هذان الشعاران لا يجب أن يتعارضا بأي حال من الأحوال، لأنهما ينطلقان من أدبيات ثورتين سودانيتين مستحقتين لا مزاودة فيهما، فالأولى ديسمبر المجيدة التي التفت حولها جماهير الشعب السوداني، ومهر شبابها أرض الوطن بالدم النفيس، والثانية أبريل التي عبّرت عن غضبة الأشاوس وهم يدافعون عن عرينهم الضامن لتحقيق الديمقراطية والدولة المدنية، ولو قام ضعاف النفوس بإيقاد نار الفتنة بين أبطال هاتين الثورتين، سيكسب الفلول ومؤيدو النظام البائد، ويكون الثوار المدنيون والمسلحون قد مهدوا الطريق لعودة الحرس الاخواني القديم، لذا وجب تضامن الثوار من الجهتين لأن هدفهما مشترك ومصيرهما واحد، ذلك بناءً على تحدي بقايا فلول المنظومة القديمة وكتائبها الإرهابية، ما شكل واقعاً معيشاً يمشي بين الناس، فتحقيق الأهداف المعلنة لن يتم بغياب طرف دون آخر، والحقيقة المعلومة أن ذئب الجماعة المتطرفة ما يزال يتربص بالإثنين معاً، فإذا غفل أحدهما لا شك أن الناجي منهما سيجيئ دوره ليقول أكلت يوم أكل أخي الأبيض، فالحرية لابد لها من جاهزية تسابق الريح لكي تدحر غارات الأصوليين القاصدة حرمان الناس حرياتهم الخاصة والعامة، فلا يأمنن أحد منكم قول المرجفين ممن يوالون العهد القديم، ولا يثقن أحد في جيش الضرار المتهالك الذي تستظل تحت ظله الكتائب الدموية آكلة لحوم البشر، ذات العلم الأسود المكتوب عليه اسم الله نفاقاً، وليعلم الناس أن الحرية التي يطمحون في الحصول عليها، بعدما نزف الدم الغالي من شرايين أبنائهم المقاتلين الشرسين في ميدان الوغى، لن يؤتى أكلها إلّا باستكمال مشروع التحرير الكامل الذي يقوده الأشاوس، الذين نذروا أنفسهم لهذه المهمة المقدسة، فالوصول لدولة الحريات المصانة لا يكون بإعادة عجلة الزمن للوراء.


والسلام، الركن الثاني من شعار الديسمبريين، يسنده العمود الثاني للإبريليين، ألا وهو السرعة، لأن السلام في ربوع السودان وبين مكوناته قد ظل حلماً بعيد المنال طيلة فترات الحكم المركزي المتجبر، و تأخر كثيراً مما زاد مأساة الشعب المكلوم الصابر، ولكي يصل قطاره لمحطته الأخيرة والنهائية، لا مفر من ارتكازه على القاعدة الصلبة التي أرسى دعائمها الأشاوس، وهي السرعة في التنفيذ والانجاز، ولا أظنني أجد جهة حريصة على لم شمل الأمة السودانية غير هؤلاء الفتية الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، يقدمون الشهيد بعد الشهيد في مسرح تراجيدي مكشوف أذهل جموع السودانيين المحرومين، وكما يعلم الحريصون على إرساء دعائم السلم في البلاد، أن حادي ركب السرعة الثائرة قد بذل جهداً مقدراً لتضميد جراح الوطن، بعاصمة جنوب السودان بعد إسقاط رأس الدولة القديمة، لكن اصطدمت جهوده بخذلان البعض ممن افترض فيهم حبهم لحمامة السلام الوديعة، فاكتشف سوء طويتهم حينما انقلبوا على عقبيهم وناصروا الطاغوت الذي أذل أهلهم وذويهم، فمشروع السلام هو واحد من أولى أولويات ثوار أبريل الذين فرضت عليهم حرب غير متكافئة، استهدفت استئصالهم بجرائم إبادة كاملة الأركان، لكنهم كانوا على قدر التحدي الوجودي، فلقنوا كتائب الدولة القديمة الدروس والعبر في فنون القتال وأدب الأسر، وحسن معاملة المهزوم المنكسر أمام إرادتهم المنيعة، فاستحقوا بجدارة حراسة سيادة الوطن الحبيب وتأمين إنسانه من كل مكروه ومهووس متطرف، فحمامة السلام بحاجة لصقر أشوس يحميها من تحرش المنحرفين، وبدون هذا الركن الأسرع في أداء المهام يكون من الصعوبة بمكان وصول سفينة ديسمبر لمرافئ السلم والأمن المجتمعي المقصود.
والعدالة كقيمة وسلطة ومؤسسة ليس بالإمكان بسطها بغير الاعتماد الكامل على الركن الثالث لثورة أبريل – الحسم، وحتى ينتصر العدل على الظلم من الضرورة بمكان أن يقف حراس الحق كالطود، لحماية العادلين وهم يؤدون دورهم في إنصاف الضحايا، وما شكل هاجساً وفصاماً بين المؤسسات العدلية (الوطنية) والمواطن في العهد البائد، هو الفساد العظيم الذي طال دور القضاء إبّان فترة حكم الجماعة الإخوانية، التي أزكمت أنوف الناس بما فاح من روائح بغيضة جراء دخول الرشاوى والاختلاسات دور القضاء، وهذا الفساد العظيم لابد من أن تقابله جرّافة الحاسمين، لتنظّف ما علق بهذا المرفق السيادي من عوالق ومناقص حدّت من فاعليته، هذا الصرح العاكس لوجه الدولة والمبين لحسنها وقبحها سواء كانت عادلة أو ظالمة، فثوار ديسمبر كانت لهم تجربة مريرة بعد إسقاط هبل الإنقاذ مع قضية إزالة وتفكيك مؤسسات النظام البائد الموبوءة بالفساد، فوقفت لجنة الإزالة وقفة حمار الشيخ في العقبة، ولم تستطع استكمال مهامها، وذلك لعدم وجود حرس للعدالة شريف وعفيف، فاستمرار سدنة المعبد القديم حال دون إزالة خبث وخبائث الجماعة البائدة من المؤسسات الحكومية والخاصة، فالتجربة خير دليل على ضرورة وجود الحاسمين هذه المرة، ليضعوا نقاط العدل على حروف القضاء المستقل غير الآكل لمال سحت تجار الدين، وساذج من ظن أن قضاء حوائج الناس قانوناً يمكن أن يحدث بعيداً عن حماة الحق، وطالما أن ثورة إبريل قد أظهرت للعلن رجال لا يهابون الموت، فحري بدعاة تأسيس الدولة الحديثة أن يعتمدوا على هذه السواعد القوية، والنفوس المشبعة بحب إشاعة العدل بين الناس كافة، وكما قال سيدنا علي كرّم الله وجهه: الحق لا يعرف بالرجال وإنما الرجال يعرفون بالحق.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)

2025-05-14alineسابق ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا ونتطلع لمزيد من التعاونالتالي أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها انظر ايضاًأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها

آخر الأخبار 2025-05-14أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها 2025-05-14وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X) 2025-05-14ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا ونتطلع لمزيد من التعاون 2025-05-14ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نؤكد دعمنا لوحدة سوريا واستقرارها ونشيد بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عنها 2025-05-14ترامب: قرارنا برفع العقوبات عن سوريا سيمنحها فرصة عظيمة وقوبل بترحيب عالمي 2025-05-14الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نبحث تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية والتقيت الرئيس أحمد الشرع بعد رفع العقوبات عن سوريا 2025-05-14وزير المالية: رفع العقوبات عن سوريا يسهم بتوفير البيئة المواتية لعودة اللاجئين وتأمين الخدمات لهم 2025-05-14السياحة: رفع العقوبات عن سوريا يدعم ‏عودة الاستثمار السياحي إليها 2025-05-14المبادرات المجتمعية في حملات التشجير تدعم جهود المؤسسات العامة في تحسين الواقع البيئي 2025-05-14وفد من رجال الأعمال الصينيين يبحث فرص الاستثمار في المدينة الصناعية بحسياء

صور من سورية منوعات اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09 تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • الحرب التي أجهزت على السلام كله
  • مأرب برس يعيد نشر اتفاقات ابراهيم التي طالب ترامب من الرئيس السوري التوقيع عليها خلال لقائه بالرياض
  • مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تقتني مجموعة جورج رينتز التي توثق العلاقات السعودية – الأمريكية بالوثائق والصور
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • الداخلية تعلن أقصى درجات الجاهزية في تأمين فعاليات قمة بغداد
  • “ضحايا الحرب” .. النائب العام يلتقي أعضاء منظمة نساء من اجل السلام والعدالة
  • نجا من هجوم سابق.. من الصحفي حسن إصليح الذي اغتالته إسرائيل بغزة؟
  • رئيس الدولة يتلقى دعوة من خادم الحرمين لحضور القمة الخليجية – الأميركية في الرياض
  • عُمان الخير والسلام للعالم أجمع
  • ما هو يوم الحج الذي أوجب الله عليه الناس؟ تعرف عليه