خبير مصرفي: تمصير النموذج الياباني ضرورة لدفع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مصر
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
أكد الدكتور ايمن غنيم استاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية والخبير المصرفي، تولى القيادة السياسية المصرية أهمية قصوى لتصنيع مصر، إيماناً منها أن الخروج بالشعب المصري مما أسمته حقاً "بدائرة العوز" لن يكون إلا بتنمية الدخل القومي بناءً على إنتاج حقيقي يسد احتياجات السوق المحلي المتزايدة وينطلق نحو آفاق التصدير، سواء في الدائرة الإفريقية، التي استعادت مصر مكانتها الريادية فيها، أو في الدائرة الآسيوية، من خلال الاختراق الدبلوماسي الذي أنجزته مصر الجمهورية الجديدة، بانضمامها لتجمع البريكس، أو الدائرة الأوسع - أوروبياً وأمريكياً.
وأضاف أنه منذ أن انتخب الرئيس عبد الفتاح السيسي في ٢٠١٤ وهو يقود الجمهورية الجديدة في عمل دائب، يصل الليل بالنهار، على مسارات متعددة ومتوازية لتحقيق ذلك الهدف الجلل. فكان الأساس الذي بدأت به مصر، هو ذلك المشروع القومي الطموح لتحديث البنية التحتية، من طرق وكباري وأنفاق وطاقة، فرأينا خلال التسعة أعوام الماضية عملية بنائية لم تشهدها مصر منذ عهد محمد علي، بإجمالي استثمارات تربو على ٨ تريليون جنيه مصري.
وقال :"لقد أضافت مصر ٧ آلاف كم إلى شبكة الطرق الوطنية، ارتفعت بها إلى ٣١ ألف كم وقامت برفع كفاءة وتهيئة ١٠ آلاف كم من الطرق الموجودة فعلاً، وإنشاء أكثر من ألف كوبري ونفق جديد، ذلك غير المحاور العرضية على النيل. وفي مجال الطاقة، فقد توسعت القدرة الإنتاجية المصرية للكهرباء من ٣١ جيجاوات ساعة في ٢٠١٣ إلى ٥٩ جيجاوات ساعة في ٢٠١٩، وهو ما يساوي ٢,٨ حجم محطة إنتاج الكهرباء بالسد العالي (بعد توسعاتها المتتالية من سنة ١٩٧٠). ووضعت القيادة نصب عينيها أن يكون هذا البناء في خدمة الصناعة، فشرعت منذ اليوم الأول لتوليها أمانة المسئولية في إنشاء ١٧ مجمعاً صناعياً في ١٥ محافظة على امتداد الجمهوية، فضلاً عن تشييد ٤ مدن صناعية متخصصة".
وتابع :"بالتوازي مع هذه الحركة البنائية والتى مازال هديرها دائراً حتى الآن، فقد قدمت الجمهورية الجديدة ترسانة من القوانين الاقتصادية التي تمكن الحكومة من توفير الحوافز المشجعة للاستثمار الإنتاجي، لعل أبرزها القانون رقم (١٥٢) لسنة ٢٠٢٠ والخاص بتنمية وتشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر والذي أوجد تعريفاً اقتصادياً موحداً لتلك المشروعات، سواء كانت متناهية الصغر - بحجم أعمال سنوي أقل من مليون جم، أو صغيرة - من مليون وحتى أقل من ٥٠ مليون جم، أو متوسطة - من ٥٠ مليون وحتى أقل من ٢٠٠ مليون جم. ولا ننسى القانون رقم (٧٢) لسنة ٢٠١٧ والخاص بتشجيع الاستثمار، والحوافز المالية والإجرائية التي قدمها، ولعل أبرزها الإعفاءات الضريبية التي تصل إلى ٣٠٪ للمنطقة (ب) - المشروعات كثيفة العمالة والصغيرة والمتوسطة والمادة رقم (٤٨) والتي تعطي لمجلس الوزراء حق منح "الرخصة الذهبية" للمشروعات الهامة والمستعجلة التي تخدم خطة الدولة لتحقيق التنمية وزيادة التشغيل".
