كيف نجحت السعودية الجديدة في استقطاب ملايين الزوار؟
تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT
"في جميع أنحاء السعودية، رأيت مشروعات لا تعد ولا تحصى يتم بناؤها، من المتاحف البسيطة إلى المنتجعات الراقية" هكذا انطلق المحرر والمصور في قسم السفر بصحيفة "نيويورك تايمز"، ستيفن هيلتنر، في تقريره عن تجربته السياحية في السعودية.
وعبر تقرير حمل عنوان: ""مفاجئ ومقلق وسريالي: التجوال داخل المملكة العربية السعودية"، أوضح هيلتنر، الذي قضى شهرا وهو يجوب بالسيارة ما يزيد عن 8000 كيلومتر من مختلف مناطق السعودية: "سافرت وحدي، دون مرافق أو سائق أو مترجم".
وفي إشارته إلى أن السعودية تتطلع للانفتاح على العالم واستقطاب ملايين الزوار الدوليين، تابع هيلتنر بأنها: "الثمار المبكرة لاستثمار بقيمة 800 مليار دولار في قطاع السفر، وهو في حد ذاته جزء من جهد أكبر بكثير يتمثل في رؤية 2030، لإعادة تشكيل المملكة وتقليل اعتمادها الاقتصادي على النفط".
وأضاف: "للتعرف على هذه المشاريع والتغيرات التي تتكشف في المجتمع السعودي، قضيت شهرا في استكشاف المملكة بالسيارة"، مردفا: "باعتباري رجلا غربيا يسهل التعرف عليه، تنقلت عبر البلاد متمتعا بمجموعة من المزايا: لطف الغرباء وفضولهم المبهج، وسهولة المرور عند نقاط التفتيش العسكرية، وحرية التفاعل مع مجتمع يهيمن عليه الذكور في الأسواق والمتاحف والحدائق والمطاعم والمقاهي".
وأصبح استقطاب الزوار الدوليين، من الأمور المركزية في التحولات الحديثة التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 38 عاما، الحاكم الفعلي للمملكة.
وبحسب التقرير، نفسه، فإنه "يمثل تغييرا جذريا في بلد لم يصدر، حتى عام 2019، أي تأشيرات سياحية غير دينية، وبدلا من ذلك كان يقدم خدماته بشكل شبه حصري للحجاج المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة، أقدس مدينتين في الإسلام".
وأردف محرر "نيويورك تايمز" أن: "المملكة ارتبطت منذ فترة طويلة بالتطرف الإسلامي وانتهاكات حقوق الإنسان واضطهاد المرأة، وقد خطت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة لإعادة تشكيل مجتمعها وسمعتها في الخارج".
ويتابع: "تم تجريد الشرطة الدينية سيئة السمعة، التي أيدت قواعد السلوك المبنية على تفسير متشدد للإسلام، من سلطتها. كما أن الحفلات الموسيقية العامة، التي كانت محظورة في السابق، أصبحت الآن منتشرة في كل مكان. ومُنحت النساء حقوقا جديدة، ولم يعد مطلوبا منهن ارتداء أردية تصل إلى الأرض في الأماكن العامة أو تغطية شعرهن".
ويؤكد أن "هذه التغييرات جزء من مجموعة واسعة من الاستراتيجيات لتنويع اقتصاد المملكة، ورفع مكانتها في العالم وتلطيف صورتها"، مشيرا إلى أن السعودية تأمل أن تجذب 70 مليون سائح دولي سنويا بحلول عام 2030، حيث تسعى لأن تساهم السياحة بنسبة 10 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
وبحسب الأرقام الرسمية السعودية، فإنه خلال عام 2023، سجّلت البلاد 27 مليون سائح دولي، إذ ساهمت السياحة بحوالي 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
جولة السعودية.. أي تفاصيل؟
يقول هيلتنر: "بدأت رحلتي في جدة، حيث قضيت فيها يومين لاستكشاف منطقتها التاريخية، ثم استأجرت سيارة وقمت بالقيادة لمدة 8 ساعات شمالا إلى العلا، وهي معيار للمبادرات السياحة السعودية الجديدة".
وتحدّت عن "العلا" المتواجدة في شمال غرب السعودية، وهي التي تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، حيث تم بناء مدينة الحِجر على يد الأنباط، وهم شعب قديم ازدهر منذ 2000 عام. وقال عن مدينة الحِجر، إنها "أول موقع للتراث العالمي لليونسكو في المملكة وأكبر معالم العلا الأثرية، تقع على بعد 30 دقيقة بالسيارة شمال المدينة القديمة، وهي متاهة من الطين المتفتت".
ووفق السلطات السعودية، فإنه من المتوقع أن تكون العلا قادرة على استقبال ما بين 1,5 و2,5 مليون زائر سنويا.
