بوابة الوفد:
2024-06-16@11:02:10 GMT

الاستبصار

تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT

يعمل العقل كما يعمل الفرن، والخبز الموجود فيه هو الإنتاج، والنار التى تطيّب الخبز هى القراءة الدائمة، هى الوقود. إذا توقفت القراءة توقف الإنتاج، وكلما أعطيت العقل زاده من القراءة والتأمل، أعطاك زادك من الإنتاج، ما رأيتٌ آلة تعمل بغير ملل كما الفرن قدر ما يعمل العقل بوقود القراءة والتأمل.
العقل كالفرن البلدى قبل ظهور الصناعات الحديثة، لا يمكن أن يشتغل إلا بأكوام الوقود الدائم، ووقود العقل القراءة والتأمل والاستبصار.

كلما شحنته بالقراءة وتأملت المقروء واستبصرته جيداً، وَمَضَتْ الأفكار فى رحم العقل كما يومض الخبز تحت لهيب النار المشتعلة من وقود الفرن، ولا يمكن لكاتب أن يكتب كتابة جيدة بغير قراءة وتأمل واستبصار.
أمّا القراءة فعرفناها، وأما التأمل فموقوف عليه معلوم، فماذا عساه يكون هذا الاستبصار؟
الاستبصار هو أعلى المراحل فى العملية الإبداعية كالرغيف الساخن تسحبه من الفرن بعد استوائه. هو الكتابة الإبداعية المتفردة بعد القراءة التى كانت مرحلة أولى، وبعد التأمل الذى يأتى كمرحلة ثانية؛ فالذى يشعل الوقود ليجعل منه ناراً ملتهبة هو التأمل، لكن لا القراءة وحدها ولا التأمل وحده يكفيان لتمام العملية الإبداعية كما لا يكفى الوقود بلا اشتعال، ولا يكفى الوقود مع الاشتعال أيضاً وليس فى الفرن دقيق معجون ليصير خبراً شهيّاً.
إلى هنا؛ ولم نصل بعد إلى حالة الاستبصار هذه. العجيب فى الأمر أن حالة الاستبصار خارجة عن العقل تماماً كما يكون رغيف الخبز خارج عن الفرن مع أن هذه الحالة الاستبصارية نتيجة لمراحل سابقة، ولكنها فى ذاتها مفارقة لها بمقدار ما يفارق رغيف الخبز ما خرج عنه من وراء مراحل سبقت وجوده وأنشأت تكوينه وشاركت صورته النهائية.
الاستبصار بالنسبة للعقل كرغيف الخبز بالنسبة للفرن: شكل نهائى تجسّده الكتابة الإبداعيّة فى مراحلها الأخيرة تماماً كما تجسّد عملية الإعداد من وقود واشتعال ومادة (هى الدقيق المعجون)، رغيف الخبز هذا الذى بين يديك.
فما يخرج من العقل هو الكتابة، كما يخرج عن الفرن الرغيف، لكن ليست كل الأرغفة التى تخرج عن الفرن صالحة للاستخدام الآدمي؛ فها هو رغيف محروق، وهذا آخر زابل تألف هزيل ردئ، وذاك ضخم عجينه مخلوط بعشب الأرض ولوثة الهفاف المتطاير فى الهواء، وعلة هذا كله هو فارق الصناعة بين جيدة ورديئة. والاستبصار فى الكتابة هو الذى يقوم مقام الصناعة فى الفرن، فإذا وجد الاستبصار وجدت الكتابة الإبداعية، وإذا لم يوجد فقدت الكتابة الجيدة وأصبحت كرغيف فاسد محروق لا يصلح للغذاء.
أمّا عن كنه الاستبصار؛ فالخيال عالمه العظيم وفلكه الذى يسبح فيه ويخلق ما لم يكن مخلوقاً، مع تعدد الصور المعرفية والمرائى الوجودية عليه. لذلك؛ كانت كل إبداعات أهل الله من العارفين هى استبصار يجند ذائقة البصيرة، ويوظفها توظيفاً يرتد إلى حالة العارف، ويعلو فوق حدود العقل المحدود، ويأخذ بالتجربة والمعاناة، وهى تشمل الوعى العالى بما يتكاتف فيه العقل مع الروح فلا العقل وحده يكفى، ولا الحس وحده يكفى ما لم يكن الإدراك الأعلى وهو إدراك البصيرة الذواقة أسمى فى تلك التجربة الفياضة بذوق المعاناة. العارفون يقولون: من ذاق عرف. وليس من ذوق خارج نطاق التجربة، والتجربة فى هذه الحالة هى التى تقودك؛ ولست أنت القائد ولن تكون، التجربة هى التى تفعل، ولست أنت الفاعل ولن تكون، هنا يكون التخلى عجباً من أعاجيب القدرة: أعنى التخلى عن وهم تمثل فى الوعى المحفوظ دوماً بالأنانية، واستبداله بمحيط السلامة النفسية بدايةً حين تتحلى بمجموعة «قيم علوية» تعتقدها وتدين لها بكل الولاء، وشيئاً فشيئاً تصبح عادة التحلى طبعاً لا يقبل الانفطام، ولا التخلى عنه بحال. بقاءك مرهون بعقيدتك فى هذه الحالة ما فى ذلك شك، وَتَقَدُّمُكَ مَوْقُوفٌ على الولاء كل الولاء لما تدين ممَّا عساك تحلَّيت به فى السابق وتزكيت.
لأبى العباس المرسى إشارة يقول فيها: «إن لله عباداً محق أفعالهم بأفعاله، وأوصافهم بأوصافه، وذاتهم بذاته وَحَمَّلَهُمْ من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه»، لأنهم صاروا بالحق بعد التجربة مع الله، ولكونهم بالحق فى كل قول ذى صدق، مع عمق كلام هو لا يحتاج إلى تذويق بل إلى تَذَوّق؛ لأنه يخرج عن أسباب الإيمان والتقوى.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الإنتاج رغیف الخبز

