د. عبدالله الغذامي يكتب: هل التجارب غريزة بشرية؟
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
يقول برتراند راسل إن البشر اخترعوا الألعاب الرياضية لكي يمارسوا رغباتهم الحربية بأدوات غير حربية، ولعل هذا حلمٌ رومانسي أو مثالي من راسل، الذي أراد القول إن الرياضة تشبع الرغبات في المغالبة والتصارع من أجل الغلبة، من دون أن يقتل الناس بعضهم بعضاً، ولكن الملاحظ أن الرياضة لم تشفِ النفوس من الحروب، بل إننا نجد سوفيكليس وهو ينعى على شباب أثينا انهماكهم في صرف وقتهم في الحمامات الساخنة أكثر من ذهابهم للمصارعة، ومن ثم لا يتدربون على فنون القتال، مما يعني أن رياضة المصارعة ليست للعلاج من رغبات القتل والحرب، وإنما هي تدريب على فن الحرب وتربية الأجسام على المقاتلة وتقويتها كأدوات حربية.
ورؤية سوفيكليس هي التي تفسّر لنا علاقة الناس بالرياضة، تلك التي تحوّلت لحروب كلامية ومشاعرية بين المتنافسين في أرض الميدان، مما يسبب طرد اللاعبين ومعاقبتهم، وهذا في كرة القدم، فما بالك بالعنف الجسدي في الملاكمة والمصارعة، ويمتد التصارع بين جماهير الفرق الرياضية، وأشده في جماهير كرة القدم التي بلغت مع الجماهير البريطانية حدوداً فاحشة أدت بأن جرى منع الشباب البريطاني في عدد من المناسبات من حضور مباريات فريقهم في الدول الأوروبية، بسبب ما يحدث من تلك الجماهير من تخريب وتدمير في الشوارع التي يمرون فيها، سواءً هزموا أو حتى لو فازوا، إذ تظل احتفالاتهم عنيفةً وعدوانيةً، وكم قتل من مارة في الشوارع لمجرد أن حظهم التعيس أوقعهم في زحمة جماهير مجنونةٍ أسكرها الفوز أو صدمتها الهزيمة، ويضاف لذلك لغة التشجيع وما فيها من عنف لفظي يبلغ حد العنصرية والإيذاء النفسي بين المتنافسين.
وهذا يكشف بوضوح أن التنافس يتحول لتصارع، والتصارع يتحول من لغوي وجسدي إلى قتلٍ عملي، وتتغذى هذه السلوكيات مع درجات المشاعر في أثناء اللعب في الميدان وبعد انتهاء اللعب، وهذا يشير إلى أن الحرب هي التي أثرت على اللعب وصنعت منه حالةً انفعاليةً متوترة، فغلبت نظرية سوفوكليس على نظرية راسل، لأن النفوس تحمل جينات الحرب ورغباتها المكبوتة فتجد متنفسها بالرياضة ممارسةً وتشجيعاً، ولا شك أن الأدهى والأمر هو حوافز التصارع لدى المشجعين الذين هم مجرد متفرجين في الأصل لكنهم مع تطور اللعب يتحولون إلى محاربين، وهنا فالحرب غريزةٌ بشرية إن لم تحدث في معارك حربيةٍ رسمية فهي تحدث في الرياضة وفي اللغة مثل لغة الهجاء بين الشعراء ومثل لغة جماهير كرة القدم بين أنصار الفرق ونوعية الخطاب المتبادل بينهم، ولا يبعد عنها التحارب في وسائل التواصل الاجتماعي أو هي ظاهرة ثقافية عالمية نشهدها لحظياً ومباشرة كلما تشابكنا مع هذه الوسائل.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
«المراكز الحركية».. وجهات آمنة تسهم في تنشئة الطفولة وتنمية المهارات
في مشهد يعكس تنوع الخيارات الترفيهية وجودتها في العاصمة الرياض، تشهد المراكز الترفيهية الحركية المخصصة للأطفال إقبالًا متزايدًا من العائلات خلال موسم الصيف، لما توفره من بيئة مغلقة وآمنة ومكيفة، تجمع بين اللعب الهادف، والنشاط البدني، والتحفيز الذهني، في تجربة متكاملة تلائم مختلف الفئات العمرية.
وتتيح هذه المراكز للأطفال فرصة خوض مغامرات حركية ممتعة، تتنوع بين الترامبولين، والتسلق، والانزلاق، إضافة إلى الأنفاق المطاطية، ومضامير التحديات المصممة بدقة لتناسب قدرات الأطفال وتغرس فيهم الثقة بالنفس وروح المبادرة، ضمن أجواء تراعي معايير السلامة العالية وتشرف عليها كوادر مؤهلة.
ولا تقتصر التجربة داخل هذه المراكز على جانب الترفيه فقط، بل تمزج بين اللعب والتعليم بطريقة مبتكرة، تعزز من مهارات التركيز والانتباه، وتطور القدرات الحركية الدقيقة والعامة، ما يجعلها خيارًا تربويًّا محببًا لدى أولياء الأمور، الذين يجدون فيها بديلًا مثاليًا للتقنيات الإلكترونية وأساليب الترفيه التقليدية.
وتتوزع هذه المراكز في العاصمة بين مواقع مخصصة للمغامرات، وأخرى تحمل طابعًا عائليًا متكاملًا، إذ تندمج عناصر اللعب والتعليم والخدمات المصاحبة تحت سقف واحد، في تصميمات داخلية عصرية تلبي تطلعات الأطفال وتمنح العائلات راحة وطمأنينة أثناء الزيارة.
ويعكس انتشار هذه المراكز خلال صيف الرياض جانبًا من الحراك الترفيهي النوعي الذي تشهده المدينة، حيث أعدت برامج صيفية وجداول فعاليات متجددة تهدف إلى إثراء تجربة الطفل اليومية، وتحفيزه على المشاركة والتفاعل ضمن بيئة آمنة ومنظمة.
وتكمن أهمية هذه المراكز في دورها المؤثر في تعزيز النمو المتوازن للطفل، وتسهم في تطوير لياقته البدنية، وتنمية تنسيقه الحركي، وبناء شخصية اجتماعية أكثر تفاعلًا، بالإضافة إلى دعم القيم التربوية والتواصل الأسري من خلال قضاء أوقات مفيدة وممتعة داخل هذه المرافق.
وتجسد هذه الوجهات الترفيهية قدرة العاصمة على توفير خيارات متجددة تلبي احتياجات الأسرة، وتعكس تطور المشهد الترفيهي ضمن رؤية تنموية شاملة، وتولي اهتمامًا خاصًا بالطفولة باعتبارها حجر الأساس لمجتمع نابض بالحيوية والإبداع.