التعظيم الأخلاقي.. هل يشكل قوة ردع؟
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
يهيمن الفكر السياسي على مفهوم «قوى الردع» «وموازين القوى» و«قواعد الاشتباك» واليوم يأتي مفهوم جديد «الصبر الاستراتيجي» و«القوى الناعمة» وهذه كلها في مجموعها تذهب أو يراد منها نتيجة واحدة وهي أن تكون هناك حالة من التوازن بين القوى التي على شفا حفرة من احتدام الصراع. فالإنسان تأسس على صراع منذ حالة الاشتباك التي حدثت بين ابني آدم «عليه السلام» قابيل وهابيل، مرورا بحالات لا أول لها ولا آخر من الصراعات، وصولا إلى الصورة الـ«صراعية» المستمرة بأدواتها الحديثة اليوم، وكذلك الأمر إلى حيث النهاية، سواء أكانت هذه النهاية لكل فرد على حده يعيش صراعه الخاص، أو النهاية المطلقة للحياة كلها بعد عمر من السنين، حيث تقدير ذلك عند رب الوجود الذي أوجد هذا الصراع بين الكائنات لحكمة يعلمها، ليس هنا مجال مناقشتها، بقدر ما يقتضيه الفهم للإشارة إليه، وارتباط ذلك بهذا الإنسان الذي لا يكاد ينهي صراعا ما، إلا ويدخل في صراع آخر، عبر لوحة فسيفسائية من الصراعات التي تمتلئ بها حياة كل فرد على حدة، وحياة كل مجموعة على حدة، وحياة البشرية كلها في صراعات البقاء والسيطرة، ولذلك فمن اليقين الدائم أن لا توجد في الحياة الإنسانية فترة زمنية تكون خالية من أي صراع، فالصراعات قائمة، والإنسانية تختلق صراعاتها بحول منها وقوة، وهي تدفع أثمانا غالية، وقاسية، ومع ذلك فهي تُصَدِّرُ صراعاتها، فكل جيل يُوَرِّثُ صراعاته للجيل الذي بعده إلى أن تقوم الساعة، حيث ستقام محكمة العدل الإلهية ليأخذ كل حق حقه (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (55) آل عمران.
يتم الحديث عن (التعظيم الأخلاقي) هنا في هذه المناقشة، ليس لأنه حالة استثنائية طارئة، بقدر ما هي صحوة إنسانية ولن نقول عنها متأخرة، فالأحداث هي التي تصنع المعجزات كما هو معروف بالضرورة، والأحداث مستمرة باستمرار الحياة، ولكن تفاوت حمولة الأحداث هي التي توجد الكثير من الصور الصادمة، والإنسان بطبيعته يحتاج إلى مواقف صادمة، ليخرج من بين جوانبه الإنسانية الحالات والمواقف الاستثنائية، ومعنى هذا أن حالة الركود حالة نائمة، أو لحظة خاملة، وتحتاج إلى شيء من الصدمات حتى تعيش مخاضًا مربكًا يخلق الكثير من الحركة والنشاط، ويأتي بنتائج غير متوقعة، ولأن الحديث هنا يذهب كثيرا إلى الأحداث الجارية في قطاع غزة، ومجموعة التفاعل والتكامل المرافقة للحدث الكبير، فإننا مثل غيرنا يقرأ تعاظم الحالة الأخلاقية «الإنسانية» في ذلك المشهد المثير للدهشة، والناتجة عن مجموعة الاعتصامات لطلبة الجامعات الأمريكية والأوروبية والتي وصل عددها حتى الآن الرقم (75) جامعة -ومن أرقاها، وأعرقها- تقود حراك طلبتها ومن كان قبلهم ولا تزال المسيرات «المؤلفة» من الشعوب في مختلف دول العالم ما عدا الدول العربية والإسلامية مستمرة بألفياتها البشرية، والمفارقة أن هذه الجامعات تنتمي إلى دول كلها مشاركة في العدوان الصهيوأمريكي على غزة، والسؤال هنا: ما الدافع الذي حفز هؤلاء الطلبة الذين يبعدون عن فلسطين آلاف الكيلومترات، ويختلفون عنهم: أعراقا، ودينيا، وجغرافيا؟ كيف وصلت رسالة «غزة» إلى هذه الفئة الشابة المشغولة بكثير من متع الحياة واللهو، والصور الاحتفالية في مجتمعاتهم؟ ما الذي اقتلع هذا الشعور الإنساني النبيل من دهاليز هذه الأنفس التي للتو تقرأ خطوات تفاصيل حياتها في خارطة الحياة حيث لم تعش بعد أبعاد مأساوية في بلدانها، كما هو الحالة لدى آبائهم وأجدادهم؟ والجواب: ليس هنا من سبب سوى النزعة الأخلاقية المتحررة من كل التجاذبات النفسية، والمادية، والعنصرية، والعرقية، واللونية، والجغرافيا، فقط هذا هو المحفز الأول والأخير، والذي تعاظم، ولا يزال في نفوس هذه الفئة الشابة التي ترسم أحلام خارطة حياتها الإنسانية القادمة، ولأنها قادمة على مشروع مستقبلي لحيواتهم بقيادتهم، فما يرونه من مآس يربكهم أكثر، حتى لا تتشوه إنسانيتهم بهذا السلوك الفظيع الذي عليه أباؤهم وقادتهم الذين تجردوا من كل القيم الإنسانية. والسؤال الختامي لهذه الفقرة: هل سيشكل «التعظيم الأخلاقي لدى هؤلاء الطلبة قوة ردع مؤثرة في اتخاذ القرار السياسي الذي سوف ينهي هذه المأساة المستمرة على الشعب الفلسطيني الأعزل؟ ولو كان الأمر كذلك فما الذي أقلق ساستهم بأن يتخذوا حيالهم القوة النافذة لفك اعتصاماتهم المباركة التي أقلقت العدو الصهيوأمريكي قبل غيره وهو على بعد آلاف الكيلو مترات؟
تشكل المسيرات الجماهيرية، أو الحراك الشعبي مؤشرات مهمة لوضع قراءات تحليلية لماهيتها، وموضوعيتها، وأهميتها، ولحظات توقيتاتها، ونوعية الفاعلين والمؤثرين فيها، وما سوف تؤول إليه في نهاية الأمر، وبقدر هذه الأهمية التي تمثلها، فإنه ينبغي، بل يلزم الأمر إلغاء أية صورة نمطية مرسومة، ومتأصلة حيالها، وهي صور إن قبلت في فترة تاريخية معينة، فإنها يجب أن يعاد النظر في تقييمها في فترة تاريخية متأخرة، وذلك لاعتبارات كثيرة في مقدمتها وعي المجتمع، وانتقال أفراده من حالة الاستماع والتوجيه والتسليم، إلى حالة الاستيعاب لمجريات الأحداث، وتشكيل مواقف، ووضع قراءات مغايرة لكل ما يطرح عبر وسائل الإعلام من أجندات موجهة، ومدروسة بعناية، أو معايشة ذلك على الواقع، حيث لا يتم التسليم المطلق لكل ما ينشر ويوجه، وإنما هناك تفنيد، وإعادة قراءة، ومن ثم تأصيل وعي مختلف، وتشكيل مواقف، وتنفيذ إجراءات على الواقع، ولذلك فالذين يتوهمون بفاعلية بنظرية «عقلية القطيع» فإن زمن هذه النظرية ولَّى إلى غير رجعة، ودفنت في مقابر التاريخ، حيث لم يعد الزمن قابلا للتكرار؛ لأن في ذلك مجازفة بتكراره، والتاريخ لا يتكرر بشخوصه وأحداثه، وإنما يسجل أحداثه ووقائعه بشخوص جديدة، وأحداث جديدة؛ ليعبر ذلك كله عن واقع جديد غير ما كان عليه الحال، والفهم بتكرار التاريخ لا يمكن قبوله اليوم في ظل اتساع رقعة وسائل التواصل الاجتماعي، التي شكّلت ظاهرة إعلامية غير مسبوقة، تجاوزت كل المحددات، والوسائل الضابطة، حيث ساعدت كثيرا على إعادة قراءات كل الصور النمطية، وتفتيتها، واستبدالها بحالة وعي رائعة، تعبر حقًا عن واقع لا يحتاج إلى رتوش لفهمه ووعي مجرياته، بغض النظر إن كان ذلك يتفق مع الأنظمة السياسية، أو يتصادم معها، وكانت أحداث (بعد السابع من أكتوبر/ 2023م) هي «القشة التي قصمت ظهر البعير» في شأن تشكيل واقع مغاير لما كان عليه الوضع قبل هذا الحدث الجلل.
