عربي21:
2025-06-03@01:39:26 GMT

غزة انتصرت وانهزمت الأمة

تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT

-1-

تحت عنوان "إسرائيل هُزمت.. نتنياهو ينتصر"، كتب الكاتب العبري بن كاسبيت في "معاريف" بعد مرور 600 يوم على العدوان على غزة، أجمل فيه بعبارات مختصرة صورة هزيمة الكيان، على أيدي منتعلي "الشباشب" وفق تعبيره، قال: "الهزيمة الأصعب في تاريخنا. سقوط مدوٍ، اليم، مهين لن تكون له أبدا أي كفارة. لخطة "أسوار أريحا"، أو بلغة الفلسطينيين "طوفان الأقصى"، كان هناك هدف واضح واحد: كسر فرقة غزة واقتحام دفاعات الجيش الإسرائيلي عن الغلاف.

هذا الهدف تحقق بكامله، بما يتجاوز التوقعات الأكثر وردية لمحمد ضيف ويحيى السنوار. فرقة غزة انكسرت، قاعدة الفرقة احتلت، منظومة الدفاع من الجيش الإسرائيلي انهارت كبرج من الورق وآلاف (قتلة) النخبة فعلوا في الغلاف وسكانه كما يشاؤون من الساعة السادسة والنصف صباحا وحتى نهاية ذاك اليوم الرهيب!

لأول مرة منذ قيامها ومن نهاية حرب الانبعاث، احتلت أجزاء من إسرائيل من قبل أعداء ("بالشباشب"، على حد تعبير المسؤول الرئيس عن الكارثة). استغرق ثلاثة أيام كاملة أخرى لإنهاء تطهير المنطقة، لنزع آخر المخربين من مخبئه ولإعادة استقرار الخط. في هذا الزمن تعرضت إسرائيل لأكثر الضربات رعبا وقعت عليها منذ الأزل".

اليوم شاهد على محرقة ليس للأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء فقط، بل شاهد على نهاية حقبة من التاريخ الذي لم تكتب سطوره الأخيرة بعد، تاريخ سيعيد تشكيل جغرافيا المنطقة، إن لم يكن غدا، ففي المستقبل القريب
انتهى الاقتباس، ولم ينته العدوان الذي تلا هزيمتهم، دمروا غزة أو كادوا، واستشهدت الطبقة الأولى من قيادة المقاومة، وجزء كبير من الصف الثاني والثالث، وجزء أكبر من كوادر الصفوف الأخرى، وارتقى نحو ستين ألف شهيد، وثمة أكثر من 150 ألف جريح، وفقدت المقاومة ما فقدت من سلاحها وصواريخها وقدرتها على إيذاء العدو، وإدخال مستوطنيه إلى الملاجئ، ومع هذا لم تزل "صامدة" تأبى أن ترفع الراية البيضاء، لأن هذا التعبير ليس في قاموسها أصلا، وترفض تسليم سلاحها، حتى ولو بقيت آخر بندقية قي يد آخر مقاتل!

في المقابل، وحيث كانت تنتظر أن تتبعها الأمة، وتدخل معركة التحرير، "أبدعت" هذه الأمة شعوبا وقيادات في خذلانها وكشف ظهرها، وتركتها نهبا للوحش، يفعل ما يشاء، بها وبحاضنتها الشعبية!

غزة اليوم شاهد على محرقة ليس للأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء فقط، بل شاهد على نهاية حقبة من التاريخ الذي لم تكتب سطوره الأخيرة بعد، تاريخ سيعيد تشكيل جغرافيا المنطقة، إن لم يكن غدا، ففي المستقبل القريب، فالمعركة لم تزل في ذروتها، وإن بدا للكثيرين أنها تقترب من نهايتها. سيكون هناك "حل" ما للحرب، أو قل "نهاية" ما، لا يستطيع أحد حتى الآن أن يتكهن بماهيته، لكن البداية الحقيقية للتاريخ الجديد سيكون في اليوم الأول لنهاية الحرب..

-2-

صراع بين مشروعين، مشروع أمة أكرمها الله بالإسلام الذي لا يرضى أن يكون إلا صاحب يد عليا في كل شيء، ومشروع آخر هجين مشوه، يرى في الكرسي رمزا للوجود بأي ثمن، وهي ثنائية بدأت منذ فجر الإسلام. وكان تنازع دائم بينهما، وفيما نعلم لم يصل الأمر للحظة تناقض صارخ بينهما مثلما هو اليوم، فغزة و"طوفانها" وضعا النقاط على الحروف
ما يمكن أن يسمى "هزيمة الأمة" لم يكن بالمعنى الحرفي للمصطلح، فالأمة تعيش حالة ما من "الاحتلال الوطني" لأن إرادتها مكبلة، وهي محصورة في أيدي ثلة من "أولي الأمر" الذين يرون في انتصار غزة هزيمة لهم ولمشروعهم. هناك صراع بين مشروعين، مشروع أمة أكرمها الله بالإسلام الذي لا يرضى أن يكون إلا صاحب يد عليا في كل شيء، ومشروع آخر هجين مشوه، يرى في الكرسي رمزا للوجود بأي ثمن، وهي ثنائية بدأت منذ فجر الإسلام. وكان تنازع دائم بينهما، وفيما نعلم لم يصل الأمر للحظة تناقض صارخ بينهما مثلما هو اليوم، فغزة و"طوفانها" وضعا النقاط على الحروف، وأظهرا على نحو لا لبس فيها ذلك الخط الفاصل بين المشروعين.

