بقلم عبد الاله حسن محمد

في سجلات التاريخ ودفاتر الشرف والبطولات وذاكرة الأمم ليست هناك أفعال أو أعمال يتردد صداها بشكل عميق مثل التضحية القصوى من أجل الوطن. مثل هذه التضحيات والقصص ليست مجرد حواشي تاريخية، أنها القلب النابض لهوية الأمة التي تساهم في تشكيلها وتحافظ على قيم الحرية والعدالة والمُثُل التي يتطلع اليها الشعب.

أنه أرث تاريخي يتم تكريمه بامتنان واحترام عميقين اعترافا بالرمزية العالية والمتميزة لشجاعتهم. ستظل أحدى هذه التضحيات في ذاكرة الامة السودانية هي قصة الملازم أول معاش الشهيد محمد صديق إبراهيم، ضابط الجيش السوداني الذي انحاز في ليلة 9 أبريل 2019 إلى أبناء شعبه الثوار مخالفاً التعليمات العسكرية، في نكران للذات، واضعاً حياته على المحك وملتزماً بالقسم الذي تعهد به لحماية وضمان سلامة شعبه، وجه سلاحه صوب كتائب الظل وميلشيات النظام البائد المعتدين على الثوار السلميين المعتصمين أمام بوابات القيادة العامة. هتف فيهم قائلاً "اخوانا في القوات المسلحة والناس أخوانا في الرتب الجنبنا والرتب القريبة لينا الناس كلها تجي تقول كلمة الحق وتقيل هنا، الناس تجي تقيف مع الشعب دفن الدقن ما بينفع" وواصل حديثه وسط جموع المتظاهرين التي كانت تهتف فوق فوق سودانا فوق، تستلمها أنت "نحن ما جينا عشان نستلمها نحن جينا عشان نحميكم وبس، الناس تجي تقيف هنا لحدي ما يحصل تغير، "والرهيفة التنقد" في ثواني تحول إلي بطل قومي لدي الثوار وإلى خائن لدي الخونة والجبناء والمتآمرين على شعوبهم. قاموا بفصله فيما بعد فصل تعسفي من المؤسسة التي أحبها وانضم اليها. وقف معه الثوار رداً للجميل فملأوا الشوارع بمليونيه تطالب بعودته الى الخدمة. أستجاب الطغاة لحين وتأبطوا له شراً كعادتهم، أعادوه إلى الخدمة لكنه رفض العودة لغياب الثقة. فصله كان انعكاساً لغياب النزاهة والعادلة والفوضى الضاربة أطنابها منذ بداية عهد النظام البائد في تلك المؤسسة العريقة.

عندما اندلعت الحرب بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم أنحاز إلى المؤسسة الوطنية التي أحبها رغم كل سوءاتها. احساساً منه بالواجب الوطني ذهب الشهيد للتبليغ في قيادة الفرقة السابعة في الخرطوم للانضمام والقتال بجانب القوات المسلحة في الحرب ضد قوات الدعم السريع وتم رفض طلبه. بعد مضي أربعة اشهر واتساع رقعة الحرب ذهب اليهم مرة أخرى وتم رفضه بدون ذكر الأسباب. بعد مضي تسعة اشهر وتراجع الجيش وتمدد الدعم السريع في تسعة ولايات وسيطرته على معظم إقليم دارفور واستيلائه على مدني ، خرج الشهيد في يوم 22 ديسمبر 2023 في لايف على منصات التواصل متحدثاً بأسى وحرقة شديدة ومدفوعاً بغيرة وطنية واعلن مجدداً بأنه مازال مستعداً للقتال بجانب القوات المسلحة ضد قوات الدعم السريع ووجه رسائل قوية لقيادات الجيش وامهلهم مهلة حتى بداية السنة الجديدة لتحمل المسؤولية وتغير اسلوبهم في إدارة الحرب. بعد ذلك انخرط شخصياً في القتال ملبياً دعوة الاستنفار مهما كان مصدره والقصد منه. في يوم 19 مايو 2024 فجعنا جميعاً بخبر استشهاده في معركة مصفاة الجيلي بعد اسره وتصفيته من قبل مليشيا الدعم السريع.

أن تضحية الملازم أول معاش الشهيد محمد صديق ليست مجرد قصة شجاعة جندي، أنها شهادة على الحب العميق والالتزام الذي يمكن يتمتع به المرء تجاه شعبه. قصته تتجاوز ساحة المعركة لتكون بمثابة منارة للإلهام للأجيال القادمة. إنه يذكرنا بأن قيم الشرف والوطنية ليست مُثُلاً مجردة ولكنها مبادي حية يمكن أن توجه أعمالنا وقرارتنا. في عالم ساد فيه الطموحات الشخصية والمساعي العابرة، يدعونا أرث الشهيد إلى تذكر الهدف الأسمى المتمثل في خدمة شيء أعظم من انفسنا .... الاستعداد لبذل كل شيء حتى الروح من اجل سلامة وحرية وكرامة الوطن.

