أعترف أنني تأخرت كثيراً في الكتابة عن المناضل والكاتب والناقد والمفكر والمنظر الثوري والنقابي والسياسي والمثقف العضوي والشاعر الفلسطيني ناجي علوش. وكنتُ كلما كتبتُ عن أحد الشعراء المتميزين الموسومين بصفة المثقف العضوي ألوم نفسي لأنني لم أكتب عن علوش بعد، ويحضر اسمه تلقائياً.

فقد كتبتُ عن أكثر من شاعر أو مثقف كانوا يشاركون في محاور القتال، كالشاعر خالد أبو خالد الذي كان ينزل إلى محاور بيروت ممتشقاً سلاحه متجعّباً ذخيرته، ويناقشون في المتراس قضاياهم الثقافية.

. غير أن ناجي علوش كان رائدهم ومُنظّرهم بهذا العمل.. لم يكن يداوم في محور واحد، بل كان قائداً يجول على المحاور، لا كغيره من القادة السياسيين، بل كنفسه وما يمثل، بدون حراسة وحراس، يجول على مواقع القتال يحمل سلاحه الفردي وجعبة ذخيرته، وقلمه وفكره.. ولم يتوانَ عن هذا الواجب.

هذا الواجب الذي سبقه عشرات الكتب والمحاضرات والانتخابات والشعارات، وهو صاحب شعار "بالدم نكتب لفلسطين"، الذي كرّسه شعاراً لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين حين ترأسه وقاده إلى مفاهيم الثقافة العضوية الرائدة والمؤثرة..

ترجمته

ولد ناجي علوش عام 1935 في بيرزيت. درس الابتدائية في مدارس بلدته، وحدثت النكبة في أثنائها ورأى آثارها في وجوه اللاجئين ومخيماتهم. تابع دراسته حتى حصل عام 1955 على شهادة (المَتْرِك) من الكلية الأهلية الثانوية في رام الله. وعمل بعد تخرجه معلماً في الأردن لمدة عام واحد فقط.

تبنى ناجي الفكر اليساري مع أخيه جميل علوش منذ سنوات مراهقتهما. وانضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وبقي اشتراكياً من دون الحزب حتى وفاته. تزوج من سميرة عسل شقيقة المناضل والمفكر منير شفيق.

انتقل إلى الكويت عام 1956، وعمل في مستودعات الأدوية التابعة لوزارة الصحة، وفي صحيفة "أضواء المدينة" الكويتية حتى عام 1964. غادر حزب البعث بسبب الصراعات الداخلية، رغم أنه أصبح الأمين القطري للحزب في الكويت. غادر الكويت إلى بيروت وعمل خلال السنوات 1964- 1969 في إدارة مجلة دار الطليعة في بيروت.



يذكر منير شفيق في مذكراته أن ناجي درس في جامعة بيروت العربية، وكان يتم تدريس إحدى المواد من أحد كتبه، وأنه درسه على يد أحد أساتذة الجامعة وقدّم امتحاناً بالمادة من الكتاب نفسه.

في تلك الفترة، انتُخب علوش رئيساً لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. ونظراً لالتزاماته الثورية والثقافية، غادر بيروت إلى عمان عام 1969، لكنه رجع بعد عامين بسبب أحداث أيلول الأسود، وعاد إلى بيروت التي بقي فيها حتى عام 1980، تمسك بالثوابت الفلسطينية وقاد التيار اليساري الجذري في فتح، ثم تركها بعد خلافات مع التيار التسووي فيها. واصطدم في تلك الفترة معهم لدرجة أنه ذكر في مقابلة أجرتها معه مجلة العودة، أنه اختُطف مرةً إلى مبنى القضاء الثوري وحُكم بالإعدام، وأُلقي في زنزانة انفرادية رأى على جدرانها آثار الدماء والرصاص، وفسّر ذلك بأنها بقايا إعدامات نُفّذت بعدد من المعارضين السياسيين في أيامها.

غادر علوش إلى بغداد (1980 ـ 1981)، ثم انتقل إلى دمشق لعدة سنوات، وعاد بعدها إلى الأردن دون أن يتخلى عن نشاطه الأدبي والسياسي.

كان علوش ثورياً ملتزماً، يحاسب نفسه ويلزمها بآداب العمل الثوري الذي يعتقده، فكان لا يشرب الخمر ولا يدخن ولا يسمع الموسيقى ولا يشاهد الأفلام أو المسلسلات أو المباريات الرياضية، ويملأ وقته في الكتابة والبحث والتأليف والعمل الثوري.

تعرض قبل ذلك لعدة محاولات اغتيال وأمضى حياته متنقلاً من دولة إلى أخرى. أصيب بجلطة دماغية بعد عودته من الحدود الأردنية- السورية يوم 25/11/1997 أصابته بالشلل النصفي بقية حياته (15 سنة). وقد توفي في عمان يوم الأحد في 29 تموز (يوليو) 2012، عن عمر 77 عاماً.