بكلام آخر، الأمة اليوم كلها أو جلها على الأقل، متحرقة للاندفاع لإغاثة غزة فيزيائيا، بأرواحها وأجسادها قبل مالها، ولكن الحواجز والحدود تمنع اندفاع الخزان الشعبي الهادر نحو التحرير والغوث، وبهذا المعنى مشروع "الكرسي" افتضح وبانت خياراته، في مواجهة برنامج "الشارع" والأيام القادمة ستكون أكثر من حاسمة في ساحة التنازع بين المشروعين.

ما حدث في غزة ويحدث الآن أثناء كتابة هذه السطور سواء تم الاتفاق على هدنة مؤقتة أم لا، هو بمثابة قدح نار يؤذن ببداية حقبة ستحسم التناقض بين المشروعين، مشروع القمة ومشروع القاعدة: الكرسي والشارع، لا يعلم أحد متى نصل الذروة في هذا الصراع، لكن لحظة "النضوج" تقترب بسرعة، بعد أن بلغ الخذلان "الرسمي" مداه الأقصى. وبهذا المفهوم، فقد انتصرت غزة ليس على مشروع الاحتلال المجرم، بل على "ظهيره" العربي الرسمي، ونحن اليوم على موعد بات قريبا جدا لنزال وشيك بين مشروع "الجهاد" بمعناه الشرعي الكامل، ومشروع الاحتلال بكل ما يحمله من بشاعة وكفر وعهر. صحيح هزمت الأمة في مواجهتها لمشروع الاحتلالين الصهيوني والوطني، ولكنها "هزيمة" لها ملامح وصيغة جيش المسلمين الذي سحبه خالد بن الوليد تكتيكيا في نهاية معركة مؤتة، فلم يكونوا فرارا بل كانوا هم الكرار كما وصفهم رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة الاحتلال صراع مشروعين احتلال مقاومة غزة مشروع صراع مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شاهد على

إقرأ أيضاً:

العرب والأدلجة السياسية

 

بعد انحسار السيطرة المباشرة للاستعمار التقليدي، لم يغادر الغرب العالم العربي فعليًا، بل عاد بوجه أكثر خطورة عبر النفوذ السياسي والثقافي والاقتصادي. دخل العرب مرحلة من التفكك المُمنهج، حيث استخدم الغرب أدواته بذكاء شديد لإعادة تشكيل الوعي العربي، بما يخدم مصالحه ويُضعف القضايا المصيرية، وعلى رأسها قضية فلسطين.
لم يكن تدخل الغرب محصورًا في الاحتلال العسكري، بل شمل الغزو الفكري والثقافي، حيث زُرعت مفاهيم جديدة تُضعف الانتماء القومي والديني، وتُعيد تعريف الأولويات وفقًا للمصالح الغربية. ومن خلال دعم أنظمة سياسية موالية وتهميش التيارات الوطنية، أصبح القرار العربي مرتهنًا لإرادة الخارج.
ومع موجة “الربيع العربي”، ورغم ما حملته من آمال، سرعان ما تحوّلت إلى مشاريع تخدم أجندات خارجية، بتدخل مباشر وغير مباشر من قوى غربية، وظّفت الفوضى بما يخدم نفوذها ويُضعف وحدة الأمة.
ولعبت النعرات الطائفية والعرقية دورًا كبيرًا في تفتيت الصف العربي، من خلال تغذية صراعات داخلية مزّقت النسيج الاجتماعي والسياسي، حتى باتت بعض الدول ساحات نفوذ وصراع بالوكالة، بينما غابت القضايا المصيرية عن واجهة الاهتمام.
ولم يكن الإعلام والتعليم بمنأى عن هذا المخطط، فقد استُخدما لتشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام العربي نحو اهتمامات سطحية، مع تهميش الهوية الجامعة، وتقزيم القضية الفلسطينية.
اليوم، لا مفرّ من الاعتراف بأن وعي الأمة قد تم التلاعب به، وأن استعادته تتطلب مراجعة شاملة للسياسات والمناهج والتحالفات. لا بدّ من استقلال القرار، وتعزيز الانتماء والهوية، وإعادة البوصلة إلى وجهتها الحقيقية، نحو وحدة الأمة ونصرة قضاياها.

مقالات مشابهة

  • كم سجل سعر الذهب في نهاية التعاملات المسائية اليوم الاثنين؟
  • عاجل | مصادر: التموين تؤجل التحقيق في قضايا فساد مشروع جمعيتي حتى نهاية الشهر
  • جمعة: جلسة اليوم مخصصة لاعتماد الميزانية الموحدة لعام 2025
  • العرب والأدلجة السياسية
  • في اليوم العالمي للطفل.. روانكه تطلق مشروع لست وحدك
  • في اليوم الذي يسمونه يوم القدس
  • سعر الذهب نهاية تعاملات اليوم الأحد 1 يونيو 2025
  • النقل: اليوم بدء التشغيل التجريبي بجمهور الركاب للمرحلة الأولى من مشروع الأتوبيس الترددي
  • 126 الف 838 طالب وطالبة بالشهادة الإعدادية يؤدوا امتحانات نهاية العام في الدقهلية اليوم