حذر خبراء من أن التدخين يعتبر نوعاً من أنواع الإدمان، كما أنه يعتبر مدخلاً أو بالأحرى «بوابة ملكية» للدخول إلى عالم المخدرات وأشكال الإدمان الأخرى، حيث إنه كثيراً ما يؤدى الاعتماد على السجائر والنيكوتين إلى الحاجة للاعتماد على مزيد من المواد المخدرة الأخرى لتحقيق نفس الأثر الذى كانت تحدثه السجائر وربما لم تعد تحدثه نتيجة للاعتياد عليها أو لزيادة توتر الشخص الذى يتعاطاها وبحثه عن «هدوء كاذب» أكثر.

«الجعفراوى»: معظم المدمنين يبدأون رحلتهم فى عالم الإدمان بالسجائر

وقالت الدكتورة إيناس الجعفراوى، الأستاذ بقسم بحوث المخدرات بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، ومقرر المجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان سابقاً، إن التدخين هو البوابة الملكية للدخول إلى عالم المخدرات، فمعظم المتعاطين أو المدمنين تجدهم يبدأون رحلتهم فى عالم الإدمان بالسجائر، مشيرة إلى أن التوعية بمخاطر التدخين وضرورة الإقلاع عنه يجب أن تكون ضمن جهود الوقاية من المخدرات.

ولفتت «الجعفراوى»، فى هذا السياق، إلى أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن «التبغ فى حد ذاته مسبِّب قوى للإدمان، كما أن الاعتماد عليه يعتبر حالة طبية مزمنة تتطلب التدخل المتكرر والمحاولات المتعددة للإقلاع عن التدخين، وأن معظم مستخدمى التبغ يريدون الإقلاع عن التدخين ولكنهم يجدون صعوبة فى ذلك، وللتصدى لهذا الوباء الناجم عن استخدام التبغ، فإن أنشطة الوقاية ليست كافية، وتحتاج جهود مكافحة التبغ أيضاً إلى مساعدة المستخدمين الحاليين له فى الإقلاع عن التدخين».

«زيان»: النيكوتين مادة إدمانية تدفع للاعتماد على مواد مخدرة أخرى

ومن ناحيته، قال الدكتور شحاتة زيان، أستاذ علم النفس ورئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، إن التدخين أو بمعنى أصح النيكوتين مادة إدمانية ومهدئة، والأثر الخاص به يحدث ويختفى سريعاً، وبعد أن يتوتر الشخص أو يقلق مثلاً تجده يشعل السيجارة ويشرب «نفَسين» فيهدأ، وإذا انخفض الأثر النيكوتينى، يشرب مرة أخرى.

وأضاف «زيان»: «الأثر الإدمانى للنيكوتين يتضمن مسارات كثيرة فى المخ منها مسارات إفراز الدوبامين والسيرتونين داخل المخ، وهو ما يعطى المدخن نوعاً من الراحة أو المتعة الكذوب، ولذلك تجد هناك أناساً يقولون أنا أحب التدخين، وهو فى الواقع لا يحب التدخين، ولكنه يحب الحالة التى خلقها التدخين، وهى لذة ومتعة مؤقتة وسريعة الزوال، والامتناع عن التدخين لفترة يؤدى لتعكير المزاج، ولكى تحسن مزاجك مرة أخرى، تشرب سجائر مرة أخرى».

وعن الكيفية التى يؤدى بها إدمان التدخين إلى الأشكال الأخرى من إدمان المواد المخدرة، يقول رئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومى للبحوث إن من يشرب السجائر يمكن بعدها أن يجد أن السجائر وحدها لم يعد لها نفس التأثير السابق عليه، وبالتالى يُصبح المدخن فى حاجة لمادة أخرى ترفع إحساسه بالرضا، والشعور بأنه على ما يرام، ويقوم بتعاطى مادة أخرى مثل الحشيش مثلاً، أو الكوكايين أو غيره، وقد ترتبط هذه المواد أيضاً بالخمر، وهو مادة مهدئة أيضاً وإن كانت ذات تأثير تنشيطى فى البداية.

ولفت «زيان»، فى هذا السياق، إلى أنه نتيجة لما سبق فإنه مع الاستمرار فى التدخين، تزيد احتمالات الاعتماد على أنواع أخرى من المواد المخدرة، بما فى ذلك مواد جديدة مثل «الأكستاسى» والمخلقات الجديدة، ويصبح من النادر أن تجد مدمناً يتعاطى مادة واحدة حيث قد تجد مثلاً إلى جانب النيكوتين، البانجو، والاستروكس، وأشكالاً غريبة من التعاطى تدمر الجهاز العصبى فى النهاية بشكل غير عادى.