وقال إن قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر يمثل الآن أكثر من ٩٣٪ من عدد الشركات العاملة في مصر ويوظِّف ٧٧٪ من حجم العمالة. ويمتاز هذا القطاع بأن مشروعاته لا تحتاج لفترة طويلة لتصل لنقطة تعادل الإيرادات والنفقات، وباعتمادها أساساً على مكونات محلية وارتباطها (ولاسيما في الأقاليم) بالبيئة والخامات المحلية. كما يمثل ذلك
لقطاع مشروعات مغذية لكثير من الصناعات الكبرى والثقيلة مثل صناعة السيارات والحديد والصلب والأسمنت والكابلات. لقد قدَّم جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر قروضاً تربو على ٤٠ مليار جم، كما زادت محفظة البنوك من التسهيلات الائتمانية المقدمة لذلك القطاع عن ٤٠٠ مليار جم، بعد أن أوجب البنك المركزي المصري على المصارف أن توجه ما لا يقل عن ٢٥٪ من تسهيلاتها (بدون ضمانات نقدية) للمشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.
وأضاف إن اهتمام الدولة وتوفر التمويلات، فضلاً عن أهمية القطاع، يوجب علينا جميعاً البحث عن أهم التحديات التي تواجه القطاع والاستفادة من التجارب العالمية للتغلب عليها. ولا شك أن أهم التحديات الآن هو التسويق، فإن المنتج الصغير عادة ما يكون ملماً بالتفاصيل التقنية لعملية الإنتاج وقادراً (في ظل تشجيع الدولة) على الحصول على التمويل. ولعل النموذج الياباني، فيما بعد الحرب العالمية الثانية، يعتبر من أنجح النماذج في مضمار التسويق. فقد عملت اليابان على ربط السفارات ومكاتب التمثيل التجاري بوزارة التجارة والصناعة والمشروعات الصغيرة. فعلى سبيل المثال: تقوم القنصلية اليابانية في سان فرانسيسكو بدراسة احتياجات السوق الموسمية، وتحدد احتياج المتاجر الكبرى لعدد ١٠٠ ألف لعبة أطفال (بمواصفات معينة) قبل موسم الكريسماس، ثم تبرق إلى وزارة التجارة والصناعة، والتي بدورها تطرح مناقصة للورش والمصانع الصغيرة لتوريد تلك المنتجات للوزارة كمشتري، ثم تقوم الوزارة ببيعها إلى المتاجر الأمريكية. إن هذا النموذج يحقق الآتي: ١) توجيه التصدير بالعملة الصعبة من خلال الحكومة مباشرة، ٢) بيع المنتج الصغير للحكومة بالعملة المحلية، ٣) منع استغلال المستوردين للمنتج الصغير بالشراء بأقل من أسعار السوق، ٤) إشراف ومتابعة وزارة الصناعة لكافة مراحل العملية الإنتاجية، لضمان جودة المنتج والحفاظ على سمعة الصادرات الوطنية، ٥) وأخيراً وليس آخراً، النمو المستمر للمشروعات الصغيرة التي تشارك في تلك المنظومة. إن مصر بما لديها من سفارات وقنصليات ومكاتب للتمثيل التجاري، لقادرة على تمصير ذلك النموذج، ولا ننسى الدور المتميز الذي لعبته "شركة النصر للتصدير والاستيراد" حتى أوائل السبعينيات في دول أفريقيا حديثة الاستقلال. ونحن نطمح في ظل استعادة مصر السيسي لدورها القيادي في أفريقيا وآسيا أن تعود الصادرات المصرية على أرفف المتاجر بتلك الدول، سفيراً لمصر ورمزاً لقوتها الناعمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصناعات الصغيرة والمتوسطة الرئيس عبد الفتاح السيسي تحديث البنية التحتية شبكة الطرق الوطنية المتوسطة والصغیرة والمتناهیة الصغر
إقرأ أيضاً:
مادلين: جدوى السفينة الصغيرة في مواجهة الاحتلال
اقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية فجر الاثنين (9 يونيو/ حزيران 2025) السفينة "مادلين" التابعة لأسطول الحرية (FFC) التي تحمل 12 ناشطًا دوليًا وشحنة رمزية من المساعدات بهدف كسر الحصار البحري على غزة، وذلك أثناء وجودها في المياه الدولية، بالقرب من شواطئ غزة.
وأفادت تقارير بأنّ السفينة تعرضت لتشويش في الاتصالات ورش بمادة بيضاء مهيجة من طائرات مسيرة قبل عملية الاقتحام. ووثّق النشطاء على متن السفينة اللحظات الأخيرة قبل انقطاع الاتصال، حيث ظهروا وهم يرتدون سترات النجاة ويستعدون للاعتقال، مع دعوات لإلقاء الهواتف المحمولة في البحر.
أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن السفينة "مادلين" في طريقها إلى إسرائيل، ووصفت المبادرة بأنها "استعراض إعلامي"، مشيرة إلى أن المساعدات على متنها سيتم تحويلها إلى غزة عبر القنوات الإنسانية الرسمية، وأن الركاب سيُعادون إلى بلدانهم الأصلية.
وجاءت خطوة انطلاق هذه السفينة بعد حرب إبادة تشنها إسرائيل على سكان قطاع غزة، حيث شددت إغلاقها البري والبحري والجوي على القطاع بشكل غير مسبوق، مما أدّى إلى نقص حادّ في الغذاء والمواد الأساسية لأكثر من 90 يومًا.
ولهذا، مثلت رحلة السفينة مادلين محاولة جديدة وشجاعة لمقاومة الحصار، وإعادة طرح ملفه على الساحة الدولية، ما يطرح تساؤلات حول خلفيات هذه المحاولة، وسوابق محاولات كسر الحصار بحريًا، وما يقوله القانون الدولي وقانون البحار في شأن حصار غزة، واعتراض السفن المدنية، وأخيرًا حول فرص نجاح مثل هذه الجهود فعليًا في إنهاء الحصار.
إعلان لماذا سفينة "مادلين"؟جاء إطلاق سفينة "مادلين" في ربيع 2025 كاستجابة مباشرة للتدهور الإنساني غير المسبوق في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، وكثمرة لتنسيق دولي ضمن ائتلاف أسطول الحرية. اختير اسم "مادلين" تيمّنًا بأول سيدة تعمل بصيد الأسماك في غزة، في إشارة إلى الصمود الفلسطيني، وقدرة النساء على خوض غمار التحدي.
وشارك في الرحلة ناشطون بارزون، منهم السويدية غريتا تونبرغ، والممثل الأيرلندي ليام كاننغهام، بهدف جذب الأنظار عالميًا لمعاناة نحو مليونَي فلسطيني محاصرين. وأكد المنظمون على الطبيعة الإنسانية والاحتجاجية للمهمة: فالسفينة تحمل كميات محدودة لكن رمزية من الإمدادات الطبية والغذائية، وتهدف إلى التحدي المباشر للحصار الإسرائيلي المفروض بحرًا على غزة.
هذه المحاولة جاءت أيضًا بعد أحداث مقلقة تعرضت لها مؤخرًا سفينة أخرى تابعة لأسطول الحرية تحمل اسم "الضمير" في مطلع مايو/ أيار 2025 إذ تم مهاجمتها بواسطة طائرتي درون مجهولتين في عرض البحر الأبيض المتوسط قرب مالطا، مما أعاق إبحارها.
وقد وجّه الائتلاف أصابع الاتهام إلى إسرائيل بتنفيذ ذلك الهجوم غير المسبوق لمنع وصول أي سفينة إلى غزة. ورغم عدم اعتراف إسرائيل أو تعليقها على الحادثة، اعتُبر استهداف سفينة مدنية في المياه الدولية تصعيدًا خطيرًا، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وأشارت تونبرغ، التي كان من المقرر أن تبحر على متن "الضمير" قبل الهجوم، إلى أنهم "مستمرون في المحاولة مهما كانت الصعاب"، مضيفة أن خطر هذه المهمة لا يُقارن بخطورة صمت العالم على ما يُرتكب من إبادة بحق حياة المدنيين في غزة.
وتعكس هذه التصريحات دافعًا أخلاقيًا قويًا لدى النشطاء، فهم يعتبرون أن التقاعس الدولي عن إنهاء الحصار يفقد المجتمع الدولي إنسانيته، لذا يجب التحرك ولو بسفينة مدنية صغيرة. وقد شدّد الناشطون قبل انطلاق رحلتهم على أنهم على تواصل مع هيئات قانونية وحقوقية دولية؛ لضمان سلامة المتطوعين، وحذروا من أن أي اعتراض بالقوة لسفينة مادلين سيُعدّ "انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني" (وهو ما حدث).
إعلانكما تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا رفضت طلبًا إسرائيليًا لمنع انطلاق السفينة، رغم أنها ترفع العلم البريطاني، ما اعتُبر مؤشرًا سياسيًا على عدم شرعية منع الرحلة قانونيًا.
باختصار، تمثل "مادلين" جهدًا دوليًا منسقًا يجمع بين الرمزية الإنسانية: (إيصال مساعدات رمزية، وإحياء الأمل لدى سكان غزة)، وبين الاحتجاج المدني السلمي الذي يكشف طبيعة الحصار. إنها صرخة في وجه استمرار حصار عمره الآن قرابة 17 عامًا، تُطلقها مجموعة من نشطاء المجتمع المدني نتيحة تخلي الحكومات عن أداء واجباتها القانونية والأخلاقية.
وكما قال الممثل ليام كاننغهام أثناء توديع السفينة في ميناء قطانية: "عندما لا تقوم الحكومات بالوقوف عند التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي، يتعين على مجموعة متنوعة مثل هذه أن تحاول تحقيق ذلك".
تجارب تاريخية لكسر الحصار البحريليست سفينة "مادلين" سوى الفصل الأحدث في سلسلة من المحاولات البحرية لكسر الحصار المفروض على غزة. أول اختراق ناجح سُجّل في أغسطس/ آب 2008 عبر حركة "غزة الحرة"، حيث وصلت سفينتا "الحرية" و"غزة الحرة" إلى ميناء غزة، حاملتين متضامنين دوليين ومساعدات رمزية. تكررت الرحلات في خريف العام نفسه، أبرزها سفينة "الكرامة"، لكن إسرائيل سرعان ما شدّدت الحصار وبدأت باعتراض السفن.
بلغت المواجهة ذروتها في مايو/ أيار 2010 مع "أسطول الحرية" المؤلف من ستّ سفن، أبرزها "مافي مرمرة" التركية. اعترضت البحرية الإسرائيلية الأسطول في المياه الدولية، وأنزلت قوات كوماندوز إلى السفينة، ما أدى إلى مقتل تسعة متضامنين وإصابة العشرات (وتوفي عاشر لاحقًا).
وقد دان تقرير أممي الحادثة، مشيرًا إلى أن بعض القتلى أُعدموا من مسافة قريبة. أدّت المجزرة إلى أزمة بين تركيا وإسرائيل، وأرغمت الأخيرة على تخفيف جزئي للحصار البري في يونيو/ حزيران 2010، عبر السماح بدخول بعض السلع المدنية. أما الحصار البحري، فاستمر بأشكال مختلفة حتى اليوم.
إعلانوبعد مجزرة مرمرة عام 2010، واصل "أسطول الحرية" محاولاته لكسر الحصار على غزة بأساليب سلمية لتفادي إراقة الدماء. بين 2011 و2018، أبحرت عدة سفن وقوارب، منها "قارب النساء"، لكنها جميعًا اعترضت دون عنف من البحرية الإسرائيلية التي احتجزت النشطاء مؤقتًا ثم رحّلتهم. ورغم تنوّع المبادرات، بقي نمط التعامل الإسرائيلي ثابتًا: اعتراض السفن قبل وصولها، ومصادرتها أو تفتيشها، دون السماح بالوصول لغزة. بيدَ أن هذه الجهود، رغم منعها ميدانيًا، ساهمت في فضح الحصار، إحراج إسرائيل، وإبقاء القضية حيّة دوليًا، وصولًا إلى تنازلات جزئية، منها تخفيف بعض القيود، والاعتذار لتركيا عام 2016.
الحصار البحري على غزة: قرصنة مشرعنةأثار اعتراض السفن المدنية المتجهة إلى غزة أسئلة حاسمة حول مشروعية الحصار الإسرائيلي وتصرفاته في عرض البحر. فالقانون الدولي الإنساني لا يجيز فرض الحصار إلا بشروط صارمة، وعلى رأسها ألا يُستخدم لمعاقبة السكان المدنيين أو حرمانهم من احتياجاتهم الأساسية.
المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظره صراحة باعتباره عقابًا جماعيًا. وبحسب بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عام 2010، فإن حصار غزة يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، إذ فُرض لمعاقبة سكان القطاع سياسيًا، وكانت آثاره المدمرة دليلًا على طبيعته غير القانونية.
أما من منظور القانون البحري، فلا يحق لأي دولة – خارج تفويض من مجلس الأمن – فرض حصار على إقليم آخر، لا سيما إذا كان يستهدف مناطق مدنية. اعتراض إسرائيل للسفن في أعالي البحار، كما حدث في "أسطول الحرية" و"الضمير" ثم في "مادلين"، يتجاوز القواعد المعمول بها دوليًا. فوفق "دليل سان ريمو" و"دليل نيوبورت"، لا يجوز استخدام القوة ضد سفن مدنية إلا بعد إنذارها ورفضها الواضح التفتيشَ. الهجمات الإسرائيلية، التي غالبًا ما تتم دون سابق إنذار، تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون البحري الدولي.
إعلانوتذهب بعض الآراء الحقوقية إلى وصف هذه الممارسات بأنها قرصنة بحرية برعاية دولة، خصوصًا حين تُرتكب في المياه الدولية ضد سفن إغاثة. وقد خلص تقرير لجنة الأمم المتحدة عام 2011 إلى أن استخدام القوة ضد "مرمرة" كان مفرطًا وغير مبرر، فيما رفض مجلس حقوق الإنسان لاحقًا أي تبرير قانوني للحصار، معتبرًا أنه يُخضع مليونَي فلسطيني لعقوبة جماعية.
