الذكاء الاصطناعي.. قارب الإنقاذ الأخير لتراث «هوليوود الشرق»!
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
صبيحة 2 يونيو الجاري، استيقظ سكان شارع مراد بالجيزة، على دخان حريق هائل التهم محتويات شقة الفنانة سمية الألفي، صحيح أنها لم تصب بأذى، ولكن جدران الذكريات نهشتها ألسنة اللهب، مثلما نهشت من قبل، محتويات بيوت عشرات من نجومنا، منهم عادل إمام، وميرفت أمين وشريف منير، والمطرب إيهاب توفيق، والراحل محمود الجندي (اللذان فقدا الأب والزوجة خلال الحرائق).
على مدار الأسبوع الأول من يونيو الجاري، احتفلت جمعية السينما بمئوية ثلاثة من كبار النجوم: فؤاد المهندس، وسامية جمال، وعبد المنعم إبراهيم، هذه الأسماء التي حفرت تاريخا لا يمكن أن ينمحي من ذاكرة الفن المصري والعربي في القرن العشرين، وكيف ينسى الجمهور فؤاد "مهندس السعادة" الذي أسس مدرسة فنية فريدة من نوعها، ودفع بالعشرات من الوجوه الصاعدة لتحتل سماوات النجومية بعد منحها الفرصة على يديه، وأشهرهم عادل إمام الذي كان الأستاذ "يفرش" له الإيفيهات في مسرحيته "أنا وهو وهي"، ليتحول "دسوقي أفندي" عام 1964 بعد ذلك إلى زعيم الفن في مصر والعالم العربي؟ ومَن ينسى لعمو فؤاد عشرات من مواسم الفوازير التي عشقها الكبار قبل الصغار؟ ومَن ينسى برنامجه الإذاعي الأشهر "كلمتين وبس"؟ ومَن ينسى مئات من الضحكات والذكريات المحفورة في الوجدان له، ولفراشة السينما سامية جمال التي غيّرت مفهوم الجمهور عن "الراقصة"؟ ومَن ينسى النجم الضاحك الباكي عبد المنعم إبراهيم (عصفور طاقية الإخفاء).
في 2023، جرت بعض الاحتفالات، على استحياء، لمئوية فنان الشعب، سيد درويش، صاحب التراث الخالد الذي يردده المصريون في النشيد الوطني للبلاد، وعشرات الأعمال التي دشنت ثورة في دنيا الموسيقى، ولولا أن القدر لم يمهله سوى سنوات قلائل من العمر، لكان لهذا الرجل مكانة عالمية لا يستهان بها.
وفي 2020، كانت احتفالية مئوية وحش الشاشة فريد شوقي، بعرض أعماله التي صنعت تاريخا سينمائيا جديدا، نما تأثيره لدرجة تغيير القوانين والتشريعات في مصر، واقتصر الاحتفال على بضع شهادات أقربائه وأصدقائه، وانصرف كلّ إلى وجهته، مثلما يحدث في احتفالات أي مئوية أو يوبيل ذهبي، أو ذكرى أي فنان مهما علا شأنه، فالبريق سيخفت بمرور السنين، وربما يزول، ولن يذكر أحد أن المجد كان يمشي على قدمين من هنا، ذات يوم!
مطلع 2023، نشر أحد النقاد مقالا "ينعى" فيه ضياع واحد من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، أهل القمة، لرباعي القمة نجيب محفوظ ونور الشريف وسعاد حسني وعلي بدرخان، برغم كونه حديث الإنتاج (1981)، وثارت ثائرة المهتمين بالشأن السينمائي، وحاول بعض المسؤولين تدارك الأمر، بترميم نسخة من الفيلم بعد تلف الأصل، وانفتح ملف مؤلم يتكشف فيه ضياع تراثنا السينمائي العريق، وكانت منظمة اليونسكو في مجلة "رسالة اليونسكو"، عدد نوفمبر 1974، أطلقت صيحة تحذير من ضياع تراث السينما في العالم، خاصة "في العهد الصامت"، معتبرة الأفلام ثروة قومية لا ينبغي التفريط فيها، ونسيانها في "الثلاجات" القديمة التي تحفظ أصول (نيجاتيف) ونسخ (بوزيتيف) الأفلام، وهي شرائط "سيلولويد" بائدة تنهكها عوامل التعرية الزمنية، ويقتنصها "التجار" لـ"استخلاص الفضة"، وبالفعل انتبهت العديد من الدول وتبنت مشروعات كبرى لترميم تراثها، وحفظ أرشيفها بما يسمى "سينماتيك"، أما في "هوليوود الشرق"، فليس هناك معمل بمواصفات عالمية لترميم "أصول النيجاتيف"، وكل ما هنالك بضع ماكينات لـ"غسل النسخ البوزيتيف".
بين حين وآخر، تصفعنا أخبار "بيع مقتنيات النجوم الراحلين" على الأرصفة، وكأنها "روبابيكيا"، التي تعني بالإيطالية "أشياء قديمة"، وتحوّلت ذكرياتنا التي صنعها النجوم، إلى مجرد أشياء قديمة، ولم يشفع تاريخ عباقرة أمثال أحمد زكي، ونور الشريف، وسمير صبري، وغيرهم، من أن تُلقى صورهم وأوراقهم، ولا عزاء لأعمارنا الملقاة معها على قارعة الطريق.
في عام 2016، خرج الفنان خالد عبد الجليل، مستشار وزير الثقافة للسينما، آنذاك، بإحصائية تشير إلى أن مصر تمتلك "365" فيلما، من تراث يتجاوز "5000" فيلم، فيما يتوزع الباقي على محطات فضائية عربية اشترت حقوق ملكيتها.
في مطلع 1928، انتقلت سيدة المسرح (آنذاك) فاطمة رشدي إلى النشاط السينمائي، وأنتجت فيلما بعنوان "فاجعة فوق الهرم"، ولما قاطعه النقاد، قررت "حرق كل النسخ"، وببساطة في لحظة "انفعال شخصي"، ضاع شريط سينمائي مصري، وبعد وفاة الفنان حسين صدقي، ووصيته الشهيرة بـ"حرق أفلامه"، قيل إن ابنه ذهب للشيخ الشعراوي يسأله "الفتيا"، فلما اطمأن إلى أن الفنان الراحل كان "واعظا" من أنصار الفن الهادف، قال الشيخ: لا داعي لحرقها، ويقدّر النقاد عدد الأفلام "الصامتة" التي أنتجت بين أعوام "1930/1936" بحوالي "44" فيلما، لا يعرف أحد أين هي الآن، وأفلام حول الفقر والصراع الطبقي، منعتها السلطة في أزمنة سحيقة، منها "أنشودة الفؤاد"، و"لاشين"، و"العامل"، لا يعرف أحد مصيرها!
تحت ظلال الفوضى وضبابية التوثيق، انكشف "تطابق" أسماء عدد من الأفلام المصرية، رغم أنه خطأ فادح في عالم "الفهرسة"، منها أفلام "كابتن مصر" لمحمد عادل إمام (2015)، رغم أن الاسم نفسه لفيلم إسماعيل يس وماري منيب (1955)، وفيلم "عدو المرأة" لرشدي أباظة ونادية لطفي (1962)، رغم أنه اسم فيلم لمحمد فوزي وصباح (1942)، وفيلم "المتهمة" لمعالي زايد وصلاح قابيل (1992)، رغم أنه من بطولة آسيا في 1942!!
في 2008، دشن موقع "السينما.كوم" ليصبح قاعدة ضخمة للبيانات الرقمية، وثق قرابة "6" آلاف فيلم، وعدد من الكواليس التي كانت غائبة، ويبذل الجميع محاولات مضنية لكي تحل "الوقائع الحقيقية" محل "القصص الخيالية" التي يهوى البعض سردها حول الفنانين وكواليس حياتهم.
*10 - في منتصف 2021، بدأ المركز القومي للسينما المصرية، تنفيذ مشروع لتوثيق تراث "800" من كبار النجوم الراحلين والحاليين، وأرشفة "1400" ملف سينمائي ورقي عبر "أسطوانات مدمجة"، كما يشمل تراث كبار كتّاب السيناريو والمخرجين ومهندسي الديكور.
في 4 يونيو الجاري، خرج الدكتور ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بتصريحات حول استكمال مشروع التحول الرقمي الذي تعكف عليه الهيئة منذ "5" سنوات، لإنقاذ عدد لا نهائي من الوثائق والمصادر المكتوبة والمصورة سينمائيا، في سجل الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر منذ 1952، وأهمها "جريدة مصر السينمائية الناطقة"، وآلاف الأفلام التسجيلية النادرة، بمشاركة متخصصين من مدينة الإنتاج الإعلامي ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
في 28 مايو الماضي، دشن المؤتمر الصحفي لمشروع رقمنة ذكريات الفنانين، الذي تبناه عدد كبير من النجوم، في مقدمتهم محمود حميدة وبشرى وإلهام شاهين وبسمة وسيد رجب وأحمد الفيشاوي وسوزان نجم الدين، وغيرهم، برعاية شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تتولى "رقمنة" تراث وذكريات نجوم الفن، سينما ومسرحا وتليفزيونا، لتجهيز أضخم "أرشيف رقمي" يليق بـ"هوليوود الشرق".
كل النقاط السابقة، التي اخترنا "ترقيمها"، تقودنا إلى نقطة واحدة، صالحة لأن تكون "بؤرة تجميع الضوء"، وإذا كان خبراء التكنولوجيا الرقمية في العالم، يعتبرون سنة "2005" تاريخا لبدء "العصر الرقمي"، بعد سيادة "الثورة الصناعية الرابعة"، فها نحن الآن نحاول أن نسطر تاريخا واضحا، ومحددا، فهل تتضافر كل الجهود السابقة من أجل إنقاذ تراثنا الفني، بأيدي "الذكاء الاصطناعي"، حتى لا يضيع ما تبقى من أرشيف الذكريات؟
اقرأ أيضاًإلهام شاهين ومحمود حميدة ينضمان لمشروع «الحفاظ على ذكريات الفنانين وأرشيفهم»
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الفن محمود حميدة فريد شوقي فؤاد المهندس هوليود الشرق رغم أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل الصور الطبية
برز الذكاء الاصطناعي، منذ ظهوره، كأداة فعّالة لتحليل الصور الطبية. وبفضل التطورات في مجال الحوسبة ومجموعات البيانات الطبية الضخمة التي يُمكن للذكاء الاصطناعي التعلّم منها، فقد أثبت جدواه في قراءة وتحليل الأنماط في صور الأشعة السينية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي المحوسب، مما يُمكّن الأطباء من اتخاذ قرارات أفضل وأسرع، لا سيما في علاج وتشخيص الأمراض الخطيرة كالسرطان. في بعض الحالات، تُقدّم أدوات الذكاء الاصطناعي هذه مزايا تفوق حتى نظيراتها البشرية.
يقول أونور أسان، الأستاذ المشارك في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، والذي يركز بحثه على التفاعل بين الإنسان والحاسوب في الرعاية الصحية "تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي معالجة آلاف الصور بسرعة وتقديم تنبؤات أسرع بكثير من المُراجعين البشريين. وعلى عكس البشر، لا يتعب الذكاء الاصطناعي ولا يفقد تركيزه بمرور الوقت".
مع ذلك، ينظر العديد من الأطباء إلى الذكاء الاصطناعي بشيء من عدم الثقة، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم معرفتهم بكيفية وصوله إلى قراراته، وهي مشكلة تُعرف باسم "مشكلة الصندوق الأسود".
يقول أسان "عندما لا يعرف الأطباء كيف تُولّد أنظمة الذكاء الاصطناعي تنبؤاتها، تقلّ ثقتهم بها. لذا، أردنا معرفة ما إذا كان تقديم شروحات إضافية يُفيد الأطباء، وكيف تؤثر درجات التفسير المختلفة للذكاء الاصطناعي على دقة التشخيص، وكذلك على الثقة في النظام".
بالتعاون مع طالبة الدكتوراه أوليا رضائيان والأستاذ المساعد ألب أرسلان إمراه بايراك في جامعة ليهاي في ولاية بنسيلفانيا الأميركية، أجرى أسان دراسة شملت 28 طبيبًا متخصصًا في الأورام والأشعة، استخدموا الذكاء الاصطناعي لتحليل صور سرطان الثدي. كما زُوّد الأطباء بمستويات مختلفة من الشروح لتقييمات أداة الذكاء الاصطناعي. في النهاية، أجاب المشاركون على سلسلة من الأسئلة المصممة لقياس ثقتهم في التقييم الذي يُولّده الذكاء الاصطناعي ومدى صعوبة المهمة.
وجد الفريق أن الذكاء الاصطناعي حسّن دقة التشخيص لدى الأطباء مقارنةً بالمجموعة الضابطة، ولكن كانت هناك بعض الملاحظات المهمة.
اقرأ أيضا... مؤسسات تستخدم الذكاء الاصطناعي لأعمال معقدة ومتعددة الخطوات
كشفت الدراسة أن تقديم شروحات أكثر تفصيلًا لا يُؤدي بالضرورة إلى زيادة الثقة.
أخبار ذات صلةيقول أسان "وجدنا أن زيادة التفسير لا تعني بالضرورة زيادة الثقة". ذلك لأن وضع تفسيرات إضافية أو أكثر تعقيدًا يتطلب من الأطباء معالجة معلومات إضافية، مما يستنزف وقتهم وتركيزهم بعيدًا عن تحليل الصور. وعندما تكون التفسيرات أكثر تفصيلًا، يستغرق الأطباء وقتًا أطول لاتخاذ القرارات، مما يقلل من أدائهم العام.
يوضح أسان "معالجة المزيد من المعلومات تزيد من العبء المعرفي على الأطباء، وتزيد أيضًا من احتمال ارتكابهم للأخطاء، وربما إلحاق الضرر بالمريض. لا نريد زيادة العبء المعرفي على المستخدمين بإضافة المزيد من المهام".
كما وجدت أبحاث أسان أنه في بعض الحالات، يثق الأطباء بالذكاء الاصطناعي ثقةً مفرطة، مما قد يؤدي إلى إغفال معلومات حيوية في الصور، وبالتالي إلحاق الضرر بالمريض.
ويضيف أسان "إذا لم يُصمم نظام الذكاء الاصطناعي جيدًا، وارتكب بعض الأخطاء بينما يثق به المستخدمون ثقةً كبيرة، فقد يطور بعض الأطباء ثقةً عمياء، معتقدين أن كل ما يقترحه الذكاء الاصطناعي صحيح، ولا يدققون في النتائج بما فيه الكفاية".
قدّم الفريق نتائجه في دراستين حديثتين: الأولى بعنوان "تأثير تفسيرات الذكاء الاصطناعي على ثقة الأطباء ودقة التشخيص في سرطان الثدي"، والثانية بعنوان "قابلية التفسير وثقة الذكاء الاصطناعي في أنظمة دعم القرار السريري: تأثيراتها على الثقة والأداء التشخيصي والعبء المعرفي في رعاية سرطان الثدي".
يعتقد أسان أن الذكاء الاصطناعي سيظل مساعدًا قيّمًا للأطباء في تفسير الصور الطبية، ولكن يجب تصميم هذه الأنظمة بعناية.
ويقول "تشير نتائجنا إلى ضرورة توخي المصممين الحذر عند دمج التفسيرات في أنظمة الذكاء الاصطناعي"، حتى لا يصبح استخدامها معقدا. ويضيف أن التدريب المناسب سيكون ضروريًا للمستخدمين، إذ ستظل الرقابة البشرية لازمة.
وأكد "ينبغي أن يتلقى الأطباء، الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي، تدريبًا يركز على تفسير مخرجات الذكاء الاصطناعي وليس مجرد الوثوق بها".
ويشير أسان إلى أنه في نهاية المطاف، يجب تحقيق توازن جيد بين سهولة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي وفائدتها.
ويؤكد الباحث "يُشير البحث إلى وجود معيارين أساسيين لاستخدام أي شكل من أشكال التكنولوجيا، وهما: الفائدة المتوقعة وسهولة الاستخدام المتوقعة. فإذا اعتقد الأطباء أن هذه الأداة مفيدة في أداء عملهم، وسهلة الاستخدام، فسوف يستخدمونها".
مصطفى أوفى (أبوظبي)