وأضاف: بناء على ما سبق، فإن السجائر تُعتبر مدخلاً طبيعياً وملكياً بالفعل لكل الموبقات، وإذا أغلق الشخص هذا الباب فيمكن أن يكون الأمر هيناً بالنسبة لبقية المواد، لكن يجب أيضاً أن تمر رحلة الإقلاع بمراحل علاج جادة ويجب أن نصبر عليها، لأن الأعراض الانسحابية الخاصة بها كلها صعبة.

وأشار إلى أن هناك كثيراً من الناس أقلعوا عن السجائر لفترة ثم عادوا إليها مرة أخرى، لأنها ليست مرتبطة فقط بالمادة السمية أو النيكوتين، ولكن لأنها مرتبطة أيضاً بالسياق الاجتماعى والعادات الاجتماعية، حيث إن المآتم والأفراح لدينا على سبيل المثال مرتبطة بالسجائر، والوحدة والتجمع مرتبطان بالسجائر، وإذا لم تكن السجائر فهناك الشيشة، ولا بد أن نُغير ثقافة الناس فى التعامل مع أنفسهم أولاً، ثم مع المواد المتعاطاة حتى نصل إلى حالة صحة نفسية جيدة.

وأشار رئيس قسم بحوث الجريمة، فى هذا السياق، إلى أن هناك فى المقابل طريقاً آمناً بديلاً لتقليل التوتر وتحقيق السعادة غير السجائر والمخدرات، وذلك من خلال «أكلة حلوة، أو الجلوس مع أصدقائك، أو جلسة مع الزوجة، أو خروجة، حيث كل ذلك يطلق الدوبامين وهو هرمون اللذة، بما يغنينا عن البحث عن وسائل تحدث مثل النيكوتين والمواد المخدرة الأخرى».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التدخين المواد المخدرة عن التدخین مرة أخرى إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشعور بحبّ الوطن يحتاج إلى الغذاء أيضاً

يمكن الافتراض أن كل الأفكار والمشاعر والقيم تسير على خطى الكائن البشري في حاجاته المادية مثل الشراب والمأكل، وفي بحثه الوجودي عن إشباع هذه الحاجات وغيرها. ربما كلمة «الحاجة» هي من كلمات الحياة السريّة، ولكننا لا ننتبه إلى طبيعة النسق الثقافي العربي الذي ننتمي إليه والذي يتميز بنظرة قدسية لعدد من المشاعر والقيم ويتعاطى معها بثبوتية.

وصراحة لا تكفي المعرفة النظرية للانتباه إلى الكينونة الحيّة لمشاعر وأفكار عدّة. التجربة في الحياة تمثل مصدراً مهماً من مصادر تراكم المعرفة عموماً، وكذلك في بعدها الذاتي، أي أن لكل واحد منا تراكماً من المعرفة الذاتية نجمعه من تجاربنا وخيباتنا والمحن التي نمر بها.

لنضرب مثلاً الحبّ، ألم تثبت تجارب المحبين أن الحبّ يحتاج إلى تلبية حاجات ورعاية مخصوصة كي يستمر أكثر ما يمكن؟ ألم نكتشف من خلال تجارب أفراد المجتمع أن عدم الاهتمام بين الزوجين يقتل مشاعر الحبّ ببطء شديد؟ أليس الفقر وتراكم فواتير الماء والكهرباء ومصاريف تربية الأولاد ودراستهم... كل هذا يُؤدي في حالات عدّة إلى الطلاق، باعتبار أن السبب الاقتصادي هو من أهم أسباب ظاهرة الطلاق، ومن ثم فإن هذا الحبّ لم يستطع في حالات لا تحصى ولا تعد الصمود أمام الإكراهات الاقتصادية، مما يفيد بأن الحبّ يشترط حاجات مادية للاستمرار كي لا يتحول إلى جحيم ولعنة.

المعنى الذي نريد إيصاله من خلال هذا المثال الأقرب إلى تجارب النّاس هو أن المشاعر ليست ثابتة، ولا تمتلك قدرة خارقة للعادة على الصمود في حال استحالة تلبية حاجاتها للبقاء والثبات. كل المشاعر الجميلة وذات القيمة الإنسانية العالية تعطش وتجوع ولا بد من توفير الأكل والشراب لها، ومن دون ذلك فمصيرها الانكسار والموت. بلغة أخرى، فإن للمشاعر غذاء أيضاً، وهي تتغذى منه كي تستمر في الحياة. وكما أن المشاعر السلبية مثل الكراهية والحقد والانتقام تكبر وتنمو بالأفعال السيئة فإن المشاعر الموصوفة بالإيجابية تحتاج أيضاً إلى الغذاء، وهذا ما يفوتنا مع الأسف، وذلك لأن المخيال الثقافي العربي الذي يشكل إدراكنا للمشاعر الكبرى التي نتغنى بها شعراً وموسيقى وفناً وحياة، إنما هي مصاغة على نحو ثبوتي، وننسى أن الشعور بوصفه قيمة ميتافيزيقية شيء، وعند استدعائه بوصفه رابطة في العلاقات التي يقيمها الفرد مع الآخر بأشكاله المتعددة شيء آخر.

