مقدمة

تُعدّ المواجهة بين إيران وإسرائيل واحدة من أكثر الملفات تعقيدا في الشرق الأوسط، نظرا لتداخل الأبعاد السياسية والعسكرية والعقائدية فيها. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تصعيدا غير مسبوق تمثّل في ضربة استباقية إسرائيلية استهدفت قيادات بارزة في النظام الإيراني ومنشآت نووية وعسكرية حساسة، وعلى الرغم من الرد الإيراني، لا يزال المشهد ضبابيا ويثير العديد من التساؤلات حول المسار الذي قد تسلكه طهران، في ظل التهديدات المتبادلة وحسابات الربح والخسارة.



الضربة الإسرائيلية وحدود الرد الإيراني

امتصّت إيران الضربة الاستباقية القوية التي استهدفت قيادتها السياسية والعسكرية، من قادة الجيش وعلماء الذرة والمسؤولين عن البرنامج النووي، إضافة إلى منشآت عسكرية ونووية وأمنية مختلفة. وقد ردّت إيران بردٍّ كان مهمّا ولم تشهده دولة الاحتلال منذ نشأتها، في الوقت ذاته لا يرقى إلى مستوى ما ورد في خطابات المرشد الأعلى والقادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين؛ إلا إن كان في حساب القادة الإيرانيين اتباع أسلوب الاستنزاف والطويل.

معضلة الخيارات أمام طهران

تجد إيران نفسها اليوم في وضع حرج ومعقّد، فإذا قررت تصاعد في توجيه ضربات قوية ومباشرة لإسرائيل -على فرض امتلاكها القدرة الفعلية على ذلك في ظل ما تعانيه من أعداء وليس عدوا- فإنها ستواجه بلا شك تدخّلا مباشرا من القوات الغربية، وعلى رأسها القوات الأمريكية. فقد دافع قادة غربيون مثل ترامب وماكرون وغيرهم عما وصفوه بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، حتى قبل الرد الإيراني، بل إن بعضهم لمّح إلى استعدادهم للقتال دفاعا عن إسرائيل إن تعرّضت لضربات إيرانية حقيقية تهدد بتغيير ميزان القوة، ما يعني أن هزيمة إسرائيل لن تكون خيارا مسموحا به في الحسابات الغربية في ظل غياب معسكر عالمي فعال مضاد.

أما إذا اكتفت إيران بردّ محدود وغير متناسب، فإنها تُخاطر بتواصل الضربات الإسرائيلية حتى تحقيق أهدافها المعلنة، وعلى رأسها تدمير البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين. وهذا السيناريو من شأنه أن يُفضي إلى هزيمة استراتيجية قاسية لإيران، قد تُحدث تصدعات داخلية وتُهدد استقرار ووجود النظام السياسي ذاته مع استبعادي لذلك.

التصعيد المحسوب كخيار تكتيكي

في حال اختارت طهران تصعيدا محسوبا، من خلال توجيه ضربات مؤلمة ولكن دون تجاوز الخطوط الحمراء -كعدم استهداف القواعد الأمريكية أو المساس بمضيق هرمز- والانخراط في حرب استنزاف تمتد لأسابيع وربما أكثر، فإن ذلك قد يسمح لها بـ"الانتصار" أو على الأقل بعدم الهزيمة أو بالحفاظ على ماء الوجه، ويمنحها فرصة للعودة إلى طاولة المفاوضات من موقع تفاوضي قوي نسبيا.

الغموض الاستراتيجي وسيناريو البجعة السوداء

بالرغم من كل هذه السيناريوهات، يظل المحلل الموضوعي بحاجة إلى مزيد من المعلومات لفهم حقيقة ما يجري، ليس فقط في العلن بل خلف الكواليس أيضا قبل إصدار أحكام حاسمة، ويبقى احتمال حدوث سيناريو "البجعة السوداء" قائما، أي ذلك الحدث المفاجئ غير المتوقع الذي إن وقع يُحدث تغييرا جذريا في المشهد الإقليمي بأكمله، مثل انهيار نظام أو اندلاع حرب شاملة أو تدخل روسي-صيني غير محسوب.