في الوعي السياسي والاقتصادي قد لا ينظر إلى المسألة الأخلاقية بكثير من الاهتمام الموضوعي الذي يمكن أن يشكل فارقًا نوعيًا في اتخاذ قرار ما، أو موقف ما، أو وجهة نظر ما، حيث تعد المسألة الأخلاقية على أنها حالة كمالية، يمكن النظر إليها كشيء تكميلي بعد الانتهاء من الطبخة، لإضفاء شرعية اجتماعية على أغلب الأحوال والدين في هذه الحالة مستبعد بصورة مطلقة، ليس لشيء سوى أنه دين وفقط، والدين وفق هذه النظرة هي علاقة فردية بين العبد وربه، وليست ثمة ضرورة لأن تزج هذه العلاقة في موضوعات الحياة اليومية المختلفة، وهذا الاستبعاد الضمني للدين ليس كما يروج له في الظاهر، على اعتباره علاقة فردية بين العبد وخالقه، ولكن الحقيقة هي أن للمسألة الدينية استحقاقات موضوعية مهمة ليس من اليسير تحملها عند صياغة أو نشأة أي مشروع من مشروعات الحياة، ولذلك هناك خوف من أن الكثير من خطوات النشأة والتنفيذ سوف تصطدم لا محالة بالمسألة الدينية، ومتى اصطدمت بها، فإن فشلها أقرب من نجاحها، ولأجل ذلك تستبعد المسألة الدينية في كل مشروعات الحياة، وهذا حاصل مع الجميع، سوى هذا الدين هو من عند الله، أو ما يسمى بـ«دين» وهو الذي ابتدعه الإنسان لكي يعود إليه كلما ألمّ به عارض من عوارض الحياة، فالنفس مجبولة لأن تعقد صفقة مع «دين» لكي تطمئن، فمن الدين تستشف الآمال، ومن الدين ترتكن النفوس إلى الهدوء والاطمئنان، ومتى غيبت النفس حالها عن الدين، أوقعت نفسه في متون القلق، والتشتت، والانهيار، والضياع.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما الذي يعنيه رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟
شهد مايو/أيار الحالي حدثا بارزا في تاريخ سوريا، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أثناء زيارته للعاصمة السعودية الرياض، في الـ13 من هذا الشهر عن قراره رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتبعه رفع الاتحاد الأوروبي كامل العقوبات المفروضة على دمشق في الـ20 من الشهر نفسه.
وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية في 23 مايو/أيار 2025 "الرخصة العامة رقم 25" (GL 25)، التي تسمح بإجراء معاملات مالية مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بالإضافة إلى البنك المركزي السوري ومؤسسات الدولة.
كما أصدرت وزارة الخارجية إعفاء لمدة 180 يوما من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، لتسهيل الاستثمارات وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
ويمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية فرصة حقيقية لإعادة إحياء الاقتصاد السوري وإعادة دمجه في النظام الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، يرى الخبراء أن تأثير هذا القرار لن يكون فوريا، وأن الطريق نحو التعافي الاقتصادي سيكون طويلا ومليئا بالتحديات.