هذا بشكل عام، إضافة إلى معطى آخر يتمثل في أن المشاعر والأفكار والقيم تتغير درجة أو أكثر من عصر إلى آخر، ومن جيل إلى آخر. فالحبّ القوي اليوم قد لا يساوي أكثر من علاقة عابرة في زمن الحبّ العذري.

بيت القصيد في هذا المقال هو أن المشاعر الوطنية، أو حبّ الوطن يحتاج أيضاً إلى الغذاء، وإذا ما عززنا ذلك فإن هذا الحبّ يصاب بالوهن. أعرف أن هذه الفكرة صادمة ولكنّها حقيقية. ومن الوهم الاعتقاد أنه يمكن للمواطن اليوم أن يحافظ على حبّه للوطن، خصوصاً فئة الشباب التي نشأت على قيم الفردانية ومركزية الذات في صورة تيقنهم أن هذا الوطن لا يقدم لطموحاتهم وأحلامهم شيئاً.

فالبعد المادي اليوم يهيمن على كل أنواع العلاقات: العلاقة بين الأولياء والأبناء، والزوج وزوجته، والصديق وصديقه، وأيضاً المواطن ووطنه. ما يجعل أي علاقة من هذه العلاقات تستمر هو أن يجد الشعور الغذاء الذي يشبعه.

لقد تغير النّاس وتغيرت نظرتهم لتركيبة المشاعر وصياغتها الكيميائية. فانسداد الأفق داخل الوطن يخنق الشعور بحبّ الوطن. والشيء نفسه يفعله الفقر والبطالة وضيق ذات اليد. ذلك أن ذات اليد الضيقة ضعيفة وهشة ولا تقدر على الانخراط في أي مشاعر إيجابية.

إن قرار الهجرة والبحث عن أرض أخرى يعني البحث عن وطن آخر. في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات كان السبب الغالب على الهجرة هو الدراسة وإثراء التجربة المهنية، أما اليوم فالسبب الغالب على قرار الهجرة هو البحث عن وطن جديد وحياة جديدة. إنه الرفض المقنع بالهجرة. والنتيجة هو أن الوطن الأصلي الجدير بالشعور بحبّ الوطن يتحول إلى مجرد ذكرى وزيارة من سنة إلى أخرى، وبعد فترة تبدأ وتيرة الزيارات بالانخفاض، مع ما يعنيه ذلك من نوم الشعور الوطني في سراديب الذاكرة، وخروجه من مجال الحياة اليوميّة للفرد.

الرّهان: على كل دولة أن تقدم كل ما في وسعها من غذاء للشعور بحبّ الوطن لدى مواطنيها. فالمشاعر الوطنية لا تقتات من نفسها، بل تقدم لها الدولة ما يلبي حاجاتها من حلم وعمل وكرامة وحياة كريمة وإبداع. هكذا يمكن للمواطن أن يحبّ حتى بلاد من حجر، ولا شمس فيها ولا بحر.

الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • محاكمة سارة خليفة و27 متهما في قضية المخدرات الكبرى اليوم
  • مصدر أمني بغزة: العدو الإسرائيلي يستغل المعابر والطائرات المسيّرة لتهريب المخدرات
  • خمس حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين
  • محاكمة سارة خليفة و27 آخرين بقضية المخدرات الكبرى غدا
  • مكافحة المخدرات بخانيونس تضبط كمية من الحشيش والحبوب المخدرة
  • الكويت.. فيديو ضبط كميات ضخمة من المخدرات والداخلية تكشف تفاصيل
  • حشيش وشابو بـ80 مليون جنيه.. الداخلية تداهم وكرا لتجار المخدرات ببنى سويف
  • اليوم العالمي للتطوع يشعل طاقات الشباب 35 ألف متطوع بصندوق مكافحة الإدمان يقودون معركة الوعي ضد المخدرات في كل محافظات مصر
  • صندوق مكافحة الإدمان يستعرض أنشطة المتطوعين لرفع الوعي بخطورة تعاطي المواد المخدرة
  • الشعور بحبّ الوطن يحتاج إلى الغذاء أيضاً