في كل عام يعتقد الناس في سلطنة عُمان وفي عموم الجزيرة العربية أن حرارة الصيف في ذلك العام هي الأشد على الإطلاق كما حدث خلال أيام عيد الأضحى الأسبوع الماضي، وكان البعض يرد على مثل هذا الادعاء أن حرارة الصيف في الجزيرة العربية شديدة على الدوام، وأن ذاكرة الناس القصيرة هي التي تجعل البعض يعتقد أن هذا الصيف أكثر حرارة عن سابقه.
إن الحقيقة التي يثبتها العلم الآن أن سلطنة عُمان وشبه الجزيرة العربية، وفي الحقيقة العالم أجمع، متأثر بشكل واضح بالتغيرات المناخية، وأن تصوّر أن كل عام يكون أكثر سخونة من العام الذي سبقه ليس مجرد ادعاء، بل تدعمه البيانات العلمية والمتوسطات السنوية لدرجات الحرارة. لقد شهدت سلطنة عُمان وجزيرة العرب ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة خلال العقد الماضي، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر ما لم تكن هناك تدابير من شأنها أن تغير هذا الاتجاه.. على أن مثل هذه التدابير تحتاج إلى وقت طويل نسبيا حتى نلحظ آثارها بشكل ملموس.
وعلى مدى العقد الماضي، شهدت شبه الجزيرة العربية ارتفاع درجات الحرارة بمعدل ينذر بالخطر. وتشير الدراسات إلى أن درجة الحرارة في هذه المنطقة زادت بنحو 0.63 درجة مئوية كل عقد، وتشير التوقعات إلى أن هذا الاتجاه سيستمر أو حتى يتسارع إذا استمرت الأنماط الحالية المسببة في انبعاث الغازات الدفيئة في العالم أجمع؛ حيث إن هذه الزيادة جزء من ظاهرة عالمية أوسع نطاقا، لكن المناخ الجاف في شبه الجزيرة العربية يجعلها عرضة بشكل خاص لمثل هذه التغيرات.
إن الآثار المترتبة على ارتفاع درجات الحرارة متعددة حيث تؤدي إلى تفاقم مشكلة ندرة المياه، وتضغط على أنظمة الطاقة، وتؤثر على الزراعة وصحة الإنسان. ويؤدي الطلب المتزايد على التبريد خلال فترات ذروة الحرارة إلى الضغط على شبكات الكهرباء ما يؤدي إلى احتمال انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع التكاليف كما حدث في بعض دول الخليج العربية خلال الأيام الماضية. علاوة على ذلك، فإن الآثار الصحية للتعرُّض لفترات طويلة للحرارة الشديدة تشمل ضربات الشمس، والجفاف، وتفاقم الحالات المزمنة.. وما زالت أحداث موسم الحج الأسبوع الماضي ماثلة أمام الجميع حيث لقي أكثر من ألف حاج مصرعهم بسبب شدة الحرارة.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن الدراسات تشير إلى أن العقد المقبل سيشهد ارتفاع درجات الحرارة في شبه الجزيرة العربية بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية إضافية إذا لم يعالج العالم مشكلة انبعاث الغازات الدفيئة.
ويتطلب التصدي للتحديات الناتجة عن التغيرات المناخية نهجا بمسارات متعددة، حيث تؤدي الإجراءات الفردية والجماعية أدوارا مهمة جدا لا يمكن التقليل من أثرها على المديَين المتوسط والبعيد. وعلى المستوى الفردي، فإن الحد من استهلاك الطاقة من خلال اعتماد سلوك يوفر الطاقة، وتغيير سلوك استخدام المركبات في وقت يمكن فيه استخدام مركبات أقل أو استخدام وسائل النقل العامة في حالة توفرها، ودعم مبادرات الطاقة المتجددة.. مبادرات يمكن أن تحدث فرقا واضحا مع الوقت؛ فكل عمل صغير، مثل زراعة الأشجار والحد من هدر المياه، يساهم في الجهد الأكبر لكبح جماح التغيرات المناخية المتسارعة.
