بعد قيام ثورة ديسمبر اعتقد كثير من السودانيين السذج ان قيادات و قواعد الحركة الإسلامية في السودان قد استسلمت للواقع وتقبلت هزيمة مشروعها الحضاري واقتنعت بأفول نجمها و انسحبت من الساحة السياسية مجرجره اذيال الخيبة بعد ان تم اقتلاعها من كرسي السلطة بصورة دراماتيكية . ولكن ما لا يعلمه الذين لا يقرؤن ما بين السطور ان الإسلاميين كانوا ولا يزالون يراقبون المشهد و يهيئون الملعب لاستعادة السلطة مرة أخرى و برغبة من الشعب السوداني الذي ثار ضدهم بل كانوا متيقنين حسب مخططهم ان السلطة ستأتيهم مجرجره اذيالها بعد ان نجحوا في فك الارتباط بينهم وبين تركة نظام الإنقاذ المنتفخة بالسوء .

فقد افلحوا في الحلقة الأولى باستخدام رجال النظام البائد و الدولة العميقة داخل الجيش و الخدمة المدنية و الإدارة الاهلية ضد مشروع الانتقال الديمقراطي الذي جاءت به قوى الحرية والتغيير فأسقطوا حكومة حمدوك بعد ان حاصروها بالأزمات وانفلات الأسعار والسيولة الأمنية وتسعة طويلة واغلاق الميناء و خلق حرب أهلية داخل إقليم الشرق قادت الى تمرير مسوغات الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية بحجة عجزها عن تلبية حاجات المواطن و توفير الامن وهي كلمة حق اريد بها باطل . ثم عملوا في الحلقة الثانية على اضعاف الجيش عبر منسوبيهم داخل القوات المسلحة و بموازاة ذلك انتدبوا بعض منسوبيهم من الجيش الى قوات الدعم السريع وقاموا بزيادة تسليحهم وانتشارهم وجلبهم من الأطراف وإقامة معسكرات لهم داخل الخرطوم ثم اوكلوا لهم مسؤولية تأمين العاصمة و المنشآت الاستراتيجية و فض النزاعات الاهلية في الولايات و صنعوا من قائدهم ايقونة للسودان الجديد وأثاروا فيه طموح الحكم و شهوة السلطة بغرض اثارة حفيظة ضباط و جنود الجيش وكل ذلك وهم يمسكون بخيوط اللعبة من بعيد يراقبون مزاج الشارع السوداني ويقيسون درجة حراك النخب السياسية سعيا لتهيئة مسرح الاحداث للفوضى الخلاقة التي يعقبها محو كل ما هو متعلق بالثورة والتغيير والمدنية و تجريم النظام البائد واتباعه من الذاكرة السودانية وإعادة ضبط المصنع للدولة السودانية وبدء مشروع الجمهورية الثانية للإسلاميين. ومن يعرف الإسلاميين جيدا يعرف دقة تنظيمهم وشدة صبرهم و استعدادهم للتحالف مع الشيطان من اجل السلطة .
لقد عرفوا ان الصدمة ستكون كفيلة بان تفقد الشعب السوداني توازنه فعمدوا في الحلقة الثالثة الى خلط الأوراق وافتعال هذه الحرب باعتبارها حصان طروادة الذي سيرجعهم إلى كرسي الحكم مرة أخرى. وقد اتضح ذلك جليا عند اندلاع هذه الحرب فقد بدأ الدعم السريع قويا في مقابل ضعف الجيش الظاهر وعدم قدرته على حسم المعركة في محاولة منهم لاستنساخ النظرية السينمائية التي تقوم على اظهار البطل بمظهر الضعيف و المهزوم متلقيا الضربات الموجعة بهدف خلق حالة تعاطف من الجمهور معه . وفي المقابل قاموا بتأخير المواجهة والمشاركة في الحرب ضد الدعم السريع رغم فظاعة الانتهاكات التي ارتكبها منذ الأيام الأولى للحرب في ميكافيلية واضحة بغرض دفع الشارع السوداني للوصول لفكرة( أخير الكيزان من الدعامة علي الأقل الكيزان سودانيين والدعامة أجانب) . أن حالة إشعار الشعب السوداني بالخوف والهلع من هزيمة الجيش و حثهم للبحث عن رديف للجيش ينقذهم من هذا الوحش الكاسر الذي اغتصب وسرق وقتل في الخرطوم ودفعهم لقبول فكرة ان الواقع فرض إعادة منتسبي قوات هيئة العمليات المحسوبة على النظام السابق وادخالها في معادلة الحرب باعتبارها قوات ذات تسليح نوعي وقدرات تشبه قوات الدعم السريع ويمكن أن تكون قادرة على الانتصار عليهم في وقت وجيز .
وقد اعقب ذلك و تدريجيا تغيير المشهد و دفع المواطن لقبول فكرة استخدام أدبيات وأدوات النظام السابق و العمل على تسويقها مثل الاستنفار وفتح معسكرات التدريب ودعوات حمل السلاح وإحياء قيم الجهاد .ويعد ظهور بعض الشخصيات المعروفة في أوساط المجاهدين مثل الناجي عبدالله في مخاطبة لقواعد الإسلاميين في مؤسسة حكومية رسمية مثل جامعة الجزيرة وحثهم على الجهاد ولبس الكاكي واستدعاء ذاكرة حرب الجنوب والشهداء كعلي عبدالفتاح وغيره أحدى حلقات الخطة الشاملة . و لا يفوتنا ان نذكر هنا ان احد الثمار المقطوفة في هذه الفوضى الخلاقة هو خروج قيادات الصف الأول من الإسلاميين من السجن دون ادنى مسؤولية من احد لان مناخ الفوضى انعدمت فيه مؤسسات الدولة المنوط بها الاعتقال و البحث و المحاسبة كما ان إطالة أمد هذه الحرب هو احد الكروت التي ما يزال يلعب بها الإسلاميين في لعبة الانتقام من الشعب السوداني لقيامه بالثورة ضدهم.
ان العزف على وتر خطر الدعم السريع كمهدد للدولة والعمل على تسويق فكرة وجوب قبول الشارع السوداني بالإسلاميين وتجاوز اثار تجربة الثلاثين عاما الماضية باعتبارنا كسودانيين و بغض النظر عن خلفياتنا و انتماءاتنا يجب أن نقف الان معا صفا واحدا للمحافظة على وجود الدولة السودانية .هو الحلقة قبل الأخيرة ( السلطة ) و التي من المؤكد سيقومون بابتلاعها بعد ان حققت لهم الحرب اكثر مما كانوا يطمحون اليه . وليتهم سيرضون بإلقاء أسلحتهم بعد انتهاء معركة الخرطوم والعودة لمنازلهم كما يظن الساذجين منا برغبة الجيش بالعودة لثكناته بعد الحرب و رغبة حميدتي في جلب الديمقراطية والحكم المدني بعد انتصاره.
انها الجمهورية الثانية للإسلاميين أيها السودانيين تلوح في الأفق ... فامسكوا الخشب بس و قولوا بسم الله وتذكروا كلامي دا بعد ما الحرب تنتهي .

يوسف عيسى عبدالكريم

 

yousufeissa79@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعب السودانی الدعم السریع بعد ان

إقرأ أيضاً:

مليشيا الدعم السريع تنهب أكثر (5) الاف محلا تجاريا و (16) فرعا للبنوك بالسوق المحلي بالخرطوم

كشف المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم ( رئيس لجنة تنسيق شئون امن المحلية) عبد المنعم البشير عن تعرض أكثر من (5) الاف محلا تجاريا و (16) فرع للبنوك للنهب الممنهج بالسوق المحلي والمركزي عقب تمرد مليشيا الدعم السريع، حيث كان السوق من أوائل المناطق التي استباحتها المليشيا بالسرقات في اليوم الثالث للحرب، فضلا عن تحويل نشاط السوق من قبل التمرد لحاضنة ومستودع للمنهوبات وثكنات لجنود المليشا.وكشف البشير خلال اجتماعه الموسع مع اللجنة التسيرية لتجار السوق المحلي بحضور قائد منطقة الخرطوم العسكرية اللواء مهندس ركن عثمان جمعة بشير ،كشف عن خطة اطارية بمشاركة جميع القوات النظامية تهدف للقضاء على جميع التفلتات والمظاهر السالبة وبؤر الجريمة بالموقع وفق برنامج عمل يصطحب كل الافرازات الناتجة عن الحرب بعد تحرير المحلية من التمرد .مهيبا بضرورة اضطلاع جميع القطاعات العاملة بالسوق بالمشاركة في العملية الأمنية والتبليغ عن كل المظاهر المخلة بالأمن، لافتا بأن المرحلة المقبلة ستحدث فيها نقلة تأمينية كبري للموقع.من جانبه حيا قائد منطقة الخرطوم العسكرية صمود التجار ودعمهم غير المحدود لمعركة الكرامة، مؤكدا بأن القوات المسلحة بعد تحرير الخرطوم ستشارك مع القوات النظامية الأخرى في الامن الداخلي للولاية للقضاء على جميع مظاهر التفلتات التي طرأت بعد الحرب.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلا من “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلًا زجّت بهم قوات الدعم السريع في القتال
  • البرهان يصدر قرار عاجل بشأن إتهامات أمريكية بإستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب
  • الجيش السوداني يصد هجوما غرب كردفان والدعم السريع يسيطر على الدبيبات
  • كارثة صحية تلوح في الأفق: تفشي الكوليرا والحميات يهدد ملايين اليمنيين
  • الجيش السوداني ينفي تورطه في مذبحة “الحمادي”
  • عدن تختنق بالحميات القاتلة: كارثة صحية تلوح في الأفق
  • مليشيا الدعم السريع تنهب أكثر (5) الاف محلا تجاريا و (16) فرعا للبنوك بالسوق المحلي بالخرطوم
  • قوات الدعم السريع تضرب هدفين استراتيجيين جنوب البلاد
  • وسط تصاعد العمليات العسكرية.. الجيش السوداني ينفي تورطه في مذبحة “الحمادي”