الجزيرة:
2025-12-14@00:23:04 GMT

ضحايا الاغتصاب.. جرح مفتوح في حرب السودان

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

ضحايا الاغتصاب.. جرح مفتوح في حرب السودان

بورتسودان- ترتب مريم (اسم مستعار) بسرعة حجابها وكأنها تستعجل البوح بما لديها، ترتب أغراضها دون أن تفكر في ترتيب أفكارها، لأن المشاهد متلاحقة وماثلة أمامها منذ ذلك اليوم الأسود.

مريم التي لم تتجاوز 17 عاما سردت للجزيرة نت تفاصيل تعرضها للاغتصاب في مرات متكررة من قبل قوات الدعم السريع بإحدى مناطق ولاية الجزيرة، وسط السودان.

وقالت إن مقاتلي قوات الدعم وبعد سيطرتهم على المنطقة كانوا يقودون ضحاياهم من الشوارع ليتناوبوا على اغتصابهن على وقع التهديد بالعنف والسلاح.

مريم قصة من بين مئات وثّقت من قبل جهات حقوقية وجمعيات مدنية ترصد انتهاكات قوات الدعم السريع في المناطق التي سيطرت عليها منذ بداية الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023.

من بين تلك القصص حالة خديجة (اسم مستعار) التي لجأت لإخفاء ابنتها المراهقة في خزانة الملابس طمعا في أن تغيب عن أنظار قوات الدعم التي كانت تقتحم منازل المنطقة.

ولكن السيدة الأربعينية لم تكن تدرك أنها ستكون هي الضحية حين وقعت فريسة للمسلحين الذين اغتصبوها على مسمع من ابنتها التي لم تتحمل ما جرى وتم اكتشافها مغمى عليها بعد مغادرة المسلحين.

أما سلوى (اسم مستعار) فترى أنها محظوظة، لأنها لم تتعرض سوى للاغتصاب مرة واحدة، ذلك أن من اختطفوها من حافلة كانت تركبها باتجاه بيتها كانوا يخططون للتناوب على الاعتداء عليها، لكنهم تفاجؤوا بإطلاق نار تبين لاحقا أنه تسبب في قتل شابين حاولا الاعتراض على تصرفات المسلحين وإنقاذ سلمى التي كانت رفقة سيدتين أخريين.

يقول المحامي محمد الزين إنه وثّق قصص خديجة وسلوى وعشرات أخريات خلال رحلاته بين مخيمات النازحين ضمن عمله في إعداد ملف لمتابعة أطراف من بينها قوات الدعم السريع أمام المحكمة الجنائية الدولية.

أرقام تقريبية

يؤكد الزين عدم وجود رقم دقيق لعدد ضحايا عمليات الاغتصاب، بسبب نقص الإمكانيات والعدد الكبير من النازحين، إضافة إلى رفض غالبية الضحايا الحديث بسبب القيود المجتمعية والخوف من "العار".

ووفق محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، تتعرض حوالي 7 ملايين امرأة وفتاة في السودان لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

الزين يعمل على إعداد ملف لمتابعة أطراف من بينها قوات الدعم السريع أمام المحكمة الجنائية الدولية (الجزيرة)

بدورها، أكدت حملة معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي أنها وثقت منذ أواخر العام الماضي 423 حالة اغتصاب، من بينها 159 حالة -أي نحو 37%- كان ضحاياها أطفالا.

وأشارت الحملة، التي يشرف عليها متطوعون وتسعى لمنع استخدام الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح في حروب السودان، إلى أن تلك الأرقام منخفضة جدا مقارنة بالأرقام المتوقعة، بسبب "صعوبة الوصول إلى الخدمات وطلب المساعدة، بالإضافة إلى غياب المؤسسات القانونية وآليات الإبلاغ، وطبيعة الصمت والوصمة المجتمعية في حالات الاغتصاب والعنف الجنسي في تاريخ الحروب السودانية".

ويؤكد مصدر أمني تحدث للجزيرة نت أن ضحايا عمليات الاغتصاب يتعرضن لابتزاز من قبل مسلحي الدعم السريع بعد تصوير الاعتداء عليهن.