وعلى مستوى الحكومات فليس جديدا القول إنها تحتاج إلى استثمارات أكبر في البنية التحتية المستدامة ومصادر الطاقة المتجددة. وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة على أهمية تنويع مزيج الطاقة ليشمل المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تعد أقل اعتمادا على المياه وأكثر قدرة على الصمود في مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة.
ويمكن لبلدان شبه الجزيرة العربية الاستفادة من الموارد والاستراتيجيات المشتركة لمكافحة تغير المناخ. ومن الممكن أن تعمل المشاريع التعاونية، مثل تطوير مزارع الطاقة الشمسية العابرة للحدود وأنظمة إدارة المياه المشتركة، على تعزيز القدرة على الصمود في منطقة لا تحتمل أي زيادة في درجات الحرارة أو نقص إضافي في المياه.
ولا بد أن يعلم الجميع أن أي خطوة استباقية اليوم، يمكن أن تجعلنا نأمل في غد أقل حرارة وأكثر مياها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شبه الجزیرة العربیة درجات الحرارة
إقرأ أيضاً:
ما الذي نعرفه عن العلاقة بين التغيرات المناخية وموجات الحر؟
مع بلوغ درجات الحرارة في أوروبا مستويات غير مسبوقة، تبحث "يوروفيرفاي" فيما إذا كان التغير المناخي الناتج عن نشاطات الإنسان هو العامل المباشر وراء هذه الظاهرة. اعلان
من المتوقع أن تسجّل عدة دول أوروبية ارتفاعًا إضافيًا في درجات الحرارة يوم الأربعاء، مع استمرار ضغط جوي عالٍ، ويحذّر الخبراء من أن الطقس الحار لم يعد استثناءً، بل أصبح القاعدة الجديدة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في وقت سابق من هذا الأسبوع: "لم تعد الحرارة الشديدة حدثًا نادرًا، بل أصبحت الوضع الطبيعي الجديد".
موجة الحر غير المسبوقة التي تشهدها أوروبا سببها "القبة الحرارية"، وهي ظاهرة تحدث عندما يستقر ضغط جوي مرتفع فوق منطقة واسعة، فيحبس الهواء الساخن ويمنعه من التحرك، مما يؤدي إلى تراكم الحرارة وارتفاعها بشكل كبير.
إلا أن الاحتباس الحراري الناجم عن نشاطات الإنسان، وعقود من التلوث الذي يسببه الوقود الأحفوري، يزيد من وطأة هذه الموجات، التي أصبحت أيضًا محور اهتمام.
ويلفت العلماء إلى أن ربط كل ظاهرة جوية بشكل مباشر بتغير المناخ أمر غير دقيق، لأن موجات الحر قد تحدث حتى بدون تغير المناخ.
لكن هناك اتفاق علمي على أن الاحتباس الحراري يجعلها أكثر تكرارًا وشدةً ومدةً، مما قد يسبب مشاكل صحية خطيرة للناس.
موجات الحر الأكثر حرارة ستبقىقام باحثون في موقع "كاربون بريف" مؤخرًا برسم خريطة لجميع الدراسات العلمية المنشورة، بهدف إيضاح كيفية تأثير التغير المناخي على الطقس المتطرف.
شمل هذا التحليل 116 حدثًا مرتبطًا بالحرارة في أوروبا، ووجد العلماء أن 110 منها (أي ما يعادل 95%) أصبحت أكثر وتيرةً أو شدةً بسبب تغير المناخ.
وتشير تقديرات العلماء في مؤسسة "World Weather Attribution" إلى أن احتمال حدوث موجات الحر في شهر يونيو ازداد بحوالي عشرة أضعاف الآن مقارنةً بعصر ما قبل الثورة الصناعية بسبب تأثير التغير المناخي.
ويقول آخرون إن الأحداث الجوية التي تؤدي إلى موجات الحر قد تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا من حيث القوة والمدة منذ خمسينيات القرن الماضي.
