جزيئات صغيرة في الحمض النووي تمكن العلماء من تغيير جنس الأجنة من ذكور إلى إناث
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
تتمتع كروموسومات الثدييات بتأثير كبير على تطور الفرد كذكر أو أنثى، لكن دراسة جديدة تكشف أن سحب هذه الكروموسومات الجنسية يمكن تجاوزه بواسطة جزيئات صغيرة تسمى microRNA.
وأظهرت الدراسة، التي نُشرت في 7 مايو في مجلة Nature Communications، أن حذف الجينات الموجودة خلف جزيئات محددة من الحمض الريبوزي النووي الميكروي (microRNA) يمكن أن يحول الفئران الذكور إلى إناث في الرحم، ما يؤدي إلى انعكاس جنسي كامل.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة رافائيل خيمينيز، أستاذ علم الوراثة في جامعة غرناطة، لموقع "لايف ساينس": "لم نتوقع أن تكون النتائج مذهلة كما هي".
ويعتمد تحديد الجنس في الثدييات على توازن دقيق بين مجموعات الجينات "المتضادة" - مجموعة تدفع إلى تطور الخصائص الأنثوية، مثل المبيضين، وأخرى تنتج الخصائص الذكورية، مثل الخصيتين.
وفي وقت مبكر من تطور الحيوان، تنقلب المقاييس بطريقة أو بأخرى، ما يؤدي إلى سلسلة لا رجعة فيها من الخطوات التي تنتهي بتطور أي من مجموعتي الأعضاء الجنسية.
ويوضح فرانسيسكو باريونويفو، المؤلف المشارك في الدراسة، وأستاذ علم الوراثة بجامعة غرناطة، أنه "في مرحلة مبكرة جدا من تطورنا، تتمتع جميع الثدييات بالقدرة على أن تكون ذكرا أو أنثى". ويؤدي الجين المسمى عامل تحديد الخصية، أو العامل المحدد للخصية أو بروتين المنطقة Y المُحددة للجنس (SRY)، والذي يوجد فقط على كروموسوم Y، إلى إثارة سلسلة من الأحداث التي تشكل الخصيتين. ويؤدي غياب الجين لدى الأفراد الذين لديهم كروموسومات X فقط إلى تكوين المبايض.
ويعرف العلماء الكثير عن الجينات المشاركة في صنع البروتينات اللازمة لهذه العمليات. لكن جزءا كبيرا من الحمض النووي للثدييات، بما في ذلك نحو 98% من الجينوم البشري، لا يرمز لأي بروتينات، لذلك لم يكن العلماء متأكدين من الدور الذي تلعبه هذه الجينات الأخرى في تحديد الجنس، إن وجدت.
إقرأ المزيدويتم تحويل هذه الامتدادات من المواد الوراثية، التي تعد منذ فترة طويلة "الحمض النووي الخردة"، إلى جزيئات تسمى الحمض النووي الريبوزي غير المشفر، بدلا من البروتينات. يمكن أن يؤثر الحمض النووي الريبوزي (RNA) على العديد من العمليات البيولوجية. ونحو ربع هذه الجزيئات عبارة عن جزيئات الحمض الريبوزي النووي الميكروي (microRNA)، والتي يمكنها الارتباط بالعديد من الجينات وتنظيم مستويات نشاطها.
ومن بين الآلاف من جزيئات الحمض الريبوزي النووي الميكروي (microRNA) المعروفة، ركز الفريق على مجموعة من ستة جزيئات معروفة بتفاعلها مع الجينات المشاركة في تحديد الجنس. وحذفوا هذه الجزيئات من أجنة الفئران النامية التي تحتوي إما على كروموسومات XY أو XX.
وطورت فئران XX المبايض، كما هو متوقع، لكن الفئران XY أظهرت علامات مبكرة لتطور الرحم وكان لديها مبيض لا يمكن تمييزه عن تلك الموجودة في الفئران XX.
وقالت أليسيا هورتادو، المؤلفة الأولى للدراسة وباحثة ما بعد الدكتوراه في المركز الأندلسي لعلم الأحياء التنموي في إشبيلية، لموقع "لايف ساينس": "لقد رأينا الغدد التناسلية تحت المجهر وكانت مليئة بالإشارة لهذه العلامة الأنثوية".
ولتأكيد النتائج، كرروا التجارب عدة مرات، باستخدام استراتيجيات مختلفة لحذف جزيئات الحمض الريبوزي النووي الميكروي (microRNA)، وهي جزيئات حمض نووي ريبوزي مسؤولة عن ضبط التعبير الجيني.
إقرأ المزيدولكي تتطور الخصيتين بشكل صحيح في الحيوانات XY، يجب أن يتم تصنيع البروتين الذي يصنعه جين SRY بكميات مناسبة وفي الأوقات المناسبة. ووجد العلماء أن غياب 6 من جزيئات الحمض الريبوزي النووي الميكروي (microRNA) في الفئران XY تسبب في إنتاج هذا البروتين بعد نحو 12 ساعة من الموعد الطبيعي. وهذا بدوره يؤثر على إنتاج بروتين مختلف ضروري لنمو الأعضاء الجنسية الذكرية. وفي نهاية المطاف، أدت سلسلة الأحداث هذه إلى عكس جنس الفئران.
