صدى البلد:
2025-07-13@00:42:06 GMT

بلال قنديل يكتب: كأن لم يكن

تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT

يمضي الإنسان في حياته وسط الزحام، بين الناس والأماكن والأحلام، يعيش تفاصيل كثيرة، يمر بمواقف لا تُنسى، يقابل أشخاصا يشاركونه الضحك والحزن، النجاح والفشل، الحب والخذلان. أصدقاء كانوا أقرب من النفس، أهل كنا نظن أنهم لن يغيبوا أبدا، مواقف كنا نعتقد أنها خالدة، أياما ضحكنا فيها حتى دمعت عيوننا، ليالٍ بكينا فيها ونمنا في أحضان من نحب.

ثم فجأة، كأن لم يكن.

كم من أشخاص كانوا معنا في كل لحظة، نأكل معهم، نسافر، نخطط للمستقبل، نشاركهم أسرارنا، نثق فيهم ثقة عمياء، ثم حدث شيء ما، خلاف بسيط، مسافة زادت، حياة فرقت، اختيارات اختلفت، أو قدر قرر أن يسحبهم من حياتنا دون إنذار. 

في لحظة، يختفون، لا رسائل، لا مكالمات، لا لقاءات، فقط غياب، وسكون، وصور باهتة في الذاكرة، كأن لم يكن.

الحياة لا تتوقف، ونحن لا نملك رفاهية التوقف عند كل من غادر. نكمل، نبتسم، نضحك، لكن في القلب فراغ لا يُملأ، ومساحات من الحنين لا تجد عنوانا. نتذكر ضحكاتهم، كلماتهم، تفاصيلهم الصغيرة، ثم نصمت، لأن ما كان، لم يعد له وجود، كأن لم يكن.

ومن جهة أخرى، تمضي حياة الإنسان ككل بنفس الطريقة، يركض خلف أحلامه، يتعب، يجاهد، ينجح، يفشل، يفرح، يحزن، يصنع تاريخا خاصا به، يحاول ترك أثر، يظن أن الزمن سيتوقف له، ثم تأتي النهاية. يتوقف كل شيء، ويصمت كل شيء، وتنطفئ الأضواء، وتُغلق الصفحة، كأن لم يكن.

تلك الحقيقة القاسية تعلمنا الكثير، أن لا نتمسك بالأشياء الزائلة، أن لا نؤجل الحب، ولا نكتم الكلمة الطيبة، أن نتصالح، ونسامح، ونعبر عن مشاعرنا دون خوف. لأن اللحظة القادمة لا نعلم إن كانت ستأتي، ومن نراه أمامنا الآن، قد يكون غدا مجرد ذكرى، أو لا شيء، كأن لم يكن.

ولذلك، علينا أن نعيش كل لحظة بصدق، أن نعطي من نحبهم ما يستحقون، أن لا نتورط في كراهية، ولا نضيع أعمارنا في خلافات تافهة. فالرحيل قادم، سواء رحيل الأشخاص من حياتنا، أو رحيلنا نحن عن الدنيا كلها، والمهم في النهاية ليس من بقى ومن رحل، بل من بقي له في القلوب أثر، ومن ترك شيئا جميلا يُذكر، فلا يُقال عنه كأن لم يكن.

طباعة شارك الفرح الحزن الفشل

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الفرح الحزن الفشل کأن لم یکن

إقرأ أيضاً:

