الأسبوع:
2025-12-15@06:01:22 GMT

حج الموعودين وأرواح المشتاقين

تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT

حج الموعودين وأرواح المشتاقين

لبيك اللهم لبيك، وكأنها دقات قلوب المشتاقين، تخرج من الأعماق ممزوجة بالرجاء والخشوع والشكر وحمد مالك الملك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..

إنه اليوم الذي يكتسى فيه الجبل بالأبيض الذى يلف أجساد هؤلاء الذين جاءوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق، تركوا الدنيا وراء ظهورهم، وردوا مظالم العباد، وتابوا توبة صادقة عن كل ذنب، وأتوا إليك وحدك سبحانك، دون شك فى ربوبيتك، أو رياء لخلق، دون أمل فى سواك، دون ولد أو حبيب، أو وسيط أو شفيع، أنت وحدك من أرادوا، طائعين طاعة عبد ينفذ كل ما طلب منه سيده دون سؤال عن المعنى والقصد فذلك تمام عبوديته واكتمال خضوعه، لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فالكل مشغول بعبادتك سبحانك، جاءوا يا رب فرادى، مثقلين بالمعاصى، واليقين بأن يعودوا طاهرين مطهرين، كما ولدتهم أمهاتهم على فطرة الإسلام، ذلك الدين الحنيف، إنه حقًّا يقين من أتى ربًا كريمًا، بل أكرم الأكرمين.

ثياب إحرامهم كالأكفان البيضاء، يتساوى فيها الغنى والفقير، كما هو حال الدنيا وحقيقتها، فخلق الله متساوون أمامه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، خلت القلوب من التعلق بمن سواك، أجابوا النداء "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". هنا البيت العتيق، والصفا والمروة، وجبل عرفات، هنا منى والمزدلفة، هنا رمى الجمرات، ولكل مكان منسك، وقصة، أطع واسجد واقترب، وطف وابتهل، ولن تحرم جمال زيارة مدينة رسول الله.

تلك مكافأة حجك المبرور، تلك راحة النفس ولذة القرب من الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.

أما بيتك يا رب فعليه نور، وجمال ومهابة ووقار، ويا لجمال النظرة الأولى، لحظة تأخذ أنوار كعبتك قلوب من جاءوك ملبين، نظرة المكافأة وبداية رحلة الحج الذى تحملوا لأجله مشقة ترك الأهل، والبعد عن الوطن، لحظة يطفئون الشوق، ويتدثرون بالنور، ويسكبون دمع الحنين ويروون شيئًا من عطش القلب بطواف القدوم، يطوفون كملائكتك الكرام، يسبحون ويكبرون ويهللون ويبتهلون إليك راجين طامعين صادقين مخلصين شاكرين أن دعوتهم إلى بيتك وحرمك.

أما من أقعدتهم الموانع، وقلوبهم معلقة هناك، لا يسكت عنها الحنين، ولسان حالهم: يا رب إن القلوب محكومة بالأجساد، والأجساد فى أرض غير الأرض، فلا تحرم المشتاقين شيئًا من فيض الأنوار، نعم، وحقا، إنه لألم لأمثال هؤلاء، بعيدة هى أجسادهم فى أرض الله الواسعة، تهفو إلى عظمة تجلي أنوار نزولك إلى السماء الدنيا فى خير أيام الأرض، يوم عرفة.. خير خير الأيام، ولِمَ لا وقد أقسمت يا رب بالفجر وليال عشر، ويوم عرفة هو تاسع العشر الأوائل من ذي الحجة هو الأفضل بينها، يعقبه عاشر الأيام وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، والعشر قال فيها الحبيب المصطفى: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام)، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء).

يتألم البعيدون، لكن ليس كل بعيد مبعد، إن العطاءات تأتى على قدر المحبة واليقين، والشوق من فيض المحبة قد يطوي المكان، وتحلق الأرواح، وللروح عيون، وللفؤاد لسان، تعلو به التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك طاعةً، وحبًّا، لبيك شوقًا لقرب بيتك، لبيك يا رب أنى أردت أن أكون ضيفك، فلا تحرم عبدك، إنى فقير إليك يا ربي، مشتاق أن أكون بين من قال فيهم المصطفى: "الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم"، مشتاق أن أكون ضيفك، فكل ضيف فى بيت من بيوتك مكرم، فما بالنا بالضيف فى حرمك، عند كعبتك، ومن لا يشتاق إلى مس "ياقوتة الجنة" الحجر الأسود ليشهد له يوم القيامة، لبيك شوقًا إلى لمس الركن والمقام فتتساقط الذنوب، وتمحى الخطايا، شوقًا إلى دعوة من أعماق القلب بين الركن اليماني والحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

تطوف أرواح العاشقين طواف حمام الحمى، تدور حول بيتك المعظم بجناحى شوق ورجاء، وتغبط أسراب الحمام التى لا تكل، ولا تمل فى دوائرها المتعبدة فى سماء يعلوها البيت المعمور، تسبح تسبيحها، لم يعلمها مخلوق سر الطواف، فالسر تعرفه أفئدة الطير، هذا الذى تطوف أعلاه هو البيت العتيق، الذى تهوى إليه الأفئدة فى البلد الأمين، أحب البلاد إلى الحبيب المصطفى عليه صلوات الله، وسلامه، وقبلة صلاة المسلمين في كل بقاع الأرض.

وفى المسعى كانت هنا أمنا هاجر، والطفل إسماعيل عليه السلام، تبدأ السعى خفيفًا ثم تثقل الأقدام، وكأنك تعيد تجربة إنسانية فريدة، يحدوك الأمل فى شربة ماء فى أرض كانت قفرًا، بين جبلى الصفا والمروة، أشواطك السبعة هى نفس أشواطها، ومشقتك لا تقارن بمشقتها، فقد كانت تحت الشمس الحارقة، على الحصى والرمل تسعى، وأنت الآن فى نعيم وظل ظليل، لكنك رغم كل هذا تستشعر تلك المشقة، تلك التى كانت مكافأتها تفجر بئر زمزم تحت قدمى نبى الله إسماعيل عليه السلام، ماء ترتوى منه الأمة منذ آلاف السنين، شفاء ورواء وذكرى لواد غير ذى زرع تفجر فيه بئر فجعل الله أفئدة الخلق تهوي إليه ورزق أهله من الثمرات.

الحج عرفة، ومن لا يتوق إلى جبل وقف عليه نبينا! وخطب فى صحابته رضوان الله عليهم خطبة الوداع وأعلن تمام الدين والنعمة علينا بقول رب العزة سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، هو اليوم المشهود في قوله تعالى: "وشاهد ومشهود"، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة"، في ذلك اليوم العظيم تجتمع العبادات، صومًا وصلاةً وحجًّا وصدقةً ودعاءً وتلاوةً للقرآن، لكن الذين لا يحجون يصومون، وصومه لمن قعد عن الحج يكفر السنة الماضية والقابلة.

هو الحج الذى بدأت أيامه، ركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً، وهو جبل عرفات الذى لا يكتمل الحج إلا بالوقوف عليه فى يوم الحج الأعظم، هناك ينـزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بالحجيج الملائكة، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا سُفْعًا، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزَبَد البحر، لغفرتُها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له".

أما راحة القلوب ففى تلك الزيارة التى ربما تكون قبل الحج أو بعده، مسجد رسول الله فى المدينة المنورة، الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" وقال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".

زيارة هى اكتمال رحلة العمر، ومن زار عرف، وليس من رأى كمن سمع، أنوارك يا حبيب الله تفيض على مسجدك، سلام عليك، وعلى جاريك، صاحبيك، أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وأرضاهما، سلام على مدينة الأنوار التى فتحت لك ذراعيها، لتضيء رسالتك العالم، سلام على أهلها الذين مسهم من نورك، وحضورك فازدادوا سماحةً وجمالاً، وركعتين فى مسجد قباء، وزيارة لأهل البقيع، وشهداء أحد، سلام سلام، ودعوة خالصة فى أيام مباركة: لا حرم الله المشتاقين.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الحج عرفة المسجد الحرام المسجد النبوي موسم الحج 2024 يوم عرفات رسول الله الله علیه

إقرأ أيضاً:

موعد بدء أولى رحلات الحج السياحى لعام 2026.. «اقتصادي وخمس نجوم»

كشف محمد عابد، عضو غرفة شركات السياحة بالاتحاد المصري للغرف السياحية، عن موعد انطلاق أولى رحلات الحج السياحي لعام 2026، مؤكدا أن برامج الحج الاقتصادي «سواء البري أو الجوي» ستبدأ اعتبارا من 20 ذو القعدة الموافق 7 مايو 2026.

وأضاف عابد أن رحلات الحج سياحة 5 نجوم ستبدأ من 1 ذو الحجة، بما يتوافق مع المخطط الزمني لبرامج الشركات المختلفة.

وأعلنت غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة عن بدء تحصيل مبالغ جدية الحجز للمواطنين الذين لم يحالفهم الحظ في قرعة الحج السياحي 2026، وذلك تمهيدا لاستكمال الإجراءات الخاصة بالمتقدمين.

وفي نفس السياق، وضح عابد آلية استرداد مقدم جدية الحجز، مشيرا إلى ضرورة توجه المواطنين إلى أي من فروع بنك مصر مصطحبين أصل بطاقة الرقم القومي لاستكمال عملية الصرف.

وأكد أن 150 جنيهًا يتم خصمها كرسوم تقديم، بينما يختلف المبلغ المعاد للمواطن وفقا لنوع برنامج الحج الذي تم اختياره مسبقا.

اقرأ أيضاًلو مسافر للعمرة.. سعر الريال السعودي اليوم السبت 6 ديسمبر 2025

لو مسافر لأداء العمرة.. سعر الريال السعودي اليوم الخميس 4 ديسمبر 2025

خطوات التسجيل في الحج عبر منصة نسك.. رابط مباشر متاح الآن

مقالات مشابهة

  • أمانة المدينة المنورة تعلن بدء التسجيل في خدمات الإعاشة للحجاج والزائرين خلال موسم الحج 1447هـ
  • غدا.. انطلاق التسجيل في قرعة الحج لموسم 2026م
  • «هيئة الحج» تحدد شروط التسجيل لموسم الحج
  • «هيئة الحج» تحدد مواعيد التسجيل لموسم 2026
  • حوار الوفد مع الدكتور مبروك عطية عن ما لايذكرمن السيرة المطهرة وسبب ذلك
  • الرجل الشقلباظ!
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • «فخ» كأس العرب
  • عون رداً على الكلام عن وجود ورقة موقعة منه حول التزامه لـحزب الله بموضوع الاستراتيجية الدفاعية: فلينشروها اذا كانت موجودة
  • موعد بدء أولى رحلات الحج السياحى لعام 2026.. «اقتصادي وخمس نجوم»