متابعة بتجــرد: شهدت الدورة 77 من مهرجان كان السينمائي، العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني “إلى عالم مجهول” للمخرج مهدي فليفل، حيث نافس في مسابقة نصف شهر المخرجين، المُخصصة للأفلام الروائية الطويلة.

“إلى عالم مجهول” يُسلط الضوء على الواقع المأساوي لحياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم “عين الحلوة” جنوب لبنان، حيث يروي الفيلم قصة المحاولات اليائسة لاثنين من أبناء العم اللذان تقطعت بهما السبل في مدينة أثينا، لإيجاد وسيلة للوصول إلى ألمانيا.

يدخر “شاتيلا” و”رضا” المال لدفع ثمن جوازات سفر مزورة للخروج من أثينا، وعندما يخسر “رضا” أموالهما التي حصلا عليها بشق الأنفس بسبب إدمانه للمخدرات، يخطط “شاتيلا” لخطة متطرفة تتضمن التظاهر بأنهما مهربين، وأخذ رهائن في محاولة لإخراجه هو وصديقه من بيئتهما اليائسة قبل فوات الأوان.

الفيلم حصل على دعم من مهرجان البحر الأحمر، ومؤسسة الدوحة للفيلم، والمركز اليوناني للسينما، بجانب عدد من برامج الإنتاج المشترك الأوروبية.

كواليس الفيلم

وروى المخرج مهدي فليفل، لـ”الشرق”، كواليس رحلته مع فيلم “إلى عالم مجهول”، موضحاً أنه يعمل على الفكرة منذ عام 2011 تقريباً، بالتزامن مع تنفيذه فيلمه التسجيلي “عالم ليس لنا”، حيث زار اليونان لأول مرة مع “أبو إياد” بطل الفيلم التسجيلي، قائلًا: “منذ ذلك الحين، تعرفت إلى عالم جديد تماماً بالنسبة لي، وتعرفت على مجموعة شباب، وصورت بعض المشاهد الخاصة بالفيلم، وخلال تلك الرحلة كنت أعمل على عدة أفلام قصيرة، مثل (A Man Returned، و A Drowning Man)، وكانت لديّ رغبة شديدة لصناعة فيلم عن الشباب اللاجئين في اليونان، لكن لم أكن أتوصل للإطار الرئيسي للفكرة”.

وأضاف “مع مرور الوقت، لأكثر من 7 أعوام تقريباً، تركت الفكرة تماماً، لكن زميلي الفنان رضا الصالح، الذي سبق وتعاون معي في فيلمين، عاد إلى اليونان مُجدداً، ليصطحب زوجته وابنه إلى ألمانيا، وفور علمي بذلك، تحمست وسافرت إليه، واستأنفت تصوير الفيلم مرة أخرى لمدة شهر، وبعد مرور نحو 6 شهور توفي رضا، وأعتقد أن وفاته كانت دافعاً قوياً لي، لاستكمال رحلتي مع الفيلم، بينما قررت تطوير القصة، وبعدها تعرفت على (رضا وشاتيلا)، وعلمت لاحقاً أنهما أولاد عم، عالقين بأثينا”.

البحث عن تمويل

وتحدث مخرج “إلى عالم مجهول”، عن معاناته في البحث عن جهة لتمويل مشروعه السينمائي، مؤكداً أن إحدى الجهات في الدنمارك، رفضت توفير أي دعم مادي، بحجة أنّ المشروع سيُصور في اليونان، وليس باللغة الدنماركية، ليضطر إلى عمل ميزانية مُخفضة نوعاً ما، واتجاهه إلى تقديم في صورة فيلم وثائقي، إلا أنه تراجع عن ذلك المقترح، وتمسك بفكرة تنفيذه كفيلم روائي طويل، وعمل على كتابة السيناريو.

واستعرض كواليس اختيار المُمثلين، موضحاً أنه يُحب التمثيل منذ طفولته، وحرص على دراسته أيضاً، “كان علي اختيار مُمثلين يُشبهون الشخصيات التي أحب رؤيتهم على الشاشة، وملامحهم قريبة من الشخصيات الموجودة على الورق، فقد عقدت معهم ورش عمل مكثفة، ما بين عمان وفلسطين، باستثناء آرام الذي بدأ بروفات قبل التصوير بـ6 أيام تقريباً، ورغم أنّ ذلك هو أول فيلم له، لكن لديه خلفية جيدة عن التمثيل”

وحول عرض الفيلم في الدورة 77 لمهرجان كان السينمائي، أكد أنّ “ذلك كان هدفاً رئيسياً بالنسبة لي، الأمر الذي جعلنا نصنع المستحيل لتحقيق هذا الهدف، فقد انتهيت من تصوير الفيلم كاملاً قبل نحو 6 شهور، وهذا شيء أقرب إلى الجنون، فقد كانت هناك حالة من الضغط النفسي بسبب ضيق الوقت، وكنا نعمل على المشروع حتى وقت قريب جداً، لكن الأهم هو التواجد هنا في كان، وأن تكون الانطلاقة الأولى للفيلم من المهرجان، وإن كنت أتمنى أن يُعرض في المسابقة الرسمية”.