وتُعرّف الموجات الحارة بأنها فترة طويلة — تدوم عادةً ثلاثة أيام على الأقل — من درجات حرارة أعلى من المعتاد. لكن عتبتها تختلف بين الدول، وحتى داخل البلد نفسه.
على سبيل المثال، يجب أن تصل درجات الحرارة إلى 39 درجة مئوية على مدى فترة طويلة في أثينا حتى تُصنّف كموجة حارة، أما في هلسنكي فلا يلزم سوى 25 درجة مئوية فقط لاستيفاء المعايير.
تحدث هذه الظواهر بمعدّل أكبر لأن متوسط درجات الحرارة ارتفع عمومًا بسبب تغيّر المناخ، مما يزيد من احتمال حدوث موجات حر.
ويشرح فاليريو لوكاريني، عالم المناخ في جامعة ليستر، أن الشذوذات المناخية أصبحت الآن أكثر ثباتًا واستمرارية.
ويضيف: "نظرًا لتغيّر ديناميكية الغلاف الجوي، فإن احتمالية حدوث ما يُعرف بـ'التدفّقات المحظورة' أصبحت أعلى"، في إشارة إلى أنظمة الضغط المرتفع التي تستمرّ لفترة طويلة وتتسبّب في موجات حرارة مطوّلة.
ويتابع: "هذه الأنماط تؤدي إلى شذوذات حرارية قويّة تدوم لفترات أطول".
وفقًا لدراسة أجراها لوكاريني وفريق من الباحثين الأوروبيين ضمن مشروع ClimaMeter، فإن موجات الحر الحالية في أوروبا قد تكون أكثر سخونة وجفافًا بما يصل إلى 2.5 درجة مئوية مما كانت عليه في السابق بسبب التغيّر المناخي.
وفي السياق نفسه، تقول سامانثا بورجيس، نائبة مدير خدمة كوبرنيكوس لتغيّر المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، في تصريح لـ"يورونيوز": "نحن نمرّ بموجة حر غير مسبوقة على مستوى القارة، كانت لتكون أقل حرارة لولا تأثير تغيّر المناخ".
وتوضح قائلةً: "هذه الموجة الحارة لافتة لثلاثة أسباب: شدة درجات الحرارة القصوى المتوقعة على مناطق واسعة، والمدى الجغرافي للشذوذ الحراري وأنها أتت في أول فترات الصيف".
وتضيف بورجيس أن موجات الحر الشديدة التي تحدث في أوائل الصيف أو نهايته أصبحت أكثر تكرارًا، ما يعني أن الفترة السنوية التي تزداد فيها مخاطر الإجهاد الحراري آخذة في التمدّد.
Relatedموجة حر غير مسبوقة تجتاح شرق روسيا: حرارة قياسية وحرائق تهدد السكان والمنشآتتوقعات بوفاة أكثر من 4,500 شخص خلال اليومين المقبلين في أوروبا بسبب موجة الحرحديقة حيوان براغ تستخدم أطنانًا من الثلج لتبريد الحيوانات أثناء موجة الحرلماذا أوروبا أكثر تأثرًا بشكل خاص؟تُعدّ أوروبا القارة الأسرع ارتفاعًا في درجات الحرارة، حيث تسجّل زيادة في المتوسط بنحو 0.5 درجة مئوية كل عقد، مقارنة بـ0.2 درجة على المستوى العالمي.
ويساهم قربها من القطب الشمالي – المنطقة الأسرع احترارًا على الكوكب – في تسارع هذا الارتفاع، مما يجعلها أكثر تأثرًا من غيرها.
فمن بين أشدّ 30 موجة حارة ضربتها بين عامي 1950 و2023، وقعت 23 منها منذ عام 2000، وفقًا لمركز المناخ الإقليمي لأوروبا التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).
ويعتقد العلماء أن جنوب القارة ومنطقة البحر الأبيض المتوسط معرضان بشكل خاص، نظرًا لموقعهما الجغرافي بين المناطق شبه الاستوائية الجافة في شمال أفريقيا والأجزاء الأكثر رطوبة في شمالها.
