خطاب حميدتي العرجاء لمراحها.
خطاب قائد المليشيا الجنجويدية حمدان دقلو حميدتي أمام جمع غفير من جنوده واضح من وقفتهم غير المنتظمة انهم مستنفرين مرتزقة ناقصي التدريب .
ولكن الإشارة المهمة في حديثة انه تنازل عن مشروعه الديمقراطي في السودان إلى سياسة الدفاع عن النفس. وهذا يوضح مدى الهزيمة التي منيت بها قواته المعردة من الجزيرة والخرطوم والمدحورة في كردفان وأصبح يتحدث كقائد دارفوري وافرد جزء من خطابه لصالح الإغاثة والاستقرار ومحاربة الشفشافة والجريمة باشارته لإصلاح السجون وطالب جنوده بالتعاون مع الشرطة .
حميدتي واضح انه محور مشروعه في السيطرة على دارفور على الطريقة الليبية سلطتين في بلد واحدة لذلك هو لا يأبه للقوات المشتركة واستخف بقادتها مناوي وجبريل من خلال دعوة مراكبية ان أرادوا الالتحاق بسلطته .
الشئ الآخر اجتهد في تطمين جيران السودان ان السلطة الجديدة ليس خصما عليهم بل مستعد للتحاور معهم لتسوية الخلافات وخصوصا مصر بل ذهب إلى أكثر من ذلك ببث خطاب تطميني إلى شعب الشمال وألمح إلى أنه لا يريد أكثر من المثلث الذي سيطر عليه مؤخرا . وهذا في إطار . توسيع حدود دا فور إلى الحدود المصرية وهذا اعتقاد كثير من قيادات وناشطي دارفور ، أن لدارفور حدود مع مصر .
اما تحديه للسلطة المركزية لم يخرج من إطار الحديث عن البترول والموارد في إشارة لقسمة الثروة مع الدولة المركزية وهو يعدد موارد دارفور ويذكر انها كافية ولكنه استدرك بقوله أنه لن يترك البحر خالصا للدولة السودانية.
عموما انا ارجح خيار انكفاء حميدتي على دارفور ونصب نفسه حاكما عليها على طريقة حفتر في ليبيا وفي حديثه اطمئنان إلى غلبة عنصره على دارفور وهو يتحدث عن الإغاثة للنازحين من الخرطوم والجزيرة ولم يتحدث عن النازحين في المعسكرات في اب شوك وزمزم وغيرها .
يأتي هذا الحدث في الوقت الذي تتوتر فيه الشراكة بين القوات المشتركة ومجلس السيادة على إثر تشكيل الحكومة ونصيب أطراف السلام في جوبا من كيكة الحكومة . وأي جنوح إلى فض هذه الشراكة من أي طرف يعني تقديم دارفور في طبق من ذهب إلى القوى الإقليمية والعالمية التي تسعى إلى تقسيم السودان .
إسماعيل فرج الله
٢٣يونيو٢٠٢٥م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
خطاب الحب في نصوص «تُشرق الشمس» لفُروغ فرُّخزاد
تُعد الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد (1934- 1967م) من الشاعرات اللواتي تناولن الاتجاه الرومانسي في نصوصهن الشعرية، وجاءت نصوصها معبّرة عن عاطفة عميقة ربما لا تكون مرتبطة بتجربة محددة في الحب، بل كرد فعل على الواقع الذي كانت تعيشه في حياتها العاطفية، ومعبّرة عن إيمانها بأهمية اللغة الرومانسية التي استطاعت من خلالها إنتاج نصوص شعرية يتقاطع فيها الحس الشعري مع الذات.