خيار التفاوض والثمن السياسي

أما إذا قررت إيران العودة إلى طاولة المفاوضات والقبول بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل ضمان بقاء النظام، فإنها تخاطر بفقدان مصداقيتها وكرامتها وميزان قوتها في المنطقة، وجزء كبير من نفوذها الإقليمي، وهو ما قد يؤدي لاحقا إلى تداعيات داخلية يصعب احتواؤها. في الوقت ذاته، فإن نجاحها في انتزاع ضمانات دولية لعدم إسقاط النظام قد يُعيد ترتيب المعادلة الإقليمية ويمنحها فرصة لترميم وضعها الاقتصادي والسياسي والعسكري داخليا، وسيعطيها دافعا قويا لامتلاك المزيد من الصواريخ الباليستية ولربما التسريع في امتلاك القنبلة النووية.

الأبعاد الإقليمية والدور الوسيط

لا يمكن عزل هذا الصراع عن شبكة التفاعلات الإقليمية المعقّدة. فحلفاء إيران كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، قد يتحركون ضمن نطاق ردود منسقة أو تلقائية تُربك إسرائيل وتشتّت تركيزها، خاصة ان تم استهداف المرشد علي خامئني الذي يُعد مرجعية دينية وليس سياسية فحسب. كما أن دولا مثل قطر وتركيا قد تلعب دور الوسيط لتفادي الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، بينما تظل الدول الخليجية في حالة ترقب وتحسّب.

خاتمة

إيران اليوم تقف على مفترق طرق خطير، كل خيار أمامها يحمل مخاطره وتكاليفه. ويعتمد مستقبل الصراع على مجموعة معقدة من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وعلى مدى قدرة الأطراف على إدارة الأزمة دون الانجرار إلى مواجهة شاملة. ويبقى الغموض عنصرا حاسما في هذا المشهد، مما يفرض على صناع القرار والمحللين مراقبة التطورات بكثير من الحذر والعمق، واستعدادا لكل الاحتمالات، بما في ذلك تلك التي لم تخطر على بال أحد بعد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء إيران إسرائيلية حرب إيران إسرائيل حرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ت إیران

إقرأ أيضاً:

عاجل| بوتين: الحل بين إيران وإسرائيل ممكن.. وروسيا تطرح رؤية لنظام عالمي جديد أكثر توازنًا

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، أن بلاده ترى إمكانية واقعية لحل الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، مؤكّدًا أن موسكو لا تسعى للعب دور الوسيط التقليدي، بل تطرح "أفكارًا عملية" يمكن أن تمهد الطريق لتهدئة التوترات.

وقال بوتين، في كلمته خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي: "نحن على تواصل يومي مع الأصدقاء في إيران، ونأمل أن تجد أفكارنا طريقها إلى التنفيذ"، مشددًا على أهمية معالجة الصراع من منطلق يحفظ السلام ويجنب المنطقة كوارث إضافية.

عاجل| نتنياهو: نستهدف منشآت إيران النووية فقط ولن نسمح لها بامتلاك القنبلة… وخامنئي يرد: إسرائيل تذوق جزاءها عاجل| إسرائيل تكثّف ضرباتها داخل إيران وتستهدف مواقع مدنية وعسكرية… وخامنئي: "العدو يلقى جزاءه" رفض روسي لتهديدات إسرائيل باغتيال خامنئي

وتعليقًا على تهديدات إسرائيلية باستهداف المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، أكد بوتين رفضه لأي خرق للسيادة الوطنية، قائلًا: "لطالما دافعت روسيا عن حق كل دولة في الحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، دون المساس بأمن وسلامة الآخرين"، في إشارة واضحة إلى رفض التصعيد العسكري من أي طرف.

بوتين عن أوكرانيا: لا نسعى للاستسلام ولكن للاعتراف بالواقع

وفي ملف الحرب مع أوكرانيا، جدّد بوتين موقفه بأن روسيا لا تطالب باستسلام غير مشروط من كييف، لكنه شدد في المقابل على ضرورة أن "تقرّ أوكرانيا بالواقع على الأرض"، مضيفًا أن الإجراءات الروسية في أوكرانيا تستند إلى "موقف قوة وحق مشروع في حماية الشعب الروسي داخل الأراضي الأوكرانية".

عاجل| روسيا تحذر: هجمات إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية تنذر بكارثة نووية غير مسبوقة عاجل| إيران تتهم إسرائيل بارتكاب "جريمة حرب نووية" وتدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته

وقال الرئيس الروسي إن بلاده حاولت مرارًا تجنب التصعيد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، متهمًا حلف الناتو بالتوسع شرقًا رغم الوعود السابقة، وأضاف: "لقد تجاهلوا دعواتنا مرارًا، وهذا يعكس ممارسات استعمارية جديدة ارتُكبت بحق روسيا".

القرم ولوغانسك في قلب الاستراتيجية الروسية

أوضح بوتين أن الخطوات التي اتخذتها روسيا في القرم ولوغانسك جاءت ردًا على محاولات غربية لإشعال صراع عسكري، وقال: "لم نكن من بدأ الحرب في جنوب شرق أوكرانيا، بل خصومنا هم من أطلقوها بدعم خارجي سافر"، مشيرًا إلى أن هناك انقلابًا دستوريًا في أوكرانيا جرى "بدعم من قادة عالميين أنفقوا ملايين الدولارات لتحقيقه".

بلومبرغ: إيران استطاعت الولوج إلى كاميرات المنازل والتجسس داخل إسرائيل إيران: هاجمنا عاصمة إسرائيل السيبرانية نظام عالمي جديد في الأفق: روسيا والصين ترسمان الملامح

وفي محور استراتيجي بالغ الأهمية، أعلن بوتين أن العالم يتجه بشكل حتمي نحو نظام عالمي جديد، أكثر عدالة وتوازنًا، يخدم مصالح الأغلبية الساحقة من شعوب العالم. وقال: "روسيا والصين لا تسعيان لفرض هذا النظام، لكننا نحدد الإمكانيات والأشكال الممكنة له".

وتابع بوتين: "النظام العالمي الجديد سينشأ تلقائيًا مثل شروق الشمس، ومن غير الممكن تفاديه"، مشددًا على ضرورة تهيئة الظروف العالمية ليكون هذا النظام متوافقًا مع مصالح الدول، لا مبنيًا على الضغط والهيمنة كما كان الحال في العصور الاستعمارية.

الدبلوماسية لا القوة: رسالة روسية للعالم

اختتم بوتين كلمته برسالة تؤكد أن الحلول الدبلوماسية لا تزال متاحة، قائلًا: "البحث عن مقاربات عادلة أكثر جدوى من تكرار تجارب الضغط والتهديد التي لم تثمر سوى عن اضطرابات"، مؤكدًا أن بلاده ستواصل العمل مع الشركاء العالميين لتأسيس توازن جديد في العلاقات الدولية.


 

مقالات مشابهة

  • صراع الهاوية / بقلم هبة عمران طوالبة 
  • باحث: إسرائيل تستهدف إسقاط النظام الإيراني باغتيال القادة
  • معركة في البحر الأحمر؟ تحذيرات دولية من تصعيد الحوثيين وسط صراع إيران وإسرائيل
  • هل الحوثيون في ورطة؟ صراع إيران وإسرائيل يضعهم على المحك!
  • نيويورك تايمز: تأجيل ترامب للهجوم على إيران يضع إسرائيل في مأزق استراتيجي
  • غوتيريش: نقف على حافة الهاوية
  • عاجل| بوتين: الحل بين إيران وإسرائيل ممكن.. وروسيا تطرح رؤية لنظام عالمي جديد أكثر توازنًا
  • إيران وإسرائيل على حافة انفجار إقليمي واسع... وسباق دبلوماسي لاحتواء الأزمة النووية
  • الحرب مع إسرائيل والداخل الإيراني: هل تكرّس سيطرة النظام أم تسرّع بنهايته؟