وخلصت دراسة أُجريت عام 2020 إلى أن هذا الموقع يجلب ضغطًا سطحيًا مرتفعًا غير معتاد فوق حوض المتوسط، بالإضافة إلى تدفّق هواء حار وجاف من الصحراء الكبرى نحو المغرب وجنوب غرب أوروبا، مما يؤدي إلى زيادة تواتر الينابيع الجافة، ويُفضي إلى الجفاف الصيفي وموجات الحر.
ويرى العلماء أيضًا أن السلوك المتغير للتيار النفاث – وهي تيارات هوائية سريعة تدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق – يمكن أن يفسّر سبب تعرّض أوروبا وأمريكا الشمالية لموجات حر متزايدة، أحيانًا في الوقت نفسه.
وفي عام 2022، قال باحثون ألمان إن الظاهرة المعروفة باسم "التيار النفاث المزدوج" – حيث ينقسم التيار الهوائي، تاركًا الهواء الساخن محاصرًا فوق المنطقة – تُعدّ مسؤولة إلى حدّ كبير عن تزايد موجات الحر في غرب القارة.
ماذا عن موجات حرارة المحيطات؟ترتفع درجات حرارة المناطق البرية في أوروبا بشكل أسرع من المحيط، لكن البحر الأبيض المتوسط يشهد حاليًا درجات حرارة قياسية على سطح مياهه، بما في ذلك خلال شهر يونيو.
ويوضح البروفيسور لوكاريني أن "عندما تكون مياه البحر دافئة، فإنها تتبخر أكثر، ما يؤدي إلى تسخين الغلاف الجوي فوقها. وهذا التبخر يولد مزيدًا من الطاقة الكامنة للعواصف. لذا، هناك تغذية راجعة مستمرة بين الغلاف الجوي والمحيط".
ويشير إلى أن الموجة الحارة الحالية تزامنت مع فترة من درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير طبيعي — تجاوزت المتوسط بـ4 إلى 5 درجات مئوية — في أجزاء من حوض المتوسط.
ويضيف: "نحن نشهد شذوذًا حراريًا كبيرًا في درجات حرارة سطح البحر في غرب البحر الأبيض المتوسط وشرق المحيط الأطلسي".
ويتابع: "خذ مثلًا فرنسا، فهي محاطة بمياه شديدة السخونة، ما يجعلها أكثر عرضة لحدوث شذوذات حرارية طويلة الأمد ومستمرة على اليابسة، إضافة إلى عواصف رعدية قوية جدًا".
عواقب بعيدة المدىتشير التقديرات إلى أن الطقس البارد يتسبب حاليًا في عدد وفيات بأوروبا يفوق بعشرة أضعاف تلك الناجمة عن الحرارة. لكن تغيّر المناخ قد يعكس هذا الاتجاه، ويزيد من الوفيات المرتبطة بالحرارة.
وتقدّر دراسة للمفوضية الأوروبية أنه في حال عدم التخفيف من آثار التغير المناخي أو التكيف معها، فقد يتضاعف عدد الوفيات الناتجة عن الحرارة الشديدة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بمقدار ثلاثين مرة بحلول نهاية هذا القرن.
وبحلول الفترة نفسها، يُتوقّع أن ترتفع الوفيات المرتبطة بالحرارة في جنوب أوروبا بمقدار 9.3 مرات مقارنة بشمال القارة، علمًا بأن الفارق الحالي يبلغ نحو ست مرات.
وقد تؤدي الحرارة الشديدة أيضًا إلى ظواهر مناخية قاسية أخرى، مثل العواصف شبه الاستوائية، والجفاف، وحرائق الغابات.
ويوضح لوكاريني: "كلما ارتفعت درجات الحرارة، زاد التبخر من رطوبة التربة. وكلما جفّت التربة، ازداد جفاف الغطاء النباتي، مما يرفع خطر نشوب الحرائق بشكل كبير".
ويضيف: "لكن هذا لا يعني بالضرورة أننا سنشهد حريقًا، إذ ما زلنا بحاجة إلى مصدر للاشتعال".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة