جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-10@17:22:13 GMT

لا حياة لمن تنادي

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

لا حياة لمن تنادي

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي *

قد أسمعت لو ناديت حيًّا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نار نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد

هذه الأبيات اشتهر به الشاعر عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي، الذي عاش في الفترة بين عامي 525-642هـ، والذي تتوافق أبياته لكي تقال فيمن لا فائدة فيه ولا رجاء.

هذه هي حال العرب والمسلمين من أحداث غزة بعد أكثر من 200 يوم من عدوان غاشم يتعرض له هذا القطاع الباسل، هذا العدوان فيه من الفظاعة والقتل والتنكيل ما لم يخطر ربما على بال بشر، إبادة جماعية للمدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ وتجويعهم وترويعهم وتدمير كامل لأماكن معيشتهم من قرى ومدن ومستشفيات ومدارس وجامعات ودور عبادة وتدمير كامل لكافة البنية التحتية والمرافق.

جريمة مستمرة بشكل يومي ومكتملة الأركان أمام مرأى الناظر وعدسات قنوات العالم بأسره دون أن يهتز لهم طرف أو ترمش لهم عين.

ومُنذ بداية العدوان كتب من كتب، ونادى من نادى، ولكن لا حياة لمن تنادي.

1- قلنا واستجرنا بنخوة الدين والإسلام وأنَّ المسلم أخو المسلم، وكذلك ضرورة الدفاع عن المقدسات الإسلامية وبيت المقدس الذي بارك الله حوله، وأنَّه أولى القبلتين وثالث الحرمين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، كما قال رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذكرنا بأنَّ هذا الشعب يدافع عن مقدساته ولكي تبقى كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، ولكن لا حياة لمن تنادي.

2- قلنا واستجرنا بنخوة العروبة وبأنَّ هؤلا عرب يُقتلون ويُبادون ويهجرون هم أبناء عمومتكم فهم عرب مثلكم في اللغة والتاريخ والمصير، ولكن لا حياة لمن تنادي.

3- قلنا واستجرنا بنخوة الجيرة، فهؤلا هم جيرانكم وما يحل عليهم اليوم قد يحل عليكم غدا وكذلك النبي صلى عليه وسلم أوصى بسابع جار، ولكن لا حياة لمن تنادي.

4- قلنا واستجرنا حتى بحمية الجاهلية وذكرناكم موقعة ذي قار، وهناك مواقع أخرى، من تاريخ العرب في أيامهم الخوالي، وذكرنا على سبيل المثال موقعة ذي قار، عندما أراد ملك الفرس أن يتزوج امرأة عربية غصبًا عن أبيها وقتله غدرًا وعدوانًا، وطلب من إحدى القبائل التي كان قد وضعها أبوها لديهم أمانة تسليمها له فرفضت تلك القبيلة وأعلن عليها الفرس الحرب، وانتفضت قبائل العرب مع تلك القبيلة لمساندتها ضد ظلم وبغي الفرس، في موقعة ذي قار هزم الجيش الفارسي آنذاك ذو القوة في العدد والعتاد؛ فعرب الجاهلية انتفضوا وتوحَّدوا رغم ضعفهم في ذلك الوقت، ووقفوا أمام جيش صنديد لا يُقهر من أجل شرف امراة عربية واحدة، فكيف لم تنتفضوا، أين نخوتكم؟ أين كبرياؤكم؟ وقد تجاوز عدد من قتلوا من النساء من العرب والمسلمات في حرب الإبادة هذه عشرات الآلاف وتجاوز ذلك العدد من الأطفال والشيوخ وأنتم عددكم بالملايين، ولديكم ما لديكم من العدة والعتاد، ولكن لا حياة لمن تنادي.

5- قلنا واستجرنا بضمائر القادة والإرادات السياسية وأحرار هذا العالم، لكي لا تستباح الأخلاق والقيم وتسود روح العدالة؛ فوجدنا دولاً بأسرها باعت الأخلاق والقيم لكي ترضي قيادات سياسية لا حول لها ولا قوة، مسيطر عليها من قبل عصابات الشر والإجرام، وبدلًا من أن تقف هذه الدول مع الحق والعدل وجدناها تُساند هذا الكيان الغاصب المُجرم، وتقف معه وتمده بالمال والسلاح، وكل ما أوتيت من قوة، وتساند وتقف معه كذلك حتى في أضعف الإيمان بأن يدان هذا الكيان بمجرد إدانه بقرارات لا تسمن ولا تغني من جوع في منظمات ما يعرف بمجلس الأمن وغيرها من منظمات تطبِّق أجندات ورغبات دول قوى الشر والبغي؛ وبالتالي لا حياة لمن تنادي لضمائر وأحرار قادات دول العالم.

ولكن رغم هذا الخذلان، ورغم الألم، ورغم وجع الفقد لعزيز أو لدار ظلت تُبنى سنين من تعب وشقى، رغم برد الشتاء وحر الصيف وبأعداد تتجاوز المليونين وهو مشردون بلا مأوى وهو يهيمون في الشوارع ويُقصَفون بلا رحمة بمختلف القذائف من طائرات وسفن ودبابات، وبلا ماء أو طعام لمدة قاربت العشرة أشهر، وارتقع فيها عدد شهدائهم الذين ارتقوا إلى ربهم بعدد اقترب من 39 ألف قتيل وأضعاف من الجرحى والمصابين.

ورغمًا عن ذلك، فإن إرادة الشعب الفلسطيني انتصرتْ بحمدالله، وأصبحت قضيته على كل لسان في هذا العالم، وأصبحت دولة فلسطين واقعًا لا يمكن إنكاره، وأمر تصفية القضية الفلسطينية بمؤمرات وصفقات مخزية أصبح من الماضي، بل إنَّ شعوب العالم انتفضتْ كذلك بفضل الله وصمود هذا الشعب وتضحياته الجسام، وذهبت للتظاهر في الشوارع في المدن والقرى والجامعات، واعترفت هذه الشعوب بدولة فلسطين ورفعت أعلام دولة فلسطين غصبًا عن اتجهات ورغبات قيادتها السياسية في بعض الأحيان.

لقد سجَّل التاريخ شجاعة وقوة إرادة شعب صمد أمام آلة الطغيان بمساندة واضحة وفاضحة من القوى العظمى لمدة أكثر من 200 يوم، دون أن ينكسر رغم أنه قدم سيلا من دماء الشهداء.

وفي الختام.. أيها العرب والمسلمون لقد سنحت لكم الفرصة لكي يُسجل لكم التاريخ هذا الموقف وتقفوا مع إخوانكم في الدين واللغة، لكنكم مع الأسف خذلتموهم فنصرهم الله. وهنا لا يفوتني أن أعبر عن فخري واعتزازي بموقف بلادي الشجاع -حكومة وشعبا- والنابع من قيمها ومبادئها الثابتة، والذي يقف مع الحق والمتمثل أولاً في إنهاء هذا العدوان الغاشم، ومن ثم إنهاء الاحتلال وعودة الأراضي المغتصبة، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، وكذلك أسجل كلمة شكرا إلى هذا المنبر جريدة "الرؤية " منبر الأحرار والشرفاء الذي تخط فيه أقلامهم من أجل مساندة ومناصرة قضية هذا الشعب المظلوم الذي يطالب بحقه في العيش في أرضه بحرية وكرامة، وأنْ لا تندس مقدساته الدينية الشريفة.

* خبير في الشؤون المالية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خطاب القائد وفشل العدوان الأمريكي على اليمن

يمانيون/ كتابات/ عبدالمؤمن محمد جحاف

في خطابٍ ناريٍّ مليء بالتحذيرات والتفاصيل الميدانية والسياسية والعسكرية، قدم السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي “يحفظه الله”  قراءة عميقة وتحليلًا سرديًا شاملاً لمستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة والتطورات الإقليمية والدولية ،أيضاً ليُذكّر العالم بأن جريمة القرن لا تزال تُرتَكَب يوميًا في غزة، تحت سمع وبصر “أمةٍ غائبة” و”نظامٍ دوليٍ عاجز”. فقد جاء خطابه في 8 مايو/أيار 2025م (10 ذو القعدة 1446هـ) ليُحاسب الضمير الإسلامي أولًا، قبل أن يُسجل انتصارات اليمن العسكرية ضد أمريكا وإسرائيل، ويكشف فشل العدوان الأمريكي في كسر إرادة صنعاء.
وفي زمن تتداعى فيه القيم ويُختبر فيه الإيمان الحقيقي، أطل السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في هذه الكلمة المفصلية تمثل جرس إنذار أخلاقي وانساني  تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية، وتجاه صمت الأمة المتخاذل أمام مشهد دموي مباشر يُبثّ للعالم على الهواء.

العدوان على غزة.. استمرار الجريمة أمام تفرج العالم

لم تكن كلمات السيد القائد مجرد توصيف لحالة طارئة، بل شهادة تاريخية على “جريمة القرن”، كما أسماها، التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق سكان قطاع غزة على مدى 19 شهرًا من المجازر المتواصلة. فالعدو الإسرائيلي، كما أوضح السيد القائد، لم يترك فرصة لحياة الفلسطينيين، لا في المساجد ولا في المستشفيات ولا في البيوت. مشاهد الإبادة، التي كانت تُعرف في التاريخ بعد سنوات، صارت تُشاهد مباشرة عبر الفضائيات، بينما العالم يكتفي بالمراقبة أو الشراكة بالصمت.

