اليقظة الإستراتيجية وشركات التكنولوجيا.. لقاء السحاب
تاريخ النشر: 2nd, July 2024 GMT
إذا سألنا المبتكرين وأصحاب الشركات العلمية الناشئة عن أهم المهارات الريادية لضمان استدامة أعمالهم، فإن معظم الاستجابات سوف تتمحور حول الإدارة المالية الجيدة، والتسويق المبتكر، وصناعة الهوية التجارية، والقدرة على البروز في وسائل التواصل الاجتماعي، والتفوق في إدارة السمعة الرقمية، وجميع هذه المهارات مهمة وضرورية، ولكن في الواقع هناك جزء لا يتعلمه المبتكرون في الجامعات، ولا يخبرهم به أحدٌ ممن سبقهم في ريادة الأعمال العلمية وهو «اليقظة الإستراتيجية»، وكما يشير الاسم، فإنها تعني في أبسط معانيها القدرة على اكتشاف الفرص، والتنبؤ بالمخاطر، والسؤال هنا: هل اليقظة الاستراتيجية مهارة عملية يمكن اكتسابها بالخبرة، أم أنها عملية أساسية في ريادة الأعمال العلمية والتكنولوجية؟
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من الشركات الناشئة العلمية هي في الأصل مشروعات تخرّج طلابية تمكنت من إنهاء مرحلة إضافية من التطوير التكنولوجي، وصارت بذلك مؤهلة لكي تنبثق إلى شركة طلابية، ثم تمكنت مع الدعم المالي والتقني من التوسع في نطاقها لتصبح شركة ناشئة قائمة على التكنولوجيا، وإذا أخذنا في الحسبان الإحصاءات التي تشير إلى أن نسبة عالية من هذه الشركات تتلاشى من عالم الأعمال خلال السنوات الثلاثة الأولى من تأسيسها فإن دور اليقظة الإستراتيجية يتعاظم هنا، فوجود هذا المكون هو بمثابة صمام الأمان في الاستكشاف المبكر للمخاطر الكامنة في بيئة الأعمال، وعلى سبيل المثال فإن أهم أسباب تراجع أداء الشركات العلمية خارج مختبرات الجامعات التي نشأت فيها هو قلة الدعم التقني، وهذا يعود إلى حقيقة أن مشروعات التخرج الطلابية تستمع بالرعاية والإشراف من قبل الأكاديميين والفنيين طوال فترة وجودها في الكلية، وبخروجها إلى عالم الأعمال ترتفع مخاطر تقادم المعرفة التقنية بشكل تلقائي، فالبعد المكاني عن مختبرات الجامعات والكليات والمراكز البحثية يوقف تدفق المعرفة وتحديثها، ويتطلب ذلك بذل جهد مضاعف من الشركات الناشئة لمواكبة التطورات العلمية، والمستجدات المتسارعة في التكنولوجيا، وهذا يضع عليها عبئًا إضافيًا في الوقت الذي تكون فيه الشركة منشغلة بالتكيف مع آثار الانفصال عن المؤسسة الحاضنة، وفي هذه المرحلة الحرجة والمتطلبة تحدث معظم حالات الإخفاق للشركات الناشئة العلمية.
ولذلك تجدر الإشارة إلى أن اليقظة الإستراتيجية هي في الأصل عملية منهجية وفكر إداري يقوم على أربع خطوات متعاقبة وهي التوقع والاكتشاف والمراقبة والتعلم، وهي عملية مستمرة وإن كانت في بعض الأحيان موسمية، ولكنها في المجمل لا تقتصر على مرحلة تأسيس الشركة الابتكارية أو العلمية، لأن ديناميكية البيئة الخارجية تفرض المواكبة والاستباقية المستدامة لكونها تتعلق بشكل مباشر بتغذية القرارات ذات الطابع المستقبلي، ولذلك فإن قدرة الشركة الناشئة على تحقيق التوازن بين المهام والوظائف الأساسية لمرحلة التأسيس وبين تطوير أدوات فهم الفرص والمخاطر من خلال جمع وتحليل المعلومات عن المتغيرات الخارجية يمكن أن يعزز من إمكانيات اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وبما يكسب الشركة قدرًا كبيرًا من الذكاء الاقتصادي، ويرفع بذلك من احتمالات البقاء والانتقال إلى مرحلة الرسوخ والإبداع.
