صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-21@09:05:02 GMT

خِطاب المَحبة

تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT

خِطاب المَحبة

 

خِطاب المَحبة

سارة حمزة الجاك

المْحب هو الإنسان في حال إتساقه مع ذاته، وإنْ كان وحيدا في الكون، يحاورها ويسمعها وتسمعه، تتقلص المسافة بينهما، فيهدأ باله ويهنأ داخله، يسكن هادئا؛ بلا حراك يستقبل أكسجين الحياة، ويهديها ثاني أكسيد كربونه.

هو عازف موسيقي الإنسانية؛ حال كونه نواةٌ أولي في مكون مجتمعي صغير، يترابط بنويات صغيرة مثل نواته، ليتكون مجتمع أكبر، وهكذا تتسع شيمة اللّْحمة الإنسانية، لتشمل كل إنسان علي أختلاف لونه ولسانه وعرقه ودينه.

.هذا العازف المحب؛ يتوخي حذر إيذاء من هم حوله، ويتخير من نوتته الموسيقية أعذب مافيها ليهدهِم إيّاها نغمة تتبع أخري. فتسهم في جعل معزوفتهم أجمل، ويتباري المحبون في التعبير عن محبتهم، فتنمو وتزدهر وتهدي الكون من أريجها أعطره.

يكون الفرد محبا؛ عندما يعلم أن الكون المتسع الفسيح مسخر له؛ عندما يفك شفرة النواميس التي تحكم الحياة، فيتعاطي معها، ويختار الإصغاء إلي صوت الله بداخله فيطمئن،ويري المحيط ويستمتع بكشف الغازه، وحل أحجياته بلا أحكام سابقة، أو خوف منها ، فالإنسان عدو ما يجهل، جعله التعلم المدرسي حصانا في مضمار معرفة وحيدا، لا يغني ولا يسمن من جوع، وهو مطلع تواق إلي المعرفة، يشتهيها، يسعي إليها وينهل منها. فالمعرفة متاحة للجميع، والحكمة ضالة المحب أنّى وجدها فهي حسبه. إذاً فالمحب عارف وحكيم، يحب المحب ذاته، وروحه التي بين جنبيه، ونفسه بكل مالها وماعليها: جسده الساكن فيه وهو طالب في مدرسة محبه، خالقه ،وموجده؛ هو الممتن لمن عبر عبرهم الي الأرض، ومن عبروا عبره أيضا، ينتمي إلي أرضه التي هو إبنها، ويدين لكل الأراضين بالشكر، متوسما الخير فيما يعتقد، متمنيا لو كان الجميع يعتقدون كما يعتقد، لكنه لعلمه بالنفس وخباياها، يعلم أن لابد لصاحب التجربة من أن يخوضها، ولابد للسائر في الدرب من أن يصل. فلا التجربة تتكرر ولا الطريق فرد.

يحب المحب لأنه مجبول علي الحب؛ منه إبتدأ واليه منتهاه؛ ييسر عسيره؛ يسهل صعبه؛ يخفف حموله التي علي ظهره؛ يضعه في صراطه المستقيم؛ ليقوم علي الحب وبه؛ يُقيم كل ماله وماعليه؛ ليجعله قويما وقواما؛ يتسع به صدره؛ ينتظم به تنفسه؛ عندها يتلقي وحيه وإلهامه؛ يكتبه شعرا؛ يصيغة نثرا؛ يحكيه سردا او يغنيه لحنا؛ المحب فنان لامحالة؛ إذ كيف يعكس مايتعمل داخله بلا أداة؟
كيف يتحمل عبْ كل هذا الحب؟دون البوح به

يعبر المحب عن حبه؛ بإحترامه لذاته التي يعرفها؛ كيفكما كان تعريفه للإحترام؛ بإكرامه لروحه ونفسه وجسده؛ أسمي درجات الإكرام ؛أن يهدي كل مكون من مكونات ذاته السكون؛ أن يعلمهم فن الإصغاء الي همسات دبيب النمل؛ هديل الحمام؛ خرير الماء؛ صوت الشمس ذات الحمم؛ يغنون جميعا؛ يسبحون جميعا؛ فهل كان صاغ؟
إحترامه لذاته يعينه علي إحترام الأخرين حوله؛ يحثه عي إكتشافهم؛ سماع صوتهم وتقدير يومياتهم المكونة لثقافاتهم؛ طريقة إدارتهم لحياتهم؛ كيف يرونها وينظرون إليها؛ كيفية تعبيرهم عنها والتعريف بها؛ معتقداتهم ومايدينون به؛ إرتباطه بأرضه وحبه لها؛ يقف حائطا صلدا؛ أمام تعديه علي أراضي الأخرين؛ لأنها عزيزة عليهم؛ كما أرضه عزيزة عليه؛ فلا يتجرأ علي المساس بها؛ أو بأي مقدس من مقدساتهم؛ المحب محاور ممتاز ومفاوض ذكي؛ فقد تعلم فن الحوار قبلا؛ عندما خاض حروبه الكبري مع ذاته؛ فهو القادر علي محاورة ومفاوضة ؛كل من إختلف معه بهدوء وإسترخاء؛ بذكاء وفطنة إكتسبها من تلقيه لوحيه وإلهامه المستمرين.
يؤثر المحب علي مجتمعه بإنتباذه مكانا قصيا؛ يستخلص حكمته ويستلهم أفكاره من الخلوة؛ ليعود صامتا؛ يتحدث عندما يطلب منه؛ ينقل علمه لمن يراه مناسبا؛ يمشي بين الناس ناشرا لمحبته وسلامه؛ قولا لا فعلا؛ يكون القدوة الحسنة دائما؛ يغفر لنفسه إذا أخطا؛ يجازيها بمزيد من الحب حال أصاب؛ يصبر علي منعرجات الطريق؛ حال الإمتحان او الإمتهان؛ يؤثر بأن يخبر عما يعرف لمن لا يعرفون؛ والا يكرههم علي المعرفة؛ فكل آت قريب
تتكون الكراهية عند جهل الكارِه لكٌنه مايكره؛ ولو عرفه لما كرهه؛ فيكون خطاب الكاره خطابا حاثا الأخرين؛ من الذين لا يعرفون مثله؛ علي كراهية مايجهلون؛ كاشفا لهم الجانب الذي رأءه؛ فتحول من جاهل بما لا يعرف؛ الي كاره لما عرف مما كره.
الكاره أجهل بمكونه؛ كاره لنفسه وروحه وجسده؛ يكره ذاته فيبادله مجتمعه كرها بكره؛ ينفث في خطابه السم؛ تتسمم الذات التي تسمعه؛ فإن كانت محبة؛ كان الحب لها ترياقا؛ وإن كانت كارهة زادها مرض علي مرضها؛ ثم يملكها ويمسك خيوطها في يده يحركها كيف يشاء؛ يعبر عن كرهه؛ بشتي الطرق يسخر لها السبل؛ تسعي حية بين الناس؛ ترعب هذا؛ تلدغ ذاك؛ تسمم فضاء هولاء.
خطاب الكراهية؛ خطاب قاصر ومبتسر؛ لايصل الي هدفه المخالف للنواميس؛ خطاب مرهق يحتاج الي الأدلة والبراهين الجزاف؛ او المستلة من صياغها لتؤام الخطاب المهتز؛ خطاب يحارب المحبة والإنسانية والحياة؛ بينما خطاب المحبة لا يحارب لا فردا ولا جماعة؛ بل يشمل الجميع بنداءه لهم؛ ليمضي المحبين في سبيل حبهم؛ كل يحب مايحب يبذل له الحب بالطريقة التي يستطيع التعبير بها؛ يملأ الحب كل الفضاء العام؛ لينزاح ماهو غير ذلك.

الوسومحرب السودان سارة الجاك مناهضة خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حرب السودان مناهضة خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

خطاب في زمن التيه – بين الخيال والجنون

خطاب في زمن التيه – بين الخيال والجنون

حسب الرسول العوض إبراهيم

من استمع بالأمس إلى خطاب كامل إدريس، سيجد نفسه تلميذًا في المرحلة الابتدائية، يجلس أمام أستاذ يشرح درسًا في مادة “الاجتماعيات” بعنوان: “الحكومة الراشدة وأسس الحكم المثالي”.

خطاب لا يمت بصلة إلى واقع السودان المضطرب ولا الى الحال المايل الذي يرزح تحته الشعب السوداني، بل يبدو وكأنه مشهد من يوتوبيا حالمة لا وجود لها إلا في الكتب المدرسية أو قصص الخيال العلمي.

بدأ كامل إدريس خطابه بشرح نظري مطوّل عن كيفية تكوين الحكومات الرشيدة، وماهية خصائصها، والمواصفات التي يجب أن تتوفر فيها من نزاهة، شفافية، وكفاءة. ثم انتقل بسلاسة إلى درس تعليمي موسّع حول أهم الوزارات التي ينبغي أن تشملها هذه الحكومة، مقدِّمًا نبذة مختصرة عن كل وزارة ومهامها، كأنه يقرأ من كتاب مبسط لتلاميذ المرحلة الابتدائية.

وبينما ينتظر الناس في السودان من قائد المرحلة خطابًا يتناول قضاياهم اليومية، من حرب ونزوح وانهيار خدمات، اختار كامل إدريس أن يحدثهم عن حكومة نموذجية تُبنى في زمان مثالي ومكان غير السودان، يمكنها إن تحققت أن ترتقي بالسودان إلى مصاف الدول المتقدمة. لكنه عاد واستدرك، أن الواقع السوداني لا يحتمل هذا النوع من الترف الخطابي فأقر بأن هذه الحكومة غير ملائمة للواقع الحالي، لأن الشعب لا يرغب الآن في تلك النقلة الحضارية الكبرى، بل يريد الماء والكهرباء والدواء وقبلهم يريد وقف الحرب.

الأدهى والاغرب من ذلك، أن الرجل اختتم خطابه بالإعلان عن فتح باب التقديم لتلك الحكومة المنشودة عبر تفعيل الخدمة المدنية، داعيًا جميع السودانيين إلى إرسال سيرهم الذاتية للترشح للمناصب! السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
هل التقديم سيتم عبر الذهاب إلى بورتسودان وتسليم السيرة يدًا بيد؟

أم أن الدكتور كامل إدريس سيدشن موقعًا إلكترونيًا رسميًا لتلقي الطلبات؟

وإذا افترضنا مجرد افتراض أن الأمور سارت كما يشتهي كامل ادريس، فهل هناك “جهاز كشف” قادر على التحقق من أن المتقدم لا ينتمي لأي جهة سياسية أو تنظيم حزبي؟ الأمر فعلاً يتطلب شخصًا من أصحاب “الخيال الواسع”

دعونا نفترض أو نكون أكثر تفاؤلًا، أن الرجل أراد فقط أن يفكر خارج الصندوق بعد فشله في تشكيل الحكومة بالطرق التقليدية وأن هذه الفكرة التي طرحها هي نتاج “لحظة عبقرية” مجنونة. لكن حتى هذه العبقرية، إن صحّت تكون قد جاءت في غير زمانها ومكانها، أو ربما نقول ان الرجل “فات الكبار والقدرو”

خلاصة المشهد نستطيع أن نقول:

من أتى بكامل إدريس رئيسًا للوزراء إما أنه لم يكن بكامل قواه العقلية أو أنه لا يعلم شيئًا عن كامل إدريس بعد مغادرته لمنظمة “الويبو”.

صحيح أن الناس كانت تعرف كامل إدريس بصفته التكنوقراطي الذي كان يعمل في احد أفرع منظمة الأمم المتحدة، ولكن يبدو أنهم لم يتابعوا ما حدث للرجل بعد ان غادر تلك المرحلة ولم يدركوا أن الرجل وقد تقدم في العمر بالرغم من حرصه علي استخدام أدوات التجميل، ولربما تغيّرت لديه آليات وطرق التفكير.

وعليه ربما نشهد في السودان نمطًاجديدًا لحكام من نوع آخر، حكام يعيشون في عالم خيالي بينما الشعب السوداني يرزح تحت أنقاض الحرب ويبحث فقط عن مقومات الوجود الاساسية من ماء وغذاء ودواء.

* كاتب ومحلل سياسي

الوسومالأمم المتحدة الحكومة الراشدة السودان الويبو بورتسودان حسب الرسول العوض ابراهيم رئيس الوزراء كامل إدريس

مقالات مشابهة

  • في ذكري سعاد حسني وعبد الحليم حافظ .. جمعها الحب والموت ومدينة الضباب
  • برج الحوت حظك اليوم السبت 21 يونيو 2025.. امنح الحب بلا حدود
  • علي النعيمي: خطاب الكراهية جريمة ضد الإنسانية
  • خطاب في زمن التيه – بين الخيال والجنون
  • اشتقت لمصر والمصريين.. باسكال مشعلاني تعتذر عن تصريحها “الله يمحي البلاد”
  • «حلمي النمنم»: عداء الإخوان للمؤسسة العسكرية امتداد لرفضهم الوطن ذاته
  • تسريبات إسرائيلية: البنتاغون يستعد لمشاركة محتملة في ضربات ضد إيران
  • عبيدة طرحت أغنية "قلبي دليل"..حياة جديدة في الغربة
  • الحب في زمن التوباكو (13)
  • إعلام إيراني: "المرشد الأعلى" سيوجه خطابًا تلفزيونيًا قريبًا - عاجل