الأمة الإسلامية: الغياب الأخلاقي والتفريط الجماعي

من أهم في الكلمة، هو التحليل العميق لحالة “اللامبالاة” التي تعيشها الأمة الإسلامية، وعلى رأسها العرب. مئات الملايين من المسلمين يكتفون بالمشاهدة بينما يُقتل الأطفال وتُهدم البيوت. حمّل السيد القائد هذه الأمة مسؤولية كبيرة تجاه تفريطها في أقدس واجباتها: الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن المظلوم، ومواجهة الظالم. التفريط هنا ليس موقفًا سياسيًا فحسب، بل حالة تُغضب الله، وتفتح أبواب السخط الإلهي في الدنيا قبل الآخرة.
فقد قدّم  السيد القائد رؤيةً تحليليةً للدوافع الخفية لصمت وتخاذل العرب، مُرجعًا إياها إلى:
1.”المخاوف”: خوف الأنظمة من فقدان الدعم الغربي.
2. “الأطماع”: التطلع لمكاسب سياسية عابرة.
3. “التأثيرات التربوية”: تشويه الوعي الديني والسياسي لدى النخب الحاكمة.

الصهيونية: مشروع شامل لا يرحم حتى المطبّعين

بوضوح، كشف السيد القائد عن الطبيعة الحقيقية للصهيونية، سواء “الدينية” أو “العلمانية”، باعتبارها مشروعًا شموليًا يستهدف الأمة بكاملها. الطامة الكبرى، حسب تعبيره، أن بعض الزعماء العرب قد يبطشون بشعوبهم عند أي انتقاد بسيط، لكنهم لا يتأثرون بعقيدة الصهاينة التي تصفهم بـ”أقل من الحمير”. النظرة الإسرائيلية للعرب والمسلمين واحدة، حتى للمطبّعين.
وبالتالي قدم السيد القائد رؤيته  للمشروع الصهيوني بجناحيه (الديني والعلماني)، مؤكدًا أنه مشروع واحد يستهدف:
– السيطرة على المسجد الأقصى وهدمه لبناء “الهيكل”.
– تحقيق “إسرائيل الكبرى” عبر تفتيت العالم الإسلامي.
– استباحة كرامة العرب، الذين وصفهم الخطاب بأن الصهاينة “يعتبرونهم أقل من الحيوانات”.

اليمن.. موقف إيماني يربك العدو
في مقابل التخاذل العربي، يقدم اليمن نموذجًا عمليًا لمفهوم النصرة الفاعلة. من منطلق إيماني صادق، كما عبّر السيد القائد، نفّذ اليمن منذ منتصف رمضان أكثر من 131 عملية عسكرية إسنادية استخدمت فيها صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة و وصواريخ فرط صوتية، مستهدفة عمق الكيان الإسرائيلي، أبرزها مطار “بن غوريون” في اللد، ما أدى إلى توقف الحركة الجوية، وهروب ملايين المستوطنين إلى الملاجئ، وإلغاء رحلات عشرات شركات الطيران.

العدوان الأمريكي: الفشل أمام الإرادة اليمنية

رغم 1712 غارة أمريكية بحرية وجوية استهدفت اليمن، فإن العمليات اليمنية لم تتوقف. بل إن حجم الهجمات الأمريكية عكس، بحسب الكلمة، مدى فاعلية الموقف اليمني. فلو لم يكن لليمن تأثير، لما استنفر الأمريكي بقاذفاته وحاملات طائراته. ومع كل هذا، بقيت القدرات العسكرية اليمنية فاعلة، والإرادة الشعبية صلبة، بل وخرجت بمظاهرات مليونية أسبوعية لم يشهد مثلها العالم.

رسائل  للأمة
السيد القائد، في حديثه، لم يكتفِ بالميدان العسكري، بل قدّم موقفًا إيمانيًا جامعًا يربط بين الجهاد العسكري والصلابة الروحية. أعاد توجيه البوصلة إلى المفهوم القرآني للعزة، وأكد أن “الخسارة الحقيقية” ليست في الدمار أو الشهداء، بل في فقدان الكرامة والتفريط بالحق.

خرج من حدود اليمن الجغرافي ليوجه رسالة إلى كل الحكومات الإسلامية، داعيًا إياها للوقوف مع الشعوب بدل الاستنزاف لصالح الأعداء.

مقالات مشابهة

  • خطاب القائد وفشل العدوان الأمريكي على اليمن
  • حسين خوجلي يكتب: العرب يتألمون والعجم يتأملون
  • كرة يد العراق تواجه تونس بالأدوار الترتيبية لبطولة كأس العرب في الكويت
  • فتح: على العرب استغلال خلاف ترامب ونتنياهو لطرح خطة سلام عادلة
  • باحث: الهدنة الروسية الأوكرانية تشهد هدوءًا محدودًا ولكن لا تُحَل المشكلة
  • العراق يهزم الإمارات ويحقق أول فوز له في بطولة العرب لكرة اليد
  • علي جمعة: السيرة النبوية علم حضاري يسعى لعيش تفاصيل حياة الرسول والتأسي به
  • فانس عن مونديال 2026: نرحب بعشاق كرة القدم ولكن عليهم المغادرة فور انتهاء البطولة
  • لماذا يمارس العلمانيون العرب الاستعلاء؟
  • بنك الخرطوم أهم من بنك السودان نفسه في حياة المواطن اليومية