وهذا يقودنا إلى النقطة المركزية في إبراز أهمية اليقظة الإستراتيجية في استدامة الشركات الناشئة والقائمة على التكنولوجيا، فجميع الشركات تدرك وبشكل ضمني بأن عليها أن تكون على اطلاع كامل بالمستجدات في مجال عملها لكي تتمكن من اغتنام الفرص التي تتهيأ لها، وفي الوقت ذاته يمكنها أن تتجنب المخاطر الاستثمارية، أو تهديدات المنافسين، وهي جوانب بديهية في ريادة الأعمال، ولكن الميزات التي تقدمها اليقظة الاستراتيجية يمكن وصفها بأنها نوعية وحاسمة، وهذا الموضوع يستحوذ على اهتمام العلماء والباحثين في حقول ريادة الأعمال العلمية والأكاديمية، وذلك من أجل الفهم الواسع للعلاقة بين اليقظة الإستراتيجية واستدامة ريادة الأعمال العلمية، فهناك العديد من الشركات الطلابية ذات الأفكار الابتكارية المتميزة التي تفقد القدرة على الصمود في الواقع العملي مع وجود التمويل والتسويق وعوامل النجاح التقليدية، وهذا يعكس الفاقد العلمي والتكنولوجي والتجاري للأفكار الابتكارية والإبداعية التي تتضمنها مشروعات التخرج الطلابية، وكذلك الفاقد المهاري الناجم عن تحول المبتكر العلمي ورائد العمل إلى موظف، لأن إعادة المحاولة بعد الإخفاق في التجربة الأولى ليست بالأمر السهل، وتتطلب سمات شخصية ودعما مجتمعيا والكثير من العوامل الداعمة لتحديات المراحل المبكرة من تأسيس الشركات الابتكارية والتكنولوجية.
ونظرًا لأن اليقظة الاستراتيجية هي في الأصل موجودة لدى كل رائد عمل فإنه من الأهمية بمكان التركيز على طرق ترجمتها إلى عمليات أساسية في إدارة الشركة الناشئة العلمية، فالمحيط الخارجي للشركة يجب ألا ينظر إليه بشكل مجرد على هيئة أرقام ومؤشرات أو استطلاعات الرأي، وإنما يجب الأخذ بالجوانب المعنوية غير المادية، مثل ثقافة التقبل للمنتجات الابتكارية، والمنافسات الخفية، وغيرها من الجوانب التي قد يغفل عنها المخططون والمحللون، لأن اليقظة الإستراتيجية لا تأتي من البيانات والإحصاءات البارزة، ولكنها تكمن في تلك الإشارات الضعيفة الكامنة التي تتحول إلى قوى محركة ويظهر أثرها السلبي لاحقًا بعد ظهور التحديات، ولذلك فإن القدرة على الاكتشاف المبكر للمخاطر هو أساس اكتشاف وبناء الميزة التنافسية للشركة، فإذا نظرنا إلى مخاطر تقادم المعرفة والتكنولوجيا كأحد أهم التهديدات التي تواجه الشركة بعد انفصالها عن المؤسسة الحاضنة، فإن اليقظة الإستراتيجية يمكنها أن تقود الشركة الناشئة إلى البحث عن بدائل عملية وابتكارية لمعالجة التحدي، مثل استقطاب الخريجين كمتدربين في الشركة واكتساب المعرفة بالأفكار المتجددة والحديثة التي يمتلكونها بحكم قربهم الزمني من الجامعات، أو البحث عن مشروعات تشاركية مع المختبرات البحثية في الجامعات في مجالات حيوية وقادرة على إنتاج الملكية الفكرية، وهذا التوجه يدعم الحصول على موارد وافرة من المعارف والأفكار والمواهب وبما يدعم القدرة الابتكارية ومخزون الخبرات المؤسسية في وقت قياسي مقارنةً بالأساليب التقليدية، وهي ركيزة أساسية للبقاء في عالم سريع التطور.