تسلم ناجي علوش عدة مواقع سياسية وثقافية، فكان عضو مجلس أمناء المجلس القومي للثقافة العربية منذ 1985. وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، والأمين العام لحركة التحرير الشعبية العربية، والأمين العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين (1972 ـ 1977)، (1977ـ 1980). وأعيد انتخابه عام 1997. وعضو مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية منذ 1974 وحتى وفاته. ومدير دار الطليعة للطباعة والنشر، ومدير تحرير مجلة "دراسات عربية" (1965-1972).

إنتاجه الأدبي

كتب ناجي علوش الشعر العمودي حتى عام 1957 ثم بدأ فيما بعد كتابة الشعر الحر. أصدر عدداً من المجموعات الشعرية مثل "هدية صغيرة" (1967) و"النوافذ التي تفتحها القنابل" (1972)، وقد طبعت هذه المجموعات في مجلد واحد تحت عنوان "المجموعة الشعرية الكاملة" عام 1979. نشر فيما بعد مجموعة شعرية أخرى بعنوان "الزهر والناي" (1991).


من بين مؤلفاته الأخرى:

الثورة والجماهير (1962). المقاومة العربية في فلسطين (1967). الماركسية والمسألة اليهودية (1969). الثورة الفلسطينية أبعادها وقضاياها (1970). مناقشات حول الثورة الفلسطينية (1970). نحو ثورة فلسطينية جديدة (1972). الحركة القومية العربية (1975). حول الحرب الأهلية في لبنان (1976). التجربة الفيتنامية: دروسها السياسية والعسكرية (1978). الوطن العربي: الجغرافية الطبيعية والبشرية (1980). المشروع القومي من الدفاع إلى الهجوم (1991).وغيرها من الكتب الفكرية والسياسية التي بلغت نحو أربعين كتاباً.

من أشعاره

رثاء ناجي العلي:

هو النسر طار
)إلى ناجي العلي المسافر بريشةٍ أحدّ من السيف(

هو النسر طارَ
لا ريشُه خشِيَ الريحَ
أو ظفرهُ خشِيَ العاصفة
ومِنْ مُدنِ الرملِ سارَ
إلى مُدنِ الثلجِ
في صدرِهِ ندبةٌ نازفة
وفي قلبهِ كلُ حزنِ الوطن
وفي مقلتيه
مرايا شجَن…
هوَ النسرُ طارَ
وقالَ لكلِ رفاق المُخيّم
وكل المحبين في المدن الخائفة
أنا حنظلة
سأزرع في الثلج جرحي
وأرسم بالريشة الراعفة
على الثلجِ كلَ تضاريس هجرتنا
وكلَ خبايا الرحيل
وكل عروق الدوالي
وكل جذوع النخيل…
وكل حجار البيوتِ التي هُدّمتْ،
والبيوتِ التي صمدتْ رغم أنف الدخيل…

أنا حنظلة

سيبقى المخيم ذاكرتي
وتبقى المنارة في شطّ حيفا الدليل…
هُوَ النسر طار
لأنَ ديارَ العروبةِ أوسعُ من طلعةِ
الشمس…
شامخةٌ بالجبالِ
وممتدةٌ بالمتاهات ومفتوحةٌ بالصحارى
تنامُ المحيطاتُ دون رباها
وتأوى إلى رملها صبواتُ البحارِ
ولكنّ حزب الخفافيش فيها
يضيق بنسرٍ يطير جريحاً
ويشمخ بالريشة الراعفة
هو النسر طارْ..
وصاح بكلِ رفاق الرحيل
هلمّ فموعدنا قمةٌ
في جبال الجليل…
أنا حنظلة…
أغادركم
لأفتح بوابة المستحيل…

*شاعر وكاتب فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطيني شاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

"من ريستارت إلى الانبساط.. أيمن بهجت قمر الشاعر والمؤلف الذي لا يعرف المستحيل


 

في زمنٍ يتغيّر فيه الذوق بسرعة البرق، ويبقى النجاح رهين اللحظة، يطل علينا اسم لا يعرف الغياب ولا يخشى التجديد.. أيمن بهجت قمر، الشاعر الذي لا يكتب كلمات، بل يرسم مشاعر، ويحوّل الأغاني إلى علامات، والأفلام إلى محطات راسخة في الوجدان العربي. وبين نجاحٍ ساحق لفيلم "ريستارت" لتامر حسني، وتحوّل أغنية "الانبساط والدلع" لدنيا سمير غانم إلى ترند عالمي تُرجم لعدة لغات، يؤكد أيمن أنه ليس مجرد مؤلف، بل مدرسة فنية تُدرّس.



 

حين نتحدث عن أيمن بهجت قمر، فنحن لا نحكي فقط عن شاعر غنائي مبدع، بل عن حالة استثنائية في عالم الفن العربي. مسيرة تمتد لأكثر من سنوات، قدّم خلالها العديد من الأعمال الفنية المتنوعة التي شكّلت وجدان جيل كامل، وجعلته أحد أهم أعمدة صناعة الترفيه في الوطن العربي.

"ريستارت".. بداية جديدة للسينما الجماهيرية
أحدث أعماله السينمائية، فيلم "ريستارت" بطولة النجم تامر حسني، لم يكن مجرد فيلم ناجح، بل أشبه بانطلاقة جديدة للسينما التجارية الذكية التي تجمع بين الكوميديا، الدراما، والرسائل الاجتماعية الملفوفة بخفة ظل. العمل الذي كُتب بحِرفية عالية، يحمل بصمات أيمن بهجت قمر الواضحة، من حيث المزج بين الواقع والفانتازيا، وإضفاء عمق إنساني حتى في أكثر اللحظات عبثية.

الفيلم تصدّر شباك التذاكر في عدة دول عربية، وحقق نسب مشاهدة قياسية، ما جعله حديث النقاد والجمهور على حد سواء. وقد أشاد كثيرون بذكاء النص وبالقدرة على مخاطبة الشباب والعائلة معًا، وهو أمر نادر في السينما الحديثة.

"الانبساط والدلع".. من المسرح إلى العالمية
أما المفاجأة الأكبر، فكانت مع دنيا سمير غانم، من خلال أغنية "الانبساط والدلع" ضمن أحداث مسرحيتها الناجحة "مكسّرة الدنيا". الأغنية التي كتبها أيمن بهجت قمر بروح خفيفة ومبهجة، أثبتت أن البهجة يمكن أن تُصدّر مثلها مثل الدراما، بل وأن تترجم!

الأغنية تحوّلت إلى ترند على تيك توك ويوتيوب، ليس فقط في العالم العربي، بل أيضًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية، بفضل نسخ مترجمة إلى الإسبانية، الفرنسية، الإنجليزية، وحتى اليابانية. مشهد غير مسبوق لأغنية مسرحية تُغنى بلغات متعددة، مما يعكس عبقرية الكلمة التي كتبها قمر بلغة عامية بسيطة، لكنها تصل للقلب، أيًّا كانت اللغة.

نجاح لا يأتي بالصدفة
أيمن بهجت قمر لا يُراهن على ضربة حظ، بل على رؤية ممتدة وصنعة متقنة. يعرف كيف يخاطب الأذن العربية، ويصيغ الجملة التي تُغنّى وتُردد وتتحوّل إلى "لازمة" في حياة الناس. 
 

الموهبة التي ورثها وطوّرها
ورغم كونه ابن الكاتب الكبير بهجت قمر، لم يعتمد أيمن على اسم والده، بل صنع مجده الخاص. شقّ طريقه بالكلمة الحلوة، واللحن القريب من القلب، والدراما التي تعيش. ترك بصمته في السينما، الأغنية، الدراما والمسرح، وفي كل مرة، يثبت أنه لا يكرر نفسه، بل يتطور، ويسبق زمنه بخطوة.


أن تُضحك الناس وتُبكيهم، أن تُرقصهم وتُفكرهم، أن تكتب أغنية تُغنّى في الشارع، وأخرى تُدرّس في الأكاديمية.. تلك هي موهبة لا يملكها إلا القليل. وأيمن بهجت قمر واحد من هؤلاء القلائل، الذين كلما ظننا أننا رأينا أفضل ما لديهم، فاجأونا بما هو أجمل. 

ومع كل "ريستارت" جديدة في مشواره، يعيد لنا الأمل في أن الفن الحقيقي لا يزال موجودًا، بل ويُترجم بكل لغات العالم.
 

مقالات مشابهة

  • إليك المنتخبات العربية الآسيوية التي بلغت الملحق المؤهل لكأس العالم
  • الإماراتية أريام تغني باللهجة الأردنية
  • قائد الحرس الثوري الإيراني: عداؤنا مع إسرائيل لن ينتهي
  • عودة أكثر من 425 ألف سوري إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد
  • صور رومانسية.. أحدث ظهور لكندة علوش وعمرو يوسف
  • د.حماد عبدالله يكتب: موالد " المثقفين " !!
  • قائد الحرس الثوري: سنهاجم منشآت إسرائيل النووية السرية إذا استهدفت منشآتنا
  • مهرجان القطيع .. ملتقى سنوي للتراث التهامي والهوية الثقافية في الحديدة
  • "من ريستارت إلى الانبساط.. أيمن بهجت قمر الشاعر والمؤلف الذي لا يعرف المستحيل
  • الدويري: المقاومة بغزة تقود حرب استنزاف تختلف عن تلك التي قادتها الجيوش العربية