وعلى ضوء التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال، فإن القانون الدولي يلزمها بضمان وصول المساعدات وحماية المدنيين. وقد وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحصار بأنه "خنق غير مشروع"، كما اعتبره الاتحاد الأوروبي "غير مقبول.
جدوى السفن الصغيرةبعد استعراض السياق التاريخي والقانوني، يبرز السؤال المحوري: هل يمكن لمبادرات مدنية بحرية كهذه أن تُحدث تغييرًا ملموسًا وتنهي حصار غزة فعليًا؟ من الناحية العملية البحتة، تمتلك إسرائيل تفوقًا عسكريًا مطلقًا في البحر المتوسط جعل من المستحيل لسفينة صغيرة كسفينة "مادلين" اختراق الدفاعات البحرية والوصول إلى شاطئ غزة عنوةً.
لقد أثبتت التجارب منذ 2008 أن إسرائيل ستستخدم كل ما لديها – من وسائل دبلوماسية وضغوط على الدول وحتى القوة العسكرية المباشرة – للحيلولة دون رسوّ أي مركب دولي في غزة دون إذنها. وبالتالي، فإن احتمال نجاح مادي مباشر لمثل هذه الرحلات في تفريغ حمولتها بميناء غزة يظل ضئيلًا جدًا ما لم يحصل متغير غير عادي (كأن ترافقها مثلًا قطع بحرية لدول متعاطفة أو حماية أممية، وهو أمر غير متاح حاليًا).
بيد أن النظر إلى الجدوى فقط بمنظار مادي آنيّ قد لا يكون منصفًا لتقييم هذه التحركات. فنجاح هذه المحاولات يُقاس أيضًا بأثرها السياسي والإعلامي وبما تحدثه من حراك دبلوماسي وضغط شعبي على الحكومات.
لقد رأينا كيف أدى سقوط ضحايا في 2010 إلى تخفيف قبضة الحصار ولو جزئيًا، وكيف أن وجود شخصيات مرموقة اليوم مثل غريتا تونبرغ يعطي القضية زخمًا إعلاميًا عالميًا. كما أن الإصرار المتكرر عامًا بعد عام على تسيير القوارب، حتى لو كانت تُعاد على أعقابها، قد ساهم في إبقاء مأساة غزة حيّة في الضمير العالمي، وعدم تطبيع الحصار كأمر واقع.
إعلانلقد نجح النشطاء في فضح السياسات الإسرائيلية ووصفها بصوت عالٍ بأنها غير شرعية بل وإبادة بطيئة كما لمحت تونبرغ وآخرون، وساعدوا في تعبئة الرأي العام الدولي عبر حملات التضامن والإعلام البديل. وهذه العوامل تشكل بدورها ضغطًا على صنّاع القرار في العواصم الغربية وفي الأمم المتحدة للتحرك – ولو تدريجيًا- نحو معالجة الأزمة الإنسانية في غزة.
ومن المنظور القانوني، تُمثّل هذه المحاولات المدنية السلمية رسالة واضحة بأن الحصار الإسرائيلي يفتقر إلى أي غطاء دولي أو قبول قانوني، وأن هناك من يجرؤ على تحدّيه باسم القانون وحقوق الإنسان. فحين يواجه متطوّعون عزّل قوة بحرية كبرى، فإنهم يعرّون تقاعس المجتمع الدولي، ويجسدون واجبًا إنسانيًا أهملته الحكومات.
وكما قال ليام كاننغهام، فإن عجز الدول عن الوفاء بالتزاماتها القانونية دفع النشطاء المدنيين للتحرك. وبذلك، تُضاعف هذه الجهود من الكلفة السياسية والمعنوية لاستمرار الحصار، وتُبقي على مسؤولية الدول الكبرى في دائرة الضوء.
ومع ذلك، من الواضح أن رفع الحصار عن غزة لن يتحقق دفعة واحدة عبر قارب أو مبادرة رمزية، لأن المشكلة أعمق من الحصار نفسه؛ فهي متجذّرة في وجود منظومة احتلال لا تُساوَم، بل يجب أن تزول.
غير أن هذا الاحتلال لا يستمد استمراره من قوته الذاتية فحسب، بل من رعاية دولية منظّمة، تقدمها قوى كبرى توفر له الحماية السياسية والعسكرية على امتداد الساحة الدولية. وهذا ما يجعل مهمة تفكيكه أكثر تعقيدًا، ويجعل من كل محاولة مدنية – مهما بدت بسيطة – فعلًا مقاومًا يواجه هذه المنظومة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline