«كابولا».. يكتب وصيته فى «ميجالوبولس»
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
فرانسيس فورد كابولا.. هل يكفي أم نزيد؟ لا بل نزيد..
فنحن أمام قامة سينمائية شامخة ومسيرة عامرة بالإنجازات والتفرد ويكفى أن نشير إلى أن الرجل قدم للسينما تحف خالدة مثل «العراب – أربعة أجزاء» و«إبوكاليبس ناو – نهاية العالم» و«المحادثة» و«نادى القطن» وغيرها وهو يعود للسينما بعد غياب طويل. مشيرين إلى أنه يحضر لتجربة السينمائية «ميجالوبولس» منذ أكثر من 40 عامًا، حيث عانى الكثير من الإشكاليات المالية لتأمين إنتاجه وصولًا إلى بيع مزرعته وأيضًا استديوهات زيتروب التى يمتلكها وعدد آخر من الأصول العقارية والتجارية.
واليوم، يبدو أن الرجل البالغ من العمر88 عامًا يضع كل ما لديه على الطاولة للمرة الأخيرة، مع ملحمة الخيال العلمى التى طال انتظارها Megalopolis، والتى عرضت مساء الأمس لأول مرة فى مهرجان كان السينمائى.
ولا يمكن لأحد أن يصدق أن هذا قد حدث: لقد ظل «كابولا» يحاول إنتاج هذا الفيلم لأكثر من 40 عامًا، مر خلالها المشروع بعدد لا يحصى من عمليات إعادة الكتابة والتأخير والبدايات الخاطئة. إنه موجود الآن فقط لأنه باع جزءًا من ممتلكاته الناجحة فى مصنع النبيذ لتمويل الفيلم عندما لم يفعل ذلك أى شخص، حيث المغامرة مشرعة الأبواب.
وحينما يأتى الفيلم نحن وبصورة قريبة من الواقع أمام ما يشبه الوصية التى قال بها «كابولا» الكثير بل أكثر مما قاله فى النسبة الأكبر من أعماله، حيث ضخامة الإنتاج وحضور الجانب الفلسفى.
المحور الدرامى للفيلم يتحرك حول حادث كونى يدمر مدينة متدهورة تسمى روما الجديدة. ويهدف سيزار كاتيلينا «ادم درايفر»، المهندس المعمارى المثالى الذى يتمتع بالقدرة على التحكم فى الوقت، إلى إعادة بنائه باعتباره مدينة فاضلة مستدامة، فى حين تظل معارضته، العمدة الفاسد فرانكلين شيشرو «جينكارلو اسبوسيتو»، ملتزمة بالوضع الراهن التراجعى. وفى المقابل نرصد حالة التمزق بينهما عبر شخصية جوليا «ناتالى إيمانويل»، ابنة فرانكلين الاجتماعية، التى سئمت من التأثير الذى ورثته، وتبحث عن معنى حياتها.
وتتداخل الحكايات عبر فضاء من الخيال العلمى والعوالم التى تدهشنا لذهابها إلى المستقبل رغم إسقاطاتها على اللحظة التى تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية من صراعات سياسية واقتصادية واجتماعية.
حول سيزار زوجته وأبناء عمومته الذين يحاولون السيطرة على الجانب الاقتصادى المتمثل بالبنك الذى يقدم الإسناد المالى لكافة المشاريع والمنجزات المدهشة التى راح يحققها سيزار. كل العلاقات فى فيلم «كابولا» الجديد تحكمها صراعات ومصالح اقتصادية بحته إلا تلك العلاقة التى تجمعة مع جوليا التى تدير ظهرها لوالدها من أجل حبها الكبير حتى تحمل منه طفلًا هو الحلم والأمل للمستقبل. ولكن كل ذلك لا يستطيع الصمود أمام مراجل الحقد والأطماع والكراهية سواء من زوجته «واو بلاتينيوم – اوبرى بلازا» او أبناء عمومته ومنهم كلاوديو «شيا لابوف» والعمدة الفاسد وغيرهم، حيث يتعرض سيزار للقتل ولكنه ينجو ويتم شفاؤه ويبدأ مشواره من جديد من أجل المحافظة على تلك المدينة الفاضلة الغارقة فى الفوضى والدمار...
فى فيلم «ميجالوبولس» وكان «كابولا» يكتب وصيته التى تأتى ثرية بالمضامين الفلسفية واستدعاء للتاريخ بالذات تاريخ روما وحالة الفوضى التى عمتها إثر أطماع أسيادها من التجار والسياسيين.
فرانسيس فورد كابولا «المخرج»فى الفيلم الكثير من الروحانيات والدعوة إلى التسامح والمحبة واستحضار الأيادن السماوية الثلاثة الكبرى «الإسلام والمسيحية واليهودية» ورهان متجدد على ذلك الطفل الذى يمثل المستقبل.
وجريًا على عادته فإن «كابولا» حينما يذهب إلى الفعل السينمائى فإنه يستحضر التاريخ والفلسفة والحضارات والصراع الإنسانى عبر رموز ودلالات تظل حاضرة وكأنها تمنح المشاهد إشارات تضىء له الطريق وتوضح المعانى والرموز.
الإخراج عند «كابولا» ليس مجرد كاميرا تفتح على نجوم وشخصيات وأحداث، بل هو استحضار لتاريخ البشرية وحاضراتها وثقافاتها. وهو يعتمد فى الغالب على سيناريوهات يقوم بكتابتها..
فيلم «كابولا» الجديد قصيدة سينمائية تتطلب الكثير من الهدوء والتانى والبحث والتحليل والغوص فى تفاصيل الشخوص والصراع والتقاط الإشارات والدلالات والرموز
فى هذا الفيلم يستدعى كابولا عددًا من رفاق دربة ونجومه ومنهم تاليا شير ودستين هوفمان وإن ظل الحضور العالى «كابولا» لجيل من النجوم الشباب ونخص آدم درايفر وناتالى إيمانويل..
ميزانيات ضخمة صرفت على الأزياء والديكورات والمؤثرات والكومبارس وأيضًا النجوم..
وحتى لا نطيل نكرر.. «كابولا» فى «ميجالوبولس» يكتب وصيته السينمائية عبر قصيدة ستظل الأجيال تتوقف عندها طويلًا لأنها وباختصار شديد تحفة عالية المستوى علينا أن نكون بمستواها حتى ندركها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العراب
إقرأ أيضاً:
محمد مندور يكتب: سلماوي والشارقة والاحتفاء بثقافة مصر
حين أعلن معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025 عن اختيار الكاتب والأديب المصري الكبير محمد سلماوي شخصية العام الثقافية، بدا هذا الاختيار وكأنه احتفاء مزدوج.. احتفاء برمز أدبي عربي ترك بصمته على الوعي الجمعي لأجيال من جانب.. واحتفاء بثقافة مصر التي لا تزال تمثل قلب العروبة الثقافي النابض ..
فهذا الاختيار يعكس لا شك تقديرا كبيرة من إمارة الشارقة التي أقول دائما أنها "تحب مصر". كما انني - بشكل خاص - أحمل تقديرا كبيرا لمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يؤكد دوما أنه أحد أكبر منابر الثقافة العربية.. فلم يعد هذا المعرض الضخم مجرد حدث سنوي للكتاب، بل أصبح منصة فكرية كبرى تعلي من شأن دور الثقافة في تنمية الإنسان وتشكيل الهوية. فالقائمين على المعرض تحت رعاية سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة وبتوجيهاته لا يكتفون بعرض الكتب بل يفتحون المجال أمام الحوار والتفاعل بين المبدعين العرب والمبدعين من مختلف دول العالم.. فسمو الشيخ القاسمي جعل من معرض الشارقة منارة سنوية للمعرفة والتنوير. كما أن اختيار شخصية العام فيه ليس تكريما رمزيا فحسب.. بل رسالة ثقافية تعكس رؤى المعرض في تقدير الفكر والإبداع العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص.
فالكاتب الكبير محمد سلماوي يعد واحدا من أبرز الرموز الثقافية المصرية والعربية خلال نصف قرن من الزمن. فهو أديب وصحفي ومفكر جمع بين الحس الإنساني والوعي الوطني. فقد جسد سلماوي في كتاباته ومواقفه مفهوم المثقف العضوي الذي يربط الكلمة بالفعل ويربط فكره بخدمة قضايا مجتمعه سواء من خلال أعماله الأدبية أو مقالاته وأيضا مشاركاته الفاعلة في مؤسسات الثقافة العربية والدولية.. فقد حمل سلماوي راية التنوير المصري.. وحافظ على الرابط المشترك بين الهوية والحداثة.. وكذلك بين الأصالة والتجديد.
أرى بشكل شخصي كما يرى كل مصري وطني تجاه تكريم أبناء بلده .. أن تكريم سلماوي هو في جوهره تكريم لمصر الثقافية.. فمصر التي صدرت للعالم رموز في الفكر والثقافة والفن مثل نجيب محفوظ وطه حسين وسعاد حسني وأم كلثوم.. لا تزال تقدم للعالم رموزا تصنع الوعي والجمال والفكر. فالحقيقة التي لا خلاف عليها أن الثقافة المصرية ليست مجرد موروث فقط.. بل مشروع مستمر من الإبداع والتأثير.. فهي القوة الناعمة التي تفتح الأبواب بين الشعوب وتبني جسور الفهم والتسامح والتقارب.
فالثقافة جسد الأمة وروحها وعقلها .. واختيار محمد سلماوي شخصية العام في معرض الشارقة الدولي للكتاب هو تكريم مضيئ في سجل الثقافة العربية... وهو تذكير بأن الكلمة لا تزال قادرة على صناعة المجد.. فكل الفخر لكل صناع الكلمة.