في نصوصها المختارة القصيرة والتي عُنونت بـ(تُشرق الشمس) بترجمة وتقديم محمد اللوزي والصادرة عن دار أفريقيا الشرق عام 2001م تُطل علينا اللغة الرومانسية وهي تعبّر عن شعور داخلي تعيشه الكلمة، متزينة بجماليات الطبيعة حيناً ومتلفعة بآهات الغربة والحزن العميق حيناً آخر. لقد قدّم اللوزي في هذه النصوص نبذة عن سيرة الشاعرة متناولاً جوانب من تجربتها الشعرية المبكرة التي ابتدأتها في السابعة عشرة من عمرها، يقول عنها: «حين أصدرت الشاعرة ديوانها الأول «أسيرة» عام 1955م، كانت فتاة في سن السابعة عشرة، تجتاز تجربة زواج غير متكافئ في العمر رضيت به للخلاص من بيت محكوم بوالد عسكري شديد الصرامة يطبق الأحكام العرفية حتى في بيته. في هذا الديوان نجدها أسيرة التقاليد والمجتمع وأسيرة الطفل الذي أنجبته، وفي «عبورها» كل هذه المتاريس والعقبات، تواجه من داخلها أولاً». (ص18)
ثم توالت مجموعاتها الأخرى التي تناولت فيها موضوعات مختلفة تدور حول الذات والمعاناة والرومانسية ومواجهة المجتمع. يقول اللوزي عن رومانسية الشاعرة: «عبّرت الشاعرة في بداية تجربتها الشعرية عن معان رومانسية وتجريدية في أسلوب خيَّاميّ حاولت أن تضفي عليه لمسة المعاصرة، لكنها سرعان ما بدأت في صدم المجتمع من حولها بالحديث عن معان لم يألفها قط عن امرأة تخاطب حبيبها:
مضيت وظل قلبي
عشقا ملوثاً باليأس والألم
ونظرة ضائعة في حجب الدمع
وحسرة متجمدة في ضحكة باردة.
بل إن وجودها في حد ذاته كان نوعاً من التحدي؛ فهي أنثى في مجتمع شرقي محافظ. لكن هذه الأنثى الشابة الرقيقة الجميلة كانت تعتبر كل قصيدة من أشعارها رصاصة موجهة إلى أحد محرمات هذا المجتمع». (ص18)
بعد هذه الإشارة في تجربة الشاعرة يمكن أن نستقرئ خطاب الحب في نصوصها، الذي يظهر في غير نص لديها، ومعه اقترن الخطاب بتنقل الشاعرة في اختيار دلالاتها بين الغائب والمخاطب وذلك للتنويع في استحضار الآخر/ الحبيب الذي تخاطبه. كما اقترن خطاب الحب بدلالات الجسد واللذة والشهوة متمثلاً صوراً تواجه المجتمع من خلاله وذلك تعبيراً عن عاطفة ملتهبة مفقودة بحكم القيود المجتمعية، تعبّر عن ذلك قائلة في نصها (أذنبتُ):
فِي هَذِهِ الْخُلْوَةِ الْمُظْلِمَةِ الصَّامِتَة قَبَعْتُ مُرْتَعِشَةً بِجَوَارِهِ
وَصَبَّتْ شَفَتَاهُ كُلَّ الشَّهْوَةِ فَوْقَ شَفَتَيّ
حِينَئِذٍ، تَحَرَّرْتُ مِنْ هَمِّ الْقَلْبِ الْمَجْنُونِ.
هَمَسْتُ بِحُبِّي فِي أُذُنَيْهِ، أرِيدُكَ
أُرِيدُكَ حِضْنَا يَبْعَثُ فيَّ الرُّوحَ
أُرِيدُكَ يَا حُبِّي الْمَجْنُون.
اشْتَعَلَتْ نَارُ الرَّغْبَةِ فِي عَيْنَيْهِ
رَقَصَتْ أَنْوَارُ الْخَمْرَةِ فِي قَدَحِي
وَارْتَخَى جَسَدِي ثَمِلاً
فَوْقَ فِرَاشٍ نَاعِمِ.
أَذْنَبْتُ ذَنْباً مُفْعَماً بِاللذة
فِي حِضْنٍ عَارِمِ بِالدِّفْءِ وَالنَّارِ
يَا إِلهِي.
مَاذَا كُنْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَل
في هَذِهِ الْخُلْوَةِ الْمُظْلِمَةِ الصَّامِتَه.
أما في نص (تشرق الشمس)، فإن الخطاب يتحرر من قيود اللفظ بالغاً أوجها في التعبير، فيصبح المخاطب صورة تستنطقها الشاعرة حدّ الحياة والتنفس:
الآن
وَقَدْ بَلَغْنَا الأَوْجَ
اغْسِلْنِي بِشَرَابِ الْمَوْجِ
زَملنِي بِحَرِيرِ قُبُلَاتِكَ،
اطلبْنِي فِي اللَّيَالِي الطَّوِيلَةِ،
لا تتركني ثَانِيَةً،
لا تَفْصِلْنِي ثَانِيَةً عَنْ هَذِي الْأَنْجُمِ.
انظر!
كَيْفَ يَصِيرُ شَمْعُ اللَّيْلِ فِي طَرِيقِنَا
قَطْرَةً قَطْرَةً ثُمَّ يَذُوبُ!
وَكَأَس عَيْنَيّ السَّوْدَاوَيْنِ
في طَيَّاتِ دِفئكَ
مُتْرَعَةٌ بِسُكْرِ النَّوْمِ
فَوْقَ مهاد أَشْعَارِي.
انظر!
إنكَ تتنفَّسُ!
... وتُشرِقُ الشمس!
جاءت صورة الخطاب الرومانسي الذي تقصده الشاعرة في هذه النصوص ممتزجة برومانسية العبارة وبالقلق والخوف والمجهول، ولا أدل على ذلك من تكرار الشاعرة لألفاظ مثل: (الظلام، والليل، والدمار، والمجهول)، إذ تكرّرت في غير موضع من نصوص المجموعة. كما يظهر الامتزاج أيضاً بين تعاضد الرومانسية والطبيعة مقدماً الحالة الداخلية التي تسكن الشاعرة، فنلاحظ اقتران الطبيعة بالحب والرعب في المقاطع الأولى من نص (أناشيد أرضية):
حينذاكْ
بَرَّدَتِ الشَّمْسُ
وَغَاضَتِ البَرَكَةُ مِنَ الأرْضِ.
وَجَفَّتِ الْخُضْرَةُ فِي السُّهُوبِ
وَجَفَّتِ الأسْمَاكُ فِي الْبِحَارِ
منذئذٍ!
اللَّيْلُ فِي كُلِّ النَّوَافِذِ الشَّاحِبَةِ
خَيَالٌ بَاهِتٌ يُوَاصِلُ زَحْفَهُ، وَالطُّرُقُ تُوَاصِلُ دَوْرَتَهَا
مُسْتَكِينَةً للظُلْمة.
لا أَحَدَ يُفَكِّرُ فِي الْحُبِّ
لا أَحَدَ يُفَكِّرُ فِي النَّصْرِ
لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أَحَدٌ قَطُّ
يُفَكِّرُ فِي شَيْءٍ قَط!
فِي كُهُوفِ الْعُزْلَةِ
الدَّمُ يَعْبَقُ بِرَائِحَةِ الْحَشِيشِ وَالْأَفْيُونِ،
وَالنِّسَاءُ الْحَوَامِلُ
أَنْجَيْنَ أَطْفَالاً بِلا رؤوسٍ،
وَخَجَلاً ، تَلُوذُ الْمُهُودُ بِاللُّحُود ...!
يأخذ الخطاب الرومانسي أيضاً في عدد من نصوصها طابع السردية؛ إذ يتكثف السرد ويصبح التعبير عملية تداخل بين الشعري والسردي الممتزجين بدلالات الفقد والموت أيضاً:
إِنِّي أَخَافُ زَمَناً أَفْقِدُ فِيهِ قَلْبَهُ.
وَأَخَافُ مِنْ تَصَوُّرِ عَبَثِيَّةِ هَذِهِ الأَيْدِي،
وَمِنْ أَطْيَافِ هَذِي الْوُجُوهِ الْمُغتَرِبَة.
وَهَذِي أَنَا وَحِيدَة.
كَتِلْمِيدَةٍ
بِجُنُونٍ تُحِبُّ دَرْسَهَا الْهَنْدَسِيَّ،
أَظُنُّ أَنَّهُ يُمْكِنُ نَقْلُ الْحَدِيقَةِ إِلَى الْمُسْتَشْفَى
إِنِّي أفكر ...
إِنِّي أفكر ...
وَقَلْبُ الْحَدِيقَةِ قَدْ تَوَرَّمَ تَحْتَ الشَّمْسِ،
وَذِهْنُ الْحَدِيقَةِ يَنْزِفُ فِي صَمْتِ
ذِكْرَيَاتٍ خَضْراء.
هذه بعض ملامح خطاب الحب المتمثل في نصوص مختلفة لدى الشاعرة فروغ فرخزاد، كما أنّ في تجربتها الشعرية الكثير مما يمكن البحث فيه والتأمل في دلالاته وصولاً إلى تجربة ذاتية مثيرة في تناول الذات والآخر، ولعل الحب واحداً مما يمكن تناوله وصولاً إلى هذه العلاقة بين الطرفين.