صورة ليست منقوصة

ومن جانبه، كشف المُمثل محمود بكري، صاحب شخصية “شاتيلا”، كواليس مشاركته في الفيلم، موضحاً أنه شارك في “تجارب الأداء”، عقب تجربته في فيلم “علم” إخراج فراس خوري، لكن لم يقع عليه الاختيار آنذاك، وبعد فترة تلقى عرضاً بالصدفة من “كاستينج دايركتور” أنّ يحضر “ورش العمل” التي قد تؤهله للمُشاركة بالفيلم، متابعاً “رفضت في البداية، لكن قررت إرسال اختبار الأداء الذي قدمته للشخصية إلى المخرج، ونال إعجابهن وبعدها حضرت وِرش العمل في فلسطين”.

وأرجع أسباب حماسه للمُشاركة في الفيلم، إلى أن “الشخصية جديدة عليّا تماماً، ولا تُشبهني قط، كما أنني أحب أسلوب مهدي فليفل في الأفلام الوثائقية، وأعتقد أنّ أسلوبه في الوثائقي انعكس على طريقة إخراجه لهذا الفيلم”، متابعاً: “تحمست للفيلم أيضاً من منطلق شعوري بمسؤولية كبيرة، كوني أُقدم صورة معاناة المواطن الفلسطيني الذي يُهاجر إلى بلاد أخرى، رغم أنني لم أخض تلك التجربة من قبل، فكانت لدي رغبة حقيقية لتقديم الصورة الصحيحة دون أي نقصان”.

وأشار إلى أنه كان يُداوم بصحبة زميله المُمثل آرام صباح، على مشاهدة فيلم “عالم ليس لنا”، مُبرراً ذلك بقوله: “من أكثر التجارب التي تؤثر فيّ، وخصوصاً شخصية أبو إياد، لذلك حرصت على مُشاهدة الفيلم أكثر من مرة خلال التصوير، للاطلاع على حكايات البشر، وكيف كانوا يتعاملوا ويحكوا”.

وكشف محمود بكري، أصعب مشهد بالنسبة له داخل الفيلم، قائلاً: “الأصعب من الناحية النفسية، هو مشهد طرد رضا من المنزل، رغم أنه ابن خالتي، ووالدته كان توصيني به دوماً”، مُعتبراً مشاركته الأولى في مهرجان كان السينمائي، بـ”الخطوة المهمة في مسيرته الفنية كمُمثل”.

التجربة التمثيلية الأولى

أما آرام صباح، الذي يخوض تجربته التمثيلية الأولى، قال لـ”الشرق”، إنّ مشاركته في فيلم “إلى عالم مجهول” جاءت عن طريق الصدفة، حيث إنه يعمل مونتير، ويهوى عالم التمثيل، والكتابة، ومعدات التصوير، لكنه لم يعثر على فرصة تُمكنه من تحقيق هدفه.

وتابع “قبل أيامٍ قليلة من التصوير، تلقيت اتصالاً من أحد مهندسي الصوت بالفيلم، حيث جئت بديلاً لأحد المُمثلين الذي واجه صعوبة بالغة في إصدار تأشيرة السفر، الأمر الذي كاد يُربك مواعيد التصوير، حتى اقترح مهندس الصوت، اسمي على المخرج، وأرسل لي السيناريو للاطلاع على طبيعة الشخصية، وأعجبت بها، باستثناء مشهد وحيد، كانت عليه ملاحظة، لكن اقتنعت به لاحقاً، رغم ما به من صعوبات ومشاعر نفسية مؤثرة”.

main 2024-06-05 Bitajarod

المصدر: بتجرد

كلمات دلالية: مهرجان کان السینمائی الم مثل

إقرأ أيضاً:

«الطوق والأسورة».. مأساة تتناسل من رحم الفقر والخذلان

قدمت فرقة المسرح بقصر ثقافة طنطا العرض المسرحي الطوق والإسورة على مسرح المركز الثقافي بطنطا،

ضمن فعاليات المهرجان الإقليمي للمسرح بمحافظة الغربية، والذي نظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، ضمن خطة عروض وزارة الثقافة المسرحية.

"الطوق والإسورة"، مقتبس عن رائعة يحيى الطاهر عبد الله، ويكشف عبر دراما ريفية مأساوية رحلة الفتاة "حزينة" وابنتها "فهيمة"، التي تموت بالحمى، وتترك طفلة تقع ضحية علاقة غير شرعية مع صديق الطفولة، قبل أن تنتهي القصة بجريمة قتل.

شارك في بطولة العرض عدد من أعضاء فرقة طنطا المسرحية، من بينهم: عبد الله صالح، مي الخولي، يارا علي، وكان الإعداد والإخراج لمحمد عفيفي.

ينتمي "الطوق والأسورة" للأدب المصري الجنوبي الذي تميز به يحيى الطاهر عبد الله، حيث يكتب عن البشر المهمشين، وعن نساء مقهورات في مجتمع ينهش أرواحهن ويجعل أجسادهن ساحة للفقر والعار والتضحية.

