وطأة الحزن وقسوة الفقر تكابد معاناة مضاعفة بعد وفاة زوجها، لتتحمّل وحدها عبء إعالة 9 أفراد من أسرتها.
بجانبها تتدلى شهادة وفاة زوجها، وتحتها صندوق صغير يحتوي أدوية لأمراض القلب والضغط والسكري، التي تسللت إلى جسدها المنهك منذ لحظة اختفاء ابنها.
تضيف زينة للجزيرة نت "هذا كل ما تبقّى لي منه"، بينما تمسح دمعة تسللت من عينيها وهي تمسك بصورة باهتة لابنها "زوجي مات قبل أن يعرف مصير ابنه، وأنا أخشى أن ألحق به قبل أن أحتضن عماد من جديد".
تؤكد العائلة أن عماد، وهو شاب في الثلاثين من عمره، اختُطف من أمام منزله على يد عناصر من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، أثناء خروجه لشراء دواء لوالده المريض، ومنذ ذلك اليوم، لم يُعرف له أثر، ولم توجَّه إليه أي تهمة.
قصة منى وزينة ما هي إلا مجرد فصل من مأساة جماعية، تصف أروى فضل زوجة مختطف آخر، وناشطة في رابطة أمهات المخفيين بعدن، الإخفاء القسري بأنه "أبشع من الموت"، لأنه "يقتل الأرواح ببطء، ويترك العائلات بين الخوف والخذلان، وسط صمت رسمي خانق".
وتؤكد أروى، في حديثها للجزيرة نت، أن الرابطة وثّقت وفاة 6 أمهات و3 آباء من ذوي المختفين في عدن، دون أن يتمكنوا من معرفة مصير أبنائهم.
وتضيف "الكثير من الأمهات يعانين أمراضا مزمنة من شدة الحزن والقهر، فضلا عن الفقر بعد فقدان المعيل، والتجاهل الرسمي المستمر".
أروى، التي تبلغ من العمر 40 عاما، تقيم في حي كريتر منذ اختفاء زوجها عادل حداد، الذي اختطف عند نقطة تفتيش تابعة للحزام الأمني في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بسبب وجود "لاصق عاكس" على زجاج سيارته.
تقول أروى: "اختلقوا له شجارا واعتقلوه أمام الجميع، ومنذ ذلك التاريخ لم نره"، ثم تضيف بصوت خافت: "ترعرع أطفالي بلا والدهم، وأصغرهم توفي العام الماضي قبل أن يراه، لا أحد يمكنه تخيل مدى معاناة هذا الغياب القاتل".
تواجه تشكيلات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن اتهامات متكررة من منظمات حقوقية بإدارة سجون سرية في عدن ومحيطها، يُحتجز فيها مئات الأشخاص دون محاكمات، كما وثّقت تقارير أممية حالات تعذيب وسوء معاملة داخل هذه السجون، أدّت بعضها إلى الوفاة أو اختفاء المعتقلين إلى الأبد.
وتصف المحامية اليمنية هدى الصراري، رئيسة مؤسسة "دفاع للحقوق والحريات" والحائزة على جائزة مارتن إينالز الدولية لعام 2020، قضية الإخفاء القسري بأنها "من أكثر مآسي الحرب المنسية، وأحد أعقد الملفات الإنسانية في اليمن".
وتؤكد الصراري في حديثها للجزيرة نت أن تقارير موثقة تشير إلى وجود أكثر من 150 حالة مؤكدة لمخفيين قسرا في عدن وحدها منذ عام 2016، بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، ووقوع هذه الانتهاكات على يد تشكيلات أمنية تابعة له.
أما على مستوى اليمن، فتقول إن عدد ضحايا الإخفاء القسري تجاوز 1400 حالة، تورطت فيها أطراف عدة، من بينها جماعة الحوثي، وبعض التشكيلات الأمنية الحكومية، والقوات المدعومة خارجيا.
إعلانوتضيف الصراري: "الانتهاكات لم تتوقف عند الإخفاء القسري فقط، بل وُثّقت أيضا حالات تعذيب شديد، انتهى بعضها بالموت أو الإعدام خارج إطار القانون".
وتختم بالقول "كما تعرضت أسر كثيرة للابتزاز المالي مقابل وعود بالإفراج عن أبنائها، لكنها لم تجد سوى المزيد من الخذلان والوجع".