ويضيف محرر الصحيفة الأمريكية، في وصفه لتجربته: "كان المشهد رائعا: انزلقنا عبر واد ضيق، وخرجنا إلى سهل صحراوي واسع ومفتوح، ثم استقرينا في واد واسع محاط بمدرج منحدر".
واسترسل الصحفي في توثيق زيارته للعلا بما وصفه بـ"تذوق خصوصية"، بالقول: "هذه المدينة من خلال حضوره حفلا غنائيا للفنانة الأميركية، لورين هيل، في قاعة مرايا".
ويردف: "للوصول إلى القاعة، مررت عبر بوابة أمنية حيث قام أحد المرافقين بفحص تذكرتي الإلكترونية ووجهني على بعد أكثر من 3 كيلومترات عبر طريق متعرج إلى قلب وادي عشار، موطن العديد من المطاعم والمنتجعات الراقية".
ويضيف: "عند المنعطف الأخير، شعرت كما لو أنني وقعت في صورة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر: كان البشر بحجم النمل يتضاءل أمام بنية عاكسة تؤكد نفسها وتندمج في المشهد الطبيعي. وفي الداخل، كان النوادل يقدمون المقبلات والكوكتيلات ذات الألوان الزاهية لحشد من الشباب الأنيقين".
"بعد العلا، توجهت بالسيارة إلى أحد المشاريع باهظة التكلفة في المملكة: مشروع البحر الأحمر، الذي وُصف بأنه (الوجهة السياحية المتجددة الأكثر طموحا في العالم)" يتابع الصحفي نفسه، في توثيق رحلته للسعودية.
ويستطرد: "بعد أن اجتزت عوائق حركة المرور المتعلقة بالبناء، استقليت يختا، برفقة مجموعة مرحة من الشخصيات السعودية، وتمت قيادتي على بعد حوالي 24 كيلومترا إلى جزيرة نائية، حيث نزلت في عالم من البذخ (..) بفندق سانت ريجيس"، وهو أحد المنتجعات الفخمة بمنطقة البحر الأحمر".
إلى ذلك، أشار إلى أن السعودية، لا تزال تحظر بيع واستهلاك الكحول، رغم أنها افتتحت مؤخرا، متجرا لبيع المشروبات الكحولية للدبلوماسيين غير المسلمين في الرياض.
ومنذ بدأت المملكة في إصدار تأشيرات سياحية، قام عدد من المؤثرين بتوثيق تجاربهم في أماكن مثل جدة والعلا، وغالبا ما كانت الحكومة السعودية تدفع تكاليف رحلاتهم، بحسب التقرير نفسه.
ويوضح الصحفي أن "حرية التعبير في السعودية محدودة للغاية، ولا يتم التسامح مع المعارضة، كما لا يتم التسامح مع الممارسة العلنية لأي دين غير تفسير الحكومة للإسلام"، وفق قوله.
ويتذكر: "أثناء وقوفي خارج حرم المسجد الرئيسي في المدينة المنورة، حيث دُفن النبي محمد، تم اعتقالي من قبل أحد أفراد القوات الخاصة الصارمين. إذ استجوبني الحارس، وبعد أن اتّصل بزميل للتشاور، طلب مني مغادرة المنطقة".
ويشير إلى أنه كان ملتزما "بالقواعد عبر البقاء خارج حرم المسجد النبوي، وهو خط حدودي أكدته مع مسؤولي السياحة مسبقا"؛ ويصف أمان رحلته بالقول: "الجرائم الصغيرة في السعودية نادرة للغاية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي السعودية السعودية الجديدة الرياض السعودية الرياض السعودية الجديدة تاشيرات سياحية المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى أن
إقرأ أيضاً:
كوربين يعتزم إطلاق حزب يساري جديد في بريطانيا وسط استقطاب سياسي متصاعد
يعتزم النائب المستقل وزعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين المضي قدمًا في مشروع إطلاق حزب يساري جديد، يجمع عددًا من النواب المستقلين الذين خرجوا من عباءة "العمال" بسبب مواقفهم من قضايا اجتماعية وخارجية، أبرزها غزة والعدالة الاجتماعية.
ويأتي هذا التوجه في ظل استقطاب سياسي متزايد تشهده بريطانيا، مع تحوّل حزب العمال نحو الوسط، وصعود حزب "الإصلاح" اليميني الذي يتموضع إلى يمين "المحافظين"، ما يعيد خلط أوراق القوى السياسية ويفتح الباب أمام خيارات جديدة في المشهد المعارض.
وأعلنت النائبة البريطانية زارا سلطانة، عن انسحابها رسميًا من حزب العمال، معلنة انضمامها إلى تحالف المستقلين بقيادة النائب السابق عن الحزب، جيريمي كوربين، في خطوة أثارت جدلًا داخل الدوائر اليسارية في بريطانيا، وألقت بظلالها على مستقبل التحالف وخياراته السياسية والتنظيمية في المرحلة المقبلة.
وفي بيان نشرته مساء أمس الخميس، قالت سلطانة، النائبة عن دائرة كوفنتري ساوث، إنها ستشارك في "قيادة تأسيس حزب جديد"، ووصفت البرلمان البريطاني بأنه "مكسور"، متهمة الحزبين الكبيرين، العمال والمحافظين، بأنهما "يقدّمان وعودًا كاذبة وإدارة مكرّرة للتدهور".
سلطانة، البالغة من العمر 31 عامًا، كانت قد فُصلت من حزب العمال وسُحب منها التمثيل الحزبي (الـWhip) العام الماضي بسبب تصويتها ضد استمرار العمل بـ"حد الاستحقاق لطفلين" في نظام الإعانات الاجتماعية، ما شكل خرقًا لسياسة الحزب الرسمية، وقالت حينها إنها "ستفعل ذلك مجددًا".
ورغم أن تحالف المستقلين ـ الذي يضم خمسة نواب مستقلين انتُخبوا بعد مواقف معارضة لسياسة حزب العمال تجاه غزة ـ كان يناقش بشكل غير معلن إمكانية تحويل التحالف إلى حزب سياسي منظم، فإن إعلان سلطانة جاء مفاجئًا حتى لبعض أعضاء التحالف، ووصِف من مصادر مطّلعة بـ"المتعجل وربما المربك".
وبحسب صحيفة "الغارديان"، فإن كوربين لم يمنح موافقة رسمية حتى الآن على تشكيل حزب جديد أو تحديد قيادة له، إذ يفضل الحفاظ على نهج تشاركي غير هرمي. وتشير مصادر قريبة منه إلى أن الإعلان المبكر عن قيادة أو هيكل تنظيمي قد يهدد تماسك التحالف الهش.
وفي المقابل، أكدت سلطانة أن الخطوة تأتي استجابة "لحاجة ملحة لبديل سياسي يساري حقيقي"، داعية الجمهور للانضمام إلى هذا المشروع الذي وصفته بأنه "من أجل العدالة الاجتماعية ومناهضة الحرب ودعم الفقراء".
تحالف كوربين يضم حاليًا أربعة نواب آخرين: شوكت آدم (ليستر ساوث)، أيوب خان (برمنغهام بيري بار)، عدنان حسين (بلاكبيرن)، وإقبال محمد (ديوسبري وباتلي)، ويتساوى في العدد مع نواب حزب "ريفرم يو كي" و"الحزب الوحدوي الديمقراطي"، ويتفوق على حزب الخضر و"بلايد كامري".
وكان كوربين، الذي يقود التحالف منذ عام تقريبًا بعد فصله من حزب العمال في أعقاب تقرير معاداة السامية، قد لمح سابقًا إلى أن المشروع الجديد سيركز على "مكافحة الفقر، وتقليص التفاوت، وصياغة سياسة خارجية قائمة على السلام"، دون أن يؤكد ما إذا كان سيدير الحزب الجديد بنفسه.
ويأتي هذا التطور في وقت تتزايد فيه الضغوط على زعيم حزب العمال، كير ستارمر، الذي يسعى لإعادة تموضع الحزب في الوسط السياسي البريطاني، ما يثير تساؤلات حول قدرة الحزب الجديد المحتمل على تجزئة القاعدة اليسارية، وتأثيره على نتائج الانتخابات المقبلة.
في الأوساط اليسارية البريطانية، يُنظر إلى هذا التحول باعتباره نقطة انعطاف جديدة في المشهد السياسي المعارض، خاصة في ظل تصاعد القضايا المتعلقة بفلسطين، وتقليص الدعم الاجتماعي، واحتدام النقاشات حول هوية اليسار البريطاني بعد تجربة كوربين القيادية بين 2015 و2020.
ويُنظر إلى هذا التحرك من سلطانة وتحالف كوربين كخطوة استراتيجية تهدف إلى ملء الفراغ الذي خلّفه انزياح حزب العمال نحو الوسط السياسي، وفي الوقت نفسه لمواجهة صعود حزب "الإصلاح" اليميني، الذي يتموضع على يمين حزب المحافظين ويكسب زخماً متزايداً بخطابه الشعبوي تجاه قضايا الهجرة والهوية والسيادة. ويرى مراقبون أن إعادة تشكيل اليسار بهذا الشكل قد تُعيد التوازن إلى المشهد السياسي البريطاني، في ظل احتدام الاستقطاب وتآكل الثقة بالأحزاب التقليدية.