وفي حين أن الدراسة قد أجريت فقط على الفئران، إلا أن جزيئات الحمض الريبوزي النووي الميكروي الستة الرئيسية موجودة في جميع الفقاريات ويعود تاريخها إلى الفقاريات الأولى، منذ نحو 500 مليون سنة. لذلك، فمن المحتمل جدا أن تعمل هذه المجموعة من جزيئات الحمض الريبوزي النووي الميكروي بشكل مشابه في الثدييات الأخرى أيضا، بما في ذلك البشر.
المصدر: لايف ساينس
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: اكتشافات الحمض النووي بحوث تجارب جينات وراثية دراسات علمية عالم الحيوانات معلومات عامة معلومات علمية الحمض النووی
إقرأ أيضاً:
تحليل أقدم حمض نووي فرعوني يكشف مفاجأة
في سابقة علمية نادرة، نجح باحثون دوليون في فك الشيفرة الجينية الكاملة لأول مرة لبقايا إنسان مصري قديم عاش قبل نحو 4,800 عام، في وقتٍ تزامن مع بناء أول الأهرامات.
ونشرت النتائج، في مجلة Nature العلمية، كشفت عن أن 80 بالمئة من الحمض النووي للرجل تعود أصوله إلى شمال إفريقيا، بينما تعود النسبة المتبقية، 20 بالمئة، إلى غرب آسيا ومنطقة بلاد الرافدين، ما يسلط الضوء على روابط وراثية بين مصر القديمة وحضارات الهلال الخصيب.
وتم العثور على رفات الرجل داخل جرة فخارية مغلقة اكتشفت عام 1902 في منطقة النويْرات جنوب القاهرة، ويعتقد أنه توفي خلال فترة انتقالية بين العصر العتيق وبداية الدولة القديمة، أي قبل نحو 4,500 – 4,800 سنة، حيث يعد هذا الجينوم الأقدم على الإطلاق الذي يستخرج من رفات مصري قديم بحالة جيدة تسمح بالتحليل الكامل.
واستخدم الباحثون تقنية "التسلسل الشامل" (shotgun sequencing) على أحد أسنان الهيكل العظمي، وتمكنوا من استخراج الحمض النووي رغم التحديات التي يفرضها المناخ المصري من حرارة ورطوبة، والتي لطالما منعت محاولات سابقة من النجاح، بينها محاولات رائدة للعالم الحائز على نوبل سفانتي بابو في ثمانينيات القرن الماضي.
وكشفت الدراسة، التي قادتها الدكتورة أدلين موريس جاكوبس من جامعة ليفربول جون مورس، أيضاً أن الرجل عاش طفولته في وادي النيل، حيث أظهرت التحليلات الكيميائية لأسنانه أنه استهلك طعاماً محلياً مثل القمح والشعير والبروتين الحيواني، مما يعزز فكرة أنه نشأ في مصر، رغم وجود جذور وراثية جزئية من غرب آسيا.
ومن الناحية البيولوجية، تشير العظام إلى أن الرجل كان في الأربعينات أو الستينات من عمره عند الوفاة، وهو عمر طويل نسبيًا في تلك الفترة، وقد ظهرت عليه علامات واضحة على إرهاق جسدي شديد ناتج عن عمل يدوي مضنٍ، بما في ذلك تقوس في العمود الفقري، وتضخم في الحوض، وآثار خشونة في مفاصل القدم اليمنى. الباحثون رجّحوا أنه كان صانع فخار ماهر وربما استُخدم في صنع الفخار بعجلة دوّارة، والتي دخلت مصر تقريبًا في تلك الفترة.
لكن اللافت أن الرجل دفن في جرة فخارية داخل قبر محفور في الصخر، وهو ما يعتبر طقس دفن مخصص لطبقة اجتماعية أعلى من الحرفيين، مما دفع الباحثين لافتراض أنه ربما كان حرفيًا بارعًا حاز احترام مجتمعه أو ترقى في مكانته الاجتماعية.
وعلق البروفيسور يوسف لازاريديس من جامعة هارفارد، والذي لم يشارك في الدراسة، قائلاً: "لأول مرة نمتلك دليلاً وراثيا يثبت أن المصريين القدماء الأوائل كانوا في غالبيتهم من شمال إفريقيا، لكن مع مساهمات جينية من منطقة بلاد الرافدين، وهو أمر منطقي جغرافيًا وتاريخيًا".
وبينما لا تمثل هذه النتائج إلا شخصًا واحدًا، إلا أنها تفتح الباب أمام أبحاث أوسع قد تعيد رسم خريطة الأصول الجينية للحضارة المصرية القديمة، خاصة أن ممارسات التحنيط لاحقًا أعاقت الحفاظ على الحمض النووي، ما يجعل العثور على رفات غير محنطة كنزًا علميًا حقيقيًا.
الدراسة تمثل نقطة تحول في علم الأصول السكانية في مصر القديمة، وتدعو إلى توسيع البحث في رفات بشرية أخرى قد تحمل دلائل أوفى على حركة البشر بين إفريقيا وآسيا في العصور القديمة.