د.جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القدرة على
إقرأ أيضاً:
محافظ أسيوط: وفد طلابي من المحافظة يزور وكالة الفضاء المصرية لتعزيز الثقافة العلمية لدى الطلاب
أعلن اللواء هشام أبو النصر، محافظ أسيوط عن تنظيم زيارة تعليمية متميزة، لوفد طلابي من مدارس إدارة أسيوط التعليمية بالتنسيق مع مجلس أمناء وآباء ومعلمين إدارة أسيوط التعليمية، إلى وكالة الفضاء المصرية، وذلك في إطار التعاون المثمر بين محافظة أسيوط ووكالة الفضاء المصرية، برئاسة الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي للوكالة، بهدف دعم جهود الدولة في نشر الثقافة العلمية وتعزيز وعي الطلاب بمجالات الفضاء والتكنولوجيا الحديثة
ورافق الوفد خلال الزيارة إيهاب عبد الحميد، رئيس فرع جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ورئيس مجلس أمناء وآباء ومعلمين بدارة أسيوط التعليمية، وداليا تادرس، رئيس فرع هيئة تنمية الصعيد بأسيوط والمراقب المالي لمجلس أمناء وآباء ومعلمين إدارة أسيوط التعليمية والدكتورة أسماء جابر أستاذ مساعد بكلية الآداب جامعة أسيوط وعضو مجلس أمناء وآباء ومعلمين إدارة أسيوط التعليمية
وقال محافظ أسيوط إننا نثمن هذا التعاون البناء مع وكالة الفضاء المصرية، والذي أثمر عن تنظيم زيارة تعليمية ومعرفية رائدة لـ 50 طالب وطالبة و7 مشرفين من عدد من مدارس الإدارة التعليمية بأسيوط، في إطار خطة المحافظة لإتاحة الفرص أمام طلابنا للاطلاع على التخصصات العلمية الدقيقة، وتوجيههم نحو مستقبل يرتكز على الابتكار والمعرفة
وأوضح المحافظ، إنه تم استقبال الوفد الطلابي في أكاديمية الفضاء، وسط ترحيب كبير من مسئولي الوكالة، وعلى رأسهم الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي، الذي حرص على لقاء الطلاب شخصيًا واستقبالهم وحرص على الحديث معهم، مؤكدًا على أهمية مثل هذه الزيارات في توسيع مدارك الأجيال الجديدة.
وأضاف اللواء هشام أبو النصر، أن الطلاب تلقوا محاضرة تعريفية شاملة استعرضت مهام وكالة الفضاء المصرية وأهدافها الاستراتيجية، وجهودها في دعم البحث العلمي وتوطين تكنولوجيا الفضاء، كما حضروا محاضرة متخصصة حول القمر الصناعي 'Space Keys'، تعرفوا خلالها على مفاهيم متقدمة في تكنولوجيا الأقمار الصناعية كما تم اصطحابهم في جولة داخل مركز التجميع والتكامل والاختبار (AITC)، حيث اطّلع الطلاب على مراحل تصنيع وتجميع واختبار الأقمار الصناعية وفقًا لأعلى المعايير الفنية، كما زاروا معمل الاستقبال والتحكم الخاص بالقمر الصناعي 'مصر سات-2'، وتعرفوا على منظومة التحكم والتوجيه المداري، في تجربة تطبيقية فريدة من نوعها".
وأكد المحافظ على أن هذه الزيارة تأتي تجسيدًا لتوجه الدولة نحو الاستثمار في العقول الشابة وبناء كوادر وطنية قادرة على قيادة المستقبل، معربًا عن بالغ تقديره لوكالة الفضاء المصرية، لما قدمته من محتوى علمي ثري وتجربة معرفية متميزة لطلاب مدارس أسيوط، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة ستشكل نقطة تحول في وعيهم العلمي وتحفيزهم على مواصلة التعلم والتميز.
واختتمت الزيارة بالتقاط صورة تذكارية جماعية أمام المبنى الرئيسي لوكالة الفضاء المصرية، توثيقًا لهذه التجربة التي تعد خطوة ملموسة نحو إعداد جيل واعي علميًا، مدعومًا بتعاون مؤسسي مثمر بين محافظة أسيوط ووكالة الفضاء المصرية.