بينما نتأمل في شجاعة أيقونة الثورة الملازم أول معاش الشهيد محمد صديق ، نتذكر عدداً لا يحصى من ايقونات الثورة، من الرجال والنساء الذين قدموا تضحيات مماثلة تشكل حجر الأساس لثورة ديسمبر المجيدة ولهويتنا الوطنية. تضحياتهم ليست مجرد فصل في كتاب التاريخ، انها شهادة حية على روح التضحية الدائمة والحب الذي لا يموت للوطن. إنه تذكير بأن البطولة الحقيقية تكمن في استعداد المرء للتضحية بحياته حتى يعيش الآخرون في سلام وأمن. نتمنى أن لا يكون هناك مزيداً من مثل هذه التضحيات ضرورية وأن نعيش في سودان تنعم بالأمن والأمان. وعليهم جميعاً شآبيب رحمته.

 

a_bdulelah@hotmail.com
////////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

والي الخرطوم يتهم الدعم السريع بتدنيس دور العبادة

والي الخرطوم أعلن الشروع الفعلي في تأهيل المساجد، وقال إن الإعمار سيشمل بقية الخدمات التي يحتاجها المواطن.

الخرطوم: التغيير

اتهم والي ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة، قوات الدعم السريع بتدنس دور العبادة خلال الحرب الجارية حالياً، ووصف الجرائم التي ارتكبتها “المليشيا” داخل دور العبادة (المساجد والكنائس) لم تحدث في تأريخ البشرية.

ومنذ اندلاع الحرب في 15 ابريل 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تم توجيه الكثير من الاتهامات لـ”الدعم” بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين والمؤسسات العامة والخاصة المختلفة، لم تسلم منها حتى المساجد والكنائس.

وخاطب والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة يوم السبت، احتفال الطريقة السمانية الطيبية القريبية بالمولد النبوي الشريف بمسجد الطريقة في ود نوباوي.

وقال الوالي: “عثرنا على أشياء تشير إلى ارتكاب الموبقات داخل دور العبادة ونبش القبور”.

وأضاف أن النظافة والتطهير بدأت بدور العبادة، كما شرعت الولاية بالفعل في تأهيل المساجد وسيشمل الاعمار بقية الخدمات التي يحتاجها المواطن.

وتابع: “التقينا خلال زيارة وزير الشؤون الدينية والأوقاف مع أفراد يمثلون الكنائس وطلب منهم الوزير رفع تقرير بحجم الأضرار”.

وأثنى الوالي على ما أسماه “الموقف الواضح للطرق الصوفية” ودعمها لمعركة الكرامة ووقوفها َمع القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.

من جانبه، قدم ممثل منطقة وادي سيدنا العسكرية اللواء د. أمير سليمان تنويراً عن سير العمليات العسكرية، وقال إن هناك تقدماً كبيراً في كل الجبهات، وأن القوات المسلحة بدأت الانفتاح في عدد من المحاور.

وأكد أن الفاشر ستظل عصية وصامدة وتصدت لكل الهجمات  وتم القضاء على عدد من قادتهم المؤثرين.

من جهته، اتهم خليفة الطريقة السمانية الطيبية القريبية الشيخ د. هاشم الشيخ الطيب الشيخ الفاتح قريب الله قوات الدعم السريع بتهديد السلم الاجتماعي وتشريد وقتل المواطنين.

وكان مجلس الكنائس السوداني أكد أنه تم تدمير 17 كنيسة كليا، بجانب تعرض 153 كنيسة للاعتداء، فضلاً عن تعرض أكثر من 3 آلاف شخص تعرضوا للاعتداء خلال ممارستهم العبادة بالكنائس، وقال إن تكلفة إعادة إعمار الكنائس التى تم تدميرها تقدر بأكثر 9 ملايين دولار.

الوسومأحمد عثمان حمزة الجيش الدعم السريع السودان الطريقة السمانية الكنائس المساجد حرب 15 ابريل 2023م مجلس الكنائس السوداني

مقالات مشابهة

  • والي الخرطوم يتهم الدعم السريع بتدنيس دور العبادة
  • غوتيريش يدعو قائد قوات الدعم السريع لوقف الهجوم على مدينة الفاشر فورا
  • القوات المسلحة تعلن صد هجوم جديد للدعم السريع على الفاشر
  • كشف تفاصيل طائرة شحن ضخمة لقوات الدعم السريع ورتل من شاحنات النقل
  • تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ (1)
  • اذا كان الدعم السريع لحماية البشير، لماذا قحت لم تحله بعد سقوط البشير؟!!
  • دورُ ومسئوليةُ البرهان في بروزِ وتمدّدِ حميدتي وقواتِ الدعم السريع
  • «القاهرة الإخبارية»: 4 قتلى في هجوم لـ«الدعم السريع» على قرية أم جلود
  • تخرج أبناء وأقارب الشهداء ضمن دفعة الشهيد القائد من كلية الشرطة
  • قائد الدعم السريع: الحرب ليست خيارنا ومستعدون لوقف إطلاق النار