إقرأ أيضاً:

تحدي القراءة العربي يتوج سليمان الشميمري بطلاً لدورته الـ 8 في الكويت

توج تحدي القراءة العربي الطالب سليمان الشميمري بطلاً لدورته الثامنة على مستوى دولة الكويت من بين 197 ألفا و192 طالبا وطالبة شاركوا في المنافسات ومثلوا 725 مدرسة وتحت إشراف 1320 مشرفا ومشرفة قراءة.وجاء تتويج الطالب سليمان الشميمري من الصف الثاني الثانوي في أكاديمية الموهبة التابعة لمنطقة العاصمة الكويت، خلال الحفل الختامي للدورة الثامنة من التحدي الذي جرى في الكويت العاصمة بحضور مريم فرحان العنزي الوكيل المساعد للتنمية التربوية والأنشطة بالتكليف في دولة الكويت، والدكتور مطر حامد النيادي سفير الدولة لدى دولة الكويت، ومشاركة الدكتور عبد الكريم سلطان العلماء المدير التنفيذي لمؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، الجهة المنظمة لتحدي القراءة العربي، وعدد من المسؤولين والتربويين وأولياء أمور الطلبة المشاركين في التصفيات النهائية على المستوى الوطني.كما شهد الحفل، تتويج أفراح المطوطح من منطقة العاصمة بلقب "المشرف المتميز"، ومدرسة أروى بنت عبد المطلب من منطقة الفروانية بلقب "المدرسة المتميزة".وفي فئة أصحاب الهمم، ذهب المركز الأول إلى الطالبة لطيفة العازمي من الصف السابع في مدرسة النور المشتركة التابعة لمنطقة التربية الخاصة - السالمية.

وضمت قائمة العشرة الأوائل في دولة الكويت، إضافة إلى الطالب سليمان الشميمري كلا من الجازي عبيد المطيري من الصف الرابع في مدرسة أم ذر الغفارية التابعة لمنطقة العاصمة، وفاطمة محمد الدوسري من الصف الحادي عشر في مدرسة أم الهيمان (الأحمدي)، وهاجر عبدالله القحطاني من الصف التاسع في مدرسة اليسرة (الأحمدي)، ولولوة وليد الكندري من الصف الثاني الثانوي في مدرسة 25 فبراير (حولي)، وأبرار عكرمة من الصف الثاني عشر في مدرسة الجيل الجديد الأهلية (السالمية)، وعبدالله عبد العزيز المنصوري من الصف الحادي عشر في أكاديمية الموهبة (العاصمة)، ومحمد إبراهيم رفعت من الصف التاسع في مدرسة النجاة السالمية (السالمية)، و محمد قايد علي العازمي من الصف الثامن في مدرسة ابن القيم (الأحمدي)، وشوق عيسى العازمي من الصف السادس في مدرسة قاروة (الأحمدي).وحققت الدورة الثامنة من مبادرة تحدي القراءة العربي، التظاهرة القرائية الأكبر من نوعها باللغة العربية على مستوى العالم، التي تنضوي تحت مظلة مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، مشاركة قياسية، حيث وصلت المشاركات إلى 28.2 مليون طالب وطالبة من 50 دولة يمثلون 229 ألفا و620 مدرسة، وبإشراف 154 ألفا و643 مشرفا ومشرفة قراءة.

أخبار ذات صلة الكويت تكشف عن أسباب حريق عمارة المنقف حاكم الفجيرة يعزي أمير الكويت في ضحايا حريق المنقف

وقالت مريم فرحان العنزي :" إن دولة الكويت سجلت خلال تصفيات الدورة الثامنة من تحدي القراءة العربي، إنجازا جديدا حيث ارتفع عدد المشاركين من 101 ألف طالب وطالبة في النسخة الماضية، إلى أكثر من 197 ألف طالب وطالبة خلال الدورة الحالية، ما يؤكد اهتمام قيادتنا ومجتمعنا ومؤسساتنا التعليمية والثقافية بتشجيع الأجيال الجديدة على القراءة والاجتهاد والتميز وإثراء حصيلتهم المعرفية، والتمكن بعلوم وجماليات اللغة العربية للتعبير عن الذات واستيعاب مستجدات العصر والمنتج الثقافي والحضاري للشعوب الأخرى".

وثمت العنزي جهود  مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية" على الساحة العربية الثقافية، وقدرة تحدي القراءة العربي على الوصول إلى أعداد متزايدة من الطلاب والطالبات داخل الوطن العربي وخارجه، معتبرة أن التفاعل الواسع الذي تحظى به مبادرة تحدي القراءة العربي سنويا تؤكد المكانة الخاصة التي تمثلها في قلوب وعقول الطلبة.من جانبه، قال الدكتور عبد الكريم سلطان العلماء، إن ارتقاء المجتمعات لا يتحقق من دون القراءة والتحصيل المعرفي، وهذه الرسالة تبنتها مؤسسة (مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية) منذ إطلاقها في عام 2015، وأثمرت برامج ومشاريع ملهمة وفي مقدمتها مبادرة تحدي القراءة العربي، وقد حققت نجاحات متواصلة خلال دوراتها الثمان، واستقطبت عشرات الملايين من الطلاب والطالبات العرب للمشاركة في منافساتها.وهنأ الدكتور عبد الكريم سلطان العلماء أبطال تحدي القراءة العربي في دولة الكويت، وأسرهم ومدارسهم ومشرفيهم، مقدما الشكر لوزارة التربية الكويتية، وللجهات التي ساعدت الطلبة وسهلت مشاركتهم في تصفيات الدورة الثامنة.

 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • شيخ العقل في خطبة الأضحى: لحماية الدولة والدستور قبل الانهيار الكلي
  • الكتابة في زمن الحرب (27)
  • طريقة عمل الريش الضاني في الفرن.. وصفة شهية بعيد الأضحي
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: صلاح العالم/ إفساد العالم (أدلجة المعاني)
  • شاب يُطلق مبادرة داخل منطقته لتشجيع جيرانه علي القراءة في الإسكندرية
  • اللغة العربية وزمن الكتابة
  • شيخ العقل شكر مجلس الوزراء على اقرار قانون للقضاء المذهبي
  • سليمان الشميمري بطلًا لتحدي القراءة العربي في الكويت
  • الوظائف المعرفية الصعبة تقلل خطر ضعف الإدراك في الشيخوخة
  • تحدي القراءة العربي يتوج سليمان الشميمري بطلاً لدورته الـ 8 في الكويت