ولا يستهدف الابتزاز فقط الحصول على أموال مقابل عدم نشر المقاطع المصورة، ولكن امتد الأمر إلى استخدام الضحايا كمصدر للمعلومات عن تحركات الجيش ومواقعه داخل المدن تحت تهديد نشر التسجيلات في حال عدم التعاون.

وبخصوص كيفية التعامل مع الضحايا، أكد المتحدث أن الجهات الأمنية ولدى تلقيها بلاغات تعمل على أخذ إفادات الضحايا قبل توجيههم إلى الجهات المختصة للحصول على الرعاية الصحية والدعم النفسي.

دعم نفسي وطبي

وترى حملة معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي أن الدعم الطبي والنفسي المطلوب يشمل الرعاية الصحية العاجلة للضحايا لعلاج الأذى الجسدي، وتقديم العلاج الوقائي ضد الأمراض المنقولة جنسيا، كما تحتاج الأمهات الحوامل إلى رعاية طبية متكاملة تشمل التغذية والمكملات الغذائية. فيما يشمل الدعم النفسي تقديم العلاج النفسي المكثف للتعامل مع الصدمة الناتجة عن الاغتصاب، وتوفير مجموعات دعم للضحايا لمساعدتهم في التعامل مع التجربة الصادمة.

وتواجه ضحايا الاغتصاب تحديا كبيرا للعودة إلى الحياة الطبيعية، إذ تؤكد جهات مختلفة رصد الكثير من الآثار النفسية التي قد تتضاعف في حال عدم التعامل معها بشكل مناسب.

وقال محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان إن بعض النساء وصلن إلى مرحلة من اليأس دفعتهن إلى محاولة الانتحار، وتحدث عن جهود من الصندوق وشركائه لمساعدة الضحايا سواء عن طريق توفير أماكن إيواء آمنة وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي أو إتاحة أنشطة مدرة للدخل ليتمكن من إعالة أطفالهن.

الطفلة السودانية مريم (يمين) مع والدتها (الجزيرة)

وفي حال التعافي واستكمال مراحل العلاج سواء في جانبه الصحي أو النفسي، تجد الضحية نفسها أمام تحدي القبول المجتمعي، وخاصة إن تسبب الاغتصاب في حالة حمل، وهو ما تواجهه مريم حاليا.

ووفقا لوالدة مريم، فإنها تخفي إلى غاية الآن نبأ حمل ابنتها الذي دخل شهره الثالث عن زوجها، ولا تعلم كيف ستبلغه بهذا الخبر ولا تدرك كيف ستكون ردة فعله.

وتقول المرأة الثلاثينية إنها أبلغت قائد قوات الدعم في المنطقة بعد تعرض ابنتها للاغتصاب، ولكنه هددها بالتعرض لاعتداءات أخرى في حال الإصرار على الحديث والاحتجاج.

أم مريم تتمنى أن تحظى ابنتها بفرصة لاستعادة حياتها الطبيعية بعد تلك التجربة المريرة التي ضاعفت من محنة الأسرة التي تعاني شظف العيش، كما لا تتوقف عن الدعاء بأن تنتهي الحرب قريبا لتجنب مصير مشابه قد تتعرض له المزيد من النساء في السودان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاغتصاب والعنف الجنسی قوات الدعم السریع فی السودان فی حال

إقرأ أيضاً:

البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع

تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.

وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.

ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا

الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنة

في مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.

لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.

لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.

هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.

إعلان

لكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.

بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفاف

يحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.

الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.

أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.

الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.

هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.

ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.

عدم الانحياز الذكي ورهان الداخل

ضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:

عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.

هذا المسار يعني:

تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.

بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.

بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا  موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:

توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.

فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.

الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسيا

ما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.

إعلان

هي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.

ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.

وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مجلس السيادة يعلن قصف قوات الدعم السريع مقرًا للأمم المتحدة ويوجه دعوة عاجلة للمجتمع الدولي
  • هجوم على قوة أُممية لحفظ السلام في السودان.. والدعم السريع ينفي تورطه
  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قيادات قوات «الدعم السريع» في السودان
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
  • بريطانيا تفرض عقوبات على 4 قادة في الدعم السريع بينهم شقيق حميدتي
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قادة الدعم السريع بسبب عمليات قتل جماعي في السودان
  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على قيادات من "الدعم السريع" بالسودان
  • هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