تمكّن العرض المسرحي من استلهام روح النص الأم، لكنه لم يركن إلى السرد فقط، بل أعاد بناء الشخصيات والمواقف على الخشبة، بما يناسب الحس المسرحي والبصري، بفضل دراماتورج واعٍ من محمد عبد الله.

تدور الأحداث حول "حزينة"، الأم المقهورة التي تمثل صوت الجبر والخذلان، وتمر عبرها مأساة كاملة تمتد إلى حفيدتها "نبوية".

المميز هنا هو أن العرض لم يتعامل مع الشخصيات كأنها مفعول بها، بل أعطاها أبعادًا إنسانية واضحة، خاصة مع شخصية "فهيمة" التي قُدمت بوصفها ضحية مؤامرة جسدها المجتمع ضد الأنثى.

أما نبويه، فهي ذروة هذه المأساة، والنقطة التي التقت فيها خيوط الظلم الاجتماعي والجنسي والطبقي.

برز عدد من الممثلين في تقديم أداء صادق ومؤثر، لا سيما: مي الخولي التي أدّت دور "حزينة" بانكسار حقيقي وصوت مشحون بالحزن، وعبد الله فتح الله في دور "البشاري" قدم أداء داخليًا عميقًا، بلا مبالغة، ومريم ماجد ونورين إبراهيم في أدوار "فهيمة" و"نبويه" على التوالي، نجحن في تجسيد الألم الأنثوي والبؤس الاجتماعي بجسدية واضحة وصدق شعوري لافت.

ونجح المخرج محمد عفيفي في قيادة فريق كبير معظمه من المواهب الشابة، وحافظ على توازن الأداء داخل مشاهد كثيفة بالعواطف.

فيما أعطت أشعار سامح رخا العرض بُعدًا تأمليًا ووجدانيًا، وساهمت في خلق جسر بين الماضي والحاضر، وموسيقى عاصم علاء جاءت ملائمة جدًا للبيئة الصعيدية، تحمل نكهة محلية دون ابتذال، وتخدم الإيقاع العام للعرض.

أما الاستعراضات والدراما الحركية التي وضعتها رضوى إيهاب كانت متقشفة وموحية، ولم تخرج عن الإطار الشعبي للمأساة، بل دعمته بصريًا، وديكور نهلة مرسي قدم بيئة فقيرة موحشة بأدوات قليلة لكن دلالية (مثل السرير، الحفرة، والمعبد).

كما ساعدت الإضاءة (محمود علاء) في الانتقال السلس بين الأزمنة النفسية للعرض، وأضاءت مشاهد الحلم والموت والذاكرة بحرفية.

فيما جاءت الرؤية الإخراجية للمخرج محمد عفيفي لتقدم معالجة إخراجية تعتمد على التوازي بين الواقعي والرمزي.

فلم يكتفِ بسرد المأساة، بل عبّر عنها بصريًا عبر تكوينات مسرحية قوية، مع توظيف الحركة والغناء والإنشاد في لحظات ذروية تُشبه الطقوس الجنائزية، ما ضاعف من تأثير القصة على المتلقي.

عرض "الطوق والأسورة" لفرقة قصر ثقافة طنطا هو تجربة مسرحية ناضجة وواعدة، تعيد للخشبة دورها الاجتماعي والتنويري، ونجح في أن يكون صرخة مكتومة ضد الفقر والتواطؤ المجتمعي، عبر توليفة فنية مشغولة بصدق رغم محدودية الموارد.

يُذكر أن المهرجان يُقام بإشراف الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، والإدارة المركزية للشئون الفنية بقيادة الفنان أحمد الشافعي، وبالتعاون مع إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي برئاسة محمد حمدي، وفرع ثقافة الغربية برئاسة وائل شاهين، وبحضور لجنة مشاهدة تضم النقاد يسري حسان، وطارق مرسي، ومهندس الديكور يحيى صبيح.

مقالات مشابهة

  • “الخيرية الهاشمية” توزع لحوم الأضاحي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالأردن
  • محمود عبدالعزيز.. الساحر الذي دفعه النجاح للاعتزال وتغريدة تنبأت بوفاته
  • عاجل|محمد بن سلمان يطالب المجتمع الدولي بوقف عدوان غزة وحماية الفلسطينيين: مأساة إنسانية في عيد الأضحى
  • صيف 2025 السينمائي.. منافسة محتدمة وأفلام تسرق الأضواء
  • عرض فيلم «Father Mother Sister Brother» في مهرجان فينيسيا السينمائي
  • «الطوق والأسورة».. مأساة تتناسل من رحم الفقر والخذلان
  • كواليس تصوير فيلم 7Dogs بمشاركة أحمد السيد زيزو .. صور
  • لجنة محمية بنتاعل أدانت إقدام مجهول على احراق النفايات
  • “لرضاعتو كملي” .. من بيت لبيت
  • مجموعة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان” تدين الهجوم الذي استهدف قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة