مَنْ لا يريد أن يكون لبنان حاضرًا في أي مؤتمر دولي عندما سيصار البحث الجدّي في مستقبل المنطقة؟
هذا السؤال أجاب عنه وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه خلال زيارته القصيرة لبيروت، ولكن بطريقة مختلفة عن الإجابات التقليدية، خصوصًا عندما أشار إلى أن عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيجعل لبنان غائبًا، ليس فقط في المؤتمرات الدولية والإقليمية، بل في الخارطة السياسية الجديدة التي بدأ الاعداد لها ورسمها في كواليس عواصم القرار بعد انتهاء الحرب في غزة، والتي ستنتهي عاجلًا أو آجلًا بعدما أثبت فلسطينيو القطاع صمودًا أدهش العالم، والذي تعاطفت شعوبه معهم في شكل غير مسبوق، بالأخصّ بين الطلاب، وهم الجيل الجديد، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو في فرنسا أو في أكثر من عاصمة معنية بإيجاد حل سريع لقضية العصر.


فمن يريد تغييب لبنان عن المؤتمرات الدولية المصيرية هم بكل بساطة أولئك الذين لا يزالون يعيقون انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الرئيس مغيّب لأسباب باتت معروفة، ومن بينها أو لعل من أهمها، هو أن كل فريق يريده أن يكون على صورته ومثاله، أي أنه يريده له وحده، وفي الوقت ذاته أن يكون رئيسًا على الآخرين. وبهذه الحال لن يكون للبنان رئيس لا اليوم ولا غدًا ولا بعده، وسيبقى الكرسي الرئاسي في بعبدا شاغرًا إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. وهذا الأمر يريح كثيرين على ما يبدو، وهم يحاولون الايحاء بأن البلد ماشي مع رئيس أو من دونه. وهذا ما يرفضه من تُلقى على كتفه هموم البلد كله، الذي يرى أن لبنان لا يُدار إلاّ إذا اكتمل عقد المؤسسات الدستورية وانتظم عمل السلطات. وهذا العمل لن يكتمل في غياب الرأس.
فبغياب رئيس الجمهورية سيبقى وضع البلد على كفّ عفريت، وستبقى القرارات الحكومية التي تُتخذ من حين إلى آخر لتسيير شؤون الناس وللحؤول دون الانهيار الكبير محدودة الفعالية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى القوانين التي تصدر عن مجلس النواب من ضمن ما يسمّى بـ "تشريع الضرورة"، مع احتدام الجدل السياسي بالنسبة إلى دور المجلس المحدّد في الدستور لجهة حصر عمله فقط بمهمة انتخاب رئيس للجمهورية.
فالاختلاف السياسي أمر طبيعي، وهو من صلب الحياة الديمقراطية، وسببًا من بين أسباب كثيرة لتطور العمل السياسي والنمو الاقتصادي. وليس المطلوب أن يكون جميع اللبنانيين، بطوائفهم وأحزابهم وبيئاتهم، نسخة طبق الأصل عن بعضهم البعض. وهذا ما يميزّ لبنان المتعدّد الديانات والثقافات والتوجهات والعادات والتقاليد، وهو أمر مفترض أن يشكّل مصدر غنى وليس مصدر تعاسة وانحطاط وتقهقر وانكفاء كما هو واقع الحال اللبناني في ظل هذا الانقسام العمودي والأفقي في التركيبة الفسيفسائية غير المنسجمة تقاطعاتها مع بعضها البعض إلى درجة إن ما كان يُحكى همسًا عن بعض التوجهات الأحادية في ما خصّ مستقبل هذا البلد الصغير أصبح مطلبًا علنيًا لفئات كثيرة لم تعد تؤمن بفكرة لبنان – الصيغة القائمة على روحية العيش المشترك.
في المقابل نرى أن ثمة فئات كثيرة من اللبنانيين لا يزالون يؤمنون بأنه لا غنى عن لبنان العيش الواحد تحت سماء واحدة على رغم ما يمرّ به من أزمات يقول البعض عنها بأنها وجودية، ولكنها تبقى أقل وطأة من مآسي الحرب اللبنانية، التي باعدت بين أبناء البلد الواحد، وقسّمت عاصمته إلى مدينتين يفصل بينهما خط تماس ناري. ومع كل ذلك عاد اللبنانيون إلى صفاء عيشهم، فتوحدّ الجيش، وعادت العاصمة إلى وحدتها، ولكن النوايا لم تكن صافية، لأن المصالحات لم تستتبعها مصارحات في العمق.
ولأنه لم توضع كل الهواجس على طاولة مصارحة حقيقية نشهد اليوم ما نشهده، ويتمّ تغييب رئيس الجمهورية مع ما يرمز إليه من وحدة الشعب والأرض والمؤسسات، وكأن الذين يتقاطعون على تعطيل الاستحقاق الرئاسي لا يريدون أن تكتمل حلقات الوحدة الوطنية.

المصدر: لبنان 24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: أن یکون

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء والكفاءة وضريبة الدخل

قرار رئيس الوزراء د. كامل إدريس الذي أعلنه في ساحة الميناء القومي الأكبر في السودان بشأن إعفاء كافة رسوم الأرضيات على البضائع المكدسة ببورتسودان خلال الأشهر الماضية، لاقى ترحيباً كبيراً في أوساط الجميع. وهو قرار مهم ووطني ومسؤول، ويأتي في إطار التعافي الاقتصادي، وتزايد معدلات العودة الطوعية للاجئين وعابري الحدود، لا سيما أن معظم البضائع المكدسة موضوع القرار تخص مواطنين عاديين وغالباً للاستخدام الشخصي.

ومن تلقاء هذا الطرح فيتعين الانتباه إلى موضوع ترفيع القدرات المهنية والفنية في كافة موانئ البلاد، وخاصة فيما يتعلق بالفترة المقررة لتخليص البضائع وإنهاءالإجراءات وإدخال الرقمنة في كل مراحلها. وهذا هو الفارق الذي يحدث التقدم الاقتصادي المنشود، وتقاس به معدلات التجويد، ويعكس مستوى الكفاءة المهنية والإدارية، التي تعمل بها أية مؤسسة مهنية وخدمية. فالموانئ والمطارات ومنصات الخدمات الأخرى تقاس بالفترة الزمنية لإنجاز أية مهمة، وبكمية المهام والعمليات المنجزة في الساعة أو اليوم أو الأسبوع.

ولذا فيتعين النظر إلى مستويات الأداء وجودة الإدارة الوظيفية والتأهيلية في الموانئ والمطارات من تلقاء هذا المنظور، ومن خلال عقد المقارنات بنظائرها في المنطقة والإقليم، وكذلك بالنسبة لتصنيفها الدولي ومدى استخدامها لأفضل الممارسات المعتمدة دولياً.

فضلا عن ذلكم وبالتزامن معه، وكوسيلة لتسريع الإنعاش الاقتصادي لفترة ما بعد الحرب، فينبغي تخفيض ضريبة الدخل والأرباح على كافة الأعمال التجارية والاقتصادية والاستثمارية بحيث لا تتجاوز 10% حتى يتم تعظيم معدلات وجذب الاستثمار، وكحافز ودعوة ذكية لرجوع كافة الشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية التي غادرت البلاد خلال فترة الحرب لتستأنف نشاطاتها لدعم مسيرة التطور والبناء. وهذا الأمر سوف يدعم ويوسع سوق العمل، وعبره تتم إتاحة فرص لعشرات الآلاف من خريجي الجامعات وغيرهم من الذين يقفون اليوم في صفوف طالبي العمل.

هذا إجراء ضروري وعملي ومهم، ومطلوب وطنياً وعملياً وأخلاقيا، وينبغي الإلتفات له بكل جدية، ولا مناص من اتخاذه بأعجل ما يتيسر للأهمية، وبحسبانه من أفضل الممارسات المعتمدة وأنجعها في مجالات جذب الاستثمارات وتوسيع الاقتصادات وتعزيز ثقة أرباب الأعمال والشركات التجارية، وتعظيم عمليات الصادر وتسهيل الواردات.

فلا يعقل أن يكون سعر تبادل الجنيه السوداني حرا، يحدده العرض والطلب، دونما تدخل من البنك المركزي، بينما معدلات الضريبة هي الأعلى في كل المنطقة والإقليم.

هذه هي ضرورات الساعة وهذا ما يتعين على رئيس الوزراء الاهتمام به وإعلانه اليوم قبل الغد. هذه الحرب الأخرى التي يتحتم كسبها والانتصار فيها وهي عربون وضمان السلم المستدام.

دكتور حسن عيسى الطالب

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/07 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة مزايدات كتاب الجنجويد البائسة2025/12/07 وئام شوقي تشرح خبث اللغة وافتقارها إلى البراءة2025/12/07 لماذا الهجوم على قوات درع السودان ؟2025/12/07 من أرادوا تدمير السودان… وقعوا في فخ أكاذيبهم2025/12/07 نيران أديكونق: الضربة التي حرقت أكاذيب المليشيا وداعيميها قبل عتادها2025/12/07 قد نختلٍف!!2025/12/07شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات بعضٌ من حكاية الكَدِيسَة 2025/12/07

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • سماع إطلاق نار في الضنية… وهذا ما تبيّن
  • وزارة الشؤون الاجتماعية تحدد موعد انتخاب ممثلي الأشخاص ذوي الإعاقة
  • كواليس لقاء برّي - لودريان... ما الذي جرى بحثه؟
  • وزير الخارجية التقى لودريان... وهذا ما جرى بحثه
  • شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصصه العائلية التي تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي لـ«اللي باقي منك»
  • المستقبل يُواجه اتهامات
  • شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصصه العائلية التي تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي لـ"اللي باقي منك"
  • يُوهم ضحاياه أنّه فتاة وهذا ما يقوم به!
  • أصوات إطلاق نار تُسمع في عكار… وهذا ما تبيّن
  • رئيس الوزراء والكفاءة وضريبة الدخل