هل تظل أعياد العراق رهينة للفتن أم ترقى لوحدة الأوطان؟
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
23 مايو، 2024
بغداد/المسلة الحدث: تصاعدت الدعوات المطالبة الى جعل العطل الرسمية في العراق، ومنها العطل ذات الطابع الديني، فرصاً لتعزيز الوحدة الوطنية بدلاً من إثارة النعرات الطائفية والعرقية.
جاء ذلك على خلفية الجدل الدائر حول مشروع تعديل قانون العطل الرسمية، والذي شهد تقديم مقترحات من قِبل مختلف المكونات لإضافة عطل خاصة بها.
ففي أعقاب إقرار عطلة عيد الغدير الشيعية، تقدمت كتلة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بطلب إلى البرلمان لجعل ذكرى قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية وذكرى مجزرة الأنفال من كل عام عطلتين رسميتين.
كما أعلن النائب أرشد الصالحي رئيس الكتلة التركمانية عن جمع تواقيع لإدراج مقترح اعتبار يوم “الشهيد التركماني” عطلة رسمية ضمن القانون الجديد.
في المقابل، يطالب ممثلون عن المكون الشيعي بإقرار عطلة رسمية في 13 يونيو من كل عام إحياءً لذكرى إصدار فتوى الجهاد الكفائي التي أسست الحشد الشعبي، حسبما أكد النائب محمد الخفاجي.
أما السُنّة فيطالبون بإقرار عطلة ليوم “السقيفة” الخاص بهم.
وأمام هذا الكم من المطالب، تحذر أصوات عدة من خطر استغلال هذه المناسبات لإثارة الفتن الطائفية والعرقية من جديد لأغراض سياسية وانتخابية ضيقة.
وترى التحليلات أن من الضروري العمل على جعل هذه الاحتفالات بالعطل فرصاً لتعزيز الوحدة الوطنية بدلاً من دغدغة المشاعر القومية والعقائدية.
ويحذر خبراء من إثارة الفتنة الطائفية مرة أخرى في البلاد نتيجة الخلافات حول إقرار العطل الرسمية، داعين إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الصف الوطني.
وكانت العطل الدينية قد شكلت في السابق نقاط احتكاك بين مختلف المكونات، حيث شهدت البلاد في عام 2022 احتجاجات غاضبة جراء إقرار عيد الغدير كعطلة رسمية.
ويأمل العراقيون هذه المرة ألا تؤدي الخلافات حول مشروع العطل إلى تجدد الفتنة وإنما العمل على المصالحة واغتنام هذه المناسبات لتوحيد الصفوف.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
الأوطان مسؤولية من؟
د. إبراهيم بن سالم السيابي
سؤال كبير يُثير الذهن، ليس فقط لارتباطه بمفهوم الوطن الذي نعيش فيه، بل لأنه يطرح لنا تحديًا فكريًا عن ماهية هذه المسؤولية، ومن يتحمل عبئها في النهاية، ففي خضم التفكير فيه، نجد أن الأوطان لا تُبنى على كتف واحد في الواقع، بناء الوطن لا يتوقف على القادة أو السياسيين أو الحكومات فقط، بل هو مسؤولية جماعية تتشارك فيها جميع الأطراف. فالمسؤولية تجاه الوطن هي مسؤولية شاملة، تتناثر خيوطها في كل زاوية من زوايا حياتنا اليومية.
فلماذا نعتقد أحيانًا أن المسؤولية تقتصر على السلطة؟ وهل يمكن حقًا للأوطان أن تُبنى إذا حملت القيادة وحدها عبء حمايتها وصونها؟
من المؤكد أن أي نقاش حول الوطن يتطلب التطرق إلى دور القيادة السياسية، فهي من تحدد سياساتنا، ترسم حدودنا الاقتصادية، وتحفظ أمننا الوطني، لكن هل تكمن المسؤولية في هذا فقط؟ هل هي حقًا بهذه البساطة؟ أن نُحمّل القادة وحدهم مسؤولية تصريف شؤون الوطن؟ الواقع يؤكد أن الأوطان تحتاج إلى أكثر من ذلك، فهي لا تُصنع فقط بالقرارات السياسية، ولا تُحفظ بالقوانين والتشريعات، فالأوطان تُبنى بالمشاركة الحية من الجميع، في كل لحظة، في كل قرار، في كل موقف، المسؤولية لا تنحصر في القمة، بل تتوزع على الجميع.
