كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، أن ظاهرة جرأةُ البعض على التَّكفيرِ والتَّفسيقِ والتَّبديعِ، وما تُسوِّغُه من استباحةٍ للنُّفوسِ والأعراضِ والأموالِ، هي ظاهرةٍ كفيلةٍ بهدمِ المجتمعِ الإسلاميِّ والإتيانِ عليه مِن قواعدِه، لو تُرِكَت ولم تُواجَه بالفقهِ الصَّحيحِ والعلمِ الخالصِ الصَّريحِ، وأنّ الحل الأنجع لانحسار تلك الظاهرة هو التمسك بخاصية الأمة الإسلامية الكبرى وهي الوسطية، وهي وسطيَّة فكريَّة، بين المحكِّمين للعقل حتى وإن خالف النُّصُوص القطعيَّة والصَّريحة، وبين الباخسين لدورِه المحوري والشرعي في تأمل النُّصُوص وإدراك دلالاتها، كما أنها وسطية في أصل التشريع والغاية منه، إذ الإسلام وسط في تشريعِه ونظامِه القانونيِّ والاجتماعيِّ، وأبرز ما تتجلَّى فيه الوسطيَّة هنا هو: التوازن بين الفرديَّة والجماعيَّة.

وأشار شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها جامعة العلوم الإسلامية الماليزية USIM, بمناسبة منح فضيلته الدكتوراة الفخرية في دراسات القرآن والسنة، إلى أن تجلِّيات ذلك التوازن المطلوب اليوم، إنَّما تقع في المساحة الوسط بين اتِّجاه المقدِّسين للتراث، وإنْ بدا فيه قصور البشر، واتِّجاه المتقاطعينَ مع التُّراث، وإنْ تجلَّت فيه روائع الهداية الإلهيَّة، أو في المساحة بين الحَرفيَّة النَّصِّيَّة التي تجمد على ظواهر النُّصُوص، وبين التأويليَّة التي تشتط في التعامل مع دلالة نصوص الوحي ومصادر الدين وحدودها، حتى تُفقدها معانيها وتعطل مصادر الهداية والتوجيه فيها، متجاهلة المنهج الذي مضى عليه المسلمون في تراثهم الزاخر، حين كانوا يتعاملون مع الدِّين نصوصًا وروحًا ومقاصِدَ، قبل أن يؤول الأمر إلى ما نشهده الآن، حيث وَقَفَ كثيرٌ منَّا عند ظَواهِرِ بعض النُّصوص، وجَمَد على فهوم السَّابقين، ونظرَ إليها نظرتَه للنَّصِّ المعصومِ، مع أنَّها نصوصٌ قابلةٌ للفَهم المتجدِّدِ والقراءة الواعيةِ لأهدافِ النَّصِّ ومقاصِده، حتى لا يقع المُسلم في الشُّعورِ بالاغترابِ أو الانفصام النَّفسي بين فكرِه وسُلوكِه.

وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن منهجُ الأزهرِ التَّعليميُّ -منذ بدايتِه- مَنهجًا يحرِصُ على أن يُرسِّخَ في عقولِ الطُّلَّابِ ووُجدانِهم صورةَ الوجهِ الحقيقيِّ للإسلامِ، عَبْرَ ترجمةٍ صادِقةٍ لطبيعةِ التُّراثِ الإسلاميِّ وجوهرِهِ، في أبعادِه الثَّلاثَةِ: النَّقليَّةِ والعقليَّةِ والذَّوقيَّةِ، وكيف أنَّ هذه الأبعادَ الثَّلاثةَ تمتزِجُ امتزاجًا كامِلًا متناغِمًا في طبيعةِ «التَّكوينِ العلميِّ الأزهريِّ» مِن خِلالِ دِراسةِ علومِ النَّصِّ، والعقلِ، والذَّوقِ.

وهذا المَنهجُ يُمثِّلُ وسَطيَّةَ الإسـلامِ الَّتي هي أخصُّ وصفٍ لهذا الدِّينِ القَيِّمِ، كما يُمثِّلُ الفَهمَ المُعتدِلَ لنصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ، وما نشَأَ حولَهما مِن إبداعاتٍ علميَّةٍ وفكريَّةٍ وروحيَّةٍ، يحقق التكامل بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، بالاجتهاد المنضبط لثوابت الدين ومقاصده، المنفتح على المتغيرات المستجدة باستمرار.

وتحدث فضيلة الإمام الأكبر عن قضايا التجديد مبينا أن واقع المسلمين اليوم يطرح سؤالًا كبيرًا عن مآل مسار التجديد، ومدى تحقيقه لأهدافه في فعاليةِ التجديدِ بشكلٍ عامٍّ، وأهم هذه الأسبابِ، عــدمُ التفرقةِ- عملِيًّا- بين ما هو ثابِتٌ في الدينِ وما هو مُتغيرٌ، إذ مِن المسلَّمِ به عند المسلمين جميعًا: أن الإسلام يشتمل على ثوابت خالدةٍ، وعلى متغيراتٍ مُتحركةٍ، وأنه في مجالِ الثوابتِ جاء بضوابط قطعيةٍ خالدةٍ لا تتأثرُ بتقلباتِ الزمانِ ولا بحركاتِ التطورِ، وهي قابلةٌ للتطبيقِ في عصرِ الذرةِ وسُفُنِ الفضاءِ، مثلما كانت كذلك في عصرِ الصحراءِ والإبِلِ تمامًا بتمام.

وأشار شيخ الأزهر إلى أن الأمرُ في مجالِ المتغيراتِ، خُوطِب فيه الناسُ بمبادئ عامةٍ، ومُجملاتٍ مرِنةٍ، وظنيَّاتٍ واسعةٍ، يُمكنُ أن تنزِل على الواقعِ بوجوهٍ شتى؛ تبعًا لتطورِ ظـروفِ الحياةِ وعلاقاتها، وعلمِ الإنسانِ وتجاربِه، مبينا فضيلته أن ثوابتُ الدينِ -التي لا تقبلُ التغيير- هي العقيدةُ، وأركانُ الإسلامِ الخمسةُ، وكل ما ثبت بدليلٍ قطعي من المُحرماتِ وأُمهاتِ الأخلاقِ، وما ثبت بطُرقٍ قطعيةٍ في شئونِ الأسرةِ من زواجٍ وطلاقٍ وميراثٍ، ومعاملاتٍ، مشيرا إلى أن الثنائيةُ بين ثوابت ومتغيراتٍ في رسالةِ الإِسلامِ تكشفُ عن إعجازِ هذه الرسالةِ، وأنها- بحق- دِيـنُ الفطـرةِ.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: حكومة مدبولي الطقس أسعار الذهب سعر الدولار معبر رفح التصالح في مخالفات البناء مهرجان كان السينمائي الأهلي بطل إفريقيا معدية أبو غالب طائرة الرئيس الإيراني سعر الفائدة رد إسرائيل على إيران الهجوم الإيراني رأس الحكمة فانتازي طوفان الأقصى الحرب في السودان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر جامعة العلوم الإسلامية الماليزية الدكتوراة الفخرية الأمة الإسلامية

إقرأ أيضاً:

الحوز.. تأهيل 7 جماعات بمجازر نموذجية لمكافحة الذبيحة السرية

زنقة 20 ا الرباط

تعمل مصالح وزارة الداخلية والجماعات الترابية بإقليم الحوز على بلورة مشروع واسع النطاق يروم تحسين ظروف الذبح وجودة اللحوم عبر إحداث مجازر نموذجية بعدد من الجماعات، في إطار ورش إعادة تأهيل الأسواق الأسبوعية بالإقليم.

وبحسب مصادر مطلعة، تعكف السلطات الإقليمية بعمالة الحوز على دراسة ملفات سبع جماعات ترابية مرشحة لاحتضان هذه المجازر النموذجية، التي من شأنها تعزيز مراقبة سلامة اللحوم والرفع من جودة الخدمات المقدمة للمهنيين والمستهلكين.

ويُعد هذا الورش واحداً من أهم التدخلات الهادفة إلى الحد من ظاهرة الذبيحة السرية، باعتبار المجازر حلقة مركزية في تنمية سلسلة اللحوم الحمراء وضمان الشروط الصحية الأساسية المرتبطة بها.

ويهدف المشروع إلى معالجة مجموعة من الاختلالات التي تعاني منها المذابح الحالية، من بينها هشاشة البنيات التحتية، ضعف التجهيزات، غياب معايير النظافة، ونمط تدبير غير ملائم لا يساير المعايير الوطنية المعتمدة.

وتناقش اللجنة الإقليمية حالياً، بمقر العمالة، وضع مخطط شامل لتحديد أولويات إنشاء المجازر النموذجية، وفق معايير تستحضر حجم الإنتاج الحيواني الموجه للذبح والطلب المتزايد على اللحوم الحمراء داخل الإقليم.

كما يتجه التصور الجديد إلى إعادة هيكلة الشبكة الوطنية للمجازر عبر تعزيز المجازر الإقليمية أو بين الجماعية، مع إمكانية إغلاق عدد من المذابح غير المطابقة للمعايير، بما يضمن تغطية متوازنة لحاجيات الإنتاج والاستهلاك.

هذا المشروع يأتي في سياق توجه وطني يرمي إلى تطوير منظومة توزيع اللحوم الحمراء والرفع من مستوى مراقبتها الصحية، بما يعزز حماية المستهلك ويحارب الممارسات العشوائية المرتبطة بالذبيحة السرية.

مقالات مشابهة

  • لمكافحة السرقة.. فورد تطور تقنية لإيقاف تشغيل السيارات عن بعد
  • «المصرف المركزي» و«الوطني لمكافحة المخدرات» يبحثان سُبل التعاون
  • حيدر يشارك في مؤتمر عربي لمكافحة عمل الأطفال بالقاهرة
  • الحوز.. تأهيل 7 جماعات بمجازر نموذجية لمكافحة الذبيحة السرية
  • الأزهر يوضح مفهوم الوسطية في الإسلام ودورها في تحقيق التوازن
  • إبراهيم عيسى: الدين عند الله هو الإسلام.. ودخول الجنة أمر إلهي
  • تهديد بهدم قبر عزّ الدين القسّام.. ما الرسالة التي يسعى بن غفير إلى إيصالها؟
  • «قتل الجماعة للواحد»
  • إعلام دمياط ينظم ندوة «اتحقق.. قبل ما تصدق» لمكافحة الشائعات
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يكشف ملامح شخصية عمر بن الخطاب قبل إسلامه