وهنا لا بد أن نفرق بين نوعين من العقوبات الأميركية:
الأولى تنفيذية يمكن أن يفرضها ويرفعها الرئيس الأميركي بشكل مباشر. والنوع الثاني هي العقوبات التشريعية التي يفرضها الكونغرس وهي المتعلقة بقانون قيصر، وهو أخطر وأعقد العقوبات التي تعاني منها سوريا في الوقت الحالي، وهذا النوع من العقوبات لا يمكن أن يلغيها الرئيس بشكل مباشر، لكن باعتبار أن الكونغرس يحظى بأغلبية جمهورية فمن المتوقع بشكل كبير أن يتم تمرير رفع العقوبات المفروضة بقرار من الكونغرس. إعلانيهدف هذا التقرير إلى قراءة الآثار المحتملة لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية على الاقتصاد السوري، من خلال مناقشة:
القطاعات التي ستتأثر بهذا القرار. كيفية إعادة دمج سوريا في النظامين المالي والتجاري العالميين. جاذبية البلاد للمستثمرين الأجانب. تأثير هذه القرارات على جهود إعادة الإعمار. مستقبل استقرار الليرة السورية. مسار إنعاش صناعة النفط والغاز.يمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا نقطة تحول محورية للاقتصاد السوري، حيث من المتوقع أن تتأثر مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية بهذا القرار.
وفيما يلي نقدم إضاءة للقطاعات الرئيسية التي ستشهد تغييرات جوهرية نتيجة لرفع العقوبات:
قطاع النقل والطيرانيعد قطاع النقل والطيران من القطاعات التي ستستفيد بشكل كبير من رفع العقوبات، فقد عانت شركات الطيران السورية، وخاصة السورية للطيران، من تشغيل أسطول متقادم في ظل نقص حاد في قطع الغيار.
ويقول لينوس باور، مؤسس ومدير شركة "بي إيه إيه آند بارتنرز" الاستشارية (BAA & Partners)، إن رفع العقوبات يمكن أن يكون "لحظة فارقة" لصناعة الطيران المهملة منذ فترة طويلة، حيث سيسمح "للمرة الأولى" منذ سنوات، لهذه الناقلات بالحصول بشكل قانوني على قطع غيار معتمدة من الشركات المصنعة الأصلية من إيرباص وبوينغ ومورديها من الدرجة الأولى. وهذا يمكن أن يحسن بشكل كبير معايير السلامة والموثوقية.
القطاع المصرفي والمالييعد القطاع المصرفي والمالي من أكثر القطاعات تأثرا بالعقوبات الدولية، حيث عانى من عزلة شبه كاملة عن النظام المالي العالمي. ومع رفع العقوبات، يتوقع الخبراء تحسنا تدريجيا في القطاع المصرفي.
قطاع النفط والغازيعتبر قطاع النفط والغاز من القطاعات الحيوية للاقتصاد السوري، وقد تأثر بشكل كبير بالعقوبات الدولية التي منعت تصدير النفط السوري واستيراد المعدات اللازمة لتطوير الحقول النفطية.
قطاعا الزراعة والصناعة التحويليةيشير الباحث في الشأن الاقتصادي السوري عبد العظيم المغربل في حديث للجزيرة نت إلى أن قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية تضرّرا بشكل مباشر نتيجة القيود المفروضة على تدفّق مستلزمات الإنتاج والتكنولوجيا والصيانة.
إعلانويؤكد أنه مع رفع العقوبات، سيبدأ توفّر هذه المدخلات بالتحسّن تدريجيا، من خلال إعادة الربط مع الأسواق العالمية المزوّدة للآلات، والأسمدة، والمبيدات، والخامات الصناعية، وقطع التبديل، والتجهيزات التكنولوجية المتوسّطة والخفيفة، مما يسمح بإعادة تشغيل منشآت كانت معطّلة أو تعمل بأقلّ من طاقتها التصميمية.
قطاع الاتصالات والتكنولوجياعانى قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في سوريا من قيود كبيرة، بسبب العقوبات التي منعت استيراد المعدات والبرمجيات الحديثة وتقييد الوصول إلى خدمات الإنترنت العالمية. ومع رفع العقوبات، يمكن أن يشهد هذا القطاع تطورا سريعا.
استقرار الليرة السورية
شهدت الليرة السورية ارتفاعا ملحوظا في قيمتها مباشرة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا. فوفقا لوكالة الأنباء السورية، "ارتفعت الليرة السورية بشكل حاد مقابل الدولار الأميركي بعد الإعلان، حيث بلغ سعر الصرف 9.5 آلاف ليرة مقابل دولار واحد، مقارنة بـ13 ألف ليرة قبل قرار رفع العقوبات.
ويقول الخبير في الاقتصاد السوري الدكتور يحيى السيد عمر للجزيرة نت إن رفع العقوبات قد يمهد لتعافي العملة، لكن من جانب آخر قد يخفض من قيمة العملة في الوقت الحالي، لأنه اليوم أصبح بمقدور الدولة السورية طباعة العملة في أوروبا لا سيما في سويسرا والنمسا، ودخول كميات نقدية إلى السوق قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة.
ويضيف أن السعر الحالي لليرة سببه نقص الكتلة النقدية في السوق، ويؤكد أن التحسن الحقيقي لليرة مرتبط في الإنتاج والتصدير، وتقليل الاستيراد، وهذا الشيء ما زال غير موجود.
ويتابع السيد عمر أنه إذا حصلت سوريا على مساعدات مالية مقيمة بالدولار أو دخول استثمارات، فمن الممكن أن تشهد العملة تحسنا.
من جهته، يؤكد المغربل أن انعكاس رفع العقوبات على سعر صرف الليرة في هذه المرحلة يفهم كمؤشر مركّب لما يُسمّى في علم الاقتصاد بتوقّعات السوق أو "توازن التوقّعات"، حيث يؤدي رفع العقوبات إلى تحوّل جذري في سلوك الفاعلين الاقتصاديين من حالة الترقب السلبي إلى الانخراط الإيجابي. وهذا الانخراط -حسب المغربل- يتجلّى بانخفاض طلب المضاربين على الدولار، وتراجع ظاهرة الاكتناز بالعملة الأجنبية، وعودة الثقة بالعملة المحلية كأداة للادخار والمعاملات.
إعلان
تأثيرات فورية وأخرى على المدى المتوسط
يقول السيد عمر إن نتائج رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا سيظهر بعضها بشكل فوري والآخر على المدى المتوسط.
ويؤكد أنه من المتوقع أن يشهد الاقتصاد السوري خلال سنة واحدة انتعاشا ملموسا في كافة المؤشرات.
أما المغربل، فيتوقع أن تشهد التحويلات الخارجية انتعاشا نتيجة لخفض درجة المخاطر المرتبطة بإرسال الأموال إلى سوريا، وتحسّن القدرة على استخدام القنوات المصرفية النظامية.
وهذا التدفق النقدي، وإن كان مصدره غير إنتاجي فإنه يُشكّل في هذه المرحلة عنصرا محوريا في دعم ميزان المدفوعات وتعزيز القدرة الشرائية للمواطن، حسب المغربل.
سوريا أكثر جاذبية للمستثمرين والتجارةيمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا نقطة تحول محتملة في جاذبية البلاد للمستثمرين الأجانب. فبعد سنوات من العزلة الاقتصادية والمخاطر العالية، تفتح هذه الخطوة الباب أمام فرص استثمارية جديدة في سوق يحتاج بشدة إلى رأس المال والخبرات الأجنبية.
ويقول إبراهيم ناجي قوشجي، الخبير الاقتصادي والمصرفي في تقرير منشور على الجزيرة نت إن "رفع العقوبات عن سوريا يمثل نقطة تحول أساسية. سينتقل الاقتصاد السوري من التفاعل مع الاقتصادات النامية إلى الاندماج مع اقتصادات أكثر تطورا، مما قد يعيد تشكيل علاقات التجارة والاستثمار بشكل كبير".
من جهته يؤكد السيد عمر أن سوريا أصبحت أكثر مرونة بشأن عمليات الاستيراد والتصدير، واستعادة الأموال المجمدة، وتشجيع الاستثمار والتجارة.
أما المغربل فيؤكد أن التجارة الخارجية لسوريا ستبدأ في التوسّع مجددا، مع التوجّه لإعادة تموضعها التجاري الإقليمي، خاصة في أسواق العراق والأردن ولبنان، وربما لاحقا الخليج وشمالي أفريقيا.
ويقول إن إزالة القيود المالية ورفع الحظر عن التعاملات البنكية سيسمح بعودة الصادرات السورية تدريجيا إلى أسواقها التقليدية، خصوصا في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية والمنتجات الزراعية، مما يسهم في تحسين الميزان التجاري وتقليص العجز في الحساب الجاري.
إعلانويرى المغربل في رفع العقوبات أنها بمثابة استعادة الثقة بالاستثمار، سواء من الداخل أو من الخارج، حيث إن الانفراج في البيئة القانونية والمالية، وعودة الحوافز الاستثمارية المرتبطة بالضمانات الدولية أو التعاون مع مؤسسات مالية تنموية، سيجعل من المناخ الاستثماري في سوريا أكثر جاذبية، خصوصا ضمن قطاعات البنية التحتية، والخدمات، والطاقة.
ويتوقع المغربل أن يشهد السوق السوري تدفق شركات من الدول المجاورة ومن الجاليات السورية في الخارج، مستفيدة من فجوة العرض الكبيرة والفرص الواعدة.
ويؤكد السيد عمر أن الاستفادة من رفع العقوبات يحتاج لجهود سورية لتحديث وتطوير البيئة الاستثمارية للبلاد، من خلال تبني إجراءات مثل الإعفاءات الضريبية، لأن الشركات العالمية تبحث عن بيئة آمنة ومستقرة وحوافز وضمانات.
ويقول أسامة الصيفي، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة الخدمات المالية (تريزا) Traze: إن "إزالة العقوبات الأميركية هي إشارة حاسمة للتمويل العالمي، ومن المرجح أن تشجع رأس المال من الدول العربية وتركيا وربما الشركات الأميركية والصينية".
ومن المتوقع أن تشهد إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا منافسة بين الشركات الأميركية والأوروبية، في حين يعد قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، من أكثر القطاعات جاذبية لهذه الشركات.
ويؤكد أسامة الصيفي أن سوريا تحتاج إلى تحديث شامل لبنيتها التحتية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مما يفتح فرصا واعدة للشركات المتخصصة.
تفعيل النظام المصرفييعتقد الباحث الاقتصادي المغربل أن رفع العقوبات عن المصارف الحكومية السورية سيمكنها، عبر نظام "سويفت"، من تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، مما يقلل من التكاليف ويزيد من الكفاءة، ويعزز من قدرتها على تقديم خدمات مالية متقدمة للمواطنين والشركات، إضافة إلى دعم دورها في تمويل المشاريع التنموية، الأمر الذي يساهم في تحسين السيولة وتوسيع قاعدة العملاء وتنشيط الاقتصاد وزيادة معدلات التنمية.
إعلانلكن بالمقابل، يرى المغربل أن إعادة تفعيل "سويفت" يتطلب تحديث البنية التحتية التقنية للمصرف المركزي، بما يشمل أنظمة الأمان والامتثال للمعايير الدولية.
كما يستوجب ذلك -حسب المتحدث ذاته- تدريب الكوادر على التعامل مع المعايير الجديدة لضمان فعالية العمليات المصرفية، وهذا التحديث يعزز من قدرة المصرف على إدارة الاحتياطيات النقدية والتواصل مع البنوك المراسلة.