ومع ذلك، ومن باب الإنصاف، فإننا لا نستطيع إعفاء القادة السياسيين من مسؤولياتهم الجوهرية، فالقادة يتحملون أمانة اختيار القيادات القادرة والكفؤة، ومتابعة أدائها، ومدى التزامها بتحقيق الأهداف الوطنية والبرامج التي تصبّ في مصلحة المواطنين، كما تقع عليهم مسؤولية صون القيم الوطنية، وحماية مصالح الوطن، والحفاظ على استقلاله وحريته، فبوصلة القيادة هي التي ترسم المسار العام، وإذا اختلت هذه البوصلة، تاهت الخطوات، مهما كانت الجهود الفردية مخلصة.
ولكن ماذا عن المواطن؟ هل هو مجرد متلقٍ لقرارات تُفرض عليه؟ بالتأكيد لا، فالمواطن هو شريك في بناء الوطن، وشريك في صيانة تماسكه واستقراره، فعندما نتحدث عن المسؤولية تجاه الوطن، نتحدث عن المشاركة الحقيقية، فالمشاركة لا تقتصر على التصويت في الانتخابات أو دعم المبادرات الوطنية، بل تتجاوز ذلك إلى الحياة اليومية. فالمواطن الذي يحترم القوانين، ويُعزز من قيم العدالة والمساواة، هو حجر الزاوية في هذا البناء الاجتماعي، والمواطن الذي يلتزم بدوره في المجتمع، يُدرك أنه جزء من هذا الكائن الحي الذي نسميه وطنًا، ومن خلال هذه الأدوار الصغيرة والتفاصيل الدقيقة، ولكن المؤثرة، يظل الوطن قويًا ومتحدًا.
فحينما نفكر في الأوطان، نجد أن مسؤوليتها ليست شيئًا يمكن تحميله بالكامل على عاتق مجموعة معينة، فالأوطان تُبنى من خلال تفاعل مستمر بين القيادة والشعب، حيث لكل طرفٍ دوره، غير أن الركيزة الأهم تظل في الشراكة والتكامل، وإذا غاب دور أحدهما، بدأ البناء يتصدع. فالقيادة تُرشد، لكن الشعب يبني، والوطن يُصان بحماية القيم الإنسانية والتعاون الجماعي، ولا شيء يمكن أن يكون أهم من ذلك، ومثلما تتحمل القيادة السياسية المسؤولية في رسم الخطوط الكبرى، فإن المواطن يُسهم في رسم التفاصيل اليومية، تلك التي تُحدد شكل المجتمع في النهاية.
وقد يتساءل البعض: هل بإمكان الأوطان الاستمرار في النمو إذا لم تتضافر جهود الجميع؟ هل يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كانت السلطة السياسية فقط من تتحمل تبعات هذا البناء؟ الإجابة هي: لا، بالطبع، فالأوطان لا تُبنى إلا بتكامل الجهود بين جميع الأطراف، فالقائد الذي يتحمل المسؤولية في مواقع اتخاذ القرار يحتاج إلى شعب يدعمه، يتعاون معه، ويُشارك في تحقيق أهدافه، والأمة التي لا تتعاون هي أمة مهددة، وكلما فشل الفرد في أداء دوره، وكلما تراجع المواطن عن التزامه، بدأ الوطن في التراجع معه.
إن السؤال "الأوطان مسؤولية من؟" ليس مجرد تساؤل فلسفي أو نظري، بل هو اختبار حقيقي لنا جميعًا، يتطلب منا إعادة النظر في مفهوم المواطنة: هل نحن مجرد متفرجين على ما يحدث في وطننا؟ أم أننا مشاركون فعليًا في صناعة هذا الوطن وصونه؟ هل ننظر إلى وطننا ككيان منفصل عنّا، أم أننا نعتبره جزءًا منا، نعمل من أجله، نتحمل مسؤولياته، ونُشارك في تحمّل تبعاته؟
فالأوطان مسؤولية من؟ فالمسؤولية ليست حكرًا على القادة، بل هي مسؤولية جماعية. هي مسؤولية تقاس بمقدار مشاركة كل فرد في بناء هذه الأرض، وهي مسؤولية لا تنتهي بحجم ما يُقدّم، بل تظل مستمرة طالما أن هناك روحًا ترفض العيش في الفراغ أو الانسحاب، فالأوطان هي، بلا شك، ملك للجميع، ونجاحها ليس مرهونًا بمن يتصدر المشهد فحسب، بل بمن يتناغم مع المشهد ويعمل بجد في صمت.
في الختام، من يحمل عبء المسؤولية تجاه الوطن؟ الجميع من يتحمل هذه المسؤولية، ونحن جميعًا شركاء في هذه المسيرة.
فالأوطان تبنى بالتكافل، وتُصان باليقظة، وتنهض حينما يدرك كل فرد أن عليه دورًا لا يقل أهمية عن الآخر.
رابط مختصر