جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-05@13:22:12 GMT

قنبلة "Little Boy"

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

قنبلة 'Little Boy'

 

 

الطليعة الشحرية

"الولد الصغير".. اسمٌ أُطلق على أول قنبلة ذرية أُلقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس 1945 من قاذفة القنابل B29، على الرغم من الوصول إلى اتفاق مع اليابان لوقف الحرب، إلا أنَّ أمريكا سارعت إلى استخدام قنبلة Little Boy كإعلان سيادة قوة أحادية القطب وهي الولايات المتحدة الامريكية.

لم تكن الأسباب التي أدَّت لنشوب الحرب الثانية نتاج للجنون العظمة الذي يقود هتلر بعد وصوله إلى السلطة، ورفعه شعار التفوق العرقي في أوروبا، وتركيزه الاهتمام على تقوية الجيش وتطوير الصناعات العسكرية.

انتهت الحرب بانتصار دول الحلفاء وهزيمة دول المحور، ومقتل ما يقرب من 60 مليونًا، وأبرز ما حققه الانتصار في الحرب هو إعادة بناء النظام العالمي الجديد، وتأسيس الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة، وعلى رأسها مجلس الأمن الذي تتحكَّم في قراراته إلى اليوم الدول الرئيسية المنتصرة في الحرب. لقد حوَّلت قنبلة Little Boy العالم من حالة تعددية الأقطاب إلى ثنائية القطبين: قطب رأسمالي تتزعمه الولايات المتحدة، وقطب اشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، ودخل العالم في سباقٍ محموم للتسلح وبالأخص النووي.

البشر والحروب

التاريخُ يُخبرنا بأنَّ الحروب والصراعات ليست بجديدة على بني البشر منذ أن انطلق الإكسندر المقدوني في العام 334 ق.م في حملة على بلاد فارس، وحقق انتصارات متوالية وبسط نفوذه على آسيا الصغرى، وخضعت له كلُّ بلاد السند ومصر الفرعونية. تُوفي الإكسندر بعد عشر سنوات وتفككت إمبراطوريته العظيمة وعادت الإمبراطورية الفارسية والفرعونية. كلُّ شيء عاد إلى وضعه الطبيعي وهكذا تُتداول الدول، لم يملك الإكسندر قنبلة Little Boy النووية ولم يملك نابليون بونابرت حاملة طائرات أيزنهاور، ولم ينشغل سون تزو القائد العسكري الصيني بصنع غواصة نووية بدلًا من وضع كتابه "فن الحرب".

تُسفك الدماء في الحروب في كل زمان وعصر، بفارق أنَّ عصرنا هو عصر الإبادة والتطهير العرقي الممنهج؛ فهل سنشهد حربًا عالمية ثالثة تلقى فيها الآلاف من القنابل النووية والنيوترونية والفراغية، وقد استخدم جيش الاحتلال النوع الأخير في حربه على غزة. القنبلة الفراغية أو ما يُسمى بـ"الحراري" تُحيل الجثث إلى رماد وهذا ما حصل لجثث ضحايا المقبرة الجماعية بمجمع ناصر الطبي.

جاء "طوفان الأقصى" في سياق تاريخي يمُوج بكثير من التحولات والأزمات والتقاطعات والانهيارات الدولية التي قد تُؤدِّي وتحت وجود عوامل ضغط وفتح أكثر من جبه صراع لدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة.

قانون الوجود

للكون سُنن ولتاريخ دول، وتعدُّ الحرب الرومانية الفارسية أطول الحروب سجلها التاريخ فقد قامت العديد من النزاعات بين الروم والفرس وقد بدأت الحروب في أواخر فترة الإمبراطورية الرومانية واستمرت لمدة سبعة قرون. أحرق المغول بغداد وقتل ما يقارب الـ40 إلى 60 مليون إنسان، انتهت الحرب وأسلم المغول، وأصبحوا جزءًا من الحضارة الإسلامية.

أنتجت الحرب العالمية الأولى نظامًا عالميًّا متعدد الأقطاب، وتأسست اللبنات الأولى للنظام العالمي الجديد يقوم على مبدأ القومية وتم إعادة رسم الحدود الجغرافية الأوروبية. وأنشئت "عصبة الأمم" وأصبح للبشرية مؤسسة تدير شؤون النظام متعدد الأقطاب. جاءت الحرب العالمية الثانية وأنتجت عالمًا ثنائيًّا: رأسمالي واشتراكي، انهار فيه الأخير وتزعم فيه الرأسمالي الأمريكي وخضع عالمنا إلى قوة أحادية القطب، وتغيَّر القانون الوجودي باختلال موازين القوة، وانحصر التداول التاريخي متعدد الأقطاب. وقعت السلطة والقوة في قبضة دول تملك السلاح وتتسارع للتسلح، من يملك قنبلة (Little Boy) له الكلمة الأخير والحق في اتخاذ القرار والسيادة والحق في إبادة الحرث والنسل.

ذل من لا سفيه له

يشهد العالم اليوم الأسباب التي قد تؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، ولن تحدث قطعًا بين عشية وضحاها، لكنها أصبحت قريبة، فنحن نعيش على أعتاب تغير في مفاهيم الحروب، كانت الصراعات تنشب قديماً، والحروب تطول وتنتهي، ويسقط ملك ورئيس، ويبقى الإنسان والتاريخ، أما اليوم فالنظام العالمي الجديد يضع قاعدة جديدة: من يمتلك القوة له الحق في إعادة تشكيل العالم بغض النظر عن الامتداد والعمق الحضاري والإنساني. لم يتوقف الصراع بانهيار القطب الاشتراكي المكافئ للقطب الرأسمالي، فكلٌّ من روسيا والصين وكوريا الشمالية يمتلكون مقدرة عسكرية وأسلحة وتقنيات متطورة تنافس القدرة الأمريكية. ستحتاج الولايات المتحدة إلى تسبيت تموضعها على سدة العالم تزامناً مع إشعال الجبهة الروسية الأوكرانية وجبهة غزة في الشرق الأوسط، والتهديد بتوسيع دائرة الصراع إلى لبنان. لذا؛ سارعت روسيا إلى توقيع اتفاقية معاهدة للشراكة الإستراتيجية الشاملة مع كوريا الشمالية.. إنَّه التحالف بين القوتين النوويتين، ورسالة للناتو والرأسمالية الصهيونية، وكأنَّ بوتين يستنير بالمثل العربي "ذل من لا سفيه له".

حرب عالمية ثالثة

فجَّرت أمريكا قنبلة Little Boy التي يصل وزنها إلى 8.900 وتقتل 140 ألف مدني لتخبر العالم بأنَّ لديها قنبلة ويحق لها السيادة. تمتلك روسيا اليوم صاروخ "سارمات" (الشيطان 2) يزن الصاروخ نحو 100 طن، وله قدرة على حمل حمولة نووية تقدر بـ10 أطنان، وبهذه الحمولة يُمكن أن يسبِّب انفجارًا أقوى 2000 مرة من القنبلة النووية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين. ويمتلك الصاروخ النووي الروسي العابر للقارات القدرة على محو معظم المملكة المتحدة أو فرنسا.

أفقدت حرب الإبادة التي يقودها الكيان المحتل بموافقة الولايات المتحدة لقب "حارس سلام"، وقد تدفع بالعالم نحو فوَّهة حرب عالمية إذا وسع الاحتلال المختل دائرة الصراع إلى لبنان، وستتحول إلى حرب نووية بفتح جبهة مع الصين لأنها الشعرة التي ستقصم ظهر البعير.

حَكَم الغرب العالم بمنطق القوة المطلقة باعتبارها معيار الأفضلية، فأعلنت أمريكا قوتها بقنبلة Little Boy ونزعت بذلك فتيل الأخلاق، وصرح بوتين بقوله "لا عالم بدون روسيا"، واستخدم الاحتلال قنابل فراغية مُحرَّمة على المدنيين العزل.. أمريكا والنظام الرأسمالي بأكمله يعيش أحلك أوقاته قبل السقوط.. إنها مأساة سياسة القوى العظمى.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحرب تلتهم الأرواح!

«الخوف.. ليس تهديدًا أعمى، وإنما يعرف وجهته إلى أرواحنا ويتسلل إليها بسهولة مطلقة».. استوقفتني هذه المقولة كثيرا وأنا أحاول أن أطرد الخوف الذي يعتريني كلما لاحت في الأفق صور الدمار التي تخلفها الحروب في العالم.

وكم أدركت يوما بأن هذا الخوف لا يأتي في كل مرة على شاكلة واحدة أو من منبع واحد، بل تتعدد فيه المخارج والصور، وأغلب الخوف ينجح كثيرا في الوصول إلى هدفه كصاروخ قطع أميالًا طويلة ليصل إلى مبتغاه بدقة متناهية.

الخوف هذا القلق الدائم الذي ينبعث كدخان أسود يملأ السماء التي نراها والأرض التي نمشي عليها، لذا يزداد الخوف أكثر عندما نشعر بأننا قريبا سوف نختنق تدريجيا مما نتخيل الوصول إليه، وعليه لا أحد منا يعلم ما الذي يختمر في الأفق بعد أن تلبدت السماء بغيوم الخوف والرهبة من القادم.

من يتابع بشغف تام، وتعمق متقد لما يدور في العالم من احتدام للنزاع المسلح، ويكشف عن النوايا السيئة التي تحاك في جنح الظلام لغزة والأقوياء لمدن العالم الآخر، يقرأ سيناريو الواقع قبل وقوعه، فمن لحظة إلى أخرى، يبدأ الاقتتال المستميت، كل شيء يتهاوى في غضون دقائق معدودة، والنجاة أو الموت لا تحتاج إلى وقت طويل للكشف عن الأرواح بين أنقاض المباني والساحات.

ألم تلاحظ أنك عندما تتحدث عن تجربة مؤلمة مر بها الجنس البشري لا تجد فيها أي معنى يختبرك عن القيم الإنسانية التي ينادي بها البشر منذ زمن طويل، بل تقابلها أفعال ترتكب بمنتهى الوحشية، لذا نتفق مع كل الذين يرون بأن ضعفنا الإنساني يأتي من قراراتنا وليس من أقوالنا!

من المفاجآت أننا نسكن جغرافيا بعيدة عن موطن النزاعات إلا أن هذه الصراعات تصل إلينا بأي حال من الأحوال، وبالطريقة نفسها، سواء أردنا ذلك أو لم نُرِد، فنحن لا نسعى في كثير من الأحيان إلى معرفة الكثير عن البعض ولا الجهل على الإطلاق بما يحدث للآخرين، لكننا كجنس بشري يتأثر بما يدور حوله، هكذا خُلقنا، وهكذا نظل حتى النهاية.

يقول الكاتب الألماني جورج لوفيش في مقال ترجمته عن الألمانية شيرين ماهر بعنوان «ماذا تفعل بنا الحروب..؟!» وتم نشره في مجلة الفلق قبل ثلاثة أعوام تقريبا: «(الحرب تلتهم الأرواح) هكذا يرى الناجون من براثنها، عندما يُقصفون كيف ظلوا أمدًا يرتجفون ويصرخون في أحلامهم بعد أن فشلوا في التحرر من حرائق الذكرى. وهناك أيضًا من التزموا الصمت، ولم يستطيعوا حتى التعبير عن خوفهم الكامن أسفل جلودهم.. لقد حان الوقت الذي يجب أن نحمي فيه أرواحنا من جحافل الخوف المطبِقة. فالتاريخ يقص لنا الكثير عن مآسي الشعوب تحت وطأة الحروب.. ودروس الماضي لا يمحوها الزمان ولا تَسقُط بالتقادُم، بل على العكس، يضاعِف من أهميتها وضرورة الأخذ بها، خاصة عندما يعيد التاريخ نفسه بصور جديدة، كالتي يعيشها العالم الآن.. لقد صار من الأجدر بنا أن ندثر أرواحنا أولًا، قبل أجسادنا، من بطش الحروب. فهي تنال من أرواحنا، عن بعد، وتتركنا أشباحًا قبل الموت».

وفي السياق ذاته، عندما نتعمق في رؤية الواقع وبكل تفاصيله المؤلمة نكتشف أن ثمة حقائق مخفية لم تصل إلى درجة العلن بل تتوارى خلف الستار لتظل شيئا مجهولا بالنسبة لنا، ومن بين تلك الحقائق: من هم الذين يدفعون فاتورة الحروب في العالم؟

قد ترى بأن الأوطان هي من تدمر منشآتها وبناها التحتية ومرافقها المتعددة، لكن الواقع أن الشعوب هي من تتضرر أكثر من المنشآت والمباني، فكم يموت من البشر سنويا في العالم نتيجة النزاعات المسلحة التي تشعل فتيل الحرب ما بين دول وجماعات متفرقة!

إن ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة وأهلها من جرائم حرب وإبادة جماعية يجعلنا أمام واقع مؤلم وحرب ظالمة وقدر زاحف بكل ما فيه من قسوة ومشاهد العذاب اليومية، المعاناة هي جزء من قصة كفاح شعب وحرية وطن مغتصب، عندما نتابع كأفراد طبيعيين نشعر بالغضب لدرجة أننا نظن أنه يجب أن يتذوق مجرمو الحروب نفس الكأس الذي أذاقوه للأبرياء، لكن عدل الأرض لا ينصف الضعفاء والمستضعفين في كل مرة، ولكن في الأفق ثمة عدل منتظر سينزل من السماء ذات يوم «إن غدًا لناظره قريب».

حرفيا الحرب تحركنا دائما نحو أعماق البحار، وتوقظ بداخلنا شيئًا مخفيًّا غير ملموس.. تُرى ما الذي تطلقه الحرب في بهو أرواحنا من مشاعر تختلج برائحة الموت والدم؟ بالطبع، الواقع بحسب ما تم الاتفاق عليه دوليا يقول: «الحروب هي تهديد واضح وصريح لأرواحنا حتى وإن كانت على بعد مسافات طويلة منا، فهذا ليس بالشيء الجديد، ولذا ستظل الحروب وإن اشتعلت وانطفأت هي رمز للدمار والخراب على الإنسانية».

يقول أحد الأدباء: «دائما ما ينشأ التعاطف مع كل الحروب. وهذا يعتمد على مدى الدمار الذي تخلفه وما نراه على الشاشات، ونسأل أنفسنا كيف يعيش الناس في بلد تحت وطأة القصف؟ وكذلك يزاد خوفنا كلما اقتربت الحرب من المحيط الذي نعيش فيه».

ربما لم نعِش الحرب على أرض الواقع -الحمد لله-، ولكن وصلتنا سمعيا ومرئيا فقط. ومن ثم، لا يصح لنا أن نتحدث عنها كما لو أننا عشنا أجواءها القاسية، ولكن ربما هناك إدراك نفسي وحسي يدفعنا نحو القول بقناعة تامة بأن «الحرب بدرجاتها وشدتها رمز للوحشية»، وهذا القول قد يؤثر على الأشخاص الذين لم يتأثروا -فعليا- بالحروب بصورة مباشرة.

في المطلق العام، البشرية تظل تنظر «للحرب» بشيء من الخوف والجزع والصدمة جراء ما يرونه من صور قاتمة تنتهي فيها مظاهر الحياة اليومية الطبيعية، لذا قد ينهار الشغف والدافع عندما تتلبد السماء بغيوم الحرب، وتنهار الحياة تدريجيا بالنسبة للبعض الذين يقتنعون بأن الحرب ستقضي على الأخضر واليابس!

مقالات مشابهة

  • مظاهرة في الإكوادور دعما لغزة: دعوات لوقف الحرب وإنهاء المعاناة
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
  • مكانان فقط آمنان في العالم إذا اندلعت حرب نووية.. ما هما؟
  • لكنها الحرب !!
  • دوجاريك: الأمم المتحدة فشلت في حماية الشعب الفلسطيني
  • الحرب تلتهم الأرواح!
  • الأمم المتحدة: كل ساعة تُقتل امرأة أو فتاة في غزة منذ اندلاع الحرب
  • صحف عالمية: جهود حثيثة لإقرار هدنة في غزة لكن المفاوضات ستكون معقدة
  • ربع نهائي مونديال الأندية.. «فايق» يعلن المواجهات التي ستنقل عبر قناة MBC
  • ما لم يُقال عن نهاية المعركة بين إيران وإسرائيل