د. عبدالله الغذامي يكتب: هل التجارب غريزة بشرية؟

يقول برتراند راسل إن البشر اخترعوا الألعاب الرياضية لكي يمارسوا رغباتهم الحربية بأدوات غير حربية، ولعل هذا حلمٌ رومانسي أو مثالي من راسل، الذي أراد القول إن الرياضة تشبع الرغبات في المغالبة والتصارع من أجل الغلبة، من دون أن يقتل الناس بعضهم بعضاً، ولكن الملاحظ أن الرياضة لم تشفِ النفوس من الحروب، بل إننا نجد سوفيكليس وهو ينعى على شباب أثينا انهماكهم في صرف وقتهم في الحمامات الساخنة أكثر من ذهابهم للمصارعة، ومن ثم لا يتدربون على فنون القتال، مما يعني أن رياضة المصارعة ليست للعلاج من رغبات القتل والحرب، وإنما هي تدريب على فن الحرب وتربية الأجسام على المقاتلة وتقويتها كأدوات حربية.
ورؤية سوفيكليس هي التي تفسّر لنا علاقة الناس بالرياضة، تلك التي تحوّلت لحروب كلامية ومشاعرية بين المتنافسين في أرض الميدان، مما يسبب طرد اللاعبين ومعاقبتهم، وهذا في كرة القدم، فما بالك بالعنف الجسدي في الملاكمة والمصارعة، ويمتد التصارع بين جماهير الفرق الرياضية، وأشده في جماهير كرة القدم التي بلغت مع الجماهير البريطانية حدوداً فاحشة أدت بأن جرى منع الشباب البريطاني في عدد من المناسبات من حضور مباريات فريقهم في الدول الأوروبية، بسبب ما يحدث من تلك الجماهير من تخريب وتدمير في الشوارع التي يمرون فيها، سواءً هزموا أو حتى لو فازوا، إذ تظل احتفالاتهم عنيفةً وعدوانيةً، وكم قتل من مارة في الشوارع لمجرد أن حظهم التعيس أوقعهم في زحمة جماهير مجنونةٍ أسكرها الفوز أو صدمتها الهزيمة، ويضاف لذلك لغة التشجيع وما فيها من عنف لفظي يبلغ حد العنصرية والإيذاء النفسي بين المتنافسين.
وهذا يكشف بوضوح أن التنافس يتحول لتصارع، والتصارع يتحول من لغوي وجسدي إلى قتلٍ عملي، وتتغذى هذه السلوكيات مع درجات المشاعر في أثناء اللعب في الميدان وبعد انتهاء اللعب، وهذا يشير إلى أن الحرب هي التي أثرت على اللعب وصنعت منه حالةً انفعاليةً متوترة، فغلبت نظرية سوفوكليس على نظرية راسل، لأن النفوس تحمل جينات الحرب ورغباتها المكبوتة فتجد متنفسها بالرياضة ممارسةً وتشجيعاً، ولا شك أن الأدهى والأمر هو حوافز التصارع لدى المشجعين الذين هم مجرد متفرجين في الأصل لكنهم مع تطور اللعب يتحولون إلى محاربين، وهنا فالحرب غريزةٌ بشرية إن لم تحدث في معارك حربيةٍ رسمية فهي تحدث في الرياضة وفي اللغة مثل لغة الهجاء بين الشعراء ومثل لغة جماهير كرة القدم بين أنصار الفرق ونوعية الخطاب المتبادل بينهم، ولا يبعد عنها التحارب في وسائل التواصل الاجتماعي أو هي ظاهرة ثقافية عالمية نشهدها لحظياً ومباشرة كلما تشابكنا مع هذه الوسائل.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: نيران الغيرة الشعرية د. عبدالله الغذامي يكتب: الذكاء الاصطناعي.. العقلانية الجديدة

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: إفتقادنا للهوية المصرية!!
  • أحمد بلال: الأهلي لديه رفاهية ضم أي لاعب شاب ومنحه فرصة للتطور
  • شحاتة السيد يكتب: «لو كان الذكاء الاصطناعي بشراً»
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: هل التجارب غريزة بشرية؟
  • حرق السلاح.. العُمّاليون يتخلون عن قنديل لأجل السلام
  • من البداية إلى النهاية.. ماذا تعرف عن حزب العمال الكردستاني؟
  • مؤمن الجندي يكتب: 100 ذنب
  • متسوقون يفرون من متجر لحظة اصطدام شاحنة بواجهته .. فيديو
  • رئيس بلدية بر الياس: الحريق في المكبّ مفتعل وسنلاحق المرتكبين حتى النهاية